طريق الجنة والنار

محمد بن سليمان المهوس

2024-09-09 - 1446/03/06
عناصر الخطبة
1/قرب الجنة والنار من العبد 2/طريقا الجنة والنار: الشهوات والمكاره 3/من الأعمال الصالحة التي تدخل الجنة 4/من أيسر الطرق لدخول الجنة

اقتباس

فَهَتْكُ حِجابِ الجَنَّةِ بِاقْتِحَامِ المَكَارِهِ، وَهَتْكُ حِجابِ النَّارِ بِارْتِكَابِ الشَّهَوَاتِ؛ فَأَمَّا المَكَارِهُ فَيَدْخُلُ فِيهَا الاِجْتِهَادُ فِي الْعِبَادَةِ، وَالمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا، وَالصَّبْرُ عَلَى مَشَاقِّهَا، وَكَظْمُ الْغَيْظِ، وَالْعَفْوُ، وَالْحِلْمُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالإِحْسَانُ إِلَى المُسِيءِ، وَالصَّبْرُ عَنِ الشَّهَواتِ، وَنَحوِ ذَلِكَ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70  -71].

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ، وَكُلَّ ضَلاَلَةٍ فِي النَّارِ.

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَخْرَجَ البُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَــدِيثِ عَبْـدِ اللهِ بنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "الْجَنَّةُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذَلِكَ"، فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ يُبَيِّن -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ الجَنَّةَ لَيْسَتْ عَنْ بَعْضِنَا بِبَعِيدٍ، بَلْ هِيَ أقْرَبُ إلَى أَحْدِنَا مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ، أقْرَبُ إلَيهِ مِنَ السَّيْرِ الذِي يَكُونُ عَلَى ظَهْرِ قَدَمِهِ، أوْ مَا يُدْخِلُ فِيهِ إِصْبَعَ رِجْلِهِ، وَكَذَلِكَ النَّارُ.

 

وَمَعَ قُرْبِهِمَا مِنَ الْعَبْدِ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا طَرِيقًا مُوصِلاً إِلَيْهَا، طَرِيقًا شَاقًّا يُوصِلُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَطَرِيقًا سَهْلاً يُوصِلُ إِلَى النَّارِ، أَخْبَرَ بِذَلِكَ رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ قَالَ: "حُجِبَتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ، وَحُجِبَتِ الجَنَّةُ بِالمَكارِه"(متفق عليه)؛ قَالَ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَمَعْنَاهُ: لاَ يُوصَلُ الجَنَّةَ إلاَّ بِارْتِكَابِ الْمَكَارِه، وَالنَّارَ بِالشَّهَوَاتِ، وَكَذَلِكَ هُمَا مَحْجُوبَتانِ بِهِمَا، فَمَنْ هَتَكَ الْحِجَابَ وَصَلَ إِلَى الْمَحْجُوبِ، فَهَتْكُ حِجابِ الجَنَّةِ بِاقْتِحَامِ المَكَارِهِ، وَهَتْكُ حِجابِ النَّارِ بِارْتِكَابِ الشَّهَوَاتِ؛ فَأَمَّا المَكَارِهُ فَيَدْخُلُ فِيهَا الاِجْتِهَادُ فِي الْعِبَادَةِ، وَالمُوَاظَبَةُ عَلَيْهَا، وَالصَّبْرُ عَلَى مَشَاقِّهَا، وَكَظْمُ الْغَيْظِ، وَالْعَفْوُ، وَالْحِلْمُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالإِحْسَانُ إِلَى المُسِيءِ، وَالصَّبْرُ عَنِ الشَّهَواتِ، وَنَحوِ ذَلِكَ"(شرح مسلم).

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَرَجَعَ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَدْخُلَهَا أَحَدٌ؛ قَالَ: اذْهَبْ فَانْظُرْ إِلَى النَّارِ وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لِأَهْلِهَا فِيهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ يَرْكَبُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَرَجَعَ فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ، فَأَمَرَ بِهَا فَحُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَقَالَ: ارْجِعْ فَانْظُرْ إِلَيْهَا، فَنَظَرَ إِلَيْهَا فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالشَّهَوَاتِ، فَرَجَعَ وَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَنْجُوَ مِنْهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا"(أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي، وقال الألباني: حسن صحيح).

 

فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يُكْرِهَ نَفْسَهُ عَلَى طَرِيقِ الطَّاعَاتِ وَالْبُعْدِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ؛ لِيَنْعَمَ بِجَنَّةٍ فِيهَا مَا لَذَّ وَطَابَ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَؤُوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة: 17]".

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْألُكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي الْقُرآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعنِي وَإِيّاكُمْ بِمَا فِيِه مِنْ الآيَاتِ وَالذّكرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَأنِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ أَيْسَرَ طَرِيقٍ يُوصِلُ إِلَى الْجَنَّةِ هُوَ الإِيمَانُ بِاللهِ الْمَقْرُونُ بِالْعَمَلِ الصَّالِحِ؛ فَهُوَ طَرِيقٌ سَهْلٌ وَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ لَهُ، وَسَهَّلَهُ؛ قَالَ -تَعَالَى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً)[النساء: 57]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى)[طه: 75 - 76]، وَقَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[الأحقاف: 13 - 14].

 

فاتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْمَلُوا لِنَيْلِ السِّلْعَةِ الْغَالِيَةِ، وَالرَّاحَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَالفَرَحِ الَّذِي لاَ يَفُوقُهُ فَرَحٌ، بَلْ هُوَ سَعَادَةٌ دَائِمَةٌ لاَ تَنْقَطِعُ؛ إِذْ لاَ وَصَبَ فِيِهِ وَلاَ نَصَبَ، وَلاَ حُزْنَ وَلاَ تَعَبَ، جَعَلَنَا اللهُ وَوَالِدِينَا وَجَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِهَا.

 

هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: ٥٦]، وَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رواه مسلم)، اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَإِحْسَانِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life