عناصر الخطبة
1/حديث الغمسة 2/من فوائد حديث الغمسة

اقتباس

وَمِنْ فَوَائِدِ حَدِيْثِ الغَمْسَة: الاِعْتِبَارُ بِالْعَوَاقِبِ؛ فَإِنَّ الجَنَّةَ لا يُوْصَلُ إِلَيْهَا إِلَّا عَلَى جِسْرِ المَشَقَّةِ والتَّعَب، وَلا يُدْخَلُ إِلَيْهَا إِلَّا مِنْ بَابِ الصَّبْرِ عَلَى المَكَارِه، وَمَنْ تَأَمَّلَ الْعَاقِبَةَ...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ

 

أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ في السِّرِّ والنَّجْوَى، واسْتَعِدُّوا للدَّارِ الْأُخْرَى، فَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى؛ (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى)[البقرة:197].

 

عِبَادَ الله: إِنَّهُ حَدِيْثٌ بَالِغُ الدَّهْشَة، وَوَعِيْدٌ لِلْعُصَاةِ مِنْ أَهْلِ النِّعْمَة، وَعَزَاءٌ لِلْمُؤْمِنِيْنَ الصَّابِرِيْنَ على الشِّدَّة؛ إِنَّهُ حَدِيْثُ الغَمْسَة، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً -أَيْ يُغْمَسُ غَمْسَةً- ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ! وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا -أَيْ شِّدَّةً وَبَلَاء- فِي الدُّنْيَا، مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ"(رواه مسلم).

 

وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الحَدِيْث: الإِيْمَانُ بِالجَنَّةِ والنَّار، وَأَنَّهُمَا دَارُ الجَزَاءِ، وَمِعْيَارُ النَّعِيْمِ والبَلَاء.

 

وَنَوْعُ العَمَلِ فِي هَذِهِ الدُّنْيا هُوَ الَّذِي يُحَدِّدُ المَصِيْرَ في الآخِرَة: إِمَّا إِلَى جَنَّةٍ نَعِيْمهَا مُقِيْم، أَوْ نَارٍ عَذَابهَا أَلِيْم، (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ)[آل عمران:185].

 

وَمِنْ فَوَائِدِ حَدِيْثِ الغَمْسَة: الاِعْتِبَارُ بِالْعَوَاقِبِ؛ فَإِنَّ الجَنَّةَ لا يُوْصَلُ إِلَيْهَا إِلَّا عَلَى جِسْرِ المَشَقَّةِ والتَّعَب، وَلا يُدْخَلُ إِلَيْهَا إِلَّا مِنْ بَابِ الصَّبْرِ عَلَى المَكَارِه، وَمَنْ تَأَمَّلَ الْعَاقِبَةَ هَانَ عَلَيْهِ الْبَلاءُ؛ فَالعَاقِلُ مَنْ نَظَرَ في المآلِ، لَا فِي عَاجِلِ الحَالِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَوَات"(رواه مسلم).

 

وَمِنْ فَوَائِدِ الحَدِيْث: أَنَّ اللهَ قَدْ يُعْطِي الدُّنيا مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ: وَلَكِنْ لا يُعْطِي الدِّيْنَ إِلَّا مَنْ يُحِبّ، وَإِنَّ اللهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ؛ لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُوْرَهُمْ في الآخِرَة؛ وَيَنْسَوْا بَعْدَهَا كُلَّ مِحْنَةٍ مَرَّتْ بِهِمْ في الدُّنْيَا الفَانِيَة، (وقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ)[فاطر:34-35].

 

وَمِنْ فَوَائِدِ حَدِيْثِ الغَمْسَةِ: أَنَّ مَنْ حَبَسَ نَفْسَهُ في الدُّنْيَا عن المُحَرَّمَات، وَصَبَرَ على الطَّاعَات: اِسْتَرَاحَ بَعْدَ المَمَات، وَانْقَلَبَ إِلَى ما أَعَدَّ اللهُ لَهُ مِنَ النَّعِيْمِ وَاللَّذَّة، وَنَسِيَ بَعْدَهَا كُلَّ بُؤْسٍ وَمَشَقَّة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "الدُّنْيَا: سِجْنُ الْمُؤْمِنِ، وَجَنَّةُ الْكَافِرِ"(رواه مسلم).

 

وَفِي الحَدِيْثِ الآخَر: "مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ: لَا تَبْلَى ثِيَابُهُ، وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُ"(رواه مسلم).

 

وَمِنْ فَوَائِدِ هَذَا الحَدِيْث: تَسْلِيَةُ المُؤْمِنِيْنَ الصَّابِرِيْن، وَالمُتَمَسِّكِيْنَ بِالدِّيْن؛ فَإِذَا كَانَتْ غَمْسَةٌ وَاحِدَةٌ في الجَنَّة، تُنْسِي المُسْلِمَ كُلَّ بُؤْسٍ عَاشَهُ في الدُّنْيا؛ فَكَيْفَ بِمَنْ تَكُوْنُ الجَنَّةُ دَارَهُ وَقَرَارَه، قال تعالى: (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأيَّامِ الْخَالِيَةِ)[الحاقة:24]. قالَ المُفَسِّرُوْن: "إِنَّ أَيَّامَكُمْ هَذِهِ أَيَّامٌ خَالِيَة: هِيَ أَيَّامٌ فَانِيَة، تُؤَدِّي إِلَى أَيَّامٍ بَاقِيَة؛ فَاعْمَلُوا في هَذِهِ الأَيَّام، وَقَدِّمُوا فِيْهَا خَيْرًا، فَالأَعْمَالُ جَعَلَهَا اللهُ سَبَبًا لِدُخُوْلِ الجَنَّة، وَمَادَّةً لِنَعِيْمِهَا".

 

وَمِنْ فَوَائِدِ حَدِيْثِ الغَمْسَة: أَنَّ لَذَّةَ الحَرَام: قَصِيْرَةٌ زَائِلَة، وَلَكِنَّ آثَارَهَا طَوِيْلَة بِاقِيَة، إِلَّا أَنْ يَتْبَعَهَا المُسْلِمُ بِتَوْبَةٍ مَاحِيَة؛ لِتَسْلَمَ لَهُ العَاقِبَة.

 

تَفْنَى اللَّذَاذَةُ مِمَّنْ نَالَ صَفْوَتَهَا ***  مِنْ الْحَرَامِ وَيَبْقَى الْإِثْمُ وَالْعَارُ

تَبْقَى عَوَاقِبُ سُوءٍ فِي مَغَبَّتِهَا *** لَا خَيْرَ فِي لَذَّةٍ مِنْ بَعْدِهَا النَّارُ

 

قال ابنُ الجَوْزِي: "النَّظَرَ النَّظَرَ إلى العَوَاقِب؛ فإِنَّ اللَّبِيْبَ لَهَا يُرَاقِب: أَيْنَ تَعَبُ مَنْ صَامَ الْهَوَاجِرَ، وَأَيْنَ لَذَّةُ الْعَاصِي الْفَاجِرِ؟!".

 

قالَ تَعَالَى -عَنْ مَصِيْرِ الطُّغَاةِ المُتْرَفِيْن-: (مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ)[الحاقة:28-32].

 

وَإِذَا كَانَتْ لَذَّةُ الحَرَامِ والعِصْيَان، وَسَنَوَاتُ النَّعِيْمِ والطُّغْيَانِ، قَدْ ذَهَبَتْ كُلُّهَا بِلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ في النَّار؛ فَكَيْفَ بِمَنْ يَكُوْنُ مُخَلَّدًا فِيْهَا أَبَدَ الآبِدِيْن؟! قال تعالى: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ في حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ)[الأحقاف:20].

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

عِبَادَ الله: الجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ العَمَل؛ فَمَنْ غَمَسَ نَفْسَهُ في المُحَرَّمَات، وَتَقَلَّبَ في المُنْكَرَات تَوَعَّدَهُ اللهُ بِأَنْ يَغْمِسَهُ في النَّار، وَيَتَقَلَّبَ في دَارِ البَوَار، وَحِيْنَئِذٍ لا يَنْفَعُ الاِعْتِذَار، (يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)[الأحزاب:36]. 

 

فَيَا هَنِيْئًا لِلْمُنْغَمِسِيْنَ فِي الجِنَان، وَيَا حَسْرَةَ المُنْغَمِسِيْنَ في النِّيْرَان، (لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ)[الزمر:16].

 

اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاخْتِمْ بالصالحاتِ أَعْمَالَنَا.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل:90].

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].

 

 

المرفقات
PIIfZfOkiFSTNtJZvayA0tecHMSmWFOr2cT1V9Y6.pdf
FKqREMeayP7eBwA9I7Dr6Sa5jEjqKbxcYnD9MTzZ.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life