عناصر الخطبة
1/أول فاحشة شذوذ في التاريخ 2/إرسال الله نبيه لوطاً لتحذير قومه 3/محاولات لوطٍ وعناد قومه 4/حلول العذاب على قوم لوط 5/ضرر هذه الفاحشة وعظم الوعيد عليها 5/واجبنا لمحاربة الشذوذ وأهلهاقتباس
ولئن كان الشذوذ في السابق سلوكا شنيعا، يعلم فاعله أنه مخطئ، فلا يستطيع الجهر بفعله, فإنه اليوم لم يقتصر على ذلك، بل يريدونه ليكون فكرا تقر به الشعوب، وتبرؤه الأنظمة والقوانين؛ فيموتَ حينها صوتُ الإنكار، ويختفي صوتُ الحق...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
أما بعد: قبل آلاف السنين، برزت ظاهرةٌ في قرية من قرى الشام, قضية لم تظهر من قبل في أي مجتمع بشري منذ أن خلق الله آدم، حتى ظهرت في تلك القرية, لم تلبثْ تلك الظاهرة الحديثة طويلا حتى استشرت في المجتمع، وتغلغلت في أفراده، فاستفحل ضررُها، وعم فسادُها على الدين والدنيا؛ ومن أجل ذلك كان لا بد أن يتولى مهمةَ علاجِها نبيٌ يوحى إليه، يستنير بالوحي ويهتدي بهديه؛ ليستأصل شأفتها، ويبين للناس خطرها.
أوحى الله إلى لوط -عليه السلام- ليذهب إلى قرية سدوم؛ لينذر أهلها من خطر الشذوذِ الجنسي وعاقبتَه الوخيمة, يقدم لوط -عليه السلام- إلى قومه، ويظهرُ شفقتَه عليهم، وحرصَه على تقديم الخير لهم، وأنه لا يريد منهم أجرا ولا مالا, إلا أن يتقوا الله ويطيعوه؛ (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الشعراء: 161 - 164].
يبين لهم نبيهم شذوذَهم عن الخلق، وانتكاستَهم عن الفطرة، وإتيانَهم ما لم يأت به أحد من العالمين؛ (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ)[الأعراف: 80], لا يتوقف لوطٌ -عليه السلام- عن إنكاره عليهم، وتذكيرِهم بفطرتهم الإنسانية؛ (أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ * وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ)[الشعراء: 165، 166], وفي آية أخرى: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ)[الأعراف: 81].
هم يسرفون في العدوان، فيعتدون على فطرتهم وإنسانيتهم، ويعتدون على شريعة ربهم، ويعتدون على صحتهم، ويعتدون على مجتمعهم، ويجهلون عواقبَ فعلهم على مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وبناتهم؛ (أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ)[النمل: 55].
فماذا كان ردهم؟؛ (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ)[النمل: 56]؛ هذه هي جريمة لوط وآلِه؛ أنهم يتطهرون!, يتطهرون من رذائل الأخلاق، وشذوذ السلوكيات، ومخالطة النجاسات!.
هذه هي الجريمة التي يستحق فاعلها الطرد والإبعاد, وهكذا انقلبت الحقائق، وتبدلت المصطلحات، فصار الطاهر هو المجرم، والخبيث هو المصلح.
لوط -عليه السلام- لم توقفه الدعاياتُ الكاذبة، ولا الشعاراتُ الزائفة، ولا التهديداتُ المغرضة، عن الاستمرارِ في تبليغ رسالة الله، ونصحِ قومه وإنذارِهم؛ (قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَالُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ * قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقَالِينَ)[الشعراء: 167، 168]؛ أي: من المبغضين الكارهين لعملكم.
لكن قومه لم يزدهم النصحُ إلا عنادا، ولم يزدهم التحذيرُ إلا استكبارا؛ (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ)[القمر: 36], وحين لم تنفع المحاولاتُ البشريةُ في استئصال هذا الداء الخبيث، يرسل الله ملائكته بالعذاب؛ لتتطهر البشرية من الرذيلة، ولينقذوا الأرض من الفساد المستشري فيها.
وفي طريقهم إلى لوط يمرون على إبراهيم -عليه السلام-؛ ليبشروه بغلام عليم، ويخبروه بعاقبة المجرمين (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ * إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ * يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ)[هود: 74 - 76].
يقدم الملائكة إلى لوط على هيئة بشر جميلين، فيستقبلهم استقبالَ الضيف، ويضيق ذرعا لعلمه أن قومَه لن يتركوهم وشأنَهم؛ (وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ)[هود: 77], وصدق ظن لوط، فإذا الخبثاء يستبشرون، ويسرعون إلى ضيوفه ويهرعون؛ (وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ * قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ * وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ * قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ * قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ * لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ)[الحجر: 67 - 72], صدق الله!, لقد أعمتهم سكرةُ الشهوة، وغُطّوا بظلمة الغفلة.
لوط -عليه السلام- يذكرهم بنعمة الله، ويطرح لهم البديل الطاهر، لكنهم يرفضون صوت الحق، ويَتَنَكّبون طريقَ الهدى؛ (وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ * قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ * قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ)[هود: 78 - 80].
وهنا تتدخل الملائكة؛ لتظهر له الحقيقة، وتعلن نهاية المعاناة؛ (قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ)[هود: 81]؛ قال ابن كثير: "فَلَمَّا اشْتَدَّ الْحَالُ وَأَبَوْا إِلَّا الدُّخُولَ، خَرَجَ عَلَيْهِمْ جِبْرِيلُ، -عليه السلام-، فَضَرَبَ أَعْيُنَهُمْ بِطَرَفِ جَنَاحِهِ، فَانْطَمَسَتْ أَعْيُنُهُمْ, يُقَالُ: إِنَّهَا غارت من وجوههم", (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ)[القمر: 37]؛ تلك عقوبة الليل، وفي الصباح الموعد.
تأتي الأوامر من الملائكة إلى لوط -عليه السلام-: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)[هود: 81], وهكذا يشمل امرأةَ لوط العذاب، مع أنها لم تكن تمارس فاحشةَ اللواط، لكنها كانت توفر لتلك الفاحشة الدعمَ والتأييد، وكانت تدل على الضيف, كما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنه-.
ويأتي الموعد؛ (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ)[هود: 82، 83], عمت بصائرهم، فأعمى الله أبصارهم، وانتكست فطرتهم، فنكس الله بلدانهم.
وأما لوط -عليه السلام- وآلُه، الذين ثبتوا على دينهم، وأصروا على موقفهم الحق، وجاهروا قومَهم بالإنكار، فكانت لهم العاقبة والنجاة؛ (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ * نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ * وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ * وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ * فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ * وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)[القمر: 34 - 40].
قُلْتُ مَا سَمِعْتُم, وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
أما بعد: أحداث التاريخ تتكرر، ومسلسل الضلال يُعاد، وعصاباتُ الشذوذ تظهر من جديد, لوبيات الشذوذ تقيم لدعمه اتفاقياتٍ ومعاهدات، وتسن لتطبيعه قوانينَ لتجريم من ينكره ويستقبحه, وتنتج لتزيينه أفلاماً موجهةً للأطفال والكبار، وتسخر لإشاعته جولاتٍ في كبرى المنافسات الرياضية؛ تُخصص لدعم الشذوذ وأهله، وتصمم ألعاباً تنتشر في جوالات أطفالنا, ترفع فيها شعارات الشاذين؛ لتبرمجَ عقلَهم اللاواعي!.
كل ذلك يستدعي منا رفعَ درجةِ الخطر، وإعلانَ حالة الطوارئ؛ لحماية المجتمع من هذا الخطر الداهم, الخطر على دين المجتمع، حين تنتشر فيه هذه الفاحشة التي هي من الكبائر التي توبق دين المرء، وتعرضه للعنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قال: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ".
ذلك العمل الذي شُرع من أجل محاربته أشدَّ العقوبات، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ؛ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ".
خطرٌ يهدد طهرَ المجتمع وفطرتَه السليمة؛ حين يُجعل المكانُ الذي هو موضع الأوساخ والأقذار، موضعا للوطء والمضاجعة.
وخطر على صحة المجتمع؛ حين تنتشر فيه الأمراض الجنسية والجسدية, التي أثبتتها الدراسات العلمية بسبب مخالطة موضع النجاسة الذي تكثر فيه الجراثيم، وبسبب تخصيصه لغير ما خلقه الله من إخراج الأقذار.
وخطر على نفسيات المجتمع؛ حين يعيش الشاذ مناقضا لذاته وحقيقته، فالمرأة تعلن تحولها الجنسي ظاهرا لتنقلب ذكرا، لكن جسدها وأعضاءها وهرموناتها أنثوية خالصة، والرجل المتحول كذلك, وحين تعلم ذلك فلن تستغرب الدراساتِ الحديثة التي تثبت ارتفاع نسبة الانتحار في مجتمع المثليين.
وخطر على أطفال المجتمع؛ حين يكبر الطفل فيجد أمَّه الحنونة قد تحولت جنسيا؛ لتنقلب رجلا تفعل فعل الرجال، وتحاكي طبائعهم، أو حين يكبر الطفل فيجد أباه قد انقلب مخنثا يتخلقُ بأخلاقِ النساء!.
ولئن كان الشذوذ في السابق سلوكا شنيعا، يعلم فاعله أنه مخطئ، فلا يستطيع الجهر بفعله, فإنه اليوم لم يقتصر على ذلك، بل يريدونه ليكون فكرا تقر به الشعوب، وتبرؤه الأنظمة والقوانين؛ فيموتَ حينها صوتُ الإنكار، ويختفي صوتُ الحق!.
كذلك يستدعي منا عملا دؤوبا في إنكار هذه الظاهرة الخبيثة، وبيانِ خطرها، وحمايةِ الأبناء والبنات منها، حتى تُستأصلَ من المجتمع، وحتى ينخنسَ الداعون لها.
فيا أيها الآباء والأمهات، ويا أيها المعلمون والمعلمات، ويا أيها المصلحون والمصلحات، ويا أيها المسلمون والمسلمات: أنتم حماة الدين، وحراس الفضيلة، فالله الله في ديننا وأخلاقنا، الله الله في فطرتنا وإنسانيتنا، الله الله في أبنائنا وبناتنا، ادعوا بدعوة النبيين، واجهروا بالحق كما جهر به الصالحون؛ و"كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".
اللهم احفظ شباب وفتيات المسلمين، اللهم احفظهم بحفظك، وارعهم برعايتك, اللهم احفظهم من شر الأشرار، وكيد الفجار، ومكر الليل والنهار, اللهم جنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن, اللهم خذ بأيديهم إلى مراضيك، واهدهم إلى سبيل البر والتقوى, (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].
التعليقات