اقتباس
وهذا المؤتمر وما نتج عنه من بيانات وتصريحات وما أعقبه من ردود وتراجعات وخاصة من بعض مشيخة الأزهر حيث قال الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف في تصريحات له عن مؤتمر الشيشان: " لم يخطر في بال أزهري أن السعودية حامية الحرمين بعيدة عن أهل السنة والجماعة؛ فهذا عبث وهذا غير موجود في الفكر الأزهري، وإذا لم تكن السعودية من أهل السنة والجماعة فمن من السنة والجماعة !
لا تحسبوه شرا لكم ..
ما حدث في مؤتمر قروزني والبيان الذي صدر عنه من تعريف لأهل السنة والجماعة في طوائف بعينها نحو ( الأشعرية والماتريدية والصوفية ... ) والخطابات التي تخللت المؤتمر والطعون في أشخاص العلماء كابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله- تدلل على أنه مؤتمر ذا طابع سياسي وإقصائي بامتياز يغلب عليه المصالح الشخصية والطائفية على مصلحة الأمة العامة وقد جاء في بيان المؤتمر نفسه ما نصه: ( انعقد المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين إحياء لذكرى الشيخ الشهيد الرئيس أحمد حاج قديروف -رحمه الله- .. ؟! ) والد الرئيس الشيشاني رمضان قاديروف راعي المؤتمر. وظهر من خلال هذا المؤتمر شيء من العداء للتيار السني السلفي وهو أشبه بتصفية الحسابات معه وخاصة المملكة العربية السعودية باعتبارها في نظرهم تمثل السلفية العلمية والسياسية ( الوهابية )؛ ولأن المنهج السلفي هو الذي تصدى عبر التاريخ لأهل البدع والأهواء والكلام فهو الخصم قديما وحديثا بنظرهم ؟!
وهذا المؤتمر وما نتج عنه من بيانات وتصريحات وما أعقبه من ردود وتراجعات وخاصة من بعض مشيخة الأزهر حيث قال الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف في تصريحات له عن مؤتمر الشيشان: " لم يخطر في بال أزهري أن السعودية حامية الحرمين بعيدة عن أهل السنة والجماعة؛ فهذا عبث وهذا غير موجود في الفكر الأزهري، وإذا لم تكن السعودية من أهل السنة والجماعة فمن من السنة والجماعة !
وأضاف في حوار مطول مع صحيفة "اليوم السابع" المصرية: السعودية دولة إسلامية مهمة جداً، وفي قلب أهل السنة والجماعة، وإذا صدرت أي توصيات من أي أحد تخالف ذلك فالعيب على من أصدرها وليس الأزهر، ولا تضير هذه التوصيات المملكة ولا تُحسب على الأزهر، وأؤكد أن علماء السعودية يتفهمون هذا، وبعض المستغلين هم من يحاولون استغلال الأمور، وهذا ليس في صالح الأمة ".
هذا المؤتمر بنظري هو مؤشر خير بإذن الله ودليل على تحولات قادمة لصالح تنقية العقيدة الإسلامية من كل الشوائب والأهواء وإظهار أهل السنة والجماعة الحقيقيون بخلافهم من الأدعياء والمنتسبين أقول هذا تفاؤلا بقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) [النور: 11].
وكما قال القائل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة *** ويت أَتاح لها لسان حسود
لولا اشتعال النار فيما جاورت *** ما كانَ يعرف طيب عرف العود
فهذا المؤتمر جاء ليكشف لنا بعض الأقنعة وما حوته الزوايا ويخرج لنا ما وراء الكواليس وماهو مخبأ تحت عمائم وقبعات من تزعمه وشارك فيه وفق رؤية ومصالح ضيقة.
فأول ما يلفت الانتباه هو مكان انعقاده في جمهورية الشيشان التي ترزح تحت وطأة الروس وسيطرتها ورئيسها الصوفي المذهب الذي صرح بعدائه في قنوات فضائية وغيرها لما يسميها الوهابية والسلفية وتوعدهم بالنكال ؟!
وفي الموسوعة الحرة " ويكيبيديا " ما نصه: " رمضان قاديروف هو الرئيس الأقرب الى الرئيس فلاديمير بوتين ويعتبر واحداً من أكثر الشخصيات قرباً إلى الكرملين. وقد أعلن قاديروف عدة مرات وفي عدة مناسبات أنه يهب حياته دفاعاً عن روسيا وعن الرئيس فلاديمير بوتين وكتب ذلك على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك كما صرح قائلاً "إن رئيس الشيشان وجنود الشيشان جميعهم مستعدون للتضحية من أجل الرئيس بوتين من أجل الدفاع عن روسيا" وأكد أنه مستعد للموت من أجل روسيا والرئيس بوتين. وبسبب قوة العلاقة بين فلاديمير بوتين ورمضان قاديروف فقد أُطلق على قاديروف لقب فتى بوتين المدلل".
هل يريد العقلاء وكل متأمل وطالب للحق أكثر من هذا دليلا على أن المؤتمر سيس بليل !! لكن بعض الناس مازال يشكك في هذا !! ولست هنا كي أناقش الأبعاد السياسية بالتفصيل لكن القرائن على ذلك تتجاوز مسألة التشكيك وهذا واضح لكل مدقق.
ثم صياغة البيان الناتج عن هذا المؤتمر جاء ليزيد الأمة افتراقا وانقساما وطائفية فما غمزوا به أهل السنة والجماعة (الوهابية) من العلماء المتقدمين والمتأخرين من أنهم هم سبب تفريق الأمة، فكذلك هم في هذا المؤتمر أسوأ حالا وأشد تفريقا للأمة حيث منحوا أنفسهم - وهم مجموعة أشخاص يتسمون بالعلماء وبعضهم يطلق عليه الداعية أو الشيخ - حق الوصايا على الأمة في اختيار من يريدون وإقصاء من يشاؤون وفق أهوائهم وأمزجتهم وأجندتهم ! فمن الذي أعطاهم هذا الحق ومن فوضهم من الأمة في ذلك وهل يملكون أن يأتوا بدليل واحد من الكتاب ومن السنة يقنع الأمة بأن الأشاعرة والماتريدية والصوفية ومن ذكروا في البيان هم أهل السنة والجماعة فقط الذين أمر الله باتباعهم وأنهم أهل الحق ؟! ومن سواهم ماذا يسمون إذن ؟! كل هذه المصطلحات والمسميات ليست من الإسلام في شيء ولا يقرها الإسلام يقول عليه الصلاة والسلام: "وأنا آمركم بخمس أمرني الله بهن: الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله فإنه من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع ومن دعا بدعوة الجاهلية فهو من جثاء جهنم وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم فادعوا بدعوة الله التي سماكم بها المسلمين المؤمنين عباد الله " صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 356).
هل قال النبي -عليه الصلاة والسلام- كن أشعريا أو صوفيا أو ما تريديا أو وهابيا ؟! يسمون أنفسهم بتلك المصطلحات وينتسبون إليها وينقمون على من تسمى بأهل السنة والجماعة ؟! فإن قال قائل أليس مصطلح (أهل السنة والجماعة) الذي يتسمى به الوهابية بزعمهم من هذا القبيل ؟! ربما من يأخذ بظاهر المصطلح يلحقه بهذه المصطلحات الباطلة – مع العلم أن العلماء في السعودية لم يسموا أنفسهم بالوهابية وإنما أطلقها عليهم المناوئين لهم - ولكن عند الاستقراء والتتبع تاريخيا لمنشأ مصطلح (أهل السنة والجماعة) بتجرد وتحقيق وعن المراد به يتبن أنه لم يُقصد به التفريق بين المسلمين وتشتيت شملهم وكلمتهم وإنما كان القصد منه بيان الطريق والمسار الصحيح الذي سار عليه كل من تمسك بحقيقة الإسلام وتعاليمه قرآن وسنة من السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القيامة وهذا النهج يشهد له القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:100].
وأسال هنا كل منصف: هل الصوفية باعتقاداتهم المنحرقة من الطواف بالقبور والأضرحة والتوسل والاستغاثة بالأولياء وبالأموات والرقص والضرب والسماع هم ممن اتبع السلف الصالح بإحسان واقتدى بهم ؟!. يقول أحد شيوخهم - المعروفين والبارزين في القنوات الفضائية واليوتيوب -: (الطواف بالقبور ليس شركا ! بل هو محرم ؟! ثم يشرح: لأن الطواف بالقبور لا يقصد منه العبادة كالطواف بالكعبة فهل يعني أن الناس يعبدون الكعبة حين يطوفون حولها ؟!).
انظروا تعليله العليل !! ثم يدعي زورا أن هذا هو الفقه والتأصيل في المسألة ؟! أليس الله يقول: (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج: 29]. هل قال الله: وليطّفوّا بالقبور والأضرحة ؟! وهل كان السلف يفعلون ذلك ؟! وتنزلا مع كلامه في أنه محرم وليس شركا ؟ هنا يطرح سؤال لماذا هو محرم إذن على حد تعبيره ؟ فيجيب هو: " لأن الله لم يشرع لنا الطواف بغير الكعبة ". إذن من الذي شرع الطواف بالقبور ؟! وهذا يعني أن ما يفعله الصوفية اليوم من ذلك يعتبر محرما بنظر الشيخ ؟ وتنزلا كما يقول: أنه محرم هل يليق بمسلم عاقل أن يتابعهم في ارتكابهم هذا المحرم ؟ طبعا هو يريد ان يبرر من خلال ما يورده من كونه حراما لا شركا أنه لا يعدو أن يكون معصية وليس شركا يخرج عن الملة والله يقول: (وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) [يونس: 18].
ومثال آخر: الأشاعرة والماتريدية في باب الأسماء والصفات لهم تأويلات وفلسفات ولا يأخذون بظاهر النصوص الواردة، فيقولون مثلا قوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى ) فالأشاعرة تأولوا الاستواء بأحد تأويلين: بالاستيلاء، وهذا تأويل نفاة العلو من متأخري الأشاعرة. أو بأنه فعل فعله الله في العرش سماه استواء، وهذا قول الأشعري , وكثير من أصحابه الذين يثبتون العلو كأن ينفون قيام الصفات الفعلية به. وقولهم هذا ليس خاصاً بالاستواء، بل يشمل جميع الصفات الدالة على هذا المعنى كالنزول , والمجيء , والإتيان. وأما موقف الماتريدية فقالوا: بالاستيلاء والتمام، أو القصد، وأرجعوا صفة الاستواء إلى صفة القدرة. وإما إلى صفة الإرادة.
ولكن أهل السنة والجماعة يثبتونها ويؤمنون بها كما جاءت لفظا ومعنا ويفوضون الكيفية إلى الله -سبحانه تعالى-. كما في الأثر المشهور عن الإمام مالك -رحمه الله- في صفة الاستواء قال: " الاستواء معلوم، والكيف مجهول ". يعني إثبات الاستواء وأنه معلوم وأن له كيفية، لكن تلك الكيفية مجهولة لنا لا نعلمها نحن. ومرادهم نفي تكييف البشر لصفات الله تعالى ووصفهم لكيفية صفاته جل وعلا، وليس مرادهم نفي أن تكون لصفات الله كيفية. بمعنى استوى ربنا جل وعلا على عرشه استواء يليق بجلاله وعظمته ولا يشابه خلقه في ذلك.
قال ابن القيم: "العقل قد يئس من تعرف كنه الصفة وكيفيتها فإنه لا يعلم كيف الله إلا الله وهذا معنى قول السلف بلا كيف أي: بلا كيف يعقله البشر فإن من لا تعلم حقيقة ذاته وماهيته كيف تعرف كيفية نعوته وصفاته ولا يقدح ذلك في الإيمان بها ومعرفة معانيها فالكيفية وراء ذلك، كما أنَّا نعرف معاني ما أخبر الله به من حقائق ما في اليوم الآخر ولا نعرف حقيقة كيفيته مع قرب ما بين المخلوق والمخلوق فعجزنا عن معرفة كيفية الخالق وصفاته أعظم وأعظم" مدارج السالكين 3/673.
ولست هنا بصدد استعراض أوجه الاختلاف أو الرد على إسقاطاتهم وتفنيدها فهذا المجال له أهله المختصين، وإنما لأوضح للقارئ الكريم المقصود بمصطلح أهل السنة والجماعة وأنه مجرد مصطلح يضعك في طريق المنهج السليم بمعنى أن أهل السنة والجماعة أو من يطلق عليهم (الوهابية) لا يطوفون حول القبور والأضرحة والقباب ولا يتبركون بالأولياء ولا يستغيثون بالأموات ويعدون ذلك شركا بالله عز وجل ولهم أدلتهم وتفصيلاتهم في ذلك ليس هنا مقام بسطها. ولا يؤولون أو يفسرون صفات الله بغير برهان ولا دليل ويؤمنون بها كما ثبتت في الكتاب والسنة بدون تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل ؟! بخلاف الفرق الأخرى التي تعتمد على العقل والفلسفة وعلم الكلام في تأويل صفات الخالق سبحانه وهذا ما أكده بيان المؤتمر الفقرة الرابعة من التوصيات والتي تقول: " رفع مستوى الاهتمام والعناية بتدريس كافة العلوم الإسلامية، وخاصة علمي أصول الفقه والكلام لضبط النظر وتصحيح الفكر وتفنيد مقولات التكفير والإلحاد". يريدون إرجاعنا إلى الوراء والبداية مع حقبة جديدة من الصراعات المذهبية والفكرية والكلامية التي مرت بالأمة وربما تجاوزتها ؟! حتى يصبح الدين كلام في كلام. ومع الأسف ما زلنا نعاني من الطرح التقليدي ومن الأفق الضيق ! والسؤال: برأيكم أي الفريقين أهدى سبيلا ؟ أترك الإجابة لكم ؟!
والذي يعنينا بشكل جوهري ويعني كل مسلم صادق هو مضمون الالتزام والاهتداء بالكتاب والسنة وهدي سلف الأمة الذي يخلو من الغلو والابتداع والتطرف والفسلفة والأهواء. ولا تؤثر المصطلحات حينئذ: سلفي سني، أهل الحق، أهل الحديث، أهل القرآن والسنة .. إلخ، المهم المحتوى والمضمون، والاتباع والاقتداء. فهذا الإمام أبو الحسن الأشعري -رحمه الله- يتراجع في آخر عمره (في الجملة) إلى مذهب أهل السنة والجماعة وألف كتابه (الإبانة) وصرح فيه بمتابعة إمام أهل السنة أحمد بن حنبل -رحمه الله-. قال رحمه الله: "قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله ربنا عز وجل وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما روي عن الصحابة والتابعية وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبدالله أحمد بن محمد بن حنبل - نضر الله وجهه ورفع درجته وأجزل مثوبته - قائلون ولمن خالف قوله مجانبون ؛ لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل، الذي أبان الله به الحق ورفع به الضلال وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين وزيغ الزائغين وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم و خليل معظم مفخم وعلى جميع أئمة المسلمين" [ من كتابه - الإبانة عن أصول الديانة ص9].
فالرجوع إلى المنهج الحق وسيلة وفضيلة. وأما وجود بعض من يغلوا ومن يتطرف ويكفّر فهذا موجود في كل الطوائف والنحل والملل بلا استثناء.
أرجع فأقول ما حدث في مؤتمر جروزني هو قلب وتزوير لحقيقة أهل السنة والجماعة وعكس المعادلة وقلب للطاولة لصالح الطوائف والمذاهب التي حضرت وشاركت في المؤتمر لمآرب سياسية ومذهبية فصار المتبع مبتدعا والمبتدع متبعا ؟! وقد حذر النبي عليه الصلاة والسلام من ذلك فقال: "سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل: وما الرويبضة ؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة" صحيح الجامع الصغير وزيادته (1/ 681).
ومن الطبيعي أن يخلّف هذا المؤتمر وراءه تباينا وجدلا وسجالا واسعا بين المسلمين ما بين مؤيد ومعارض وناقد وشارح، وفرح وكاره، كما أنه فتح المجال للبحث والتحقيق والمناقشة في هذه المذاهب الأشعرية والماتريدية والصوفية والوهابية وأهل السنة والجماعة وأهل الحديث وهلم جرا فكثير من الناس ربما لم يكن يعرف مضمون هذه المصطلحات والمسميات. ودائما الحقيقة تكون أقرب من كل ذي عقل متجرد وباحث عن الحق يقول تعالى: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ) [الرعد17].
وعلى أهل السنة والجماعة من أهل الحق والعدل الحقيقيين أن يثبتوا على الحق والمبدأ القويم والصراط المستقيم ويكونوا على الجادة ولا يضرهم من خذلهم أو خالفهم فالعبرة بالزوم الحق والثبات عليه لا بكثرة أهل الباطل كما قال الله تعالى: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الزخرف: 43].
وفي المقابل فإن أهل السنة المتبعين للكتاب والسنة المستمسكين بحبل الله المتين عليهم تبعات ومسؤوليات في عرض وبسط ما يؤمنون به من الحق فليس من الحكمة أن يقفوا أمام هذا التكالب وهذا المد الإقصائي عند مستوى ردات الفعل أو يكتفوا بالشجب والاستنكار أو التجاهل بل عليهم أن يؤسسوا مراكز للبحث والترجمة وفق منهج علمي وثقافي معتدل ويعيدوا صياغة الخطاب والحوار ونشر مفهوم أهل السنة الصحيح بطرق وأدوات معاصرة تنفتح على العالم وتقترب من الناس وتبتعد عن الجمود والمركزية وتستقطب وتتقبل الآراء والمقترحات والبرامج والمشاريع وتهتم بالشراكة مع المؤسسات والمنظمات الإسلامية والعالمية والعلمية والثقافية والإعلامية. وأن تكون هناك لدى الأجهزة والمرافق المعنية استراتيجية واضحة تحتوي الرؤية والرسالة والقيم وتنقلها للعالم جميعا.
وعلى كل العقلاء والمعتدلين والصادقين من جميع مذاهب أهل السنة التحذير من الافتراق والسعي في التقريب بين كلمة المسلمين والعمل على ردم الهوة بينهم ومراجعة كل الانحرافات العقدية والمذهبية. والاتفاق على أصول الاعتقاد في شكل ميثاق إسلامي سني لأمة واحدة بمرجعية الكتاب والسنة مع الأخذ في الاعتبار لما كان عليه سلف الأمة فهم خير القرون ولاشك، وأن يكون شعارهم في ذلك (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) [المؤمنون: 52] ويكفي تفرق وشتات!!. اللهم اجمع كلمة المسلمين على الحق والدين وألف بين قلوبهم أجمعين. وتقبلوا تحياتي.
التعليقات