عناصر الخطبة
1/أهمية غزوة بدر الكبرى وسببها وبعض أحداثها 2/السر وراء انتصار الصحابة في غزوة بدر الكبرى 3/بعض دروس غزوة بدر الكبرى وحاجة الأمة إلى وعي ذلكاهداف الخطبة
اقتباس
ففي مثل هذا الشهر المبارك الكريم، كانت ملحمة من ملاحم الإسلام، ويوم من أيامه الجليلة العظام.
إنها غزوة بدر الكبرى التي خلد الله ذكرها في كتابه المبين، تذكيرا لعباده بعظيم فضله عليهم على مر الأعوام والسنين. إنها الغزوة التي خرجت -خروجا بينا واضحا- عن المقاييس المادية التي لا يعرف الناس في النصر والهزيمة سواها، انتصر فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قِلة من أصحابه، على جيش يفوقهم عدة وعددا وعتادا. إنها الغزوة التي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، أحمده -تعالى- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، فصلوات الله عليه، وعلى آله وصحبه، وجميع من اهتدى بهديه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
ففي تجدد الذكريات تجد النفوس سلوتها، وتستذكر الأجيال تاريخها، وتأنس القلوب وهي تعيد النظر مرة بعد أخرى في سير أمجادها وسجلات أبطالها.
ففي مثل هذا الشهر المبارك الكريم، كانت ملحمة من ملاحم الإسلام، ويوم من أيامه الجليلة العظام.
إنها غزوة بدر الكبرى التي خلد الله ذكرها في كتابه المبين، تذكيرا لعباده بعظيم فضله عليهم على مر الأعوام والسنين.
إنها الغزوة التي خرجت -خروجا بينا واضحا- عن المقاييس المادية التي لا يعرف الناس في النصر والهزيمة سواها، انتصر فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قِلة من أصحابه، على جيش يفوقهم عدة وعددا وعتادا.
إنها الغزوة التي لا يزال صداها يتردَّد إلى اليوم في أهم كتب التاريخ العالمية، وأهم الأكاديميات العسكرية العالمية، في الوقت الذي لا نكاد نتذكَّرها فيه إلا في شهر رمضان.
عباد الله: لقد لقي المسلمون صنوف الأذى من المشركين في مكة، مما ألجأهم إلى الهجرة إلى المدينة، فرارا بدينهم يطلبون الأمن والأمان، ومع ذلك فإن المشركين لم يهنأ لهم بال ولم يطمئن لهم حال، حتى أجمعوا كيدهم على ملاحقة المسلمين، والعزم على قتالهم في مهاجرهم في المدينة، إمعانا منهم في القصد إلى القضاء على بيضة الإسلام واستئصال شأفته، فكان ولا بد من رد العدوان، وحماية الدولة الإسلامية الوليدة مما يهدد قيامها واستقرارها، عندئذ أذن الله للمسلمين بالقتال في السنة الثانية من الهجرة، بمقتضى قوله عز وجل: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)[الحـج: 39-40].
وساعتها لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- يتوفر على جيش يكافئ جيش المشركين في العدد والعتاد، حتى يواجههم بمثله، فاتخذ من الخطط الحربية أنسبها بإمكاناته المادية وقدراته، تلكم هي خطة العمل على إضعاف القوة الاقتصادية لقريش بالإغارة على قوافلها التجارية المارة قريبا من المدينة في طريقها إلى الشام، الهدف منها: أن يسترد المسلمون المهاجرون بعض ما سلبتهم قريش من أموالهم في مكة، وأن ترتدع عن تفكيرها الدائم في الهجوم على المدينة، أو بعث عصابات ليلية للنيل من أمن ساكنتها واستقرارهم.
وبينما المسلمون يترقبون أخبار قوافل قريش التجارية، إذا بالاستخبارات النبوية تنقل خبر قافلة تجارية ضخمة يقودها أبو سفيان بن حرب وهي عائدة من الشام، فدعا النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلمين للخروج لأخذها، فلم يكن من طاعة الله ورسوله بد، فخرج ثلاثُمائة وسبعةَ عشر رجلا من المسلمين إليها، ولم يكن معهم سوى فرسين، وكل ثلاثة أو أربعة يتعاقبون على بعير، وما كانوا يظنون أنهم سيلقون حربا مع جيش كبير في بدر.
وصلت الأخبار لأبي سفيان فغير مسار القافلة، وأرسل يخبر قريشًا بالأمر، فاستعد المشركون لحرب المسلمين بجيش يقوده أبو جهل وسادة قريش، وتعدادهم ألف مقاتل.
عرف المسلمون حقيقة الأمر، وأنهم أمام مواجهة غير متوقعة مع جيش كبير -وقد فاتتهم القافلة- فاستشار النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه في القتال، فتكلموا وأحسنوا الكلام، وسره ما أبدوا من شجاعة واستعداد لنصرة الله ورسوله، عندها بدأت الترتيبات للقتال، وبشر النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه بنصر الله، وحدد لهم مصارع المشركين، تأكيدا لما يستبشر به من نصر الله لعباده المؤمنين.
لما طلع المشركون، وتراءى الجمعان -يوم الجمعة السابعَ عشر من رمضان سنة اثنتين للهجرة النبوية الشريفة- دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه رافعا يديه إلى السماء قائلا: "اللهم هذه قريشٌ جاءت بخيلائها وفخرها تُحادك وتكذب رسولك، اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تَهلِك هذه العصابةُ لا تُعبدُ في الأرض".
وأخذ يُلحُّ على الله في الدعاء حتى سقطَ رداؤه من على ظهره الشريف، فالتزمَه أبو بكرٍ -رضي الله عنه- من ورائه قائلا: "كفاك مناشدتك ربك يا رسول الله، أبشر فو الذي نفسي بيده ليُنجزنّ الله لك ما وعدك"[رواه البخاري ومسلم].
وأوحى الله إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ)[الأنفال: 9].
وانتهت المعركة بنصر عظيم للمؤمنين، أنزل الله فيه قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة، في سورة الأنفال، فخسئ المشركون، وذهبت أحلامهم، وبطل كيدهم، وعز الإسلام وانتشر نوره وعم خيره ورحمته وعدله وسلامه بين العالمين.
عباد الله: إن المتأمل في أسباب إنزال الله نصره لعباده يوم بدر، يجد أنهم حققوا النصر على نفوسهم أولا؛ فاستحقوا بذلك نصر الله لهم؛ كما قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[الحج: 40].
ففي رمضان ينتصر المسلم على نفسه الأمارة بالسوء، ينتصر الإيمان على الشيطان، ينتصر الإخلاص على الرياء، ينتصر الصيام على الشهوات واتباع الملذات.
تنتصر الأخلاق الحسنة على الشح والبخل والأثرة، ينتصر اجتماع الأمة بالصيام على الخلاف والفرقة.
ينتصر الصبر والإرادة، على الضعف والهوان والذلة.
ورمضان شهر القرآن، ورمضان شهر الدعاء، فاجتمع للأمة فيه من مقومات النصر ما لم يجتمع في غيره من الشهور، ولا عجب أن كان شهر الانتصارات بحق، وغدا شهر الترقب للنصر والفرج للمسلمين في كل زمان ومكان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[محمد:7].
الخطبة الثانية:
الحمد له...
عباد الله: إن في هذه الغزوة من الدروس والعبر، ما ينبغي للأمة أن تقف عنده وتقرأه وتستلهمه؛ لتنهض من كبوتها، وتسترد مجدها وعزها وعافيتها.
مِنْ دروس غزوة بدر: أن الإسلام كلمة الله الباقية، ورسالته الخالدة، باقية ما بقي الزمان، مهما أصاب المسلمين من ضعف وذلة وهوان: (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)[التوبة:32].
مِنْ دروس غزوة بدر: أن نصر الله للمؤمنين، لا يكون بكثرة العدد والعدد، إنما يكون بقوة الإيمان بالله أولا، ثم بالإعداد بما تستطيعه الأمة ثانيا، قال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ)[آل عمران:123].
أي قلة قليلة طائعة لله عابدة.
مِنْ دروس غزوة بدر: أن الصبر مفتاح الفرج، وأن مع العسر يسرًا، فلقد صبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأقر الله عينه، ونصر حزبه وجنده.
مِنْ دروس غزوة بدر: أن التقوى سبيل النصر للمؤمنين، وطريق الفلاح للمتقين: (بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا)[آل عمران: 125].
مِنْ دروس غزوة بدر: أن الوحدة والائتلاف سبيل القوة والغلبة والنصر، قال تعالى: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الأنفال: 46].
من دروس غزوة بدر: أهمية الدعاء في النصر على الأعداء، يقول تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ)[الأنفال:9].
عباد الله: ألا ما أحوج الأمة اليوم أن تعي دروس هذه الغزوة المباركة، وأن تتوسل إلى الله بها لاستجلاب نصره، واستمطار فرجه وعونه، فما كان الله ليخلف وعده بالنصر لعباده، إن هم نصروه واتبعوا صراطه والتزموا سبيله: (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ)[الصافات: 171-173].
عباد الله: ها هي أيام الشهر الكريم قد تتابعت، ولياليه المباركة قد تلاحقت، وها نحن بعد أيام نستقبل العشر الأواخر، ختام شهر رمضان ووداعَه.
ألا فلنجتهد، ولنرِ الله من أنفسنا خيرا، فمن أحسن فعليه بالتمام، ومن فرط فعليه بالحسنى فإنما العمل بالختام.
اللهم تجاوز عما كان منا من التقصير فيما مضى من صيام شهر رمضان وقيامه.
اللهم أعنا فيما بقي لبلوغ وإدراك ليلة القدر، ووفقنا لحسن ختام هذا الشهر، اللهم لا ينصرف هذا الشهر الكريم عنا إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وعمل متقبل مبرور، وعتق لرقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وأهلينا وذرياتنا والمسلمين من النار.
اللهم ولا ينصرف، إلا وقد فرجت عن أمة الإسلام ما تعيشه من الجهد والبلاء والشدة واللأواء.
اللهم نصرك لعبادك المستضعفين في دينهم في كل مكان، اللهم رد عنهم كيد الكائدين، وظلم الظالمين، وعدوان المعتدين، اللهم عليك بالظالمين فإنهم لا يعجزون قدرتك يا رب العالمين.
التعليقات