عناصر الخطبة
1/ وقوع الخلافات بين الزوجين 2/أساليب نبوية في حل المشكلات الزوجية 3/هدي النبي في احتواء المشاكل الزوجية بالسكوت أو الابتسامة 4/الرفق في حل المشكلات الزوجية 5/ صبر النبي -صلى الله عليه وسلم- على أزواجه .اقتباس
وفي سُكوتِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-, وعدمِ الإكثارِ من الكلام –حالةَ تَفاقُمِ المُشْكِلَة– أسلوبٌ راقٍ في تَخْفيفِ الآثارِ النَّاشِئَةِ عن المُشْكِلَة؛ لأنَّ بعضَ الكلام –عِندَ ثَورَةَ الخِصَام– يُفْضِي إلى العداوة, ويُبْعِدُ عن الوِئام, وهذا دَرْسٌ تربويٌّ للرِّجالِ الذين تحصل بينهم وبين أزواجهِم خِلافاتٌ ومَشاكِلُ؛ أَنْ يُعالِجوا ذلك بالصَّمْتِ والابتسامة..
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله ربِّ العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الكريم, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: ما يَحْدُثُ بين الزَّوجين من مُغاضَباتٍ أو خِلافاتٍ أُسَرِيَّةٍ أَمْرٌ طبيعي, وسُنَّةٌ من سُنَنِ الحياةِ الزَّوجية, ومِنَ الأساليبِ التي اعْتَمَدَها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في التَّخْفِيفِ مِنَ المُشْكِلَةِ, أو حَلِّها بِالكامِل: الصَّمْتُ والابتسامَةُ أو الضَّحِكُ.
وقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ذا خُلُقٍ عَظِيم, لا يُؤْذِي أحدًا بقولٍ أو فِعلٍ, ولا يَنْتَقِمُ لنفسِه أبدًا, وكان أزواجُه أُمَّهاتُ المؤمنين -رضي الله عنهن- يَحْدُثُ بينهنَّ ما يَحدثُ بين الضَّرَّاتِ بسببِ الغَيرة التي فَطَرَ اللهُ النساءَ عليها.
* ومِنَ النَّمَاذِجِ الرَّائِعَةِ التي تُبَيِّنُ خُلُق النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وهَدْيَه في احتواءِ المَشاكِلِ الزَّوجيةِ بالسُّكوتِ أو الابتسامة؛ فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- بِخَزِيرَةٍ -الخَزِيرَة: الحَسَاءُ المَطْبوخُ من الدَّقيقِ والدَّسَمِ والماء- قَدْ طَبَخْتُهَا لَهُ, فَقُلْتُ لِسَوْدَةَ -وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنِي وَبَيْنَهَا-: كُلِي، فَأَبَتْ, فَقُلْتُ: لَتَأْكُلِينَ أَوْ لَأُلَطِّخَنَّ وَجْهَكِ, فَأَبَتْ. فَوَضَعْتُ يَدِي فِي الخَزِيرَةِ فَطَلَيْتُ بِهَا وَجْهَهَا, فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-, فَوَضَعَ بِيَدِهِ لَهَا, وَقَالَ لَهَا: "الْطَخِي وَجْهَهَا", فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لَهَا.(رواه أبو يعلى).
* ومِنَ النَّمَاذِجِ المُبَارَكَةِ التي تَدُلُّ على هَدْيِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في التَّعامُلِ مع المَشَاكِلِ الأُسَرِية بكلِّ واقِعِيةٍ وهُدوءٍ, مُراعِيًا في ذلك حالَهُنَّ وحَقَّهُنَّ: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, فَوَجَدَ النَّاسَ جُلُوسًا بِبَابِهِ, لَمْ يُؤْذَنْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ, قَالَ: فَأُذِنَ لأَبِي بَكْرٍ؛ فَدَخَلَ.
ثُمَّ أَقْبَلَ عُمَرُ؛ فَاسْتَأْذَنَ فَأُذِنَ لَهُ, فَوَجَدَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- جَالِسًا حَوْلَهُ نِسَاؤُهُ, وَاجِمًا سَاكِتًا -أي: اشْتَدَّ حُزْنُه حتى أَمْسَكَ عن الكَلام-, فَقَالَ: لأَقُولَنَّ شَيْئًا أُضْحِكُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-, فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ -امرأةَ عُمَرَ-, سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ؛ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا -أي: ضَرَبْتُ-, فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, وَقَالَ: "هُنَّ حَوْلِي كَمَا تَرَى, يَسْأَلْنَنِي النَّفَقَةَ".
فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى عَائِشَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا, فَقَامَ عُمَرُ إِلَى حَفْصَةَ يَجَأُ عُنُقَهَا, كِلاَهُمَا يَقُولُ: تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا لَيْسَ عِنْدَهُ! فَقُلْنَ: وَاللَّهِ لاَ نَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَيْئًا أَبَدًا لَيْسَ عِنْدَهُ, ثُمَّ اعْتَزَلَهُنَّ شَهْرًا.(رواه مسلم).
فَهُنا يَتَجَلَّى حِلْمُه -صلى الله عليه وسلم- تِجَاه هذه المُشْكِلَةِ الزَّوْجِيَّةِ؛ حيث تُطالِبْنَه أزواجُه بالنَّفَقَةِ فيما ليس عنده! ومع ذلك استجابَ -صلى الله عليه وسلم- لِمُحاوَلَةِ عمر -رضي الله عنه- إضحاكَه, فضَحِكَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وفي سُكوتِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-, وعدمِ الإكثارِ من الكلام –حالةَ تَفاقُمِ المُشْكِلَة– أسلوبٌ راقٍ في تَخْفيفِ الآثارِ النَّاشِئَةِ عن المُشْكِلَة؛ لأنَّ بعضَ الكلام –عِندَ ثَورَةَ الخِصَام– يُفْضِي إلى العداوة, ويُبْعِدُ عن الوِئام, وهذا دَرْسٌ تربويٌّ للرِّجالِ الذين تحصل بينهم وبين أزواجهِم خِلافاتٌ ومَشاكِلُ؛ أَنْ يُعالِجوا ذلك بالصَّمْتِ والابتسامة؛ لِيُطْفِئُوا شرارةَ النَّارِ التي تَشْتَعِلُ نتيجةَ الغَضَبِ.
قال ابنُ حَجَرٍ -رحمه الله-: "وَفِي الحَدِيثِ: مُلَاطَفَةُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِأَزْوَاجِهِ, وَحِلْمُهُ عَنْهُنَّ, وَصَبْرُهُ عَلَى مَا كَانَ يَصْدُرُ مِنْهُنَّ مِنْ إِدْلَالٍ وَغَيْرِهِ؛ مِمَّا يَبْعَثُهُ عَلَيْهِنَّ الغَيْرَةُ".
ومِنْ فَوائِدِ الحَدِيث: لم يُسَجَّلْ على النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أيُّ لَفْظٍ فيه تَوْبِيخٌ, أو تَعْنِيفٌ عليهنَّ؛ بِالرَّغْمِ من هذا الوقتِ الطَّوِيلِ لِأَحْداثِ هذه المُشْكِلَةِ في بَيتِ النُّبوة, فلم تكن هناك إهانةٌ أو توبيخٌ -كما يَفْعَلُه الكثيرُ مِنَّا عند حُدوثِ مَشاكِلَ في بيوتنا–، ولعلَّ في هذا تذكيرًا بهذا الخُلُقِ النَّبويِّ الرَّفِيع.
ومِنَ الفَوائِد: الرِّفْقُ في تَعامُلِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مع أزواجِه, حتى في غَمْرَةِ المُشْكِلَةِ؛ لم يَتَخَلَّ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن المُنْطَلَقاتَ الأساسيَّةِ في تَعامُلِه مع أزواجِه, بِالرغْمِ من تلك الأجواءِ المَشْحونة. فلمَّا قام أبو بكرٍ -رضي الله عنه- إلى عائشةَ لِيَضْرِبَها, وقام عمرُ -رضي الله عنه- إلى حَفْصَةَ, كِلاهُما يقولان: "تَسْأَلْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا لَيْسَ عِنْدَهُ!".
فنهاهُما رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-, ودَفَعَ عنهما الضَّرْبَ, فليس هذه طريقةَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في التَّعامُلِ معهنَّ؛ بل كان يُخاطِبُ العقولَ, ويَصُوغُ القناعات, ويُوَجِّهُ الاهتمامات والتَّصورات, ولعلَّنا نُطالِعُ الفَرْقَ بين طريقةِ تعامُلِ عمرَ -رضي الله عنه- وبين تعامُلِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-. إذ قال عمرُ -رضي الله عنه-: "يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ رَأَيْتَ بِنْتَ خَارِجَةَ, سَأَلَتْنِي النَّفَقَةَ؛ فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَوَجَأْتُ عُنُقَهَا, فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-".
ولكنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- لا يَتَعامَلُ بهذا الأُسلوب, حتى في مِثْلِ تلك الظُّروفِ الصَّعْبةِ. وبعضُ بيوتِ المسلمين اليوم لا تَعْرِفُ الرِّفْقَ في وَقْتِ السِّلْمِ, فكيفَ في وقْتِ الأزماتِ والمَشَاكِل؟!
الخطبة الثانية:
الحمد لله ..
أيها المسلمون .. اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا؛ فَإِنَّمَا هُنَّ عِنْدَكُمْ عَوَانٍ.
* ومِنَ النَّمَاذِجِ العَجِيبَةِ التي تُبَيِّنُ صَبْرَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- على أزواجِه, وحُسْنَ إدارةِ الخِلافاتِ والنِّزاعات؛ مُراعِيًا أحوالَ النِّساء, وضَعْفَ طَبِيعَتِهِنَّ التي خُلِقْنَ عليها مِنَ الغَيرَةِ؛ ما روته عائشةُ -رضي الله عنها- قالتْ: أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ مَعِي فِي مِرْطِي -المِرْطُ: كِسَاءٌ مُعَلَّم-, فَأَذِنَ لَهَا.
فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ العَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ, وَأَنَا سَاكِتَةٌ, قَالَتْ: فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "أَيْ بُنَيَّةُ! أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ؟"؛ فَقَالَتْ: بَلَى. قَالَ: "فَأَحِبِّي هَذِهِ".
قَالَتْ: فَقَامَتْ فَاطِمَةُ حِينَ سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَرَجَعَتْ إِلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-, فَأَخْبَرَتْهُنَّ بِالَّذِي قَالَتْ, وَبِالَّذِي قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, فَقُلْنَ لَهَا: مَا نُرَاكِ أَغْنَيْتِ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ, فَارْجِعِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُولِي لَهُ: إِنَّ أَزْوَاجَكَ يَنْشُدْنَكَ العَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ, فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: وَاللَّهِ لاَ أُكَلِّمُهُ فِيهَا أَبَدًا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ, زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-, وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي -تُعادِلُنِي وتُضَاهِينِي في الحَظْوَةِ, والمَكانَةِ منه, مأخوذٌ من السُّمُوِّ؛ وهو الارتفاع- مِنْهُنَّ فِي المَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ, وَأَتْقَى لِلَّهِ, وَأَصْدَقَ حَدِيثًا, وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ, وَأَعْظَمَ صَدَقَةً, وَأَشَدَّ ابْتِذَالاً لِنَفْسِهَا فِي العَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ, وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ -تَعَالَى-, مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا, تُسْرِعُ مِنْهَا الفَيْئَةَ.
قَالَتْ: فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَعَ عَائِشَةَ فِي مِرْطِهَا, عَلَى الحَالَةِ الَّتِي دَخَلَتْ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا وَهُوَ بِهَا, فَأَذِنَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ أَزْوَاجَكَ أَرْسَلْنَنِي إِلَيْكَ يَسْأَلْنَكَ العَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ.
قَالَتْ: ثُمَّ وَقَعَتْ بِي, فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ, وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ؛ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا؟ قَالَتْ: فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لاَ يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ, قَالَتْ: فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حِينَ أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا, قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَتَبَسَّمَ: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ"(رواه ومسلم).
والشَّاهِدُ: أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَعْلَمُ أنَّ ذلك دافِعُه الغَيْرَةُ, فهذا التَّصَرُّفُ منه دليلُ حُسْنِ خُلُقِه, وحُسْنِ مُعاشَرَتِه لأزواجِه بالتَّحَمُّلِ عمَّا يَصْدُرُ عنهنَّ من تصرفاتٍ؛ دافِعُها الغَيْرَةُ. فالضَّحِكُ أو الابتسامةُ -في بعضِ الأوقاتِ التي تَحْدُثُ فيها مُشْكِلَةٌ بين الزَّوجين- يُعَدُّ من أَنْجَحِ الأساليبِ للعلاج, وله آثارٌ نَفْسِيَّةٌ كبيرةٌ في إطفاءِ ثَورَةِ الغَضَبِ, والرُّجوعِ إلى الصَّواب, والرُّضوخِ للحقِّ.
فالمَشْهَدُ هُنا واضِحٌ: عائشةُ -رضي الله عنها- لم تَقُلْ شيئًا, وزينبُ -رضي الله عنها- هي التي بَدَأَتْ, وبارَدَتْ بالكلام, وكان ذلك في يومِ عائشةَ, وفي ليلَتِها, وفي بيتِها, وفي مِرْطِها؛ لذا وَقَفَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- في صَفِّ عائشةَ, وابْتَسَمَ حين انْتَصَرَتْ لِنَفْسِها, وقال: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ"؛ إشارةٌ منه إلى أنها مِثْلُ أبيها في القُوَّةِ والعَقْلِ.
قال النوويُّ -رحمه الله-: "وَأَمَّا قَوْلُهُ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ" فَمَعْنَاهُ: الإِشَارَةُ إِلَى كَمَالِ فَهْمِهَا, وَحُسْنِ نَظَرِهَا". وقال ابنُ حَجَرٍ -رحمه الله-: "أَيْ: إِنَّهَا شَرِيفَةٌ عَاقِلَةٌ عَارِفَةٌ كَأَبِيهَا".
فهذا هَدْيُهُ -صلى الله عليه وسلم- في التَّعامُلِ مع مِثْلِ هذه المَشاكِلِ الأُسَرِيَّة؛ فلِكُلِّ مُشْكِلَةٍ أُسْلوبٌ يُناسِبُها, وعِلاجٌ يُداوِيهَا.
التعليقات