عناصر الخطبة
1/ التشويش على من في المسجد من المصلين والتالين 2/ أكل ما له رائحة كريهة 3/ أذى المسلمين في طرقهم وشوارعهم 4/ أذى الزوج لزوجته والعكس 5/ الإحسان والرفق بعباد اللهاهداف الخطبة
اقتباس
وإذا كان هذا التشويش يحصل من الصغار وهم داخل المسجد أو خارجه فالأمر يتعلق بالولي فيجب عليه كف أذاهم ويحرم عليه تركهم يؤذون من في المسجد ويسلبونهم خشوعهم في صلاتهم. وكذلك من يزعج المصلين بصوت هاتفه ويتأكد التحريم حينما تكون هذه الأصوات أصوات موسيقى فيجمع بين التشويش واللهو المحرم. فما هذا شكر نعمة الله علينا بالهاتف المحمول فإذا كان الإنسان يعلم من نفسه إغلاقه قبل دخوله المسجد فليغلقه أو يغلق صوت الجرس وإن كان ينسى ذلك فليجعل الهاتف
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71] أما بعد:
فقد يصدر من البعض منا بعض أنواع الأذى وهو لا يعتقد حرمة ذلك الأمر أو لايظن أن الناس يتأذون به فأذكر طرفاً من ذلك مما يناسب المقام..
فمن صور الأذى التي قد تخفى: التشويش على من في المسجد من المصلين والتالين برفع الصوت بأذكار الصلاة والقراءة، بحيث يشوش على من حوله ممن يصلي أو يقرأ القرآن حفظاً أو مراجعة. فعن أبي سعيد الخدري قال: "اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة وهو في قبة له فكشف الستور وقال ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً ولا يرفعن بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة" رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح. فإذا لم يجز لمن يقرأ القرآن أو يصلي رفع صوته إذا كان في المسجد من يتأذى بذلك لئلا يتسبب في تخليط الصلاة أو القراءة على مصل إلى جنبه فالحديث في أمر الدنيا في المسجد مما يخلط على المصلين والتالين أولى بالتحريم.
وإذا كان هذا التشويش يحصل من الصغار وهم داخل المسجد أو خارجه فالأمر يتعلق بالولي فيجب عليه كف أذاهم ويحرم عليه تركهم يؤذون من في المسجد ويسلبونهم خشوعهم في صلاتهم. وكذلك من يزعج المصلين بصوت هاتفه ويتأكد التحريم حينما تكون هذه الأصوات أصوات موسيقى فيجمع بين التشويش واللهو المحرم. فما هذا شكر نعمة الله علينا بالهاتف المحمول فإذا كان الإنسان يعلم من نفسه إغلاقه قبل دخوله المسجد فليغلقه أو يغلق صوت الجرس وإن كان ينسى ذلك فليجعل الهاتف يرُن رنة واحدة صوتها غير مزعج يسمعها هو ولا يتأذى بها غيره.
ومن صور الأذى التي قد تخفى: أكل ما له رائحة كريهة فيتأذى من حوله من المصلين برائحته وربما هجر بعض المصلين مكاناً في المسجد لأجل فلان وما فيه من رائحة كريهة أو تجاوزواً مسجداً بجوار بيوتهم إلى غيره لأجل تأذيهم بروائح البصل والثوم فتحرم أذية المصلين بهذه الروائح ويجب على الآكل اعتزال مساجد المسلمين و مصلياتهم؛ فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل ثوماً أو بصلاً فليعتزلنا أو قال فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" رواه البخاري ومسلم. وفي إحدى روايات مسلم: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل البصل والكراث فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها فقال من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربنَّ مسجدنا فإنَّ الملائكة تأذى مما يتأذى منه الإنسُ". والنهي يقتضي التحريم فإذا أكل البصل والثوم ونحوهما نيئاً أو طُبِخ طبخاً لم يُذهِب رائحته فلا يحضر الجماعة وإذا زالت الرائحة وجب حضوره لأنَّ الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً. وإذا حضر الآكل الجماعة شرع لمن له ولاية إخراجه من المسجد فحضوره منكر يجب إنكاره مع القدرة وأمن الفتنة فقد خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوم الجمعة ومما قال في خطبته: "ثم إنَّكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أَرَاهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأُخرِج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخاً"رواه مسلم. أي ليمت رائحتهما بالطبخ.
إخواني: من أكل ما له رائحة من البصل والثوم والكراث لأنَّ نفسه تشتهيه جاز ويتخلف عن الجماعة فأكله عذر يسقط الجماعة لكنَّه بأكله حرم نفسه الأجر وإن أكل لأجل عدم حضور الجماعة أثم لأنَّ الحيل لاتسقط الواجبات. وعلة النهي عن أكل ما له رائحة مؤذية مركبة من تأذي المصلين والملائكة فلولم يتأذ المصلون يبقى حق الملائكة فلا يحضر الجماعة. وقد نص أهل العلم من الفقهاء والمحدثين أن أكل البصل والثوم من الأعذار المسقطة للجماعة. وقد بوب ابن حبان في صحيحه (5/439) في أعذار ترك الجماعة فقال العذر العاشر أكل الإنسان الثوم والبصل إلى أن يذهب ريحها. أهـ
ويدخل في الحكم كل مصل فيه رائحة يتأذى منها المصلون ويمكن أن يزيلها سواء كانت هذه الرائحة بسبب مخالطة بهيمة الأنعام بالبيع أو القيام عليها أو بسبب اتساخ الثياب أو بسبب قلة الاغتسال فيجب عمل ما من شأنه إزالة الرائحة سواء بتبديل الثياب أو الغسل أو غير ذلك فعن عائشة أنها قالت: "كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم من العوالي فيأتون في العَبَاء ويصيبهم الغبار فتخرج منهم الريح فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا" رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
ومن صور الأذى التي قد تخفى: أذى المسلمين في طرقهم وشوارعهم فعن حذيفة بن أسيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم" رواه الطبراني في الكبير وحسن المنذري في الترغيب إسناده. فالمؤذي معتد فإذا دعوا عليه استجيب دعاؤهم. ومن ذلك ما يفعله البعض بتعطيل كاتم صوت السيارة أو الدارجة النارية فإذا مر آذى من في المساجد والبيوت بصوت سيارته أو دراجته فالبيوت لا تخلو من نائم أو مريض وكذلك المساجد لا تخلو من مصل ومتعلم فليحذر المؤذي من دعوة تفتح لها أبواب السماء توبق دنياه وأخرته.
ومن أذى الناس في طرقهم تسريب مياه الصرف الصحي فيها فيتأذى الناس بالرائحة إضافة إلى تنجيسهم وتأذى الناس بذلك أعظم من تأذيهم بقضاء الحاجة في الطريق الذي قال النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه: "اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ" رواه مسلم.
ومن صور الأذى: التي قد تخفى تحدث بعض الأزواج عند زوجاتهم برغبته بالزواج أو مدح الزواج بامرأة أخرى جاداً أو هازلاً أو الثناء على إحدى زوجته عند الأخرى فذلك مما تتأذى النساء به مهما بلغت المرأة من عقل ودين وعلم للغيرة التي جبلنا عليها فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتِ: "اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَرَفَ اسْتِئْذَانَ خَدِيجَةَ فَارْتَاحَ لِذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ فَغِرْتُ فَقُلْتُ وَمَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ فَأَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا" رواه مسلم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الذي أثنى على عباده المحسنين وخصهم بمعيته الخاصة بقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) [النحل:128].
وبعد: المسلم مأمور بالإحسان وهو أعلى مراتب العبودية سواء كان الإحسان فيما بينه وبين ربه أو فيما بينه وبين المخلوقين والإحسان المتعدي للآخرين أحب إلى الله من الإحسان القاصر على ذات الشخص. ومن لم يحسن للآخرين يجب عليه أن لايسيء لهم بقول أو فعل وهذا من إحسان الترك الذي يثاب عليه من فعله تعبدا لله فمن ترك التفوه بكلام حتى لا يجرح غيره به ومن نهى أهله عن إخراج المياه حتى لا يتأذى الناس بها ومن منع أولاده من أذية الجيران بقول أو فعل إلى غير ذلك من أنواع ترك الأذى فهذا محسن بفعله مأجور فعن أبي ذر قال: "قلت يا رسول الله: أي الأعمال أفضل؟ قال الإيمان بالله والجهاد في سبيله. قال قلت أي الرقاب أفضل؟ قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا. قال قلت فإن لم أفعل؟ قال تعين صانعاً أو تصنع لأخرق. قال قلت يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك" رواه البخاري ومسلم.
إخواني: على من ابتلى بشيء من أذى الآخرين أن يتعامل معه برفق ويترك الشدة فما كان الرفق في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه ويسن له أن لا يعامل بالمثل بل يصبر ويتحمل الأذى تعبداً لله وامتثالاً لأمره لنا بقوله تعالى: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ) [النحل:126] وأفضل من ذلك أن يرد الإساءة بالإحسان فيحسن إلى من أساء إليه ويستمر على ذلك مع تكرر الإساءة (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت: 34-35] ومتى كان الأمر طلباً لمرضاة الله هان الأمر على النفس. فمن اتق الله وأحسن ما بينه وبين ربه. فالعاقبة له في الدنيا بالمحبة بين الناس والذكر الحسن الذي هو عاجل بشرى المؤمن والدرجات العلى في الآخرة وقد ذكر لنا ربنا عاقبة الصديق يوسف عليه السلام مع أخوته (قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [يوسف:90] فعلينا بالصبر وتقوى الله مع من لم يتق الله فينا.
التعليقات