عناصر الخطبة
1/اختصاص المسلمين بعيد الفطر 2/الحكمة من عيد الفطر 3/من علامة قبول الطاعة 4/نصيحة للنساءاقتباس
احْذَرِي أَنْ تَكُوْنِي فَرِيْسَةً يَسِيْرَةً، لِأَصْحَابِ القُلُوبِ المَرِيْضَةِ الَّذِينَ يُشَوِّهُونَ الحَقَّ والفَضِيلَةَ، وَيُزَخْرِفُونَ البَاطِلَ والرَّذِيْلَةَ، وَيُشَكِّكُونَ في الثَّوَابِتِ والعَقِيدَة...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا، (وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ) [الأعراف: 43].
وَالحَمْدُ للهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْكُمْ بِإِتْمَامِ شَهْرِكُمْ، وَتَيْسِيْرِ أَمْرِكُمْ! (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة: 185].
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ التَّقْوَى، وَرَاقِبُوْهُ في السِرِّ والنَّجْوَى؛ فَأَهْلُ التَّقْوَى: هُمْ أَهْلُ البُشْرَى! (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [يونس:63-64].
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ الإِسْلَامَ كامِلٌ وشَامِلٌ، وأَنَّ الدِّيْنَ مَنْصُورٌ وَغَالِبٌ! (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) [المائدة: 3].
وأَيُّ نَعْمَةٍ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ هَدَانَا اللهُ لِلْإِسْلَام، وَاصْطَفَانَا بَيْنِ الأَنَام! (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ) [الحج:78].
وَمِنْ شَعَائِرِ الإِسْلام: اِخْتِصَاصُ المسْلِمِيْنَ بِـ(عِيْدِ الفِطْرِ) في شَوَّال، بَعْدَ صَوْمِ رَمَضَان، فَالعِيدُ في الشَّرْعِ: شَعِيْرَةٌ دِيْنِيَّةٌ، يَتَمَيَّزُ بِهَا المُسْلِمُ عَنْ شِعَارَاتِ الكُفْرِ وَالجَاهِلِيَّةِ! قال تعالى: (لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ) [الحج: 67]، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ لِكُلَّ قومٍ عِيدًا؛ وهذا عِيدُنَا”(أخرجه البخاري ومسلم).
فَأَعْيَادُ المُسْلِمِيْنَ دِيْنٌ وَعِبَادَةٌ، وَذِكْرٌ وَتَكْبِيرٌ، وَصَلَاةٌ وَصِلَةٌ، وَلَيْسَتْ مَوْسِمًا لِانْتِهَاكِ المُحَرَّمَات، وَتَدْمِيرِ الحَسَنَات، قالَ ابْنُ رَجَب: “فَأَمَّا مُقَابَلَةُ نِعْمَةِ التَّوْفِيْقِ لِصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَان، بِارْتِكَابِ المَعَاصِي بَعْدَهُ؛ فَهُوَ مِنْ فِعْلِ مَنْ بَدَّلَ نِعْمَةَ اللهِ كُفْرًا!”.
وقَدِمَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- المَدِيْنَةَ، وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُوْنَ فِيْهِمَا في الجَاهِلِيَّةِ؛ فَقَال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ النَّحْرِ”(أخرجه أبو داود وصححه الألباني).
وَجَاءَ عَيْدُ الفِطْرِ؛ لِيَكُوْنَ فُسْحَةً لِلْمُسْلِمِ، بَعْدَ الصِّيَامِ والقِيَامِ! قالَ ابْنُ حَجَر: “إِظْهَارُ السُّرُورِ فِي الْأَعْيَادِ؛ مِنْ شِعَارِ الدِّينِ”.
فَعِيْدُ الفِطْرِ يَفْرَحُ فِيهِ المُسْلِمُ بِإِتْمَامِ رَمَضَانَ وَصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ، فَهَذِهِ هِيَ الفَرْحَةُ البَاقِيَةُ، وَالتِّجَارَةُ الرَّابِحَةُ! (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [يونس: 58].
أَيُّهَا الأَحِبَّةُ: العِيْدُ فُرْصَةٌ لِتَطْهِيرِ القَلْبِ مِنْ الحَسَدِ وَالبَغْضَاءِ، وَنَشْرِ المَحَبَّةِ وَالصَّفَاءِ! قال -صلى الله عليه وسلم-: “دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ: حَالِقَةُ الدِّينِ لَا حَالِقَةُ الشَّعَرِ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلا أُنَبِّئُكُمْ بِشَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ: أَفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ!”(أخرجه أبو داود وحسنه الألباني).
أَيُّهَا الكِرَامُ: العِيْدُ شُكْرٌ للهِ على إِتْمَامِ الصِّيَامِ، وَلَيْسَ لِارْتِكَابِ الآثَام! (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا) [النحل:92].
وَلَيْسَ لِلْطَّاعَةِ زَمَنٌ مَحْدُوْدٌ؛ فَعِبَادَةُ اللهِ لَيْسَتْ مَقْصُوْرَةً عَلَى رَمَضَان، قَال الحسنُ: “إنَّ اللهَ لم يَجْعَلْ لِعَمَلِ المُؤْمِنِ أَجَلاً دُوْنَ المَوْتِ”.
وَمِنْ عَلامَةِ قَبُولِ الحَسَنَةِ: فِعْلُ الحَسَنَةِ بَعْدَهَا. وَمِنَ الحَسَنَاتِ الَّتِي تُفْعَلُ بَعْدَ رَمَضَان؛ صِيَامُ سِتٍّ مِنْ شَوَّال؛ يقول -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ صَامَ رَمَضَان، ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّال؛ كانَ كِصَيامِ الدَّهْرِ”(أخرجه مسلم).
وَصِيَامُ السِتِّ بَعْدَ رَمَضَان؛ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ بَعْدَ الفَرِيْضَةِ، فَهِيَ تَجْبُرُ مَا حَصَلَ في رَمَضَانَ مِنْ خَلَلٍ وَنَقْصٍ؛ فَإِنَّ الفَرَائِضَ تُكَمَّلُ بِالنَّوَافِلِ يَوْمَ القِيَامَةِ؛ فَاثْبُتُوْا عَلَى الطَّاعَةِ، وَوَاظِبُوا عَلَى العِبَادَةِ، "وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللهِ؛ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ”(أخرجه البخاري ومسلم).
وَاحْذَرُوا تَرْكَ الوَاجِبَاتِ، أَوْ فِعْلَ المُحَرَّمَات؛ فَرَبُّ رَمَضَان، هُوَ رَبُّ بَقِيَّةِ الشُّهُوْرِ والأَيَّامِ، (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيْر) [هود: 112].
عِبَادَ الله: لا تُوَدِّعُوا رَمَضَانَ، بَلْ اصْطَحِبُوهُ مَعَكُمْ إلى بَاقِي العَامِ! فَالصَّوْمُ لا يَنْتَهِي، والقُرْآنُ
لا يُهْجَر، وَالمَسْجِدُ لا يُتْرَك! (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99].
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
أَمَّا بَعْدُ: أَيَّتُهَا المَرْأَةُ الكَرِيْمَةُ: أَنْتِ مَدْرَسَةُ الأَجْيَالِ، وَمَصْنَعُ الرِّجَالِ الأَبْطَال؛ فَكُوْنِي قُدْوَةً بِأَخْلَاقِكِ، مُعْتَزَّةً بِإِسْلَامِكِ، فَخُوْرَةً بِحِجَابِكِ، مَسْؤُوْلَةً عَنْ زَوْجِكِ وَأَوْلَادِكِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ خَمْسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَفِظَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ زَوْجَهَا؛ قِيلَ لَهَا: ادْخُلِي الْجَنَّةَ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ شِئْتِ”.
أَيَّتُهَا المَرْأَةُ العَاقِلَةُ: احْذَرِي أَنْ تَكُوْنِي فَرِيْسَةً يَسِيْرَةً، لِأَصْحَابِ القُلُوبِ المَرِيْضَةِ الَّذِينَ يُشَوِّهُونَ الحَقَّ والفَضِيلَةَ، وَيُزَخْرِفُونَ البَاطِلَ والرَّذِيْلَةَ، وَيُشَكِّكُونَ في الثَّوَابِتِ والعَقِيدَة (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ).
اللَّهُمَّ كما أَكْمَلْتَ لَنَا شَهْرَ رَمَضَان، وأَعَنْتَنَا على الصِّيَامِ والقِيَامِ والقُرْآن، فَأَتْمِمْ نِعْمَتَكَ بِالقَبُولِ وَالغُفْرَان.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النَّحْلِ: 90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات