ظاهرة ضعف الإيمان أعراضها أسبابها علاجها

محمد عبد العزيز اللحيدان

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: مقالات في الوعي

اقتباس

وقبل الشروع في الكلام عن العلاج يحسن أن نذكر ملاحظة وهي: أن كثيراً من الذين يحسون بقسوة في قلوبهم يبحثون عن علاجات خارجية يريدون الاعتماد فيها على الآخرين مع أن بمقدورهم علاج أنفسهم بأنفسهم وهذا هو الأصل؛ لأن الإيمان علاقة بين العبد وربه.

 

 

 

إن ظاهرة ضعف الإيمان مما عم وانتشر في المسلمين؛ وهناك من الناس من يشتكي من قسوة قلبه، وتتردد عباراتهم: "أحس بقسوة في قلبي"، "أقع في المعصية بسهولة" وكثيرون آثار المرض عليهم بادية.

 

وهذا المرض أساس كل مصيبة وسبب كل نقص وبلية. وموضوع القلوب موضوع حساس ومهم، وقد سمي القلب قلباً لسرعة تقلبه، قال عليه الصلاة والسلام: «إنما سمي القلب من تقلبه، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهراً لبطن» (رواه أحمد: [4/408] وهو في صحيح الجامع: [2365]). وهو شديد التقلب كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لقلب ابن آدم أسرع تقلباً من القدر إذا استجمعت غلياناً» (أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب السنة رقم: [226] وإسناده صحيح: ظلال الجنة: [1/102]).

 

وحيث أن «الله يحول بين المرء وقلبه، وأنه لن ينجو يوم القيامة إلا من أتى الله بقلب سليم» وأن الويل (لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ) [الزمر:22] وأن الوعد بالجنة لـ (مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ) [ ق:33] كان لا بد للمؤمن أن يتحسس قلبه، ويعرف مكمن الداء وسبب المرض، ويشرع في العلاج قبل أن يطغى عليه الران فيهلك؛ والأمر عظيم والشأن خطير؛ فإن الله قد حذرنا من القلب القاسي والمقفل والمريض والأعمى والأغلف والمنكوس والمطبوع والمختوم عليه.

 

وفيما يلي محاولة للتعرف على مظاهر مرض ضعف الإيمان وأسبابه وعلاجه:

أولاً: مظاهر ضعف الإيمان: إن لمرض ضعف الإيمان أعراضاً ومظاهر متعددة، منها:

1- الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات: من العصاة من يرتكب معصية معينة يصر عليها، ومنهم من يرتكب أنواعاً شتى من المعاصي، وكثرة الوقوع في المعصية يؤدي إلى تحولها إلى عادة مألوفة، ثم يزول قبحها في القلب تدريجياً حتى يقع العاصي في المجاهرة بها ويدخل في حديث: «كل أمتي معافى إلا المجاهرين... إلخ» (رواه البخاري، فتح: [10/486]، ط دار الفكر).

 

2- ومنها: الشعور بقسوة القلب وخشونته: حتى يحس الإنسان أن قلبه قد انقلب حجراً صلداً لا يترشح منه شيء، ولا يتأثر بشيء، والله جل وعلا يقول: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً) [البقرة:74].

 

وصاحب القلب القاسي لا تؤثر فيه موعظة الموت ولا رؤية الأموات، وربما حمل الجنازة بنفسه، وواراها بالتراب، لكن سيره بين القبور كسيره بين الأحجار.

 

3- ومنها: عدم إتقان العبادات: ومن ذلك شرود الذهن أثناء الصلاة، وتلاوة القرآن والأدعية ونحوها، وعدم التدبر والتفكر في معاني الأذكار.

 

4- ومن مظاهر ضعف الإيمان: التكاسل عن الطاعات والعبادات، وإضاعتها، وإذا أداها فإنما هي حركات جوفاء لا روح فيها، وقد وصف الله -عز وجل- المنافقين بقوله: (وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى) [النساء:142] ويدخل في ذلك عدم الاكتراث لفوات مواسم الخير وأوقات العبادة؛ وهذا يدل على عدم اهتمام الشخص بتحصيل الأجر.

 

5- ومن المظاهر: ضيق الصدر، وتغير المزاج، وانحباس الطبع حتى كأن على الإنسان ثقلاً كبيراً ينوء به فيصبح سريع التضجر والتأفف من أدنى شيء.

 

6- ومن المظاهر أيضاً: عدم التأثر بآيات القرآن لا بوعده ولا بوعيده، ولا بأمره ولا نهيه، ولا في وصفه للقيامة، فضعيف الإيمان يمل من سماع القرآن، ولا تطيق نفسه مواصلة قراءته فكلما فتح المصحف كاد أن يغلقه.

 

7- ومنها: الغفلة عن الله -عز وجل- عن ذكره ودعائه سبحانه وتعالى فيثقل الذكر على الذاكر، وإذا رفع يده للدعاء سرعان ما يقبضهما ويمضي؛ وقد وصف الله المنافقين بقوله: (إنَّ المُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إلاَّ قَلِيلاً) [النساء:142].

 

8- ومن مظاهره: الفزع والخوف عند نزول المصيبة أو حدوث مشكلة؛ فتراه مرتعد الفرائص، مختل التوازن، شارد الذهن، شاخص البصر، يحار في أمره عندما يصاب بملمة أو بلية، فتنغلق في عينيه المخارج، وتركبه الهموم؛ فلا يستطيع مواجهة الواقع بجنان ثابت وقلب قوي، وهذا كله بسبب ضعف إيمانه.

 

9- ومنها: الشح والبخل: فلا شك أن ضعف الإيمان يولد الشح؛قال عليه الصلاة و السلام: «لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً» (رواه النسائي: المجتبى: [6/13]، وهو في صحيح الجامع: [2678]).

 

10- ومن مظاهر ضعف الإيمان: التعلق بالدنيا، والشغف بها، والاسترواح إليها، فيتعلق القلب بالدنيا إلى درجة أن يحس بالألم إذا فاته شيء من حظوظها كالمال والجاه والمنصب والمسكن، ويعتبر نفسه سيئ الحظ، ويحس بألم أكثر إذا رأى أخاه المسلم قد نال بعض ما فاته هو من حظوظ الدنيا.

 

11- عدم الاهتمام بقضايا المسلمين، ولا التفاعل معها لا بدعاء ولا صدقة ولا إعانة؛ فهو بارد الإحساس تجاه ما يصيب إخوانه في بقاع العالم من تسلط العدو والقهر والاضطهاد والكوارث، فيكتفي بسلامة نفسه؛ وهذا نتيجة ضعف الإيمان.

 

ثانياً: أسباب ضعف الإيمان:

1- الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فترة طويلة: وهذا مدعاة لضعف الإيمان في النفس، يقول الله -عز وجل-: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16].

 

2- ومن الأسباب: الابتعاد عن طلب العلم الشرعي والاتصال بكتب السلف والكتب الإيمانية، التي تحيي القلب؛ فهناك أنواع من الكتب يحس القارئ بأنها تستثير في قلبه الإيمان، وتحرك الدوافع الإيمانية الكامنة في نفسه؛ وعلى رأس هذه الكتب: كتاب الله تعالى وكتب الحديث، ثم كتب العلماء المجيدين في الرقائق والوعظ الذين يحسنون عرض العقيدة بطريقة تحيي القلب، مثل: كتب العلامة ابن القيم، وابن رجب، وغيرهما.

 

3- ومنها: وجود الإنسان في وسط يعج بالمعاصي؛ فهذا يتباهى بمعصية ارتكبها، وآخر يترنم بألحان أغنية وكلماتها، وثالث يدخن، ورابع يبسط مجلة ماجنة، وخامس لسانه منطلق باللعن والسباب والشتائم... وهكذا، أما القيل والقال والغيبة والنميمة وأخبار المباريات فمما لا يحصى كثرة.

 

4- طول الأمل: قال الله تعالى: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) [الحجر:3] وقال علي رضي الله عنه: «إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل. فأما اتباع الهوى: فيصد عن الحق، وأما طول الأمل: فينسي الآخرة» (فتح الباري: [11/236]، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: [1/52] - رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن). وجاء في الأثر: "أربعة من الشقاء: جمود العين، وقسوة القلب، وطول الأمل، والحرص على الدنيا". وقيل: "من قصر أمله قصر همه وتنوّر قلبه؛ لأنه إذا استحضر الموت اجتهد في الطاعة" (فتح الباري: [11/237]).

 

5- ومن أسباب ضعف الإيمان وقسوة القلب: الإفراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة، وكثرة الضحك؛ فإن الوقت الذي لا يُملأ بطاعة الله تعالى ينتج قلباً صلداً لا تنفع فيه زواجر القرآن ولا مواعظ الإيمان.

 

ثالثاً: علاج ضعف الإيمان:

روى الحاكم في مستدركه والطبراني في مجمعه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الإيمان ليَخلق في جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب؛ فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم» (رواه الحاكم في المستدرك 1/4، وهو في السلسلة الصحيحة، 1585). والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينما القمر مضيء إذا علته سحابة فأظلم؛ إذ تجلت عنه فأضاء» (رواه أبو نعيم في الحلية: [2/196]، وهو في السلسلة الصحيحة: [2268]).

 

وقبل الشروع في الكلام عن العلاج يحسن أن نذكر ملاحظة وهي: أن كثيراً من الذين يحسون بقسوة في قلوبهم يبحثون عن علاجات خارجية يريدون الاعتماد فيها على الآخرين مع أن بمقدورهم علاج أنفسهم بأنفسهم وهذا هو الأصل؛ لأن الإيمان علاقة بين العبد وربه.

 

وفيما يلي ذكر عدد من الوسائل الشرعية التي يمكن للمرء المسلم أن يعالج بها ضعف إيمانه ويزيل قسوة قلبه بعد الاعتماد على الله -عز وجل- وتوطين النفس على المجاهدة:

 

1- تدبر القرآن الكريم الذي أنزله الله -عز وجل- تبياناً لكل شيء ونوراً يهدي به سبحانه من شاء من عباده، ولا شك أن فيه علاجاً عظيماً ودواءً فعالاً؛ قال الله -عز وجل-: (وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ) [الإسراء:82] أما طريقة العلاج فهي: التفكر، والتدبر.

 

2- استشعار عظمة الله -عز وجل- ومعرفة أسمائه وصفاته، والتدبر فيها، وعقل معانيها، واستقرار هذا الشعور في القلب وسريانه إلى الجوارح لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب؛ فهو ملكها وسيدها وهي بمثابة جنوده وأتباعه؛ فإذا صلح صلحت، وإذا فسد فسدت.

 

3- لزوم حلق الذكر وهو يؤدي إلى زيادة الإيمان لعدة أسباب: منها ما يحصل فيها من ذكر الله، وغشيان الرحمة، ونزول السكينة، وحف الملائكة للذاكرين، قال صلى الله عليه وسلم: «لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» (صحيح مسلم: [2700] ).

 

4- ومن الأسباب التي تقوي الإيمان الاستكثار من الأعمال الصالحة، وملء الوقت بها؛ وهذا من أعظم أسباب العلاج؛ وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير.

 

5- تنويع العبادات: من رحمة الله وحكمته أن نوّعَ لنا العبادات؛ فمنها ما يكون بالبدن كالصلاة، ومنها ما يكون بالمال كالزكاة، ومنها ما يكون بهما معاً كالحج، ومنها ما هو باللسان كالذكر والدعاء. وهكذا فإن من يتتبع العبادات يجد تنويعاً عظيماً في الأعداد، والأوقات، والهيئات، والصفات، والأحكام؛ ولعل من الحكمة في ذلك أن لا تمل النفس ويستمر التجدد.

 

6- ومن علاج ضعف الإيمان: الخوف من سوء الخاتمة؛ لأنه يدفع المسلم إلى الطاعة، ويجدد الإيمان في القلب. وأما سوء الخاتمة فأسبابها كثيرة: منها ضعف الإيمان، والانهماك في المعاصي.

 

7- ومن الأمور بالغة الأهمية في علاج ضعف الإيمان: ذكر الله تعالى وهو جلاء القلوب وشفاؤها، ودواؤها عند اعتلالها، وهو من روح الأعمال الصالحة وقد أمر الله تعالى به فقال: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً)   [الأحزاب:41].

 

8- ومن الأمور التي تجدد الإيمان في القلب: الولاء والبراء أي موالاة المؤمنين ومعاداة الكافرين؛ وذلك أن القلب إذا تعلق بأعداء الله يضعف جداً وتذوي معاني العقيدة فيه.

 

9- وللتواضع دور فعال في تجديد الإيمان وجلاء القلب من صدأ الكبر؛ لأن التواضع في الكلام والأفعال والمظهر دال على تواضع القلب لله، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «البذاذة من الإيمان» (رواه ابن ماجة: [4118]، وهو في السلسلة الصحيحة: [314] (اراد التواضع في الهيئة واللباس انظر النهاية لابن الأثير: [1/110]). وقال أيضاً: «من ترك اللباس تواضعاً لله وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء  يلبسها» (رواه الترمذي رقم:  [2481]، وهو في السلسلة الصحيحة: [718]).

 

10- ومحاسبة النفس مهمة في تجديد الإيمان يقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) [الحشر:18].

 

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا"، وقال ابن القيم رحمه الله: "هلاك النفس من إهمال محاسبتها ومن موافقتها واتباع هواها".

 

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجدد الإيمان في قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجهم وسلم تسليماً كثيراً.

 

 

 

التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life