عناصر الخطبة
1/ فضل صلاة الضحى 2/ حكمها 3/ وقتها 4/ عدد ركعاتهااهداف الخطبة
اقتباس
وجميل أن تستمر صلة العبد بربه -جل وعلا- حتى في غير وقت الفريضة، حينما يجتزئ المحب لمولاه من وقته المزدحم بشؤون الحياة ومشاغلها، ولو جزءًا يسيرًا يقف فيه بين يدي مولاه العظيم، وخالقه الكريم، طاهرًا متطهرًا؛ ليؤدي صلاة هي من أعظم الصلاة النافلة، ألا وهي صلاة الضحى؛ مبتغيًا بذلك الأجر والثواب من الكريم الوهاب.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي المقصرة بتقوى الله وطاعته؛ امتثالاً لأمر الله -جل وعلا- في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:1.2].
أيها الأحبة في الله: إن من فضل الله -تعالى- على العبد المسلم أن يكون قلبه معلقًا بالمساجد، يسارع إليها كل فريضة بمجرد ارتفاع صوت المؤذن مناديًا: حي على الصلاة حي على الفلاح.
وجميل أن تستمر صلة العبد بربه -جل وعلا- حتى في غير وقت الفريضة، حينما يجتزئ المحب لمولاه من وقته المزدحم بشؤون الحياة ومشاغلها، ولو جزءًا يسيرًا يقف فيه بين يدي مولاه العظيم، وخالقه الكريم، طاهرًا متطهرًا؛ ليؤدي صلاة هي من أعظم الصلاة النافلة، ألا وهي صلاة الضحى؛ مبتغيًا بذلك الأجر والثواب من الكريم الوهاب.
ولأن لصلاة الضحى زمنًا محددًا يكون الناس فيه مشغولين بأعمالهم، فالموظف في وظيفته، والمعلم في فصله، والطالب في مدرسته، والعامل في عمله، والتاجر في محله، والطبيب في عيادته، والجندي في ثكنته، والمرأة في بيتها؛ إلا أن هناك من يوفّقه الله -سبحانه-، وييسر له اغتنام بعض الشيء من وقته لتأدية صلاة الضحى؛ تقربًا إلى الله جل وعلا، وطمعًا في ثوابه، وليكون بذلك واحدا من الموفّقين الذين يحرصون على إحياء شعيرة من شعائر الدين، ويواظب على سنة من سنن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- التي ورد في فضلها أحاديث عظيمة، فعن أبي الدرداء وأبي ذرِّ -رضي الله عنهما- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عن الله -تبارك وتعالى- أنه قال: "ابنَ آدم، اركع لي أربع ركعاتٍ من أول النهار أكفك آخره" رواه الترمذي وصححه الألباني.
فهنيئًا لمن حافظ على صلاة الضحى، منتزعًا نفسه من كل المشاغل والملهيات، ابتغاء ما عند الله، مؤمنًا بكفاية الله له، وحفظه له.
إنها واحدة من ثلاث وصايا، خفيفة على الصالحين، وأنتم منهم: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أنام" رواه البخاري.
ألا ترى خفة هذه الوصايا، وسهولة تطبيقها؟ حبيبك هو الذي دلك عليها، فلنكن من أهلها.
وفضل صلاة الضحى لا يتوقف عند أجرها، وطلب حفظ الله لك بسببها، وإنما كذلك هي صدقة عن كل جزء من أجزاء جسمك، فعن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك كله ركعتان يركعهما في الضحى" رواه مسلم.
صلاة الضحى تؤدي بها واجبك اليومي العظيم، فعن بريدة -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: سمعت رسول الله يقول: "في الإنسان ستون وثلاثمائة مفصلا، فعليه أن يتصدق عن كل مفصل منها صدقة"، قالوا: فمن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال: "النخامة في المسجد تدفنها، والشيء تنحيه عن الطريق، فإن لم تقدر فركعتا الضحى تجزئ عنك" رواه أبو داود وصححه الألباني.
قال الشوكاني: "والحديثان يدلان على عظم فضل الضحى، وكبر موقعها، وتأكد مشروعيتها، وأن ركعتيها تجزيان عن ثلاثمائة وستين صدقة، وما كان كذلك فهو حقيق بالمواظبة والمداومة".
بل إن صلاة الضحى تعدل أجر عمرة: فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج والمحرم، ومن خرج إلى تسبيح الضحى لا ينصبه إلا إياه، فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثر صلاة لا لغو بينهما كتاب في عليين" رواه أبو داود وحسنه الألباني.
ألا تسمع كيف مدح الرب -عز وجل- بعض أنبيائه: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) [ص:17]، ورفع منزلة الأوابين في كتابه إلى أرفع درجات الجنة، فقال: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لهم ما يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) [ق:31-36]. أتريد أن تكون من الأوابين؟ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب" صحيح ابن خزيمة.
فمن الأواب؟ هو كثير الرجوع إلى الله -سبحانه- بالإنابة والتوبة. وهذه بشرى عظيمة للأوابين: فعن أنس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة، تامة، تامة، تامة" رواه الترمذي وصححه الألباني.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآي والذكر الحكيم، أقول هذا القول، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا لما يصلح دنيانا وآخرتنا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وصفيه من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرًا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة:119].
عباد الله: أتدرون ما أعظم الغنيمة؟ بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعثا فأعظموا الغنيمة، وأسرعوا الكَرَّة، فقال رجل: يا رسول الله، ما رأينا بعثًا قط أسرع كَرَّة ولا أعظم غنيمة من هذا البعث! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ألا أخبركم بأسرع كَرَّة منهم وأعظم غنيمة؟ رجل توضأ فأحسن الوضوء، ثم عمد إلى المسجد فصلى فيه الغداة، ثم عقَّب ذلك بصلاة الضحى، فقد أسرع الكَرَّة وأعظم الغنيمة" رواه ابن حبان وصححه الألباني.
وصلاة الغداة هي صلاة الفجر، فما أعظم الغنيمة! وما أنقى تلك الروح يومها! وما أطيبها!.
جاء في صحيح مسلم عن زيد بن الأرْقم، قَال: "خرجَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- على أهل قُباء وهم يصلون، فقال: "صلاة الأَوَّابِين إذا رَمِضَتِ الْفِصَالُ" رواه مسلم.
ولا صحة لما ذهب إليه بعضُهم من القول بأن "صلاة الأوَّابين" هي صلاة مُعَيَّنة غير صلاة الضحى، فإنه بذلك يكون قد شرعَ ما لم يشرعْه الله ورسولُه -صلى الله عليه وسلم- وعُدَّ من المبتدعين في دين الله، عافانا الله وإيَّاكم.
يقول الإمام النووي في شرْحه لحديث مسلم: "قولُه -صلى الله عليه وسلم-: "صلاة الأوَّابين حين تَرمَضُ الفِصالُ": هو بفتح التاء والميم، والرَّمضاء: الرَّمْل الذي اشتدتْ حرارتُه بالشمس؛ أي: حين تحترقُ أخفاف الفِصال -وهي الصغار من أولاد الإبل، جمع فصيل- من شدَّة حرِّ الرمْل. والأوَّاب: المطيع، وقيل: الراجعُ إلى الطاعة، وفيه فضيلة صلاة هذا الوقت؛ قال أصحابُنا من الشافعيَّة: هو أفضل وقتٍ لصلاة الضحى، وإن كانتْ تجوز من طلوع الشمس إلى الزوال" اهـ.
وقال الإمام المناوي: وإنَّما أضافَ الصلاة في هذا الوقت إلى الأوَّابين؛ لأن النفس تركنُ فيه إلى الدعة والاستراحة، فصرْفُها إلى الطاعة والاشتغال فيه بالصلاة رجوعٌ من مراد النفس إلى مرضاة الربِّ؛ ذَكَرَه القاضي.
وحُكم صلاة الضحى (الأوَّابين): عبادة مستحبَّة، فمن شاء ثوابَها فليؤدِّها، وإلاَّ فلا تثريب عليه في ترْكها.
ووقتُها الشرعي: من بعد خروج وقت النهي بعد الشروق بارتفاع الشمس مقدار رُمْحٍ [قدر اثنتي عشرة دقيقة على الأقل] إلى وقت الزوال؛ أي: ما قبل الظهر بعشر دقائق.
أمَّا وقتُها الأفضل، فحين تَرْمَضُ الفِصالُ؛ أي: حين اشتداد الحرِّ؛ لِمَا وردَ في الأحاديث المذكورة آنفًا، وقبل زوال الشمس بزمنٍ قليل حوالي عشر دقائق؛ لأن ما قُبيل الزوال وقتُ نهيٍ يُنهى عن الصلاة فيه، وقائم الظهيرة يكون قُبيل الزوال بنحو عشر دقائق، فإذا كان قُبيل الزوال بعشر دقائق، دَخَلَ وقتُ النهي.
وعددُ ركعاتها: أقلُّها ركعتان، وأدنى الكمال أربع، وأفضلها ثمانٍ، أو ما يزيدُ؛ لِمَا وردَ في صحيح الحديث، ومنه حديث أبي ذر: "يُصْبِح على كُلِّ سُلاَمَى... ويُجْزِئُ من ذلك ركعتان يركعهما منَ الضحَى" رواه مسلم.
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله" رواه مسلم.
وعن أُمِّ هانئ قالتْ بأنها لَمَّا كان عام الفتح، أتتْ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وهو بأعلى مكةَ، قامَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- إلى غُسْله، فسترتْ عليه فاطمة، ثم أخَذَ ثوبَه فالْتَحَفَ به، ثم صلَّى ثماني ركعات سُبْحة الضحى. رواه أبو داود.
ويسلِّمُ مِن كلِّ ركعتين؛ لِمَا وردَ في بعض طُرق حديث أمِّ هانئ: أنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح صلى سُبحة الضحى ثماني ركعات يسلِّمُ من كلِّ ركعتين.
وعن نُعَيْم بن هَمَّار قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يقول الله -عز وجل-: يا ابن آدمَ، لاَ تُعْجِزْنِي منْ أرْبع ركعاتٍ في أولِ نهارك، أكْفِكَ آخِرَه" رواه الترمذي بسند حسن.
فمن فضْل هذه الصلاة أنَّ الله -سبحانه وتعالى- يتكفَّل لصاحبها بأنْ يكفيه يومَه الذي يصليها فيه، وجاءت الكفاية عامَّة؛ لتشملَ الحفظَ من الشيطان، وتوفير الرزق الحلال، وردَّ الشرِّ والمكروه، وما إلى ذلك.
قال الطيبي: أي: أكفك شغلك وحوائجك، وأرفع عنك ما تكرهه بعد صلاتك إلى آخر النهار. والمعنى: فرِّغ بالك لعبادتي في أول النهار أفرغ بالك في آخره بقضاء حوائجك، فالجزاء من جنس العمل. فمن فرَّغ نفسه دقائق لأربع ركعات أول النهار، لدقائق يسيرة، يسَّر الله بقية يومه.
فلنحافظ على صلاة الضحى ولا نتركها إلا من عذر فننتقل من عبادة إلى عبادة، وندخل في عداد الأوابين، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب"، قال: "وهي صلاة الأوابين" رواه الحاكم وقال: حديث صحيح على شرط مسلم.
اللهم اجعلنا من عبادك الأوابين.
اللهم يا عزيز يا حكيم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر إخواننا المجاهدين، وارفع البأس والظلم والجوع عن إخواننا المستضعفين في مشارق الأرض ومغاربها.
اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح ولاة أمورنا، ووفقهم لإصلاح رعاياهم، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تذكرهم إذا نسوا، وتعينهم إذا ذكروا، واجعلهم هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، سلما لأوليائك، حربا على أعدائك.
اللهم فك أسر المأسورين، واقض الدين عن المدينين، واهد ضال المسلمين، وهيئ لأمة الإسلام أمرا رشدا يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.
اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا، وأغننا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك، وأغننا برحمتك يا حي يا قيوم، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، واجعلنا من أهل جنة النعيم، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات