عناصر الخطبة
1/ مظاهر العظمة في قصص القرآن الكريم2/ أهم مقاصد القصص القرآني 3/ فضل الله على أنبيائه وأصفيائه.اقتباس
تثبيت النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأُمَّتِه: من أعظم مقاصد القصص القرآني تثبيت النبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأمَّته على لزوم الدَّعوة إلى الحقِّ، وتحمُّل مشاقها، والصَّبر على العذاب في.. وفي قصَّة آدم وإبليس -المبثوثة في مواضع شتَّى من القرآن- التَّنبيه لأبناء آدم من غواية الشيطان، وإبراز العداوة...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ..
اشتمل القصص في القرآن العظيم على حيِّز كبير بلغ ثلث القرآن؛ فعشرة أجزاء من القرآن موضوعها "القصص", وهذا القصص القرآني؛ منهج ربَّاني مبارك، ويُعَدُّ خلاصة لتجارب الأمم السَّابقة -على مرِّ التاريخ- تظهر من خلالها سنن الله تعالى في الأمم، ومدى تحقق هذه السُّنن في كلِّ مرة تتوفر فيها أسبابُها وشروطُها؛ في أيِّ عصر من العصور, أو أُمَّة من الأمم.
عباد الله: ومن أبرز مظاهر العظمة في قصص القرآن:
ربَّانية مصدره: بمعنى؛ أنه يثبت له كلُّ ما يثبت للقرآن من مزايا؛ فهو كلام الله تعالى, واللهُ -سبحانه-؛ يقول: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ) [آل عمران: 62], وقال عن القصص القرآني: (ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) [آل عمران:44], وقال -سبحانه-: (مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى) [يوسف: 111].
صدقه ومطابقته للواقع: عاشه أصحابه، كما وُصِفَ تماماً في القرآن, دون أن يكون للخيال أو الوهم أو المبالغة مدخل فيه أبداً؛ كما هو الحال في القصص البشري, الذي يكون من نسيج خيال القصاص.
لا يُقصد به بيانُ التاريخ بذاته: وإنما له مقاصد متنوعة تُلتمس فيها العبرة والعظة؛ مصداقاً لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [يوسف: 111].
أيها الفضلاء: والقصص القرآني له مقاصد عظيمة, منها:
إثبات الوحدانية لله تعالى، والأمر بعبادته: وهذا هو أعظم مقاصد القصص القرآني؛ الذي جاء ليُبرز حقيقة التوحيد, ويُبطل الشرك والوثنية, قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل: 36], وكلُّ نبي قال لقومه: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [المؤمنون: 23]؛ هذه الآية الكريمة تكررت تسع مرات في سياق القصص المبثوث في القرآن العظيم.
إثبات الوحي والرسالة: القصص القرآني؛ فيه دلالة واضحة على صدق نبوَّة محمد -صلّى الله عليه وسلّم-؛ لأنه كان أمِّيّاً وما طالع كتاباً ولا تتلمذ على أستاذ، ولا يوجد في هذا القصص تناقض أو اختلاف؛ فقد دلَّ ذلك أنَّه وحي من عند الله تعالى ويدلُّ كذلك على صحَّة نبوَّته -صلّى الله عليه وسلّم-، قال الله -سبحانه-: (ذَلِكَ مِنْ أنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) [آل عمران: 44].
إثبات البعث والجزاء: كثيراً ما يرد في سياق القصص القرآني إثبات البعث والجزاء بأساليب مختلفة وطرائقَ شتَّى؛ ليتحقَّق الإيمانُ بذلك اليوم العظيم؛ فمن ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) إلى قوله تعالى: (قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنْ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [البقرة: 258-260].
تثبيت النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأُمَّتِه: من أعظم مقاصد القصص القرآني تثبيت النبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- وأمَّته على لزوم الدَّعوة إلى الحقِّ، وتحمُّل مشاقها، والصَّبر على العذاب في سبيلها، قال الله تعالى: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) [هود: 120].
العبرة بأحوال المرسلين وأممهم: للاقتداء بالمرسلين في؛ الصَّبر على الأذى، وتبليغ الدعوة والاقتداء بإيمانهم القويِّ، وتخليد آثارهم، والإشارة إلى فضلهم ومكانتهم الرَّفيعة عند الله -تعالى-، وفي المقابل: الابتعاد عن مثل تصرُّفات المخالفين من الأمم السابقة(7), قال الله تعالى: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) [الأنعام: 34].
بيان جزاء الأمم السَّابقة ونهاية مصيرها: فالأمم الغابرة التي لم تلتزم بدعوة الأنبياء والمرسلين، كان مصيرها الهلاك والدَّمار، نتيجةً لانحرافها عن الطريق المستقيم؛ فمن ذلك قول الله تعالى: (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ) [الأنعام: 6].
ومن أسباب هلاكهم: الإشراك بالله تعالى، والظُّلم والطُّغيان، والتَّكذيب بالبعث والجزاء، والتَّقليد الأعمى، والتَّهديد للمؤمنين، وإيذاؤهم، كلُّ ذلك ليعتبر المسلمون بأحوال هذه الأمم، ويبتعدوا عن أفعالها وأقوالها، حتى لا يصيبهم ما أصابهم من الهلاك والدَّمار.
أيها الإخوة الكرام: ومن مقاصد القصص القرآني: تربية المؤمنين؛ التَّربية الصَّحيحة الشَّاملة، ومن أعظمها؛ التَّربية على العقيدة الصَّحيحة؛ من الإيمان بالله تعالى، والإيمان بالبعث والجزاء، والإيمان بالأنبياء والمرسلين، والصَّبر على أذى الكافرين وإعراضهم عن الحقِّ، حتى يظهره الله تعالى ويهلك أعداءه.
نجد ذلك -مثلاً- في قصَّة السَّحرة الذين آمنوا بموسى -عليه السلام-؛ فقضى عليهم فرعون بالصَّلب والقتل؛ فثبتوا على عقيدتهم رغم فظاعة التَّهديد، وفي قصَّة أصحاب الكهف تربية في الثَّبات على التَّوحيد، والإيمان بالبعث والجزاء.
وفي قصَّة لقمان مع ابنه كثير من الفضائل التربويَّة النَّبيلة؛ ففيها التَّوحيد, والنَّهي عن الشرك بالله، وفيها البرُّ بالوالدين، وفيها شكر الله تعالى والوالدين، وفيها البعث والجزاء، وفيها الأمر بإقامة الصَّلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصَّبر على المصيبة، والنَّهي عن إمالة الخدِّ عُجْباً وَكِبْراً، والنَّهي عن المشي في الأرض مرحاً، والأمر بالاقتصاد في المشي، وإغضاض الصوت.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أيها الإخوة الكرام؛ ومن أهم مقاصد القصص القرآني:
الدَّعوة إلى الخير والإصلاح، ومنع الفساد: ففي قصة شعيب -عليه السلام- دعوة صريحة إلى ناحية عَمَلية، تتَّصل بالإصلاح الاجتماعي، ومنع الفساد في الأرض، والقيام بحقِّ الأمانة في التَّعامل, قال شعيب لقومه: (أَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأعراف:85].
وفي قصَّة آدم وإبليس -المبثوثة في مواضع شتَّى من القرآن- التَّنبيه لأبناء آدم من غواية الشيطان، وإبراز العداوة الخالدة بينه وبينهم، منذ عهد أبيهم آدم؛ لأنَّ إبراز هذه العداوة عن طريق القصَّة أوقع أثراً في النَّفس البشرية، لتحذر أشد الحذر من غواية الشيطان ودعوته إلى الشر.
مواجهة اليأس بالصبر: وأوضح مثال لذلك قصَّة يوسف -عليه السلام- وفيها جملة من الآيات تؤكد هذا المعنى، ومنها قوله تعالى: (وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [يوسف: 18].
وفي موضع آخر قال يعقوب -عليه السلام- لأبنائه: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) [يوسف: 87].
بيان قدرة الله المطلقة: هناك فارق عظيم في المحتوى؛ بين القصص القرآني وبين القصص البشري؛ فهل يوجد في القصص البشري ما حكاه الله تعالى عن قصَّة الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها؟ أَمْ يوجد في القصص البشري قصَّة كخلق آدم، ومولد عيسى، وإحياء الطَّير لإبراهيم، وتحوُّل عصا موسى، وقصة موسى مع العبد الصَّالح، وغيرها؟
بيان نعم الله على أنبيائه وأصفيائه: ممَّا يترك أثراً طيباً في نفوس المؤمنين؛ بأنَّ الله تعالى يكافئ أولياءَه وأصفياءَه ويُنعم عليهم في الدُّنيا قبل الآخرة، وهذا له دوره في ثباتهم على الحقِّ الذي يعتقدونه.
التعليقات