عناصر الخطبة
1/ الإيمان باليوم الآخر ركن من أركان الإيمان 2/حكم من مات مصراً على معصية أو كبيرة 3/أحوال دخول أصحاب المعاصي من المؤمنين النار 4/أقسام علامات الساعة 5/العلامات العشر الكبرى 6/خروج الدجال 7/نزول عيسى ابن مريم عليه السلام 8/سرد حديث الدجال الطويل.اقتباس
والَّذِي يموتُ وهو مُصِرٌّ على معصيةٍ سواء كانتْ صغيرةً أو كبيرةً، لا يُحكمُ عليه بدخولِ النارِ، وإنما نعتقد أن اللهَ إن شاءَ عذَّبه؛ عدلًا منه -تعالى-، وإن شاءَ غفرَ له؛ فَضلًا وكَرمًا منه -تعالى-. وقد دلَّ الكتابُ والسُّنةُ على أنَّ المصرَّ على معصيةٍ غيرِ مكفِّرةٍ، مؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ، ويُسمَّى فاسقًا وعَاصيًا، ...
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمدَ لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله -تعالى-، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
أما بعدُ: فحَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: "علاماتُ الساعةِ الكُبرَى"، واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أَحسنَهُ، أُولئك الذينَ هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أُولو الألبابِ.
قبل الشروع في هذا الموضوع ينبغي أن نقدِّمَ بمقدمةٍ مهمة حتى نكونَ على بصيرة من أمرنا.
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أنَّ الإيمانَ باليومِ الآخرِ ركنٌ من أركانِ الإيمانِ، وأصلٌ من أصولِهِ لا يتحقَّقُ الإيمانُ إلَّا بِه؛ قَالَ -تعالى-: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[البقرة: 177].
ورَوَى مُسْلِمٌ عنْ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ -رضي الله عنه-، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "الإِيمَانُ أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ".
ومن كفرَ باليومِ الآخرِ أو بأيِّ ركنٍ من أركانِ الإيمانِ فقد كفرَ باللهِ -عز وجل-؛ قَالَ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النساء: 136].
والَّذِي يموتُ وهو مُصِرٌّ على معصيةٍ سواء كانتْ صغيرةً أو كبيرةً، لا يُحكمُ عليه بدخولِ النارِ، وإنما نعتقد أن اللهَ إن شاءَ عذَّبه؛ عدلًا منه -تعالى-، وإن شاءَ غفرَ له؛ فَضلًا وكَرمًا منه -تعالى-.
وقد دلَّ الكتابُ والسُّنةُ على أنَّ المصرَّ على معصيةٍ غيرِ مكفِّرةٍ، مؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ، ويُسمَّى فاسقًا وعَاصيًا، وكذلكَ مرتكبُ الكبيرةِ غيرِ المكفِّرةِ مؤمنٌ ناقصُ الإيمانِ، ويُسمَّى فاسقًا وعَاصيًا؛ لقولِ اللهِ -تعالى-: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[الحجرات: 9، 10].
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يُدْخِلُ اللهُ أَهْلَ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ، وَيُدْخِلُ أَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ: انْظُرُوا مَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا حُمَمًا قَدِ امْتَحَشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرِ الحَيَاةِ، أَوِ الحَيَا، فَيَنْبُتُونَ فِيهِ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ إِلَى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَوْهَا كَيْفَ تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً؟".
ومنْ دخلَ النارَ منَ أصحابِ المعاصي من المؤمنين لا يخلَّدُ فيها بل مآلُه إلى الجنةِ بما معَه من التوحيدِ والإيمانِ، وهذا مذهبُ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ؛ قَالَ -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النساء: 116].
وَرَوَى البُخَارِيُّ ومُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ-رضي الله عنه- عَنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ قَالَ: "يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ؛ مَا يَزِنُ شَعِيرَةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مِنَ الخَيْرِ مَا يَزِنُ بُرَّةً، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَكَانَ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ مِنَ الخَيْرِ ذَرَّةً".
ورَوَى البُخَارِيُّ عَنْ عِمْرَان بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنَ النَّارِ بِشَفَاعَةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، يُسَمَّوْنَ الجَهَنَّمِيِّينَ".
ورَوَى أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي".
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أنَّ القيامةَ لن تقومَ حتى يحدثَ قبلها علاماتٌ تدلُّ على وقوعها، ويمكنُ تقسيمُ هذه العلاماتِ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
القسمُ الأولُ: قِسمٌ مَضى: منها بَعْثةُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وانشقاقُ القمرِ، وخروجُ نارٍ من أرضِ الحجازِ تُضيءُ أعناقَ الإبلِ ببُصرَى، وغيرُها.
القسم الثاني: قِسمٌ لا يزالُ يتجدَّدُ: ككثرةِ الهرْج -أي القتلِ-، وأن تلدَ الأمةُ ربَّتَها، وتطاولِ الحفاةِ العُراةِ رعاءِ الشاءِ في البُنيانِ، وغيرِها.
القسم الثالث: قِسمٌ لَا يأتي إلَّا قُربَ قيامِ الساعةِ: وهيَ العلاماتُ العشرُ الكُبرى.
وهذه العلاماتُ العشرُ الكُبرى هي التي يعْقُبُها قيام القيامةِ، ولم يظهرْ منها شيءٌ فيما مضى، وهي مذكورة في حديث رواه مسلم عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ الْغِفَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: اطَّلَعَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَيْنَا وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ، فَقَالَ: "مَا تَذَاكَرُونَ؟" قَالُوا: نَذْكُرُ السَّاعَةَ.
قَالَ: "إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ؛ فَذَكَرَ: الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ، وَالدَّابَّةَ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ -عليه السلام-، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ: خَسْفٌ بِالمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالمَغْرِبِ، وَخَسْفٌ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ".
وَهذه العلاماتُ متتابعةٌ كتتابعِ الخرزِ في النظامِ، فإذا ظهرتْ إحداهَا تبعتْها الأخرى؛ فقد روى الدَّينُوري بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "خُرُوجُ الآيَاتِ بعضِها عَلَى إِثْرِ بَعْضٍ يَتَتَابَعْنَ كَمَا تَتَتَابَعُ الخَرَزُ فِي النِّظَامِ".
أَمَّا العلامةُ الأولى منْ علاماتِ الساعةِ الكبرَى فهي: خروجُ الدَّجَّالِ، وهي أعظم فتنة يراها البشر في الدنيا؛ لذا كان كل نبي يحذِّر قومه منه.
والدجال هو رجلٌ يخرجُ في آخرِ الزمانِ يدَّعِي الربوبيةَ والأُلوهيةَ، فيُفتَنُ به كثيرٌ من الخلقِ، يُجري اللهُ عَلى يدَيه بعضَ الأعمالِ الخارقةِ، ولا يروجُ باطلُهُ على المؤمنِ، ويدخلُ جميعَ البلادِ إلَّا مكةَ والمدينةَ، ومعه نارٌ وجنةٌ، فنارُهُ جنةٌ، وجنتُه نارٌ.
ودلَّ على خروجِه ما رواه مُسلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ - لَا أَدْرِي: أَرْبَعِينَ يَوْمًا، أَوْ أَرْبَعِينَ شَهْرًا، أَوْ أَرْبَعِينَ عَامًا، فَيَبْعَثُ اللهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ، فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ".
وما رواه البخاري ومُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: "إِنِّي لَأُنْذِرُكُمُوهُ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ، لَقَدْ أَنْذَرَ نُوحٌ قَوْمَهُ، وَلَكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ: تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ، وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ".
والعَلامةُ الثانيةُ منْ علاماتِ الساعةِ الكبرَى هيَ: نُزولُ عِيسَى ابنِ مريمَ -عليه السلام-، وسينزلُ من السماءِ إلى الأرضِ حاكمًا عادلاً فيكسرُ الصليبَ، ويقتلُ الخنزيرَ، ويقضي عَلى الدجَّالِ؛ ودلَّ عَلى نزولهِ قولُهُ -تعالى-: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)[الزخرف: 61]؛ فَقَولُهُ -تعالى-: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ): أي عيسى -عليه السلام- من أعلامِ الساعةِ.
وَقَولُهُ -تعالى-: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)[النساء: 157 - 159].
وما رواه البخاري ومُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلَ الخِنْزِيرَ، وَيَضَعَ الجِزْيَةَ، وَيَفِيضَ المَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ".
أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا.
أما بعد: فدلَّ على نزولِ عيسى -عليه السلام- في آخر الزمان ما رواه مسلم عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ -رضي الله عنه- قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ، فَخَفَّضَ فِيهِ، وَرَفَّعَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ فِي طَائِفَةِ النَّخْلِ، فَلَمَّا رُحْنَا إِلَيْهِ عَرَفَ ذَلِكَ فِينَا فَقَالَ: "مَا شَأْنُكُمْ؟"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ ذَكَرْتَ الدَّجَّالَ غَدَاةً، فَخَفَّضْتَ فِيهِ وَرَفَّعْتَ حَتَّى ظَنَنَّاهُ في طَائِفَةِ النَّخْلِ. فَقَالَ: "غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُنِي عَلَيْكُمْ؛ إِنْ يَخْرُجْ وَأَنَا فِيكُمْ فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ، وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ، وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.
إِنَّهُ شَابٌّ قَطَطٌ عَيْنُهُ طَافِئَةٌ كَأَنِّي أُشَبِّهُهُ بِعَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قَطَنٍ، فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ. إِنَّهُ خَارِجٌ خَلَّةً بَيْنَ الشَّأْمِ وَالْعِرَاقِ فَعَاثَ يَمِينًا وَعَاثَ شِمَالًا يَا عِبَادَ اللهِ فَاثْبُتُوا".
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا لَبْثُهُ فِي الأَرْضِ؟
قَالَ: "أَرْبَعُونَ يَوْمًا، يَوْمٌ كَسَنَةٍ، وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ، وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ، وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ".
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ؟
قَالَ: "لَا، اقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ".
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا إِسْرَاعُهُ فِي الأَرْضِ؟
قَالَ: "كَالْغَيْثِ اسْتَدْبَرَتْهُ الرِّيحُ، فَيَأْتِي عَلَى الْقَوْمِ فَيَدْعُوهُمْ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَجِيبُونَ لَهُ فَيَأْمُرُ السَّمَاءَ فَتُمْطِرُ وَالأَرْضَ فَتُنْبِتُ، فَتَرُوحُ عَلَيْهِمْ سَارِحَتُهُمْ أَطْوَلَ مَا كَانَتْ ذُرًا، وَأَسْبَغَهُ ضُرُوعًا، وَأَمَدَّهُ خَوَاصِرَ.
ثُمَّ يَأْتِي الْقَوْمَ فَيَدْعُوهُمْ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ فَيَنْصَرِفُ عَنْهُمْ فَيُصْبِحُونَ مُمْحِلِينَ، لَيْسَ بِأَيْدِيهِمْ شَيْءٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَيَمُرُّ بِالخَرِبَةِ فَيَقُولُ لَهَا أَخْرِجِي كُنُوزَكِ، فَتَتْبَعُهُ كُنُوزُهَا كَيَعَاسِيبِ النَّحْلِ.
ثُمَّ يَدْعُو رَجُلًا مُمْتَلِئًا شَبَابًا فَيَضْرِبُهُ بِالسَّيْفِ فَيَقْطَعُهُ جَزْلَتَيْنِ رَمْيَةَ الْغَرَضِ، ثُمَّ يَدْعُوهُ، فَيُقْبِلُ وَيَتَهَلَّلُ وَجْهُهُ يَضْحَكُ.
فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللهُ المَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ المَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ، فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ، وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ، فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ، فَيَقْتُلُهُ.
ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ اللهُ مِنْهُ، فَيَمْسَحُ عَنْ وُجُوهِهِمْ وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِي الجَنَّةِ"(رواه مسلم: 2937).
اللهم إنا نعوذ بك من العجز، والكسل، والجبن، والبخل، والهَرَم، والقسوة، والغفلة، والعِيلة، والذِّلَّة، والمسكنة.
اللهم إنا نعوذ بك من الفقر، والكفر، والفسوق، والشقاق، والنفاق، والسمعة، والرياء.
اللهم إنا نعوذ بك من الصمم، والبكم، والجنون، والجذام، والبرص، وسيِّئ الأسقام.
اللهم إنا نعوذ بك من الفقر، والفاقة، والقلة، والذِّلَّة، ونعوذ بك من أن نَظْلم أو نُظْلم.
اللهم إنا نعوذ بك من جار السوء في دار المقامة.
اللهم إنا نعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يُسمع، ومن نفسٍ لا تشبَع، ومن علم لا ينفع، نعوذ بك من هؤلاء الأربع.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.
التعليقات