عناصر الخطبة
1/أعظم معلِّم عرفته البشرية 2/توجيهات للمعلمين والآباء 3/إرشادات لأبنائنا الطلاب 4/فضل المعلم على طلابه

اقتباس

اعلمُوا أن كلَّ الأطباءِ والمهندسينَ والضباطِ والقضاةِ ورجالِ الأعمالِ مَدِينُونَ لمعلمِيهِم؛ فبالعلمِ غذَّوْهُمْ، وعلى الفضائلِ رَبَّوْهُمْ، فالمعلمونَ همُ اللَّبِناتُ الأولَى في بناءِ هذا الوطنِ الشامخِ، وجزاؤهُم في الدنيا محفوظٌ، فليكنْ منكمْ لهمُ التكريمُ والتقديرُ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحمدُ للهِ على إمدادِ الآجالِ، وتَعاقُبِ الأجيالِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ وهو شديدُ المحالِ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُهُ الذاكرُ ربَّهُ في كلِ حالٍ، فصلى اللهُ عليهِ وسلمَ تسليمًا كثيرًا في الغُدوِّ والآصالِ.

 

أما بعدُ: فاتقُوا اللهَ؛ فتقوَى اللهِ ما جاورَتْ قلبَ امرئٍ إلا وَصَلْ

 

وإليكمْ قصةَ أفضلِ معلمٍ مع أحدِ تلاميذِهِ، حيثُ سلكَ معه أسلوبًا تربويًا فائقًا رائقًا؛ ولذا قالَ ذلك التلميذُ النجيبُ مادِحاً معلِّمَهُ: "مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ!"، فهلْ عرفتُمْ مَنْ ذلكمُ المعلمُ؟ إنه نبيُنا محمدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والتلميذُ هوَ الصحابيُ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ -رضيَ اللهُ عنهُ-.

 

حيثُ قَالَ في قصتِهِ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: "يَرْحَمُكَ اللهُ"، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: "وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟!"، فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ؛ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ"(رواهُ مسلمٌ)، وقوله: "ما كَهَرَنِي"؛ أي: ما انْتَهَرَني، أرأيتمْ كيفَ رَوعةُ التعليمِ مع بَراعةِ التربيةِ؟!.

 

وإن المجتمعَ يريدُ معلمًا يعامِلُ طالبَهُ وكأنَه يُعامِلُ رجلًا له كرامتُهُ، بل كصاحبٍ له يَرعاهُ ويُراعيهِ، فارفعُوا -أيُها المعلمون والمعلماتُ الأجلاءُ- رايةَ التربيةِ والتحفيزِ والتوجيهِ، ونكِّسُوا رايةَ اللومِ والتحقيقِ والتعنيفِ، وراعُوا فيهمُ اختلافَ المَداركِ والفُهومِ، والخبراتِ والعلومِ.

 

أيُّها المعلمُ: قبلَ أن تبدأَ حصتَكَ خططْ درسَكَ، وحددْ أهدافَكَ، واجذِبْ بأساليبِكَ، وإذا لَمْ يَعُدْ أمامَكَ إلا طلابُكَ لديكَ، فتذكرْ ملائكةَ الرحمنِ بينَ يديكَ، وأن اللهَ في عليائِهَ مُطّلِعٌ عليكَ، فابذلْ وسعَكَ، ولا يكنْ همُّكَ متى تنتهيْ الحصةُ.

 

واعلمْ أنكَ إذا أحببتَ طلابَكَ وأحبوكَ؛ وجدتَ سعادتَكَ بينهم أكثرَ مما تجدُها بين الأصحابِ، ولا تَستهِنْ بكلمةٍ تقولهُا بإخلاصٍ ليُبارِكَ اللهُ فيها، فابذُرْ ما شئتَ أن تَبذُرَ؛ (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ)[الواقعة: 64].

 

معاشرَ معلمِيْ ومعلماتِ الأطفالِ: أنتمْ مؤسِّسونَ، وغيرُكمْ مكمِّلونَ، ومَن أسَّسَ البناءَ ليسَ كمَنْ كمَّلَهُ، ومع الدراسةِ المطوَّرةِ يَستدعِي الأمرُ تجويدًا وتجديدًا في الطرحِ.

 

وبعد غدٍ الأحدِ نادِ أولادَك وأوصِهِم قائلاً: يا أولاديْ، إنكم تتوجهونَ لقلعةٍ من قلاعِ العلمِ، فابدؤُوا فيها: بسمِ اللهِ، والزمُوا الجادةَ، ولتكنْ بدايتُكم جادةٌ، فمن كانتْ له بدايةٌ محرقةٌ كانتْ له نهايةٌ مشرقةٌ.

 

ويا معشرَ المتذمِّرينَ من العَودةِ للمدارسِ: املؤُوا قلوبَكم انشراحًا، وأعدُوا العُدَّةَ، ودعُوا عنكمُ النظرةَ المثبِّطةَ المتثاقلةَ.

 

أيُها الأبُ: ها قدْ وفرتَ لأولادِكَ مستلزماتِهم المدرسيةَ، والتي ربما أرهقَتكَ مادياً، لكنْ هلِ استحضرتَ واحتسبتَ أنكَ بهذا مأجورٌ إذا لم تُسرفْ، ولم تَمْنُنْ ولم تتأفَّفْ، فالنبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ؛ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ"(رواهُ مسلمٌ).

 

لكنِ احذرُوا الإسرافَ، واحذرُوا ما فيه صلبانٌ أو شعاراتٌ لمعبوداتِ الكفارِ على الأدواتِ المدرسيةِ، وليتقِ اللهَ مَن يَبيعُها ومَن يَشتريْها ومن يَلبسُها، فنبيُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ"(رواهُ البخاريُ).

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ مُعطِينا، والصلاةُ والسلامُ على هادِينا، أما بعدُ:

 

فيا بُنيَّ ويا بِنتيَ: هلْ أنتما مُستحضِرانِ للنيةِ الصالحةِ لطلبِ العلمِ؟ وهل ستتذكرانِ يومَ تَسعَيانِ كُلَّ صباحٍ للدراسةِ قولَه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا؛ سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"(رواهُ مسلمٌ)؟.

 

يا أولادَنا الطلابَ: اعلمُوا أن كلَّ الأطباءِ والمهندسينَ والضباطِ والقضاةِ ورجالِ الأعمالِ مَدِينُونَ لمعلمِيهِم؛ فبالعلمِ غذَّوْهُمْ، وعلى الفضائلِ رَبَّوْهُمْ، فالمعلمونَ همُ اللَّبِناتُ الأولَى في بناءِ هذا الوطنِ الشامخِ، وجزاؤهُم في الدنيا محفوظٌ، فليكنْ منكمْ لهمُ التكريمُ والتقديرُ والدعاءُ والوفاءُ.

 

وربَّما تذكرونَ أن مِن زملائِكم مَن كانوا عناءً على المدرسةِ وعلى أهلِيهِم، فصبَرَ معلمُوهُم عليهم، وبتوفيقِ اللهِ صارَ صلاحُهم على أيدِيهِم!.

 

يا أولادَنا وفلذاتِ أكبادِنا: افتخِرُوا بوطنِكُمُ الذي بذلَ لكمُ الكثيرَ، إنه وطنُ التوحيدِ والإيمانِ، والأمنِ والأمانِ، ويُحكَمُ فيهِ بشرعِ الرحمنِ، ويُجَلْجِلُ في سَماهُ صوتُ الأذانِ، بلدُكُم تستقبلُهُ أقطارُ الدنيا كلَّ يومٍ خمسَ مراتٍ.

 

بلدُكُمْ يفيضُ بالخيراتِ والهِباتِ، فاشكرُوا نعمةَ اللهِ علينا، حيثُ تَرصُدُ دولتُنا -وفقَها اللهُ- أضخمَ ميزانيةٍ للتعليمِ، مع تكامُلٍ للتجهيزاتِ والمباني، وتسهيلٍ لوسائلِ تحصيلِ العلمِ؛ (كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ)[سبأ: 15].

 

فاللهم لكَ الحمدُ كالذي تقولُ وخيرًا مما نقولُ، ربنا أوزعنا شكرَ نعمِك الظاهرةِ والباطنةِ، اللهم وفقْ طلابَنا وطالباتِنا ومعلمِينا ومعلماتِنا، وقادةَ التعليمِ للسدادِ والرشادِ، ربَّنا أوزعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ علينا وعلى والدَينا وأن نعملَ صالحًا ترضاهُ وأدخلْنا برحمتِك في عبادِك الصالحينَ، اللهم ارزقْنا برَّهما أحياءً وأمواتًا، اللهم وفقْ مليكَنا ووليَ عهدِه، وسددْهم في أقوالِهم وأعمالِهم، واجعلهُم وجنودَنا في ضمانِك وأمانِك.  

 

اللهم صلِ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life