عناصر الخطبة
1/حادثة سقوط الطفل المغربي في بِئر عميقة 2/بعض الدروس والعبر المستفادة من حادثة سَقوط الطِفل المغربي في بِئر عميقة

اقتباس

لقد بَعثَ "ريَّانُ" رِسالةً لجميعِ أطفالِ المُسلمينَ: أنَّ الجميعَ يُحبُّهم ويتألمُ لألمِهم، وأنَّهم أغلى عِندَنا من كُلِّ شيءٍ. وتعلَّمنا من هذهِ الحادثةِ: أنَّ قدرَ اللهِ هو الأفضلُ، وأنَّ حُسنَ الظَّنِّ باللهِ هو الأجملُ، ففي الوقتِ الذي كُنَّا نتمنى رُجوعَ ريَّانَ إلى والديهِ في الدُّنيا أرادَ اللهُ -تعالى- كفالتَه لإبراهيمَ -عليهِ السلامُ- وسارةَ في الجنَّةِ. وفي الوقتِ الذي كُنَّا...

الخطبة الأولى:

 

الحَمدُ للهِ المُتفرِّدِ بالدَّوامِ والبَقاءِ، الذي كَتبَ عَلى كُلِّ المَخلوقاتِ الفَناءَ، نَحمدُه تَعالى عَلى قَضائه وقَدرِه، وصَفاءِ الأَمرِ وكَدَرِه، ونَشكرُهُ في حَالِ السَرَّاءِ والضَّرَّاءِ، والشِّدَّةِ والرَّخاءِ، ونَسألُهُ الصَّبرَ عَلى مُرِّ القَضاءِ، ونَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَهُ، ونَشهدُ أَن سَيدَنا ونَبيَّنا محمداً عَبدُ اللهِ ورَسولُه، إمامُ الحُنفاءِ، وسَيِّدُ الأصفياءِ، صَلَّى اللهُ وسَلمَ وبَاركَ عَليهِ وعَلى آلِهِ الأتقياءِ الأنقياءِ، وصَحْبِهِ بُدُورِ الاهتداءِ، وأَنجُمِ الاقتداءِ، والتَّابعينَ ومن تَبعَهم بإحسانٍ مَا دَامتْ الأرضُ والسَّماءُ.

 

أما بَعدُ: أُوصيكُم ونَفسي بتَقوى اللهِ -تَعالى-: (وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)[البقرة: 281].

 

خَبرٌ قد يَكونُ خَبراً عاديَّاً: "سَقوطُ طِفلٍ لم يَتجاوزْ الخَامسةَ مِن عُمُرِه في بِئرٍ عَميقةٍ، بِقَريةٍ نائيةٍ شمالِ المغربِ، فِيمَا تَتَواصلُ الجُهودُ لإنقاذِهِ وانتِشَالِهِ مِنْ دَاخلِ البِئرِ"، ولكنْ حَصَلَتْ أُمورٌ غَريبةٌ جِسامٌ، في حَدثِ الخمسةِ أيامٍ، تَعلَّمنا فيهِ مَواعظَ ودُروسَ عَظيمةً مِن عجائبِ أقدارِ اللهِ الحَكيمةِ.

 

لقدْ ظَهَرَ جليَّاً في هذهِ الحادثةِ المُثيرةِ حَقيقةُ المَعاني الكَبيرةِ في قَولِهِ تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)[المؤمنون: 52]، وعِشنا واقِعاً مَعنى قَولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"، فكَانَ كلُّ كبيرٍ هو أبٌّ للطِّفلِ ريَّانَ، وكلُّ كَبيرةٍ هي أمٌّ لريَّانَ، وكلُّ صغيرٍ هو أخوهُ، وكلُّ صَغيرةٍ هي أختُه، سَكَنَتْ المَشاعرُ المُختلطةُ كلَّ البيوتِ، ما بينَ قَلَقٍ وخوفٍ ورَجاءٍ، وما بينَ تَضرُّعٍ وابتَهالٍ ودُعاءٍ، وهَكذا هم المؤمنونَ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، إخوةٌ يَشدُّ بَعضُهم بَعضَاً كالبُنيانِ، فَشُكراً لكَ أيَّها الطِّفلُ الحبيبُ ريَّانُ.

 

إذا اشتَـكَى مُسلمٌ في الهِندِ أَرّقَنِـي *** وإنْ بَكَى مِسلمٌ في الصِّينِ أَبكَاني

شريـعةُ اللـهِ لَمّتْ شَمْلَـنا وبَنَتْ *** لنـا مَعـالِمَ إحســانٍ وإيمانِ

 

لقد رَأينا في عَينِ أبيهِ شيئاً من حُزنِ يعقوبَ -عليهِ السَّلامُ-، وكأننا نسمعُ لِسانَ حالِه ومَقالِه وهو يُردِّدُ: (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ)[يوسف: 18].

 

ولقد رَأينا أمَّهُ وقد أصبحَ فؤادُها فَارغاً إلا من ذِكرِ ريَّانَ، وكأننا نَنظرُ إلى رحمةَ اللهِ بِها حِينَ رَبطَ على قلبِها، ونَتذكَّرُ شُعورَنا عندما نفقدُ طِفلَنا لحظاتٍ، أو يُقفَلُ عليهِ بابُ الغُرفةِ لساعاتٍ، فكيفَ بِطِفلٍ يُحاصرُه الجوعُ والبَردُ في الظُّلماتِ.

 

فيا أيَّها الأبناءُ: رِفقاً بقلوبِ الأمَّهاتِ والآباءِ.

 

بَكَى أَبُوهُ وَلَمْ تُؤْنِسْهُ دَمْعَتُهُ *** فَالْقَلْبُ مُنْفَطِرٌ وَالْعَقْلُ حَيْرَانُ

وَفِي فَرَاغِ فُؤَادِ الأُمِّ تَذْكِرَةٌ *** مِنْ أُمِّ مُوسَى وَبَعْضُ الفَقْدِ نِيرَانُ

 

لَقدْ عَلِمنا من هذهِ الحادثةِ: حَقيقةَ الحياةِ الدُّنيا، وأنَّها لا تَستَقرُ على حالٍ، فمِن حَالِ الدَهشةِ والذُّهولِ الذي أصابَ الجميعَ عندَ سماعِ الخَبرِ، إلى حالِ القَلقِ والتَّوترِ الذي سَيطرَ على المَوقفِ مع عَملياتِ الحَفرِ والإنقاذِ، إلى حالِ الخَوفِ والتَّرقبِ في اللَّحظاتِ الأخيرةِ لإخراجِ الطَّفلِ من البِئرِ، إلى حالِ الفَرحِ والبَهجةِ الذي كَسَى مَشاعرَ الجَميعِ حِينَ رؤيتِه مَحمولاً إلى سيَّارةِ الإسعافِ، إلى حالِ الحُزنِ والأسى الذي خيَّمَ على الجميعِ عندما أُعلنَ وَفاتُه، وهكذا الدُّنيا لا تُراعي الأحاسيسَ والمشاعرَ، ولا يَفوزُ فيها إلا الصَّابرُ الشَّاكرُ، فالعاقلُ يعلمُ أنَّ هذهِ الدَّارَ ليستْ دارَ قَرارٍ، وصدقَ مؤمنُ آلِ فِرعون حِينَ نصحَ قَومَه بقَولِه: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)[غافر: 39].

 

وَوَفَاةُ رَيَّانٍ وَحُزنُ رَحيلِهِ *** حُزنُ الجَميعِ ولَيسَ حُزنُ المغربِ

وكَأنَّما التَّأخيرُ جَاءَ لحِكمَةٍ *** لِعَزاءِ أُمٍّ أو لَتَصبيرِ الأبِ

مِنْ أَجلِ أَنْ تَدعو مَلايينٌ لَهُ *** في مَسجدٍ أو مَنزلٍ أَو مَوكبِ

 

بَاركَ اللهُ لي ولكم بالقرآنِ العَظيمِ، ونَفعنا بهدي سَيِّدِ المُرسلينَ.

 

أَقولُ مَا تَسمعونَ، وأَستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كُلِّ ذَنبٍ وخَطيئةٍ، فاستغفروه إنَّه هو الغَفورُ الرَّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ المحمودِ عَلى كُلِّ حَالٍ، المُتصرفِ بخَلقِهِ عَلى كَلِّ الأحوالِ، أَحمدُه سُبحانَه وأَشكرُه، وأَشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وَحدَه لا شَريكَ لَهُ، يَفعلُ مَا يَشاءُ، ويَحكُم ما يُريدُ، وأَشهدُ أنَّ مُحمداً عَبدُه ورَسولُه المَبعوثُ رَحمةً للعَالمينَ، صَلَّى اللهُ وسَلمَ عَليهِ وعَلى آلِهِ وأَصحابِه والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ إلى يَومِ الدِّينِ.

 

أما بعد: لقد بَعثَ "ريَّانُ" رِسالةً لجميعِ أطفالِ المُسلمينَ: أنَّ الجميعَ يُحبُّهم ويتألمُ لألمِهم، وأنَّهم أغلى عِندَنا من كُلِّ شيءٍ، ولكنَّ الفَرقَ أننا قد نَكونُ عَلِمَنا بِمأساةِ ريَّانَ ولم نَعلمْ بمَأساةِ غَيرِه، وأنَّ وَسائلَ الإعلامِ قَد نَشَرت أحداثَ قِصَّتِه ولم تنشرْ قِصَّةَ غَيرِه، وأنَّ الفُرصةَ كانتْ سانحةً للجميعِ في التَّعبيرِ عن مَشاعرِهم الحقيقيةِ.

 

كَانَ طِفْلَ الأرضِ ثُمَّ انطَلَقَا *** صَاعِداً نَحوَ العُلا وانْعَتَقا

تَركَ البِئرَ التي عَطَّرَها *** وَمَضى عَنها وجَازَ الأُفُقا

هَزَّ رَيَّانُ قُلوبَ النَّاسِ مَا *** مَدَّ كَفَّاً نَحوَهمُ أَو نَطَقا 

عَلَّمَ الدُّنيا التي فَارقَها *** أنَّ مَن أَضمرَ خَيراً سَبَقا

 

لقد تعلَّمنا في هذهِ الحادثةِ: أنَّ قدرَ اللهِ هو الأفضلُ، وأنَّ حُسنَ الظَّنِّ باللهِ هو الأجملُ، ففي الوقتِ الذي كُنَّا نتمنى رُجوعَ ريَّانَ إلى والديهِ في الدُّنيا أرادَ اللهُ -تعالى- كفالتَه لإبراهيمَ -عليهِ السلامُ- وسارةَ في الجنَّةِ.

 

وفي الوقتِ الذي كُنَّا ننتظرُ ريَّانَ ليَخرجَ إلينا أرادَهُ اللهُ -تعالى- لِيَعرجَ إليهِ، فقبلَ أن تَنتشلَ فِرقةُ الإنقاذِ أعضاءَه المَجروحةَ، كانَ مَلَكُ الموتِ قد سبَقَهم فَقَبضَ روحَه، وما أجملَ قَولَ أَبي الحَسنِ التِّهاميِّ عِندَما فَقدَ ابنَه:

 

جاوَرتُ أَعدائي وَجاوَرَ رَبَّهُ *** شَتَّانَ بَينَ جِوارِهِ وَجِواري

 

فالحمدُ للهِ أولاً وآخراً، وباطناً وظَاهراً، إن للَّه مَا أَخَذَ، ولهُ مَا أعْطَى، وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسمَّى.

 

اللهمَّ اجعلْ ريَّانَ فَرطَاً وذِخراً لوالديه، وشَفيعاً مُجاباً، اللهمَّ ثَقلْ به مَوازينَهما، وأَعظمْ به أُجورَهما، وأَلحقهُ بصَالحِ المؤمنينَ، اللهمَّ اربطْ على قَلبِ وَالديهِ، وأَفرغْ عليهما صَبراً.

 

اللهمَّ أَنزلْ السكينةَ على كُلِّ مُصابٍ، وأَلهمْ الصبرَ لمن ابتليَ بفَقدِ الأحبابِ، واجعلنا اللهمَّ ممن يَصبرُ على القَضاءِ ويَرضى بالبلاءِ.

 

اللهمَّ أصلح لنا نياتِنا وذُرِّياتِنا، اللهمَّ اجعلهم هُداةً مُهتدينَ، واكفهم شَرَّ الأشرارِ وكَيدَ الفجارِ.

 

اللهمَّ حبب إليهم الإيمانَ، وزَيِّنْهُ في قلوبِهم، وكرِّه إليهم الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ، واجعلهم من الرَّاشِدينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

 

المرفقات
VE3zqwayls8KeCHjHiLLBEV4wPfPNaRhFaQSZ0OU.pdf
hssVONm1EjuNUVkTdCjJS5ZpWOC5NrKAtEDyc1Jb.doc
التعليقات
زائر
16-10-2022

الله يرحمه برحمته الواسعة ويدخله الفردوس الاعلى مع الانبياء والمرسلين والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا باذن الله

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life