عناصر الخطبة
1/ سنة التدافع بين الناس باقية إلى يوم القيامة 2/ أهمية تذكر الموت والبلى 3/ مخاطر الغفلة عن الدار الآخرة 4/ آثار تذكر الموت وفوائده 5/ خطورة مرض الانفصام في حياة المسلم.اهداف الخطبة
اقتباس
أيها المؤمنون والمؤمنات! لقد رحل عنكم من هذه الدنيا أحبابٌ وأقارب إلى القبور، وسترحلون! وتركوا أرصدة الأموال والدور والأولاد، وستتركون! وتجرَّعُوا بغير اختيار كأس الفراق، وستتجرعون! وقدِمُوا على ما قَدَّموا من حسنات وسيئات، وستقدمون! وتأسفوا على فرص ضاعت، وزمن الإهمال، وستأسفون! ولقد أيقنوا، وشاهدوا ما نالهم عند الموت، وستشاهدون! سُئلوا عما عملوا في دار العمل، وستُسألون! وَوَدَّ أحدُهم لو يفتدي بالمال، وستَوَدُّون!... فبادروا إلى الإقبال على الطاعات قبل أن تخيب الظنون، يوم ينفخ في الصور فإذا جمع الخلق قيام ينظرون.
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي لا تدركه الأوهام والظنون، ولا تحيط به الأفكار والعيون، خلق الإنسان من صلصال من حمإ مسنون، أمره إذا أراد شيئا أن يقول له: كن فيكون، يغفر لمن يشاء ويُعذب من يشاء وإليه تُرجعون، نحمده سبحانه بما يحمده به المرسلون وعباده المتقون.
ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له؛ شهادة تنفعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الصادق الأمين المأمون... صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
أيها المسلمون والمسلمات!
إن أيامنا في هذه الدنيا محدودة، ولحظاتنا فيها معدودة ، والعبرة بالخواتم والنتائج ...ولهذا فقد سن الله تعالى سنة التدافع بين الناس لتبقى قانونا مستمرا إلى يوم القيامة !... ويسيء الناسُ : ـ أفرادٌ وجماعات ودول لبَعْضهم البعض ، وتشتدُّ الإساءة إذا جاوزت الحد في النيل من العقائد والمشاعر، بإشاعة الفواحش و المناكر ، والتعدي على خاصية الفطرة التي فطر الخالقُ الناسَ عليها .
ويتسع مجال هذه الإساءة عن طريق الإعلام والأفلام لأنها تسيء إلى شريحة من الناس أوسع، أو تكون هذه الإساءة عن طريق الكيد والمكر لوضع أهل الحق في قفص الاتهام ، كي يصول الشرُّ ويجول بحُرِّية مع الهوام ، يُحارب الدين والصلاة والصيام ، ويُنشَر الفسادَ فيُخرِجُ الناس من النور كي يَعُمَّ الظلام .
ومن نتائج وعاقب أهل السوء والفساد في الأرض ، أن لا تبكي عليهم لاسماء ولا أرض ، لأنهم لم يتركوا وراءهم أثرا ينفع ....عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان باب ينزل منه رزقه وباب يدخل منه كلامه وعمله فإذا مات فقداه فبكيا عليه" - ثم تلا (فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ)
وتستمرــ بإذن الله ــ سنة التدافع ، وتؤول العاقبة لمن اتقى ! وعند الامتحان يُعز المرء أو يهان، ولا تنفع الوشائج عند إعلان النتائج ...قال الله تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) [الملك : 1- 2].
عباد الله : ـ إن كل من ابتدأ ، لا بد أن ينتهي ، فلكل بداية نهاية ، وكل حي ميت لا محالة (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر: 30].
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحد
فبادروا بالأعمال ، وترقبوا النتائج قبل يوم الفرار ، قال تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) [عبس: 34 - 37].
أيها المؤمنون والمؤمنات! لقد رحل عنكم من هذه الدنيا أحبابٌ وأقارب إلى القبور، وسترحلون! وتركوا أرصدة الأموال والدور والأولاد، وستتركون! وتجرَّعُوا بغير اختيار كأس الفراق، وستتجرعون! وقدِمُوا على ما قَدَّموا من حسنات وسيئات، وستقدمون! وتأسفوا على فرص ضاعت، وزمن الإهمال، وستأسفون! ولقد أيقنوا، وشاهدوا ما نالهم عند الموت، وستشاهدون! سُئلوا عما عملوا في دار العمل، وستُسألون! وَوَدَّ أحدُهم لو يفتدي بالمال، وستَوَدُّون!... فبادروا إلى الإقبال على الطاعات قبل أن تخيب الظنون، يوم ينفخ في الصور فإذا جمع الخلق قيام ينظرون.
قال تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ * فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [يس: 52- 54].
آنذاك عندما يُبعثُ من في القبور ، ويُحصل ما في الصدور،وتضيق بالخلائق كل الأمور، ويظهر كل مستور! ـ تُعلم وتُعْلن النتائج في مشهد يوم عظيم! ...عن المقداد -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "تُدْنَى الشَّمْسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْخَلْقِ حَتَّى تَكُونَ مِنْهُمْ كَمِقْدَارِ مِيلٍ... فَيَكُونُ النَّاسُ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ فِي الْعَرَقِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى كَعْبَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ إِلَى حِقْوَيْهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُلْجِمُهُ إِلْجَامًا"، قَالَ: وَأَوْمَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى فِيهِ. (رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيح).
وهذا مشهد واحد من مشاهد يوم الزحام، يوم يفر المرء من كل معارفه، ويطلب الخلاص: (نفسي! نفسي!)... فحاسبوا أنفسهم اليوم في دار أتيح لكم فيها وقت وعمر للمحاسبة قبل أن تحاسبوا غدا، وإن غدا لناظره قريب، واجتهدوا في أعمال الخير، ولا تنظروا إلى من يسيء، ولا اقتداء بمن يُفسد بحجة "أنا مع الناس".
وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين أن يكونوا -إمًّعات- فقال: "لا يكن أحدكم إمعةً؛ يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطّنوا أنفسكم على أن تحسنوا إن أحسن الناس وأن تجتنبوا إساءاتهم"...
جعلني الله وإياكم من الفائزين، وأجارني وإياكم من عذابه الأليم، وبارك الله لي ولكم في القرآن العظيم وفي كلام سيد المرسلين، ويغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، آمين ولحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أسعد بجواره من اتقاه، وأنجى من عذابه من أطاعه وناجاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله.
عباد الله!
من الآفات والأمراض التي حار فيها علماء الاجتماع وأطباء النفوس، مرض الفصام، وما يصطلح عليه (سكيزوفرينيا) والتي يعيش المصاب به انفصالاً واضطرابًا نفسيًّا وعقليًّا.. والبعض من المصلين يعيش بمظاهر وأعراض هذا المرض...
- فمنهم من يكون في المسجد مع المؤمنين ، يخضع لما هم له خاضعون ، ويصنع ما يصنعون ...حتى إذا خرج من بيت الله ، تجده مع أهل اللغو والمعاصي يجاريهم ويجالسهم ولا يهمه ما يخوضون فيه ، وإذا سألته عن سبب ذلك أجاب :شيء للرب، وشيء للعبد! وهي مقولة تعارضها الأصول ، ولا أصل لها ، لأن الله تعالى يريد منا أن تكون صلاتنا ونسكنا ومحيانا ومماتنا له سبحانه ، وهو رب العالمين وبذلك أمرنا.
ـ ومنهم من تجده في موكب جنازة ،فتراه مشغولا بالقصص وبذكريات السوء مقهقها، أو متخذا هاتفه النقال لمحادثة بصوت عال في مشاريع مزعومة، وهو على حافة القبر، مشوشا على من علموا بأنها لحظة موعظة،ومن لم يكن له الموت واعظا،فما له من واعظ.
ـ ومنهم من يظل مستغرقا نهاره في ظلم العباد ، وسبهم ، وأكل أموالهم ...ثم يدخل لبيت الله ويتناول المصحف تاليا قوله تعالى : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِين) [هود: 18]..
فاحذروا عباد الله ، يوم النتائج، ويوم الحساب، ويوم التغابن ، ويوم الزحام يوم تجتمع فيه الخلائق فيُقال: "أَيْنَ فُقَرَاءُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَمَسَاكِينُهَا؟ قَالَ: فَيَقُومُونَ ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا عَمِلْتُمْ ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا ابْتَلَيْتَنَا فَصَبَرْنَا، وَآتَيْتَ الأَمْوَالَ وَالسُّلْطَانُ غَيْرَنَا ، فَيَقُولُ اللَّهُ : صَدَقْتُمْ ، قَالَ: فَيَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَبْلَ النَّاسِ، وَيَبْقَى شِدَّةُ الْحِسَابِ عَلَى ذَوِي الأَمْوَالِ وَالسُّلْطَانِ" ، قَالُوا: فَأَيْنَ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "يُوضَعُ لَهُمْ كَرَاسِيُّ مِنْ نُورٍ، وَتُظَلِّلُ عَلَيْهِمُ الْغَمَامُ ، يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ أَقْصَرَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنْ سَاعَةٍ مِنْ نَهَار" ابن حبان
فطوبى لمن جعلوا القرآن إمامهم ولم يتخذوه مهجورا ، وهنيئا لمن أطاع الله والرسول ونجا ممن كانت نتائجه خسرانا وثبورا (أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَة مِنْ رَبّهمْ وَجَنَّات تَجْرِي مِنْ تَحْتهَا الْأَنْهَار خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْر الْعَامِلِينَ) ...
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه... الدعاء..
التعليقات