صبرا أهل فلسطين المرابطين

الشيخ خالد أبو جمعة

2024-07-14 - 1446/01/08
عناصر الخطبة
1/عبرة وعظة من هلاك الظالمين 2/المكر بالإسلام وأهله دأب أعدائه 3/عزاء ومواساة لأهل غزاة الصابرين المرابطين 4/بشرى بالنصر رغم الواقع المرير 5/الوصية بالرباط في أرض الرباط

اقتباس

إنَّ التمسك بحب هذه الأرض، وتجديد نية الرباط فيها، والحنين إليها عِبادة وقُربة يتقرَّب بها المسلم إلى ربه، فحبُّها يسري في عروقنا، وتنبض به قلوبنا، وَرِثْناه عن آبائنا وأجدادنا وأسلافنا، وورثناه إلى أبنائنا وأحفادنا...

الخطبة الأولى:

 

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الخلَّاق العليم، يخلق ما يشاء ويختار، له الحمد كلُّه، وإليه يرجع الأمر كله، ولا حول ولا قوة إلا به، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، فطَر عبادَه على الإيمان والتوحيد، فحرفَتْهم الشياطينُ إلى الجحود والتنديد، لا ربَّ لنا سواه، ولا نعبد إلا إيَّاه، مخلصينَ له الدين، ولو كره الكافرون، وأشهد أنَّ سيدَنا وحبيبَنا وقائدَنا، وقدوتَنا محمَّدًا، رسول الله، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، القائل: "دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: (لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)[الْأَنْبِيَاءِ: 87]، فإنَّه لم يَدْعُ بها رجلٌ مسلمٌ، في شيء قطُّ إلا استجاب الله له.

 

سيِّدي وحبيبي وقُرَّة عيني يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أشهد أنكَ بلغتَ الرسالةَ، وأديتَ الأمانةَ، ونصحتَ الأمةَ، وكشَف اللهُ بكَ الغمةَ، وجاهدتَ في الله حقَّ جهادِه، حتى أتاكَ اليقينُ، فجزاكَ اللهُ عَنَّا وعن أمة الإسلام ما هو أهلُه، صلى الله عليكَ، وباركَ عليكَ، وعلى آل بيتكَ، وأصحابكَ ومَنْ تَبِعَكَ بإحسان إلى يوم الدين.

 

أمَّا بعدُ، أيها المرابطون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[الْحَشْرِ: 18-19].

 

أيها المرابطون: اتقوا اللهَ حقَّ تُقاتِه؛ فالخير والسلامة في طاعته، والشر والندامة في معصيته، ولا يجني جانٍ إلَّا على نفسه، فمَنْ أحسَن فلنفسِه، ومَنْ أساء فعليها، (وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا)[الْكَهْفِ: 49].

 

أيها المسلمون: هل سمعتُم بمن علا في الأرض وتجبَّر، وسامَ الناسَ العذابَ وتبختَر، ما فعَل اللهُ به؟ لم يكن هذا المجرم ليُفلت من عذاب الله، من سُنَّة الله، سُنَّة التدمير والإبادة، والإفناء والنكال، حتى جعله الله سلَفًا ومثلا للآخَرين، وسبحان الله العظيم، لقد مر على هذه الحياة عمالقة وأشرار، فاغتروا بقوتهم، وبطشهم، وأموالهم، وإعلامهم، حتى ظنوا أنهم مخلدون؛ (وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً)[فُصِّلَتْ: 15]، فحل بهم سنة الله في الظالمين.

 

عبادَ اللهِ: لا يزال المكر بالإسلام وبأهل الإسلام منذ أن قال رسول الإسلام -صلى الله عليه وسلم-: "إني رسول الله إليكم"، وغزوات النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه من بعده، هي أكبر دليل على ذلك، لكن المكر يبوء بالفشل؛ إذ إن الله يقول: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)[الْأَنْفَالِ: 30]، وقد سجَّل التاريخُ لنا صورًا للنصر يكاد العقل يعجز عن إدراكها؛ فجيش قوامه ثلاثة آلاف، يقف أمام مائتي ألف في مؤتة، وما القادسية واليرموك عَنَّا ببعيد، إلا أن أشد الملاحم سوادًا، هي عندما يتعرَّض الفجرة الكفرة لمقدسات المسلمين، ويثير مشاعر عوامها فضلًا عن علمائها، وذي الفضل منها، لكنهم دائمًا ما يرجعون بالخسران والخيبة، ولنا في التاريخ عبرة، وتبقى أَجْنَادِينَ وحطين وعين جالوت في أرض فلسطين شاهدة على هلاك المعتدين، وانتصار أهل الحق المستضعَفين.

 

يا أهل غزة هاشم: كلمات أقولها لكل قلب مكلوم حزين، فقَد أُسرَتَه ومسكنَه وفقَد كلَّ شيء يملكه: "الله يبتلي المؤمن بألوان البلايا والمحن والرزايا، حتى لا يبقى في القلب إلا الله، ولا يجري على اللسان إلا ذكر الله، وما ابتلانا إلا أنَّه يحبنا، وإن الله -عز وجل- إذا أحب عبدًا ابتلاه، فالابتلاء قدر من أقدار الله، ولا يحكم عليه بظاهره بالضر أو النفع؛ لأن القدر سر من أسرار الله، لا ينبغي لنا اليأس من رحمة الله، أو أن نضجر من الدعاء، أو نَمِلَّ منه، أو نستطيل من البلاء، فاحتسبوا أمركم عند الله، وشهداءكم عند الله، فعلينا وعليكم بالصبر، ومن يصبر يصبره الله، وما أُعطي أحدٌ عطاءٌ هو خير وأوسع من الصبر، وهنيئًا لنا احتساب هذا الفِراق والفَقْد عند الله، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزُّمَرِ: 10].

 

لماذا الصبر؟ لأنَّه يتَّسع لكل الفضائل؛ فكلها تصدر عنه، وتعتمد عليه؛ من عزة وشجاعة، وعزيمة، وإرادة وإباء، والمسلم الصبور هو من يتحمل كل مكروه -بإذن الله-، ومع الصبر علينا بالدعاء، ارفعوا أيديكم بالدعاء، وأيقنوا بالإجابة؛ لأن الله -عز وجل- على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، فوالله لن يخيبكم الله، وسيستجيب لكم، ويجبر كسركم، أقولها وقد رأينا بعض القلوب قد تثاقلت عليها الهموم، وامتطها الأحزان والهموم، فتملكها اليأس والإحباط، نطقها القلب بلسان الحال لا بلسان المقال، فالدعاء أيها الصابرون شأنه عظيم، باب فتح لنا، والموفق من انتهز الأوقات، فيها الإجابات، وألح على الله، فما أحوجنا في هذه الأيام إلى الرحمات.

 

تذكَّرُوا نوحًا العظيم -عليه السلام-؛ (أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)[الْقَمَرِ: 10]، الدعاء عبادة لا تنقطع، سُقْيا الروح، غيث للقلب، أعمال به تُرفَع، وحياة تَهنأ، فالنفس حين تنبض بالدعاء، ترقد بسكينة وطمأنينة بين يدي الله، تستقيم ولا تندثر، ولا تنحرف؛ لأنَّها بمقام القرب من الله، والله يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)[الْبَقَرَةِ: 186].

 

أيها الصامدون في أرض الرباط: تلك القلوب التي صبرَتْ وعلمَتْ أنَّ الله معها، ومعية الله تكفيها عن كل شيء، فإن الله -عز وجل- معنا، هو المنتقِم الجبَّار، فكل شيء معنا، والله أكبر من الظالمين، وهو أعظم من المعتدين، والخزي للمجرمين، والعار للمتخاذلين.

 

أهلنا المرابطون الصابرون في بَيْت الْمَقدسِ: الله رحيم، والرحيم لا يرضى الحزن والكسر لكم، صبركم وثباتكم، ورباطكم، يغيظ عدوكم، إنما الظَّفَر والعلوُّ صبرُ ساعةٍ، وهي قريبة بعون الله، فقد رأينا للأقزام ظلًّا طويلًا، فالشمس إذَنْ في طريقها للمغيب، وما تعثَّرت إلا وتيسَّرت، وما ضاقت إلَّا وفُرجت، لله درُّكم يا أهلَ غزةَ، عام هجريّ جديد بدأ، وعام دراسيّ أليم شديد مضى، طلبة رحلوا قبل نهاية العام الدراسيّ، تاركينَ خلفَهم الكتب القليلة، والأحلام الكبيرة، والآمال الكثيرة، رحلوا قبل أن يكملوا عامهم الدراسيّ، حرقت كتبهم، وكراساتهم، وأقلامهم، ومزجت بالرمل والتراب والرماد، مع دمعة في العين، وحسرة وحرقة في القلب، عام دراسي أليم شديد مضى عليهم، بأربعين ألف طالب وطالبة، لم يتقدموا هذا العام لامتحان الثانويَّة العامَّة، فقد وقفت مسيرتهم التعليميَّة والعِلميَّة بسبب الدمار والخراب، الطلبة والمعلمون والمدراء والموظفون، كلهم طالتهم يد التدمير، وآلة الخراب والفَناء، فتلاشت معالمُ الجامعات، والمدارس والروضات، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

في أول جمعة من العام الهجري الجديد، يدخل على أهل غزة، وهم يعانون من الخوف والجوع والعطش، مع الحر الشديد، وانعدام العلاج، ونقص الأدوية، وانتشار الأوبئة والأمراض المعدية، واستفحال المجاعة، فهم جياع وعطشى، ينامون ويستيقظون، ويتألمون، وينزحون، ويرحلون، عطشى وجياعا، هذه المعاناة لأطفال وشباب ورجال ونساء، يغادرون، ويرحلون، ويذوبون ويسحقون.

 

عام هجري جديد، والعالَم ينظر إليهم عبر القنوات المفتوحة، وببث مباشر، يشاهدونهم بصورة نقية، ويسمعونهم بصوت واضح، بلا عناء ولا غشاء ولا غطاء، أعين العالَم العربيّ والإسلاميّ الغربي والشرقي في الصباح وفي الظهيرة وفي المساء، وفي الأصيل، يرونهم، يسمعون بكاءهم، محنتهم منتشرة في كل أصقاع الأرض، في كل المناسبات والأعياد، مع بزوغ عام جديد في عام هجري جديد، يعيش أهل غزة الهجرة، والتهجير، والهجران، والهجر كل يوم، فلا يجدون على الحق أنصارًا ولا أعوانًا، اللهُمَّ انظر إليهم نظر اللطف والرحمة، فهم عبادك، فقدرهم العيش على وجه هذه الأرض الضيقة، بما رحبت لغيرهم، هائمين تائهين، مُصابينَ محرومينَ مخذولينَ جائعينَ، خائفينَ منكوبينَ، وقبلَ كل شيء راجلينَ، راحلينَ، من زحمة إلى زحمة، من شمال إلى جنوب، ومن جنوب إلى شمال.

 

أيها الصابرون: تزخر الهجرة النبويَّة بدروس وعبر عديدة، صالحة لكل الأزمنة، فقد شكَّلت حادثة الهجرة بداية نشوء دولة الإسلام، القائمة على قِيَم الإصلاح، وعلى الرحمة، وعلى العدالة، وعلى الإنسانيَّة، دلَّتِ الهجرة الشريفة على أن الوصول إلى النجاح وتحقيق الطموحات والأهداف لا تأتي إلا بالصبر والقدرة على التحمل، والتوكل على الله، وحسن الظن بالله -سبحانه وتعالى-، ومعالم المنهج النبوي العظيم في التعامُل مع الأزمات من خلال هجرته -صلى الله عليه وسلم- وفي سيره ومسيرته إلى الله، تحلَّت بالصبر والتأنِّي وعدم الجزع والعَجَلة، وصِدْق التوجُّه إلى الله؛ فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أقسَم وقسمُه حقٌّ، فقال عليه الصلاة والسلام: "والله ليتمنَّ هذا الأمرُ"، الأمر سيتم، "حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"، فكم كانت العجلة سببًا في تأخُّر الظفر والعلو والتمكين على الأعداء، فالنصر قدر من أقدار الله، وتدبير من تدابيره، وهو يجري وفق سنة إلهيَّة مقدرة، وقد يتباطأ الظفر والتمكين، وهذا ليميز الله الخبيث من الطيب، فتكشف المواقف المستورة، وتسقط الأقنعة عن المنافقين، ويزال الغطاء عن المتآمرين.

 

نسأل الله -عز وجل- أن يملأ قلوبنا حبًّا له وتعظيمًا، وإجلالًا له وتقديرًا، وأن يوفقنا لما يحب ويرضى، اللهمَّ اجعلنا أوثق خلقك بك، واملأ قلوبنا بحبك والثقة فيك، والتوكل عليك، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة"، أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم، فيا فوزَ المستغفرينَ استغفِرُوا اللهَ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على حِلمه بعد عِلمه، وعلى عفوه بعد قدرته، اللهُمَّ إنَّا نعوذ بك من الفقر إلا إليكَ، ومِنَ الذلِّ إلا لكَ، ومن الخوف إلا منكَ، نعوذ بكَ من شماتة الأعداء، وعضال الداء، وخيبة الرجاء، وزوال النعمة، وفجأة النقمة، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، الواحد القهار، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، النبي المصطفى المختار، صلى الله عليه، وعلى آله السادة الأطهار، وصحبه البررة الأخيار، والتابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ ما دام الليل والنهار.

 

وبعدُ: إنَّ المؤمن الفَطِن والعاقل البصير يُدرِك حقيقة التلبيس، وزخارف المفسدين، وخططهم المكشوفة؛ لتغيير معالم مدينة القدس، والعبث في تاريخها، وتزوير الحقائق عن حضارتها الإسلاميَّة، نعم أيها الصامدون، إن هذه الأرض هي أرض مباركة، قد وهبها الله لنا، وأثبت لنا الحق فيها من فوق سبع سماوات، وما كتبَتْه يدُ العليِّ الأكبرِ في السماء السابعة لا تمحوه يدُ البشر؛ لذلك لا منازِعَ ينازعنا في هذا الحق، ولا الوقائع تغير من الحقائق شيئًا، مهما فعلوا من نكبات ونكسات، وتدبير وتهجير، وتصريح هنا وهناك حول حق لهم صبغوه بالكذب والتضليل، إنما هو سحابة صيف ثم تنكشف؛ فالحق أبلج، والباطل لجلج.

 

أيها الأحبةُ: إنَّ هذا الحق الذي نقرره هو حق ديني عقائدي تاريخي، حق يشمل كل المسلمين، في فلسطين وفي خارجها، في السجون وفي الشتات، فمن أقام مرابطًا بجسده على هذه الأرض فإن الواقع يشهد له، وأمَّا من هجر من أرضه ظلمًا وقهرًا وعدوانًا، فهو وإيانا في أجر الرباط سواء، فإن ظن ظان أن هذا الذي حرم استنشاق هواء بلاده والأكل من خيرها، والشرب من عذب مائها السعيد، هو واهم مخطئ؛ لأنَّه يجهل طبيعة هذه الأمة، هذه الأمة التي توحد بالله، أن المسجد الأقصى وأن مدينة القدس خالصة للمسلمين.

 

نعم أيها الأحبة: إنَّ التمسك بحب هذه الأرض، وتجديد نية الرباط فيها، والحنين إليها عِبادة وقُربة يتقرَّب بها المسلم إلى ربه، فحبُّها يسري في عروقنا، وتنبض به قلوبنا، وَرِثْناه عن آبائنا وأجدادنا وأسلافنا، وورثناه إلى أبنائنا وأحفادنا، ووصيناهم أن يورثوا هذا الحب إلى أبنائهم وأحفادهم.

 

أيها المرابطون: ومن أبسط الحقوق المنشودة لإخواننا الأسرى أن ينعموا بالحرية، ولأهلنا في الشتات أن يعودوا إلى وطنهم وأرضهم، بعد أن أخرجوا منها ظلمًا وعدوانًا، وهذا الحق كفلته لهم الأعراف الإنسانيَّة، ولئن كنا في هذه الأرض المبارَكة قد مررنا فيما مر به أسلافنا مِنْ قبلُ، من فِقْدَان أرض، وضياع هيبة، وتسلط عدو، وتجبر محتل، فإنَّه ظرف استثنائي طارئ، نرى بشائر تلاشيه تلوح بالأفق، فشمسهم أفلت، وشمسنا على فلك العلا لا تغرب، ومهما قدمنا للأقصى فلن نوفي قدره، ولن نؤدي حقه، وعزاؤنا أنَّنا نرجو أن نكون من الطائفة الظاهرة المرابطة، والتي أخبر عنها سيد الخلق -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الدِّينِ ظَاهِرِينَ، لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ ‌مِنْ ‌لَأْوَاءَ، ‌حَتَّى ‌يَأْتِيَهُمْ ‌أَمْرُ ‌اللهِ وَهُمْ كَذَلِكَ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ".

 

نسألكَ يا اللهُ، يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلال والإكرام، لا إلهَ إلا أنتَ سبحانكَ إنَّا كنَّا من الظالمينَ، نسألكَ بما حمَل كرسيُّكَ من عظمتكَ وجلالكَ، وبهائكَ وقدركَ وسلطانكَ، أن تتوب علينا، وأن تُعافِيَنا من البلاء والبلوى، والفتن ما ظهَر منها وما بطَن.

 

اللهُمَّ كُنْ لأهل غزة عونًا ومُعينًا، وسندًا وظهيرًا، وناصرًا ومؤيدا، اللهمَّ ارحمنا بواسع رحمتك، وارفع عَنَّا البلاء، اللهُمَّ اخزل عدونا، ومن بغى علينا، اللهمَّ اجبر كسرنا، وأطعم جائعنا، واسق ظمآنا، واحمل حافينا، واكس عارينا، وداو جرحانا، وارحم موتانا، اللهمَّ لطفك بشيوخ ركع، أطفال رضع، زوجات رملوا، أبناء يتموا، اللهُمَّ اكشف الهم والغم عنهم، اللهمَّ احفظهم بحفظك، اللهُمَّ احفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك -عليه الصلاة والسلام- وحصنه بتحصينك المتين، واجعله في رعايتك وعنايتك، وحرزك وأمانك وضمانك، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، واغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182]، وأَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life