عناصر الخطبة
1/من فضائل عشر ذي الحجة 2/فضل العمل الصالح في عشر ذي الحجة 3/ صور من العمل الصالحِ للحجيج 4/صور من العمل الصالح لعموم المؤمنين في أوطانهماقتباس
ومن تميز أهل الأضاحي في القرى والحضر أنهم يشاركون الحجيج في عشر ذي الحجة في الذكر وإعداد الهدي فأما إعداد الهدي فإن العشر تعد فيه الأضاحي كما يسوق أهل الموسم الهدي ويشاركونهم في...
الخطبة الأولى:
الحمد لله أهلِ التقوى والمغفرة، يحبُّ القلوبَ الشاكرةَ والألسنةَ الذاكِرةَ، وهو ربنا الكريم وإلهنا الرحيم.
يا أكرمَ مسؤولٍ ويا أعزَّ مأْمُول:
يا من يرى ما في الضميرِ ويسمعُ *** أنتَ المُعدُّ لكلِّ ما يُتَوَقعُ
يا من يُرجّى للشدائدِ كلِّهَا *** يا مَنْ إليه المُشْتَكَى والمَفْزَعُ
يا من خزائنُ فضلِهِ في قَوْلِ كُنْ *** امنُنْ فَإِنَّ الخَيْرَ عِنْدَكَ أجْمَعُ
مالي سوى فقري إليكَ وسِيلةٌ *** فبالافتقارِ إليكِ فَقْرِي أَدْفَعُ
مالي سوى قرْعي لبابِكَ حِيلةٌ *** فإذا ردَدْتَّ فأَي بَابٍ أَقْرَعُ
ومن الذي أرجو وأهتفُ باسمِهِ *** إنْ كانَ جُودكَ عن فَقيركَ يَمْنَعُ
حَاشَا لفَضْلِكَ أن تُقَنِّطَ رَاجِياً *** الجودُ أجزلُ والمواهبُ أوْسَعُ
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، يذكر من ذكره ويمنحه رضاه، ويجيب المضطر إذا دعاه.
وأشهد أن سيدنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه، رحمة الله للعالمين وأول الغر المحجلين.. اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم إني أسألك الإعانة على الإبانة والسير في مناكب الهدى يا واسع الخيرات.
أما بعد: فمن أرفعِ الأيام قدراً وأجلِّها ذكراً أيامُ العَشْرِ الأُوَلِ من ذي الحجة، تلك الأيام المباركة التي تتقدم في خيريتها بقية أيامِ العامِ على الإطلاق؛ فهي أيامٌ مجلَّلَةٌ بالبركاتِ وكرائمِ المثوبةِ العُظمى؛ لذا يجب على المسلمين ضرورة الانتباه إلى اقتناص هذه الفرصة العارضة والتي لن يدوم زمانها في عطاءاته إلا أياماً معلوماتٍ ذكرها الذاكرون وغفل عنها الغافلون.
وقد حفل الشرع الحنيف ببيان فضائلِ هذه الأيام العشر تنبيهاً للمؤمنين على ارتياد آفاق الطاعات والعمل الصالح فيها والتي منها على الاختيار:
أن الله -تعالى- أقسم بها دَرْجَ كتابه الكريم، ولا يقسمُ اللهُ بشيءٍ إلا لجَلالِهِ وسموِّ قدْرِهِ، قال الله تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ)[الفجر:1-2]؛ فقد جمع الله -تعالى- خير الأوقات مع بعضها وجاء القَسَمُ بين جملةٍ وتفصيلٍ حيث أضاء فلق الصبح الأول للأيام العشر تفصيلاً، بينما امتزج ضياؤه بهذه الأيام جملةً ليزيدَ النور الأسنى بالخير والمثوبة والبركة، ذكر القرطبيُّ في الجامع: "قال الضحاك: فجر ذي الحجة، لأن الله -تعالى- قرن الأيام به فقال: "وَلَيَالٍ عَشْر" أي: ليالٍ عشرٍ من ذي الحجة، وقال مسروق: هي العشر التي ذكرها اللّه في قصة موسى عليه السلام: (وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ)[الأعراف: 142]، وهي أفضل أيام السنة، وهي ليالٍ عشر لأن ليلة يوم النّحر داخلةٌ فيها"(الجامع لأحكام القرآن:8-39 بتصرفٍ يسيرٍ)، وعن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "العَشرُ عَشرُ الأَضحَى والوِترُ يومُ عرفةَ والشَّفعُ يومُ النَّحرِ"(لطائف المعارف:470، وقال: إسناده حسن).
وهذه الأيام العشر أفضل أيام السنة على الإطلاق؛ لاشتمالها على يوم عرفة، كما أن ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل الليالي لوجود ليلة القدر فيها، "قال سهيل بن صالح: اختار الله الزمان، وأحبُّ الزمان إلى الله الأشهرُ الحرم، وأحبُّ الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة، وأحبُّ ذي الحجة إلى الله العشر الأول"(1).
ومن فضائل العشر الأول من ذي الحجة: أنها من جملة الأربعين التي واعدها الله عز وجل لموسى عليه السلام، قال الله تعالى: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)[الأعراف:142]، حيث تجلى ربنا الرحمنُ على الجبل وكلَّمَ الله فيه موسى عليه السلام تكليماً؛ فعنِ ابنِ عباسٍ -رضي الله تعالى عنهما- في قوله -تعالى-: (وَوَاعَدْنَا مُوسَى...) الآية قال: ذو القَعدةِ وعشرٌ من ذي الحَجَّةِ. (فتح القدير للشوكاني:2-340).
ومن فضائل العشر الأُوَلِ أيضاً: أنها خاتمة أشهرِ الحج المعروفة بدايةً من شوال إلى يوم النحر قال الله تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)[البقرة:197]؛ فعن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما- قال: "أشْهُر الحجّ: شوالُ، وذو القعدةِ، وعشرٌ من ذي الحجةِ" (النووي في المجموع 7/ 146 بسندٍ صحيحٍ عن نافعٍ مولى ابن عمر).
ومن بركاتها: أنها هي الأيام المعلومات التي عناها القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)[الحج:28]، وعنها قال ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما-: "الأيام المعلومات: أيام العشر، ويروى مثله عن أبي موسى الأشعري ومجاهد وعطاء وسعيد بن جبير والحسن وقتادة والضحاك وعطاء الخراساني وإبراهيم النَّخعي وهو مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد بن حنبل"(2).
ومن بركاتها: أن فيها يوم التروية وهو يوم الثامن من ذي الحجة "وسمي بذلك لأنهم كانوا يتروون من الماء فيه يعدونه ليوم عرفة، وقيل: سمي بذلك لأن إبراهيم عليه السلام رأى ليلتئذٍ في المنام ذبح ابنه فأصبح يروي في نفسه أهو حلم أم من الله -تعالى- فسمي يوم التروية فلما كانت ليلة عرفة رأى ذلك أيضاً فعرف أنه من الله فسمي يوم عرفة"(المغني والشرح الكبير 4/49-50).
ومن فضائل الأيام العشر: أن فيها يوم عرفات، ذلك اليوم المشهود بالخيرات العظام والآلاء الجسام، قال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "اليومُ الموعودُ يومُ القيامةِ، واليومُ المشهودُ يومُ عرفةَ، والشاهدُ يومُ الجُمُعةِ، وما طَلَعَتِ الشمسُ ولا غَرَبَتْ، على يومٍ أفضلَ منه، فيه ساعةٌ لا يوافقُها عبدٌ مسلمٌ يَدْعُو اللهَ بخيرٍ إلا استجاب اللهُ له، ولا يستعيذُ من شرٍّ إلا أعاذه اللهُ منه "(صححه الألباني في صحيح الجامع 8201)، ومن فضل يوم عرفة أن الله -تعالى- يغفر فيه للعباد ما بين العامين، قال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "من حفِظ لسانَه وسمعَه وبصرَه يومَ عرفةَ غُفر له من عرفةَ إلى عرفةَ "(المنذري في الترغيب والترهيب 2/ 195 وقال: إسناده صحيحٌ أو حسنٌ أو ما يقاربهما عن الفضل بن عباس -رضي الله تعالى عنهما-).
وقد حث النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- على العمل الصالح في عشر ذي الحجة؛ فعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من عملٍ أزكى عند اللهِ ولا أعظمَ أجرًا من خيرٍ يعملُه في عَشرِ الأَ"ضحى. قيل: ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيلِ اللهِ، إلا رجلٌ خرج بنفسِه وماله فلم يرجِعْ من ذلك بشيءٍ". قال: فكان سعيدُ بنُ جُبَيرٍ إذا دخل أيامُ العشرِ اجتهد اجتهادًا شديدًا، حتى ما يكادُ يقدرُ عليه(حسنه الألباني في صحيح الترغيب:1148).
فالعمل الصالح هذه الأيام العشر أزكى عند الله -تعالى-، وأجزل ثواباً ولا يضارعه أجرٌ في أيام أخرى، وله صورٌ كثيرةٌ يجمعها ما أقرت به الشريعة الغراء وكان نافعاً للنفس والغير، وهناك أعمالٌ يتميز بها أهل المشعر الحرام وأعمالٌ صالحةٌ لبقية الناس القاطنين في أوطانهم.
فأما الحجيجُ فلهم في هذه العشر سَوْقُ الهدي أو تجهيزه وتمييزه بجعل قلادةٍ تعرفه بأنه هديٌ مع الإحرام ومقارنة التلبية وكثرة الذكر المتواصل والدعاء؛ ففي الحديث: أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- سُئلَ أيُّ أهل المسجدِ خيرٌ؟ قالَ: "أكثَرُهم ذِكرًا للَّهِ" قيلَ: فأيُّ أهل الجنازَةِ خيرٌ؟ قالَ: "أكثَرُهم ذكرًا للَّهِ تعالى"، قيلَ: فأيُّ المُجاهدين خيرٌ؟ قالَ: "أكثرُهم ذكرًا للَّهِ تعالى"، قيل: فأيُّ الحجَّاجِ خيرٌ؟ قالَ: "أكثرُهُم ذِكرًا للَّهِ" قيلَ: وأيُّ العبادِ خيرٌ؟ قالَ: "أكثرُهم ذكرًا للَّهِ عزَّ وجلَّ"(الإمام العيني في العلم الهيب:69 وقال: حديثٌ مرسلٌ).
وقال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما جعلَ رميُ الجمارِ والسَّعيُ بينَ الصَّفا والمروةِ لإقامةِ ذكرِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ "(ابن حجر العسقلاني في تخريج مشكاة المصابيح 3/ 85 وقال: حديثٌ حسن عن عائشة رضي الله تعالى عنها).
ويسعد الحجيج بالصلاة في الحرم المكي خلال تواجدهم في العشر الأوائل من ذي الحجة؛ ليفوزوا بالأجر الجزيل كما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "صلاةٌ في مَسْجِدِي أفضلُ من ألفِ صلاةٍ فِيما سِواهُ إلا المسجِدَ الحرامَ، و صلاةٌ في المسْجِدِ الحرامِ أفضلُ من مِائةِ ألفِ صلاةٍ فِيما سِواهُ"(الألباني في صحيح الجامع 3838 عن جابر بن عبد الله -رضي الله تعالى عنهما-).
وذكر الفاكهي في "أخبار مكة" عن الحسن البصري -رضي الله عنه-: "أن من صام في الحرم كتب له صوم مائة ألف يوم ومن تصدق فيها بدرهم كتب له مائة ألف درهم صدقة".
ولا يستحب الصيام لأهل المحشر وهم واقفون في عرفات؛ لأن الصيام يضعف القوة، ولذا فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان مفطراً وهو على عرفة؛ فعن لبابة بنت الحارث أم الفضل -رضي الله تعالى عنها-: "أن ناسًا تمارَوا عِندَها يومَ عرفةَ في صومِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال بعضُهم : هو صائمٌ، وقال بعضُهم: ليس بصائمٍ، فأرسلَتْ إليه بقَدَحِ لبنٍ وهو واقفٌ على بعيرِه فشَرِبَه"(رواه البخاري:1988)، وعلى ذلك سار الأصحاب الكرام -رضوان الله عليهم أجمعين-؛ فعن أبي نجيح السلمي قال: "سُئِلَ ابن عمرَ عن صومِ عرفةَ؟ قال: حججتُ مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم يصمهُ، ومع أبي بكر فلم يصمهُ، ومع عمرَ فلم يصمهُ، ومع عثمانَ فلم يصمهُ، وأنا لا أصومُهُ، ولا آمرُ بِه، ولا أنهَى عنهُ"(رواه الترمذي:751، وحسنه)، ولكن جاء من حديث عكرمة -رضي الله تعالى عنه- قال: "كنَّا معَ أبي هُرَيْرةَ في بيتِهِ، فحدَّثَنا أنَّ رسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- نَهَى عن صيامِ يومِ عرفةَ بعَرفةَ"(العيني في نخب الأفكار 8/ 379 وقال: حديثٌ صحيحٌ).
وفي العشرِ الأُوَلِ من ذي الحجة ينبغي على المؤمنين دوام التطلع الروحي إلى البيت الحرام مع دوام الاجتهاد في التعبد بالأعمال الصالحة، والتي منها الصيام وهو في هذه الأيام على العموم سنةٌ كونها من الأشهر الحرم؛ فقد قال النبي الكريم: "... صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الحُرُمِ وَاتْرُكْ، وَقَالَ: بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثَةِ فَضَمَّهَا ثُمَّ أَرْسَلَهَا"(رواه أبو داود:2114 عن مجيبة الباهلية عن أبيها -رضي الله تعالى عنهما-).
أما عن صيامها جميعاً فهي من الرغائب الطيبة والأعمال الصالحة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما مِن أيامٍ أَحَبَّ اللهُ أن يُتَعَبَّدَ له فيها من عَشْرِ ذِي الحِجَّة، يَعْدِلُ صيامُ كلِّ يومٍ منها بصيامِ سنةٍ وقيامُ كلِّ ليلةٍ منها بقيامِ ليلةِ القَدْرِ "(الألباني في تمام المنة 354 وضَعَّفَهُ)، وعن بعض أزواج النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-: "كانَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يصومُ تسعَ ذي الحجَّةِ، ويومَ عاشوراءَ، وثلاثةَ أيَّامٍ من كلِّ شَهْرٍ، أوَّلَ اثنينِ منَ الشَّهرِ والخميسَ "(رواه أبو داود:2437، وصححه الألباني).
وبناءً على ما تقدم فمن صامها مع يوم عرفة فقد أدرك خيراً كثيراً، ومن اكتفى بصيام يوم عرفة فقد أدرك السنة، ونسأل الله -تعالى- أن يحوز الأجر والثواب الأوفى الذي أخبر عنه النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "صِيامُ يومِ عَرَفَةَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التي قَبلَهُ، و السنَةَ التي بَعدَهُ، و صِيامُ يومِ عاشُوراءَ، إِنِّي أحْتَسِبُ على اللهِ أنْ يُكَفِّرَ السنَةَ التِي قَبْلَهُ"(صححه الألباني في صحيح الجامع:3853).
ومن تميز أهل الأضاحي في القرى والحضر "أنهم يشاركون الحجيج في عشر ذي الحجة في الذكر وإعداد الهدي؛ فأما إعداد الهدي فإن العشر تعد فيه الأضاحي كما يسوق أهل الموسم الهدي ويشاركونهم في بعض إحرامهم؛ فإن من دخل عليه العشر وأراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً"(3)؛ فعن أم سلمة هند بنت أبي أمية -رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان لهُ ذبحٌ يذبحُهُ، فإذا أَهَلَّ هلالُ ذي الحجةِ، فلا يأخذَنَّ من شعرِهِ ولا من أظفارِهِ شيئًا، حتى يُضحِّي "(رواه مسلم:1977).
وأطيب الأعمال وأكرمها إضافةً إلى ما سبق هو ذكر الله -تعالى-؛ فعن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد "(رواه أحمد 7-224، وصححه أحمد شاكر)، وعلى ذلك كان أصحاب النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد: "كان ابنُ عمرَ وأبو هريرةَ "-رضي الله تعالى عنهما-" يخرجانِ إلى السوقِ في أيامِ العشرِ يُكبرانِ ويكبرُ الناسُ بتكبيرِهما"(صححه الألباني في إرواء الغليل:651).
ولا يزال المؤمنين في عشر ذي الحجة متنقلين بين نور تلاوة القرآن الكريم ومواجيد الذكر ومنح الصدقات والحرص على الجماعات وصلاة النوافل وصلة الأرحام وحضور مجالس العلم وعيادة المرضى والسعي في حاجة اليتامى والزمنى والمساكين.
وجامع ما سبق هو الإسلام وخصوصاً في هذه العشر المباركة؛ فعن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "تجيءُ الأعمالُ يومَ القيامةِ، فتَجيءُ الصَّلاةُ، فتَقولُ: يا ربِّ، أَنا الصَّلاةُ، فيقولُ: إنَّكِ علَى خيرٍ، فتجيءُ الصَّدقةُ، فتَقولُ: يا ربِّ، أَنا الصَّدقةُ، فَيقولُ: إنَّكِ علَى خيرٍ، ثمَّ يجيءُ الصِّيامُ، فيقولُ أي يا رَبِّ، أَنا الصِّيامُ، فيَقولُ: إنَّكَ علَى خيرٍ، ثمَّ تجيءُ الأعمالُ على ذلِكَ، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: إنَّكَ علَى خيرٍ، ثمَّ يجيءُ الإسلامُ، فيقولُ: يا ربِّ، أنتَ السَّلامُ، وأَنا الإسلامُ، فيقولُ اللَّهُ -عزَّ وجلَّ- إنَّكَ على خيرٍ، بِكَ اليومَ آخُذُ، وبِكَ أُعطي، فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ في كتابِهِ ": (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آل عمران:85]"(رواه أحمد، وصححه أحمد شاكر).
وفي الختام:
فإن أعظم الغنائم هو انتهاز الفرصة؛ فما لها في الأيام بعد ذلك عوضٌ؛ فالهمة على عجل قبل بلوغ الأجل بطهر النيات وصالح العمل.
وأشواق المحبين قد سارت وبقيت الأبدان مرهونة في بلادها بينما سافرت القلوب لتحج وتلبي نداء الحب لرب الأكوان:
يا سائرين إلى البيت العتيق لقد *** سرتم جسوماً وسرنا نحن أرواحاً
إنا أقمنا على عذرٍ وقد رحلوا *** ومن أقام على عذرٍ كمن راحا
وعلى أهل الدثور أن يتوجهوا إلى بقية بنيان المجتمع المؤمن قبل العيد حتى يشبع الجائع ويكتسي العاري ويقضي أهل المطالب في الخير والستر مآربهم.
يرعاكم الرحمن ربُّ الأكوان بفضله الأسْنَى وكرمِهِ الأَوْفَى.
والحمدُ للهِ في المبدأِ والمُنْتَهَى.
----------------------
(1) (الإمام ابن رجب / لطائف المعارف 358 ط1 2005 م بتحقيق عبد الله بن عامر / دار الحديث / القاهرة.
(2) (الإمام ابن كثير / تفسير القرآن العظيم 3/ 415 ط2 بتحقيق سامي بن محمد سلامة – دار طيبة للنشر والتوزيع 1999م).
(3) (الإمام ابن رجب / لطائف المعارف 364: 365 ط1 2005 م بتحقيق عبد الله بن عامر / دار الحديث / القاهرة).
التعليقات