عناصر الخطبة
1/فضائل الغيرة وأهميتها 2/أجلّ مَن يغار 3/مفهوم الغيرة الشرعية 4/أمور تنافي الغيرة 5/رسالة إلى الآباء والمربين.اقتباس
ألا تَرَونَ بِأُمِّ أَعْيُنِكُمْ تَغَيُّرًا بَيِّنًا عِنْدَ بَعْضِ نِسَاءِ المُسْلِمينَ؟ تَغَيُّرٌ فِي العَبَاءَاتِ، وَخُرُوجُ مُتَعَطِّرَاتٍ, وَبَعْضُهُنَّ مَائِلاتٌ مُمِيلاتٌ مُتَكَسِّرَاتٌ فِي المَشْيِ, خَاضِعَاتٌ فِي القَولِ وَيُكْثِرْنَ المِزَاحَ، وَتَجَمُّعٌ فِي المَقَاهِي أمَامَ الشّبَابِ والمَارَّةِ، في كُلِّ الأوقَاتِ....
الخطبة الأولى:
الحَمْدُ للهِ، وَأَشْهَدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ، الحَلالُ مَا أَحَلَّهُ اللهُ, وَالحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ, وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ، وَأَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَنَبِيُّهُ المُرْتَضَى، الَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِك عَلَيهِ وَعلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ والتَّابِعِينَ لَهُمْ وَمَنْ بِهُدَاهُمُ اقْتَدَى.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِقَولِ اللهِ: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ اتَّقُوا اللَّهِ)[النساء:131]؛ وَذَلِكَ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ.
عِبَادَ اللَّهِ: الْغَيْرَةُ عَلَى الْمَحَارِمِ خُلُقٌ كَرِيمٌ جُبِلَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ العَظِيمُ، حَتَّى عَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- شَهَادَةً فِي سَبِيلِ اللهِ؛ فَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ".
ألا تَعْلَمُونَ يَا رَعَاكُمُ اللهُ: أنَّ أَجَلَّ مَنْ يَغَارُ هُوَ رَبُّ الْأَرْبَابِ، فَقَدْ قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللَّهِ أَنْ يَأْتِيَ الْمُؤْمِنُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ). وَكَانَ نَبِيُّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أشَدَّ النَّاسِ غَيرَةً على دِينِ اللهِ وَعلى مَحَارمِ الْمُسْلِمينَ؛ فَكَانَ يَقُولُ كَمَا فِي الصَّحِيحِ: "أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ لَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللهُ أَغْيَرُ مِنِّي".
وَالْغَيْرَةُ لَا تَعْنِي الشَّكَّ وَالرِّيبَةَ، وَإِنَّمَا تَعْنِي تَحَمُّلَ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَأَدَاءَ الْأَمَانَةِ. وَتَعْظِيمَ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَحِفْظَ حُدُودِهِ، وَنَشْرَ الْفَضِيلَةَ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ. وَفِي المُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ".
عِبَادَ اللَّهِ: إنَّ الرِّضى بِاخْتِلاطِ الجِنْسَينِ فِي المُجْتَمَعَاتِ يُنَافِي الغَيْرَةَ على مَحَارِمِ المُسْلِمِينَ؛ ألا تَرَونَ بِأُمِّ أَعْيُنِكُمْ تَغَيُّرًا بَيِّنًا عِنْدَ بَعْضِ نِسَاءِ المُسْلِمينَ؟ تَغَيُّرٌ فِي العَبَاءَاتِ، وَخُرُوجُ مُتَعَطِّرَاتٍ, وَبَعْضُهُنَّ مَائِلاتٌ مُمِيلاتٌ مُتَكَسِّرَاتٌ فِي المَشْيِ, خَاضِعَاتٌ فِي القَولِ وَيُكْثِرْنَ المِزَاحَ، وَتَجَمُّعٌ فِي المَقَاهِي أمَامَ الشّبَابِ والمَارَّةِ، في كُلِّ الأوقَاتِ، وَالخَوفُ أنْ يَحِلَّ الكَمَّامُ والِّلثَامُ عِنْدَ بَعضِهِنَّ بَدَلَ الحِجَابِ.
قَالَ ابنُ القَيمِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "تَمْكِينُ النِّسَاءِ مِنْ اخْتِلَاطِهِنَّ بِالرِّجَالِ: أَصْلُ كُلِّ بَلِيَّةٍ وَشَرٍّ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ نُزُولِ الْعُقُوبَاتِ الْعَامَّةِ، وَفَسَادِ أُمُورِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَسَبَبٌ لِكَثْرَةِ الْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا".
وَقَالَ ابنُ كَثِيرٍ -رَحِمَهُ اللهُ-: "القيِّمُ الرَّئِيسُ، الذي يَحْكُمُ أَهلَهُ وَيُقَوِّمُ اعوجَاجَهم إذا اعْوَجُّوا، وهو المَسئُولُ عنهم يومَ القيامةِ".
ألا فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الرِّجَالُ فِي نِسائِكُم وَاسْتَوصُوا بِهِنَّ خَيرًا. سَتَرَ اللهُ علينا وَعَليكُمْ وعلى المُسْلِمينَ جَميعاً, وزَيَّنَنَا جَمِيعًا بالإيمانِ والتَّقْوى, أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأسْتَغْفِرُ اللَّهَ لي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطَبَةُ الثَّانِيَةُ:
الحَمدُ للهِ, وَأشهدُ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللهُ وَحدَهُ لا شَريكَ لَهُ, امتنَّ عَلينَا بَتَوفِيقِهِ، وَأَشهَدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ الله ورسولُهُ أدَّبَهُ رَبُّهُ فَأَحسَنَ تَأْدِيبَهُ, صلَّى اللهُ وسَلَّمَ وَبَارَكَ عليهِ، وعلى آلِهِ وأَصحَابِهِ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عليهِ.
أمَّا بعدُ: فَأَوصِيكُم وَنَفْسِي بِتَقْوى اللهِ وَطَاعَتِهِ، (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:71].
يا مُؤمِنُونَ: دِينُنَا ومُجتَمَعُنا وَأَخْلاقُنَا بِحاجَةٍ إلى رِجَالٍ قَوَّامُونَ عَلَى مَن وَلاَّهُمُ اللهُ أَمرَهُم مِنَ النِّسَاءِ وَالبَنِينَ، كَمَا قَالَ -سُبحَانَهُ-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَىَ النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم)[النساء:34]. ولَا يَغَارُ أَحَدٌ عَلَى مَحَارِمِهِ وَمَحَارِمِ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا وَهُوَ غَيُورٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ حَقًّا.
وَلِذَا أَمَرَنَا نَبِيُّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بِالأمْرِ بِالمَعْرُوفِ والنَّهيِ عَنْ الْمُنْكَرِ, وَنَهَى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُسَافِرَ الْمَرْأَةُ مِنْ غَيْرِ مَا مَحْرَمٍ. وَقَالَ كَذَلِكَ: "لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ".
وَحَذَّرَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَدْخَلَ الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ؛ فَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ"، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: "الْحَمْوُ الْمَوْتُ"؛ كُلُّ ذَلِكَ وغَيرَهُ حِمَايَةً وَصِيَانَةً لأعْرَاضِ الْمُسْلِمينَ وَحُرُمَاتِهِمْ.
عِبَادَ اللَّهِ: الْإِسْلَامُ حَثَّ عَلَى الْغَيْرَةِ الْمَحْمُودَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ مَظَاهِرِ الرُّجُولَةِ وَالشَّهَامَةِ. وَالإنْسَانُ الَّذِي لَا يَغَارُ عَلَى مَحَارِمِهِ وَلا مَحَارِمِ المُسْلِمِينَ, فِي اسْتِقَامَتِهِ رَخَاوَةٌ، وَفِي رُجُولَتِهِ خَلَلٌ، وَفِي قَوَامَتِهِ عَيْبٌ، وَفِي أَخْلَاقِهِ وَسُلُوكِهِ انْحِرَافٌ. نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ وَالسَّلَامَةَ.
فَأَنتَ أَيُّها الوَليُّ الْمُبَارَكُ: مَسؤولٌ عَن بَنَاتِكِ وَأَهْلِ بِيتِكَ أَولاً وَأَخِيراً, فَلا أَحَدَ يُجْبِرُكَ عَلى التَّرَاخِي أَو إهْمَالِهِنَّ بَل قَرَارُكَ بِيَدِكَ. أَنتَ أُمِرْتَ بَأَنْ تَقِيَ نَفْسَكَ وَأَهْلَ بَيتِكَ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ؛ فَلا تَجْعَلْهُمْ حَطَبًا لِجَهَنَّمَ -والعِيَاذُ باللهِ- بِسَبَبِ إهْمَالِكَ لَهُمْ.
احْذَرْ مِنْ أنْ يُقْعِدُكَ ضَعْفُ الآمِرِ, وَقِلَّةُ النَّاصِحِ, وَتَرَاخِي الأنْظِمَةِ, فَأَنْتَ الْمَسؤولُ الأوَّلُ وَالآخِرُ أَمَامَ اللهِ -تَعَالى-، لا تُحْبِطْكَ بَعْضُ الْمَظَاهِرِ وَلا تَيأَسْ مِنْهَا؛ فَدِينُ اللهِ غَالِبٌ وَمَنْصُورٌ. فاللهُ -تَعَالى- يَقُولُ: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)[الرعد:17]، وَتَفَكَّرْ وانْظُرْ في مُسْتَقْبَلِ بِيتِكَ وَبَنَاتِكَ. (وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ)[الروم:60].
فَالَّلهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، الَّلهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ مِن جَميعِ الذُّنُوبِ وَنتوبُ اٍليك.
اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ, اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا, لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللهم ثبِّت قلوبَنا على دينِكَ، وصِرَاطِكَ المستقيم.
اللهمَّ أرنا الحقَّ حقاً وارزقنا إتباعه والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه ياربَّ العالمين. رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
عِبَادَ اللهِ: اذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوه عَلى عُمُومِ نِعَمِهِ يَزِدْكُم، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات