عناصر الخطبة
1/كثرة الشكوى من ضعف الإيمان 2/حقيقة الإيمان ومعناه 3/أمارات ضعف الإيمان 4/من مظاهر وعلامات ضعف الإيمان 5/أسباب ضعف الإيمان 6/بعض الوسائل الشرعية لتقوية الإيمان.اقتباس
ومن مظاهر وعلامات ضعف الإيمان: عدم إتقان العبادات، كالعجلة في الصلاة، وشرود الذهن أثناء الصلاة وفي تلاوة القرآن والأدعية، ونحوها. ومنها: التكاسل عن الطاعات والعبادات، وإضاعتها، وعدم أداء السنن، وإذا أداها فإنما هي حركات جوفاء لا روح فيها
الخُطْبَة الأُولَى:
أما بعد: فيا أيها الناس: قلوب الناس تتقلب، ويؤثر عليها ما يمر بها من شهوات وشبهات، كما يؤثر عليها ما يمر بها من مواعظ وآيات، وقلب العبد بين هذه العوارض، مرة يقوى إيمانه، وأخرى يضعف، والعبد نفسه يجاهد ذلك أو يهمل.
ونحن في هذه الأزمنة نشتكي من ضعف الإيمان، والبعد عن الدين، والانغماس في الشهوات والملهيات، والكل يشتكي من ضعف الإيمان، وقسوة القلب، وسرعة السقوط في المعصية، وقد توعد الله أصحاب القلوب القاسية؛ فقال: (فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)[الزمر: 22]؛ فالأمر خطير، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
عباد الله: إن مبدأ الإيمان في القلب، فيصدق بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، ويصدق برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم يصدقه العمل، فالعبرة بالقلب، فيجب العناية به، ويوم القيامة لا يفلح وينجو إلا صاحب القلب السليم المنيب، قال -تعالى-: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ)[ق: 33]، وقال: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88- 89].
لا بد للمؤمن أن يتحسس قلبه، ويعرف مكمن الداء وسبب المرض، ويشرع في العلاج قبل أن يغطّي عليه الران فيهلك؛ والأمر عظيم والشأن خطير؛ فإن الله قد حذَّرنا من القلب القاسي والمقفل والمريض والأعمى والأغلف والمنكوس والمطبوع والمختوم عليه.
وضعف الإيمان وقوته هي في القلب، وقد يكون العبد ضعيف الإيمان وهو لا يشعر، فلا بد من معرفة أمارات ضعف الإيمان، فمن ذلك: كثرة الوقوع في المعاصي، وعدم التوبة، والإصرار عليها، واستمراؤها، حتى تكون كالعادة، وبحيث لا يفكر في عقوبتها، ولا أنه يتوب منها، وربما يكون العبد صالحًا، ولكن لديه ذنوب هو مُصِرّ عليها، لا يستطيع التوبة منها، فهذه علامة ضعف الإيمان، والضعف يزيد في القلب وينقص.
ومن مظاهر وعلامات ضعف الإيمان: عدم إتقان العبادات، كالعجلة في الصلاة، وشرود الذهن أثناء الصلاة وفي تلاوة القرآن والأدعية، ونحوها.
ومنها كذلك: التكاسل عن الطاعات والعبادات، وإضاعتها، وعدم أداء السنن، وإذا أداها فإنما هي حركات جوفاء لا روح فيها، وقد وصف الله -عز وجل- المنافقين بقوله: (وَإذَا قَامُوا إلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى)[النساء: 142]، ويدخل في ذلك: عدم الاكتراث لفوات مواسم الخير وأوقات العبادة؛ وهذا يدل على عدم اهتمام الشخص بتحصيل الأجر.
ومنها: عدم التأثر بآيات القرآن؛ لا بوعده ولا بوعيده، ولا بأمره ولا نهيه، ولا في وصفه للقيامة، فضعيف الإيمان يمل من سماع القرآن، ولا تطيق نفسه مواصلة قراءته، فتراه قليل التلاوة للقرآن.
ومنها: الغفلة عن ذكر الله ودعائه -سبحانه وتعالى-؛ فيثقل الذكر على الذاكر، وإذا رفع يده للدعاء سرعان ما يقبضهما ويمضي.
ومنها: سرعة السقوط في المعصية إذا عرضت له، فلا تكاد تجده يمنع نفسه من حرام.
معاشر المؤمنين: هذه أبرز علامات ضعف الإيمان التي لا يخلو منها أحد إلا من رحم ربي. اللهم قَوِّ إيماننا، وحَبِّب إلينا الإيمان وزَيِّنه في قلوبنا، وكَرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: فيا أيها الناس: إن لضعف الإيمان أسبابًا، يجب على المسلم الابتعاد عنها ليستطيع تقوية إيمانه، فمنها: الابتعاد عن الأجواء الإيمانية فترة طويلة، ومن أهمها: المساجد، وصلاة الجماعة، وطلب العلم الشرعي، وتدبر القرآن، وقراءة كتب السلف التي تحيي القلوب؛ وحضور دروس أهل العلم.
ومنها: وجود الإنسان في وسطٍ يعجّ بالمعاصي؛ كالاستراحات ومجالس السوء، والاختلاط بالنساء، والسفر للبلدان التي تعج بالمنكرات ويسهل فيها كل محرم.
ومنها: طول الأمل، وعدم تذكر الموت، قال الله -تعالى-: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[الحجر: 3].
ومنها: الإفراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة، وكثرة الضحك؛ فإن الوقت الذي لا يُملأ بطاعة الله -تعالى- يُنتِج قلبًا صلدًا لا تنفع فيه زواجر القرآن ولا مواعظ الإيمان.
أيها المؤمنون: لا بد من علاج القلب الذي ضعف الإيمان فيه، وذلك بالمجاهدة في الله، وفعل الأسباب المقوية للإيمان، أخرج الحاكم في مستدركه والطبراني في معجمه من حديث عبد الله بن عمرو أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الإيمان ليَخلق في جوف أحدكم كما يَخْلَقُ الثوب؛ فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم"، وروي: "ما من القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر، بينما القمر مضيء إذا علته سحابة فأظلم؛ إذ تجلت عنه فأضاء".
وفيما يلي ذكر بعض الوسائل الشرعية التي يمكن للمرء المسلم أن يعالج بها ضعف إيمانه ويزيل قسوة قلبه بعد الاعتماد على الله -عز وجل- وتوطين النفس على المجاهدة، فمن ذلك:
المحافظة على الصلوات الخمس جماعة في المسجد والتبكير إليها.
ومنها: تدبُّر القرآن الكريم، وكثرة تلاوته.
ومنها: استشعار عظمة الله -عز وجل- ومعرفة أسمائه وصفاته، والتدبر فيها، وعقل معانيها.
ومنها: لزوم حِلَق الذِّكر، وهذا يؤدي إلى زيادة الإيمان.
ومنها: الاستكثار من الأعمال الصالحة، وملء الوقت بها؛ وهذا من أعظم أسباب العلاج؛ وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير.
ومنها: تذكُّر الموت، والخوف من سوء الخاتمة؛ لأنه يدفع المسلم إلى الطاعة، ويجدد الإيمان في القلب، وكذلك زيارة المقابر للاتعاظ.
ومن الأمور بالغة الأهمية في علاج ضعف الإيمان: ذِكْر الله -تعالى- وهو جِلاء القلوب وشفاؤها، ودواؤها عند اعتلالها، وهو من روح الأعمال الصالحة.
ومنها: محاسبة النفس باستمرار؛ قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)[الحشر: 18].
معاشر المسلمين: إن هذه الدنيا غرارة، قليلة أيامها، فلا تغرنكم، ولا تلهينكم عما خُلقتم له، فإنما هي زاد فاتخذوها زادًا يرحمكم الله.
اللهم إنا نسألك إيمانًا صادقًا، وعملاً صالحًا، ومردًّا غير مُخْزٍ ولا فاضح....
التعليقات