عبادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وفضل شعبان

الشيخ عايد بن علي القزلان التميمي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/المثل الأعلى في العبادة والطاعة 2/الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم- في عبادته وفي جميع أحواله 3/هدي النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان.

اقتباس

نحن بحاجة إلى الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم- في عبادته وفي جميع أحواله، وخاصة في هذه الأزمان التي تضطرب بالفتن والمغريات والشهوات أشد حاجة إليها لتثبيت الإيمان وترسيخ الأقدام على الطريق المستقيم .

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي اصطفى نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- من سائر بني الإنسان، وجعل فيه الأسوة والقدوة في سائر الأزمان، وفرض علينا محبته، وجعلها شرطاً في صحة الإيمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله. صلى عليه وعلى أصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله.

 

أيها المؤمنون: عندما نتأمل في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- نعلم من خلالها أنه -صلى الله عليه وسلم- قد ضرب لأمته مثلاً أعلى في العبادة والاتباع لأمر ربه -تعالى- حتى إن الله -تعالى- جعله المثل الأعلى، والقدوة الصالحة، التي ينبغي على كل مسلم الاقتداء بها إلى يوم القيامة، فقال الله -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب:22].

 

عباد الله :كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كثير العبادة؛ من صلاة وصيام، وذكر ودعاء، وغير ذلك من أنواع العبادة، وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا عمل عملاً أثبته، وحافَظ عليه؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كَانَ نَبِيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَحَبَّ أَنْ يُدَاوِمَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا غَلَبَهُ نَوْمٌ أَوْ وَجَعٌ عَنْ قِيَامِ اللَّيْلِ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً"(رواه مسلم).

 

وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدع قيام الليل، وكان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه. فلمَّا قيل له في ذلك؟ قال: "أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً؟"(متفق عليه).

 

وعن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنهما-، قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، ذاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَح البقَرَةَ، فقلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فقلتُ: يُصَلَّي بِهَا في ركْعَةٍ، فمَضَى، فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا، ثُمَّ افْتَتَح النِّسَاءَ فَقَرأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَها، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذا مَرَّ بِآيَةِ فِيها تَسْبيحٌ سَبَّحَ، وَإِذا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ، وَإذَا مَرَّ بتَعوَّذ تَعَوَّذَ، ثُمَّ رَكَعَ، فجعَل يَقُولُ: سُبْحَانَ ربِّي العظيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: سمِع اللَّه لمَنْ حَمِدَه، رَبَّنَا لَكَ الحْمدُ ثُمَّ قامَ طَويلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجد فَقَالَ: سُبْحانَ رَبِّيَ الأَعْلى فَكَانَ سَجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ".(رواه مسلم).

 

عباد الله: وكَانَ -صلى الله عليه وسلم- يُحَافِظُ عَلَى عَشْرِ رَكَعَاتٍ فِي الْحَضَرِ دَائِمًا:  رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصّبْحِ .

 

وكانت محافظته على سنة الفجر أشد من جميع النوافل، ولم يكن يدعها هي والوتر، لا حضراً ولا سفراً، ولم يُنْقَل أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى في السفر راتبة غيرهما. وكان يصلي أحياناً قبل الظهر أربعاً. وقام ليلة بآية يتلوها ويرددها حتى الصباح.

 

أيها المؤمنون: وكان -صلى الله عليه وسلم- يتحرى صوم الاثنين والخميس. (رواه الترمذي وحسنه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "تُعرَضُ الأعمالُ يومَ الاثنينِ والخميسِ فأحبُّ أن يُعرَضَ عملي وأنا صائمٌ"(رواه الترمذي).

 

وكان -صلى الله عليه وسلم- يصوم من كل شهر ثلاثة أيام؛ فعن مُعاذةَ العَدَوِيَّةِ أَنَّها سَأَلَتْ عائشةَ -رضيَ اللَّه عَنْهَا-: "أَكانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يصومُ مِن كُلِّ شَهرٍ ثلاثةَ أَيَّامٍ؟ قَالَت: نَعَمْ. فَقُلْتُ: منْ أَيِّ الشَّهْر كَانَ يَصُومُ؟ قَالَتْ: لَمْ يَكُن يُبَالي مِنْ أَيِّ الشَّهْرِ يَصُومُ"(رواهُ مسلمٌ).

 

و"كان -صلى الله عليه وسلم- يصوم عاشوراء، ويأمر بصيامه"(متفق عليه). وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "لمْ أَرَ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَصُومُ في شهرٍ أكثرَ من صِيامِهِ للهِ في شَعْبانَ، كان يَصُومُ شَعْبانَ إلَّا قَلِيلاً"(متفق عليه).

 

ولم يصم شهر كاملاً إلا رمضان .

 

أيها المؤمنون: وأما عبادة الذِّكر؛ فقد كان لسان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يفتر عن ذكر الله -عز وجل-، فكان يذكر الله -عز وجل- في كافة أحواله، فكان إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً، وقال: "اللهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ"(رواه مسلم).

 

وكَان إِذَا فَرغَ مِنَ الصَّلاة وسلَّم قالَ: "لاَ إلهَ إلاَّ اللَّه وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ، وهُوَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مانِعَ لِمَا أعْطَيْتَ، وَلا مُعْطيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ ينْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجدُّ"(متفقٌ عليهِ).

 

وكان -صلى الله عليه وسلم- يكثر من دعاء: "يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي على دينِكَوعن أنس -رضي الله عنه- قال: كان أكثر دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخِرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ"(متفق عليه).

 

وكان -صلى الله عليه وسلم- يكثر من الاستغفار؛ فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كنا نَعُدّ لرَسُول اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- في المجلس مائة مرة: "رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم"(رَوَاهُ أبُو دَاوُدَ وَالْتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ صحيح).

 

عباد الله: نحن بحاجة إلى الاقتداء بالرسول -صلى الله عليه وسلم- في عبادته وفي جميع أحواله، وخاصة في هذه الأزمان التي تضطرب بالفتن والمغريات والشهوات أشد حاجة إليها لتثبيت الإيمان وترسيخ الأقدام على الطريق المستقيم .

 

بارك الله لي ولكم …

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده رسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون، فإن يوم غدٍ إن شاء الله سيكون بداية شهر شعبان، وهو شهر تكثر فيه الغفلة من الناس، وهو شهر تُرْفَع فيه الأعمال لرب العالمين؛ كما جاء ذلك في حديث عن رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر الصوم فيه؛ "فكان يصومه إلا قليلاً".

 

والحكمة من ذلك كما في الحديث أنه شهر يغفل فيه الناس بين رجب ورمضان، ومن الحِكَم في صوم شعبان ذكرها بعض العلماء؛ حيث قالوا: إن صومه بمنزلة الراتبة للفريضة للصلوات؛ فهو راتبة شهر رمضان القبلية، كما أن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان راتبة رمضان البعدية، وهذا التعليل ليس ببعيد، فمن لديه قدرة ولا يشغله الصوم عما هو أهم منه فليصم أياما من شعبان؛ اقتداءً برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتحصيلاً للثواب والأجر.

 

نسأل الله أن ييسِّر لنا ولكم الأمور والسبل إلى جنات النعيم، إنه على كل شيء قدير.

 

عباد الله: صلوا وسلموا على رسول الله..

المرفقات
عبادة-الرسول-صلى-الله-عليه-وسلم-وفضل-شعبان.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life