عناصر الخطبة
1/فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية حول مسلسل طاش ما طاش 2/تعليق مهم على مسلسل طاش ما طاش 3/التحذير من كيد وسائل الإعلام عموما والتلفاز خصوصا 4/خطر التلفاز وتدميره للأخلاق والأسراهداف الخطبة
اقتباس
إن النقد البنّاء لا أحد ينكره، النقد الذي يبني، لكن النقد الذي يهدم، فهذا ليس بنقد.وأيّ هدم أكثر من عرض بعض الحلقات فيها السخرية بدين الله، والاستهزاء بطلبة العلم والمشايخ، وهذا قد يؤدي إلى الكفر -والعياذ بالله-؟ أيّ هدم أكثر من الاستهزاء بعادات ولهجات بعض المناطق، كالاستهزاء بأهالي منطقة الجنوب، وغيرهم، وهذا مما يثير أشياء وأشياء لا تخفى على العاقل؟ وأيّ هدم أكثر من إدخال العنصر الـ...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله ...
أما بعد:
فهذا بيان صدر من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:
نص البيان:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
وبعد:
فنظراً لكثرة التشكيات والاستفتاءات على مدى ست سنوات متواليات من عام 1416 هـ إلى عام 1421 هـ، بشأن مسلسلات "طاش ما طاش" لما فيه من مخالفات للشرع المطهر والآداب والقيم، ويمكن إجمال ما لاحظه الناصحون والمستفتون على المسلسلات المذكورة على النحو الآتي:
1- السخرية بأهل الخير والصلاح، وإلصاق المعايب بهم.
2- خروج المرأة مع الرجال الأجانب، وما يتبع ذلك من اختلاط وتبرج وسفور وخضوع بالقول، وغير ذلك.
3- العمل على توهين الأخذ بأحكام الشرع المطهر، والترغيب فيما نهي عنه، كترك الحجاب، وإبداء الزينة للأجانب، وقيادة المرأة للسيارة، والسفر إلى بلاد الكفر وإلى البلاد التي تشتهر بالرذيلة، وتحارب الفضيلة.
4- لمزه المتصفين بالغيرة على محارمهم ونسائهم.
5- إثارة الشهوات في مشاهد بشعة تقتل الحياء، وتقضي على العفة.
6- القيام بأفعال فيها رعونة وسخرية وخرم مرؤة كالتزيي باللحى المصطنعة، ونحوها.
7- تناول عادات بعض البلدان والمناطق ومحاكاة لهجاتهم على وجه التحقير لأهلها وإظهار معايبهم.
وإنه بعد دراسة اللجنة لتلك الاستفتاءات واطلاعها على رصد موثق لهذا المسلسل، فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء تبين لعموم المسلمين ما يلي:
أولاً: يحرم إنتاج هذه المسلسلات وبيعها وترويجها وعرضها على المسلمين لأمور منها:
1- اشتماله على الاستهزاء ببعض أمور الدين والسخرية ممن يعمل بها.
وهذا أمر في غاية الخطورة على من ينتهجها ويخشى عليهم من سوء عاقبتها الوخيمة.
2- اشتماله على ما يعارض الشرع المطهر، وحمل الناس على الخروج على أحكام دينهم وشريعة ربهم، وذلك من خلال: ترسيخ العلاقات غير المشروعة بين النساء والرجال الأجانب، وعيب الغيرة على المحارم، والتهاون بالحجاب، وغير ذلك.
3- اشتماله على الدعاية للبلاد التي تظهر فيها شعائر الكفر، والبلاد التي اشتهرت بالفساد الأخلاقي.
4- اشتماله على ما يثير النعرات والعصبيات الجاهلية عن طريق السخرية بالعادات واللهجات، وهذا ينافي مقاصد الشرع المطهر من الحث على المحبة والألفة والإخاء والصفاء بين المسلمين، والبعد عن أسباب الشحناء والبغضاء، قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[الحجرات: 10 - 11].
5- إفضاؤه إلى نشر الرذيلة، وطمس معالم الفضيلة، وإشاعة الفساد، ومحبة المنكرات والاستئناس بها.
ثانياً: تحرم مشاهدة هذه المسلسلات والجلوس عندها لما فيها من المنكرات، وتعدي حدود الله، قال الله -تعالى- في وصف عباده المتقين: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ)[الفرقان: 72].
أي: لا يحضرون القول والفعل المحرم، وأعياد الكفار.
وقال سبحانه: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)[الأنعام: 68].
قال أهل العلم: المراد بالخوض في آيات الله: التكلم بما يخالف الحق، من تحسين المقالات الباطلة والدعوة إليها، ومدح أهلها، والإعراض عن الحق، والقدح في أهله.
وفي الآية دليل على أن مجالسة أهل المنكر لا تحل، وقال الله -جل وعلا-: (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللّهِ يُكَفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلاَ تَقْعُدُواْ مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ)[النساء: 140].
قال أهل العلم: ويدخل في عموم الآية حضور مجالس المعاصي والفسوق التي يستهان فيها بأوامر الله ونواهيه.
ثالثاً: تحرم الدعاية لهذه المسلسلات وتشجيعها والإعلان عنها بأية وسيلة؛ لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد نهى الله -سبحانه- عن ذلك، فقال جل وعلا: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)[المائدة: 2].
والواجب هو الإنكار على هؤلاء، وبغضهم في الله، حتى يتوبوا إلى الله، ويقلعوا عن معصيته.
رابعاً: إن تخصيص الكلام في هذا المسلسل "طاش ما طاش" لا يعني سلامة غيره من المسلسلات، بل الحكم يتعدى إلى كل مسلسل يشتمل على مخالفة للشرع المطهر، وانتهاك لحرمات الله، وإفساد للأخلاق، وقتل للغيرة الدينية، وتحطيم للمروءة الإنسانية، ودعوة إلى الانحراف بشتى أنواعه.
خامساً: يجب على أهل الإسلام أن تكون حياتهم جداً لا هزلاً، وأن يشتغلوا بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وأن يجتنبوا كل ما فيه إضعاف لدينهم، وتوهين لقوتهم، وإهدار لأوقاتهم، وحط لأقدارهم، وتمكين لعدوهم منهم؛ وإن الحياة لثمينة، فليربأ أهل الإسلام عن عمارتها بالباطل، وسفاسف الأمور، وليقوموا بحق الله عليهم من التمسك بهذا الدين، وحماية حرماته، وتربية شبابه على الحق والفضيلة، وإبعادهم عن العبث والفساد والرذيلة.
والواجب على القائمين بإعداد هذه المسلسلات: التوبة إلى الله.
نسأل الله -جل وعلا- أن يصلح أحوال الجميع، وأن يهدينا جميعاً سواء السبيل إنه سميع مجيب، وبالله التوفيق.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
أيها المسلمون: وبعد قراءة وسماع هذه الفتوى المباركة من اللجنة الدائمة، حول هذا المسلسل الذي شغل الكبار والصغار والرجال والنساء، فإن هناك تعليقان:
الأول: حول المسلسل ذاته.
الثاني: كلمة عن وسائل الإعلام عموماً، وجاز التلفاز خصوصاً.
أما التعلق الأول: فكما ألمحت الفتوى من خطورة ما يعرض في هذا المسلسل، فإن ظاهره هو النقد لبعض الأخطاء والمخالفات الموجودة في المجتمع، سواء لدى بعض الدوائر الحكومية أو المؤسسات، أو عادات بعض المناطق ونحوها، فيقال: بأن النقد البنّاء لا أحد ينكره، النقد الذي يبني، لكن النقد الذي يهدم فهذا ليس بنقد.
وأيّ هدم أكثر من عرض بعض الحلقات فيها السخرية بدين الله، والاستهزاء بطلبة العلم والمشايخ، وهذا قد يؤدي إلى الكفر -والعياذ بالله-.
أيّ هدم أكثر من الاستهزاء بعادات ولهجات بعض المناطق، كالاستهزاء بأهالي منطقة الجنوب، وغيرهم، وهذا مما يثير أشياء وأشياء لا تخفى على العاقل؟
وأيّ هدم أكثر من إدخال العنصر النسائي في التمثيل، وقد بدأت الحلقات بدون ذلك ثم تطور الأمر إلى عرض مشاهد يستحي الواحد من ذكرها، مناظر غريبة على مجتمعنا وبعيدة عن عاداتنا فضلاً عن ديننا؟
أيها المسلمون: لقد أثبتم -ولله الحمد- في الأيام الماضية أنكم قادرون على فعل الكثير وأعني به المقاطعة للبضائع الأمريكية، لقد استغنيتم عن أشياء وهي ليست محرمة عليكم استخدامها، ولكنكم تركتموها غيرة دينية، وحمية إسلامية، حتى أن أطفال المسلمين تفاعلوا معها فضلاً عن الرجال والشباب، ولا أظن أنكم تعجزون عن مقاطعة مسلسل أفتت اللجنة الدائمة بحرمة مشاهدته.
هوّن على القلب من دوامة الألم *** واستقبل الفضل في شهر من الكرم
أكلما هاج في الوجدان عاصفة تضري *** فرعت إلى القرطاس والقلم
يا طاش طيشت أعمال العباد فهل *** يَلقَون منك سوى الغفلات واللم
كل الشياطين قد باتت مصفدةً *** وطيشك اليوم وثّابٌ على قدم
سخرت بالحق واستحللت في صخبٍ *** قتل الفضيلة وسط الأشهر الحرم
أتضحكون وصوت القدس منخنقٌ *** والقرد مستبسلٌ في ساحة الحرم
طيشتم الفكر في لهوٍ وفي سفهٍ *** فطاشت القدس بين الخصم والحكم
طفل الحجارة تحت القصف منتفضٌ *** ضاعت أمانيه بين اللهو والنغم
وعيشكم ضحكٌ قد هاج من ضحكٍ *** وأرضهم لغمٌ قد ثار من لغم
يثور من وجهه بركان أسئلةٌ *** تستمطر الدمع في حزنٍ وفي سقم
ماذا دهى أمة الإقدام فانخذلت *** أين الإخاء؟ أما أشجاكم ألمي؟
أما لكم في نشيج الأم من شجنً *** والقرد يذكي لظى أحقاده بدمي
يا طاش طيشت شهر الخير سخرية *** وروضة البر قد زانت لمغتنم
تروّجون الردى في عطف سافرةٍ *** وتسخرون من الأخلاق والشيم
والعنصريات فاحت وهي منتنةٌ *** يا من وضعتم سموم الطيش في الدسم
أظهرتم الجدّ من سقط المتاع سدى *** وضعتم الشيخ في ثوب من النهم
وللتبرج أشكال مقززةٌ *** وأي أضحوكة في ضيعة القيم
أشفيتم اليوم فينا كل ذي حسدٍ *** وأكمد الحزن منكم كل ذي رحم
للصائمين دعاءٌ يستجاب له *** وفرحةٌ تملأ الوجدان بالشمم
وفي دخانك طاشت كل موعظة *** كأنك النار شبّت في دجا الأكم
تصاعدت قهقهات الطيش فاستبقت *** جوامع الذكر والنجوى بكل فم
كم بسمةٍ ذهبت في غمض شاردةٍ *** لكنها حسرةٌ في ساعة الندم
هذي طيوف من الإشفاق صادقةٌ *** وربما يعصف الإفساد بالنعم!
وأما التعليق الثاني: فلا أحد ينكر ما للإعلام من تأثير في صياغة عقول وأفكار المجتمعات، فإن الذي يوجه الرأي العام هو الإعلام، بل دولاً عجزت عن غزو غيرها عسكرياً وثقافياً واقتصادياً، وتمكنت منها عبر وسائل الإعلام، فأثرت في ثقافتها واقتصادها، بل وعقول عسكرها.
هل الناس اليوم في غفلة عما يعرض في الإعلام بشكل عام، وما يعرض في التلفاز بشكل خاص؟ وهل يجهلون ما يبث لهم ليلاً ونهاراً عبر البث المباشر؟ ألم يشاهدوا الآثار التي طفحت على المجتمعات، وانعكست على شبابنا وفتياتنا؟!
كلا؛ إنهم على علم، وربما سمعوا القصص المخجلة، وذاقوا الآثار المدمرة لأجهزة التلفاز؛ لكنهم مبهورون، أسكرتهم الرغبة، وأعمتهم الشهوة؛ فلم يحركوا ساكناً! وقديماً كان يقال: "الناس على دين ملوكهم".
ولم يذهب بعيداً من قال اليوم بأن الناس على دين إعلامهم وتلفازهم.
لقد استولى التلفاز على زمام التربية والتوجيه، حسبما خطط لها، وما يبث فيها، وهجم الفيديو ليهدد الثروات، ويقتل الساعات، ويعرض المحرمات، وأطلت فتنة البث المباشر لتضييع أوقاتنا، وتعبيدنا لغير ربنا، واستذلالنا لننضم إلى القطيع الهائم الذي تردى في هاوية الرذيلة، وغرق في مستنقع الشهوات.
لقد صدرت عشرات الدراسات العلمية الجادة التي تكشف مخاطر التلفاز، وآثار البث المباشر الخطيرة، وحذرت من مسخ هويتنا التي يميعها الغزو الفكري والثقافي من خلال برامجها، والذوق الاجتماعي الذي يشوهه، والروح الاستهلاكية التي يشجعها، وقليلة هي الدراسات التي تتناول مشكلة التلفاز من منظور شرعي، على أساس الحلال والحرام، والولاء والبراء، والصلاح والفساد.
نحن لا نعجب أن فُتن بنو إسرائيل: "بالعجل الذهبي" وأُشربوا في قلوبهم حبه، كما قال تعالى: (وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ)[البقرة: 93].
لكن نعجب من مسلمين موحدين حنفاء أشربت قلوبهم حب "العجل الفضي" فقطعوا الساعات الطوال أمام الشاشة الفضية، عاكفين في محرابه في صمت ومتابعة مستمرة، فلا يبالون بالصلوات المضيَّعة، وقد شُغِلت عيونهم بمتابعة مشاهد الفسوق والعصيان، استدبروا قبلة الحنفاء، واستقبلوا قبلة العجل الفضي.
أحسب أنه ما دخل بيتاً إلا أذن بخرابه، وإذا اقتناه متدين بدأ العد التنازلي في التزامه، وإذا اقتناه فاسق مفرط بدأ العد التصاعدي في فسوقه وعصيانه، وبقدر التصاقه، وعكوفه عليه، بقدر ما يزيغ عن صراط الله المستقيم، ويذوب في صراط المغضوب عليهم والضالين.
ولو أنك تأملت أحوال المنتكسين والمتنكبين، فغالباً ما تجد أن التعلق بالتلفاز قاسم مشترك بين أولئك الناكصين على أعقابهم.
أيها المسلمون: إن التلفاز له دوره في تحطيم الاستقرار الأسري، والتفريق بين المرء وزوجه، فهو يدفع الزوجات إلى المقارنة بين حياتها ومستواها المعيشي، وبين ما تراه على الشاشة من الكذب والمَشَاهِد، فتنقم على حياتها، وتزدري نعمة الله عليها، وتجحد فضل زوجها عليها، وتنسى المسكينة أن ما تراه ما هو إلا "تمثيل".
إضافة إلى إشاعة الأفكار الهدامة المعادية للإسلام من خلال التمثيليات والأفلام التي يكتبها من لا خلاق لهم، فيسوغون الخيانـة، وتبرير الفاحشة، ونفث سموم ما يسمى بالحرية الشخصية بمفهومها الإباحي، وتحريض المرأة على التمرد على أبيها وزوجها، والتنفير من أحكام الشريعة المطهرة في قضايا: الحجاب، والطلاق، وتعدد الزوجات، ونحوها.
إن الإسلام دين الستر، ندبنا إلى ستر العورات الحسية والمعنوية على المستوى الفردي والجماعـي، وحرم الإسلام إشاعة الفاحشة في البلاد والعباد، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[النــور: 19].
وأحاط الخلوة بين الزوجين بالسرية والاحتشام والستر، فجاء "هاتك الأسرار" ليمزق الحجب، ويقـتحـم الأعين البريئة، فيغتال براءتها، ويفسد فطرتها، فيتولى الإلحاح في عرض صور النساء في أبهى زينة، وأكمل فتنة.
وبينما يحرّم الإسلام هتك أسرار الزوجية الـمغيَّبة، إذا بـ "هاتك الأستار" يحول الغيب شهادة، والخبر معاينة.
إن من أسوأ آثار التلفاز، وأضرار توابعه، هو خدش الحياء، وتحطيم القيم، ونشر الرذيلة، وقتل الغيرة على حرمات الله التي هي مادة حياة القلب، ولا ريب أن توالي هذه المشاهد المسموعة وتكرارها يجعلها مع الوقت شيئاً عادياً، فيروِّض المشاهِد على غض الطرف عن الفضائل، وقبول الخيانة الزوجية، إلى غير ذلك من الأحوال، ألا ترى أن السذج صاروا يقبلون أن يحتضن رجل بنتاً شابة؛ لأنه يمثل دور أبيها! فلم يعودوا يستنكرونه.
وتعجب أن ترى الزوج المسلم يجلس مع زوجه وبناته وأبنائه في محراب العجل الفضي، وهم يرون ما يعرضه من مشاهد إباحية، ويسكر أهله تلك المشاهد، ويلذ لزوجته وبناته وأبنائه هذه المناظر، وهو قرير العين، ثم هو يضحك بملء فيه، وينام ملء جفنه! وهكذا تتعود القلوب رؤية مناظر احتساء الخمور والتدخين، وإتيان الفواحش، والتبرج والاختلاط، وتألف النفوس هذه الأحوال ويكون "التطبيع" مع المعاصي والكبائر والدياثة؟! فما بالكم إذا كان كل هذا في رمضان؟
وحينما يُدخِل الأب التلفاز إلى بيته، فإنه يكون قد أحضر لأبنائه وبناته مدرساً خصوصياً مقيماً في البيت، وهو بارع في تلقينهم فنون العشق والغرام، وأصول الفسق والفجور، فينشأ الفتيان على الاستهانة بالخلق، والفضيلة، والشرف، والعفة، وصيانة العرض، فيصور هذه القيم على أنها تافهة لا يتمسك بها إلا السذج والرجعيون؛ فهل آن لهذا الكابوس أن يرحل عن بيوتنا؟
ألا فليتذكر أولو الألباب، فإنه من يُعْطمن نفسه أسباب الفتنة أولاً، لم ينجُ آخراً، وإن كان جاهداً.
نفعني الله وإياكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله ...
أما بعد:
لقد كتب الكثيرون محذرين من إدمان المخدرات، والسموم البيضاء، وما أقل الذين انتبهوا لمخاطر إدمان مشاهدة والتلفاز، وها هي وسائل الإعلام تنشر سموم هذا المخدر العجيب، إنه يعتبر أمضى وسائل تخدير الشعوب.
إن هذا المخدر الكهربائي يسرق سمعك وبصرك وفؤادك، ويجوب بك المراقص والمسابح، والحانات والمسارح، ويطوف بك في المسلسلات والأفلام التي تدور حول قطب واحد هو قيم الحب والغرام، والعشق والهيام، وكأن هذه هي المشكلة اليتيمة التي تمزق من الأمة الأوصال، وتتفتت في سبيلها أكباد الرجال، فضلاً عن ربات الحجال! هكذا يجري قتل الإنسان اليوم: بالمهرجانات، بالرقص الخليع، بالأفلام، باللهو الماجن، وهكذا يجري مسخ الإنسان.
إن أمة هذه حالها تحتاج بالضرورة إلى تحليل نفسي، وعلاج قلبي، وتحويل جذري إلى وجهة أخرى نحو معالي الأمور، إنها بحاجة إلى من ينقذها من هذا "الإدمان" لتقوم من رقدتها، وتفيق من غفلتها، إنها بحاجة إلى أن تعرف أعداءها الرابضين خلف الشاشة الذين يُهرِّبون مــن خلالها هذا العقار الخبيث في غير كتمان وخفاء، بل في وضوح وجلاء، ليصدوهم عن ذكر الله وعن الصلاة، وليشغلوهم بهذا اللهو عن حقوقهم وواجباتهم.
فيا أحفاد أبي بكر وعمر، وعثمان وعلي وصلاح الدين، ويا أصحاب بدر، والقادسية، وحطين، والقسطنطينية: القدس تستصرخكم، والأقصى يناديكم، وإخوانكم في العقيدة مشردون في الأرض، وحرمات الله تنتهك، والفقر والجهل والمرض يخيم في أكثر بقاع العالم الإسلامي، ونحن نطيش هنا وهناك مع من طاش.
فيا قوم: إن هذه الأجهزة ليست عفوية؛ بل هي أجهزة تربوية وتعليمية بالغة الخطورة، تعمل على نسف الأسس الصحيحة للتربية السليمة، إنها -والله- معاول هدم وتدمير للتحصينات الأخلاقية.
يا قوم: إن من أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولاً لم ينج آخراً، وإن كان جاهداً، فعلى المسلم الحقيقي أن يحتاط لدينه، وعرضه، وتربية أسرته وأولاده، ولا يتأتى ذلك إلا بإبعاد هذا الخطر الداهم، وهذا الكابوس الجاثم على أنفاس البيت والأسرة.
وأي خطر على العرض والشرف والأخلاق أكبر وأعظم من البرامج والسموم التي تنفثها هذه الأجهزة لمسخ هويتنا، والقضاء على قيمنا.
نحن لا نرفض التقنية، ولكننا نرفض المحتوى الإعلامي الهدام، وإننا لندعو الله أن يأتي اليوم الذي تستطيع فيه البشرية أن تفيد من هذه المخترعات الفذة كالفيديو والتلفاز والكمبيوتر، وأن تقف مع البشرية لا مع أعدائها، ولن يتأتى ذلك إلا حين تصبح المؤسسات الإعلامية في أيد أمينة شديدة الإحساس بما ينفع ويضر.
اللهم...
التعليقات