صانع الأجيال

الشيخ هلال الهاجري

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ حال المعلم قديمًا وتقدير الطلاب له 2/ أهمية دور المعلم في المجتمع 3/ وصايا للطلاب ولأولياء الأمور في تقدير المعلمين 4/ نصائح مهمة للمعلمين.
اهداف الخطبة

اقتباس

فمن يستطيعُ منَّا أن ينسى تلكَ الأيامَ التي كُنَّا فيها طُلاباً على مقاعدِ الدِّراسةِ،.. هل تذكرونَ تلكَ المشاعرَ المُختلطةَ في قلوبِنا تجاهَ المُعلِّمَ، خوفٌ، وحبٌّ، وتقديرٌ، وإجلالٌ، واحترامٌ، وتعظيمٌ، كانتْ أعينُنا وآذانُنا تراقبُه في كلِّ لحظةٍ في الفصلِ، كنَّا نرى فيه الكمالَ البشريَّ، كانَ هو القُدوةُ الصَّالحةُ، كانَ ما يقولُه صواباً لا ريبَ فيه، وما يفعلُه حقَّاً لا مِريةَ فيه، ومن ذا الذي يُقنعُنا أنَّه أخطأَ، بل كنا نراهُ لا يُخطئُ. كانتْ أسعدُ اللَّحظاتِ، تلكَ التي يرضى فيها عنَّا المعلِّمُ، وأجملُ السَّاعاتِ، تلكَ التي يُثني فيه علينا، وإذا شكرَنا أمامَ الطُّلابِ، أو رسمَ لنا نجمةً في الدَّفترِ، فيا فرحةَ العمرِ، ويا سعادةَ القلبِ، نُبشِّرَ بها كلَّ من لقينا، وننقلُ الخبرَ الجميلَ إلى والدينا، وتكونُ تلكَ الكلماتِ وسامٌ على صدورِنا، ويذهبُ النَّومُ ذلكَ اليومَ من عيونِنا.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ جعلَ العلمَ طهارةً للنفوسِ، ونوراً للبصائرِ، وطريقاً إلى الحقِّ، وهادياً إلى الجنةِ.. الحمدُ للهِ الذي علَّمَ بالقلمِ، علَّمَ الإنسانَ ما لم يعلم، أحمدُه سبحانَه وأشكرُه، خلقَ الإنسانَ، وعلمَّه البيانَ، ومدحَ أهلَ العلـمِ والإيمانِ، ومنَّ عليهم بالتوفيقِ والعرفانِ، ورفعَ منارِ العلمِ، وأشادَ بالعلماءِ والمتعلمينَ.

 

 وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له الملكُ الحقُّ المبينُ، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسولُه إمامَ المربينَ، وقدوةَ العلماءَ والسالكينَ، صلى اللهُ وسلمَ عليه وعلى آلِه وأصحابِه الهداةِ المتقينَ، ومن سارَ على هديهم، وسلكَ سبيلَهم إلى يومِ الدينِ..

 

أَمَّا بَعْدُ: فمن يستطيعُ منَّا أن ينسى تلكَ الأيامَ التي كُنَّا فيها طُلاباً على مقاعدِ الدِّراسةِ، وكنَّا نكرِّرُ فيها كلَّ يومٍ قولَ أميرِ الشُّعراءِ أحمدَ شوقي -رحمَه اللهُ-:

قُمْ للمعلّمِ وَفِّهِ التبجيلا *** كادَ المعلِّمُ أن يَكُونَ رَسُولاً

أعلمتَ أشرفَ أو أجلَّ من الذي *** يَبني وينشئُ أَنْفُسَاً وعُقُولاً؟

 

هل تذكرونَ تلكَ المشاعرَ المُختلطةَ في قلوبِنا تجاهَ المُعلِّمَ، خوفٌ، وحبٌّ، وتقديرٌ، وإجلالٌ، واحترامٌ، وتعظيمٌ، كانتْ أعينُنا وآذانُنا تراقبُه في كلِّ لحظةٍ في الفصلِ، كنَّا نرى فيه الكمالَ البشريَّ، كانَ هو القُدوةُ الصَّالحةُ، كانَ ما يقولُه صواباً لا ريبَ فيه، وما يفعلُه حقَّاً لا مِريةَ فيه، ومن ذا الذي يُقنعُنا أنَّه أخطأَ، بل كنا نراهُ لا يُخطئُ.

 

كانتْ أسعدُ اللَّحظاتِ، تلكَ التي يرضى فيها عنَّا المعلِّمُ، وأجملُ السَّاعاتِ، تلكَ التي يُثني فيه علينا، وإذا شكرَنا أمامَ الطُّلابِ، أو رسمَ لنا نجمةً في الدَّفترِ، فيا فرحةَ العمرِ، ويا سعادةَ القلبِ، نُبشِّرَ بها كلَّ من لقينا، وننقلُ الخبرَ الجميلَ إلى والدينا، وتكونُ تلكَ الكلماتِ وسامٌ على صدورِنا، ويذهبُ النَّومُ ذلكَ اليومَ من عيونِنا.

من كانَ منكم يستطيعُ أن يعبرَ الشّارعَ الذي يسكنُ فيه الأستاذُ، وإذا رآنا في الطَّريقِ فيا ويلتاهُ على ما سيحدثُ غداً في المدرسةِ، وما هو العقابُ الأليمُ جزاءَ خروجِنا من البيتِ.

 

إذا ابتسمَ المعلمُ في الحِصَّةِ، ابتسمَ لنا الأملُ، واستبشرنا بالخيرِ، وأحسسنا بنشوةٍ وسعادةٍ لأننا جعلنا الأستاذ سعيداً، وإذا غضبَ، أظلمتْ في عُيونِنا الدُّنيا، ولم نأمنْ بطشَه وعقابَه، وألقينا باللَّومِ على من كانَ سببَ غضبِه.

 

ولا زالَ الشُّعورُ نحو المعلمِ عظيماً، حتى بعدما كَبِرْنا، وأصبحنا آباءً، بل وأجداداً، عندما نراه لا نملكُ أنفسَنا، وتغشانا تلكَ الهيبةِ التي جعلَها اللهُ تعالى في قلوبِ الطُّلابِ لأساتذتهم ومعلميهم، احتراماً وتعظيماً وتقديراً.

 

يا شمعةٌ في زوايا الصَّفِّ تَأتلقُ *** تُنيرُ دربَ المعالي وهي تَحترقُ

لا أَطفأَ اللهُ نوراً أنتَ مصدرُه *** يا صادقَ الفجرِ أنتَ الصُّبحُ والفَلقُ

 

معلمي الفاضلَ.. لا أعلمُ كيفَ أردُّ إليكَ الجميلَ، ولا أعرفُ كيفَ أبلغُ إليكَ في الثَّناءِ، ولكن حسبي في ذلكَ قولُ رسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ، فَقَالَ لِفَاعِلِهِ: جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا، فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ"، فجزاكَ اللهُ عنَّا وعن الأجيالِ خيرَ الجزاءِ، علمتنا وأدبتنا وقوَّمتنا، نذكرُكَ ونشكرُكَ عند كتابةِ كلِّ حرفٍ، وعندَ قراءةِ كلِّ نصٍّ، وعندَ حلِّ كلِّ عمليةٍ حسابيةٍ، وعندَ كلِّ نظريةٍ فيزيائيةٍ وكيميائيةٍ، لك الأجرُ كلما قرأنا سورةَ الفاتحةِ في صلاتِنا، فأنت الذي علمتنا إيَّاها ولقنتنا حروفَها وكلماتِها، لك الأجرُ عندَ كلِّ وضوءٍ وكلِّ صلاةٍ، فأنت الذي علمتنا صفاتِها وشروطَها وأحكامَها.

 

بُشراكَ عظيمُ الحسناتِ، ورفيعُ الدَّرجاتِ، من ربِّ الأرضِ والسَّماواتِ، (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة: 11]، يقولُ الشَّيخُ السِّعديُّ -رحمَه اللهُ-: فالمعلمُ مأجورٌ على نفسِ تعليمِه، سواءً أفهمَ المتعلمُ أو لم يفهمْ، فإذا فهمَ ما علمَّه، وانتفعَ به بنفسِه، ونفعَ غيرَه، كانَ أجراً جارياً للمعلمِ ما دامَ ذلك النفعُ متسلسلاً متصلاً، وهذه تجارةٌ بمثلِها يتنافسُ المتنافسونَ، فعلى المعلمِ أن يسعى سعياً شديداً في إيجادِ هذه التجارةِ وتنميتِها، فهي من عملِه، وآثارِ عملِه، قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ) [يس: 12].

 

هنيئاً لكَ ثناءُ اللهِ تعالى عليكَ، ودعاءُ الملائكةِ لكَ، واستغفارُ الكائناتِ لكَ، قالَ -صلى اللهُ عليه وسلمَ-: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِى جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى مُعَلِّمِ النَّاسِ الْخَيْرَ"، فيلهجُ لكَ الكونُ بالصَّلاةِ والاستغفارِ، ويُسمعُ صدى الدُّعاءِ لكَ في السماءِ والأرضِ والبِحارِ.

 

يكفيكَ أيُّها المعلمُ من الفخرِ، أنكَ وريثُ خيرِ البشرِ، قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ"، فاعرِفْ فضلَكَ، وانشر ورثَكَ، فكثيرٌ من النَّاسِ إذا ماتَ انقطعَ عملُه، وأما أنتَ فقد جاءَ في الحديثِ: "إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثَةٍ"، وذُكرَ منهم: "أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ"، فأبشرْ بحسناتٍ كالجبالِ، في علمٍ تتوارثُه الأجيالُ.

 

أشعلتَ روحكَ في الآفاق مصباحاً *** وَرُحْتَ تزرعُ في الأوطانِ أرواحا

حَمَلْتَ همَّ بناءِ الجيلِ مُتَّخِذاً *** مِنْ دَرْبِ أحمدَ للأمجادِ مِفتاحا

وَقَـفْـتَ نفسَكَ للهِ وما *** طلبْتَ شكراً وتقديراً وأمدَاحا

تُحاربُ الجهلَ تبني الجيلَ مُفْتخِراً *** تُـقدِّمُ العلمَ للطُّلابِ أقداحا

تباركَ اللهُ إذ أعطاكَ مكْرَمةً *** فَصِرْتَ للشَّعبِ قنديلاً ومِصباحا

 

يا أولياءَ الأمورِ..

اسمعْ ماذا فعلَ وليُّ أمرِ مع معلمِ أبنائه عندما أكرمَه الأبناءُ، كانَ الإمامُ الكسائيُّ العالمُ المسلمُ، يُربي ويؤدبُ ابني خليفةِ المسلمينَ في زمانِه هارونَ الرَّشيدِ -وهما الأمينُ والمأمونُ- وفي أحدِ الأيامِ قامَ الإمامُ الكسائيُّ، فذهبَ الأمينُ والمأمونُ ليقدِّما نعلي المعلمِ له، فاختلفا فيمنْ يفعلُ ذلك، وأخيراً اتفقا على أن يقدمَ كلاً منهما واحدةً.

 

ورُفعَ الخبرُ إلى الرَّشيدِ، فاستدعى الكِسائيَّ، وقالَ له: من أعزُّ النَّاسِ؟، قالَ: لا أعلمُ أعزَّ من أميرِ المؤمنينَ، قالَ: بلى، إنَّ أعزَّ النَّاسِ من إذا نَهضَ من مجلسِه تقاتلَ على تقَديمِ نعليه وليا عهدِ المسلمينَ، حتى يرضى كلٌّ منهما أن يقدمَ له واحدةً، فظنَّ الكِسائيُّ أن ذلك أغضبَ الخليفةَ، فاعتذرَ له، فقالَ الرَّشيدُ: لو منعتهما لعاتبتُك، فإن ذلك رَفعَ من قدرِهما.

 

أعطوا المُعلِّمَ حقَّه ومكانتَه، وعظِّموه عندَ أبنائكم، واثنوا عليه في غيبتِه، ولا تسمحوا لهم بالاستخفافِ والاستهتارِ بمعلميهم، واذكروا لهم فضلَ العلمِ وأهلَه، وأدِّبوهم إذا أخطأوا في حقِّه، واحذروا ممن ينتقصُ حقَّه وقيمتَه، ويُسقطُ قدرَه وهيبتَه، في وسائلِ التَّواصلِ أو الإعلامِ، فهذه جريمةٌ في حقِّ العلمِ وإجرامٌ.

ما كانَ إلا أباً للنشءِ محتضناً *** لِمَ التطاولُ والبهتانُ والتُّهمُ

إنَّ المعلمَ إنْ حُطَّتْ مكانتُهُ *** سادَ الفسادُ وكانَ الجهلُ والنِّقمُ

 

أيُّها الطَّالبُ المُباركُ..

إنَّ فضلَ المعلمِ عليكَ عظيمٌ، وإنَّ حقَّه عليكَ كبيرٌ، هو الذي علَّمكَ بعدَ أن كنتَ جاهلاً، فأصبحتَ من بحرِ العلومِ ناهلاً، اعرفْ له فضلَه، اقدُر له قدرَه، نادِه بأحسنِ الألفاظِ، لا ترفعْ صوتَك في حضورِه، لا تحدُّ النَّظرَ إليه، تجاوزْ عن زلَّاتِه، اغفرْ له أخطاءَه، غُضَّ الطَّرفَ عن عيوبِه، فهو بشرٌ يُصيبُ ويُخطيءُ، ويفرحُ ويغضبُ، خذْ منه الأخلاقَ الجميلةَ، والعلومَ الجليلةَ، ولا تسألْه إن كانَ مشغولاً، وانتظرْ واصبرْ، فَإِنَّمَا هُوَ كَالنَّخْلَةِ تَنْتَظِرُ مَتَى يَسْقُطُ عَلَيْكَ مِنْهَا شَيءٍ.

 

ومتى كنتَ مؤدباً، وفي طلبِك مُهذَّباً، أعطاكَ ما تريدُ وزادِكَ علماً وأدباً، قَالَ حَمْدَانُ الْأَصْفَهَانِيُّ: كُنْتُ عِنْدَ شَرِيكٍ رحمه اللهُ، فَأَتَاهُ بَعْضُ أَوْلَادِ الْمَهْدِيِّ، فَاسْتَنَدَ إلَى الْحَائِطِ، وَسَأَلَهُ عَنْ حَدِيثٍ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَيْنَا ثُمَّ عَادَ، فَعَادَ لِمِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ: أَتَسْتَخِفُّ بِأَوْلَادِ الْخُلَفَاءِ؟، فَقَالَ شَرِيكٌ: لَا، وَلَكِنَّ الْعِلْمَ أَجَلُّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَنْ أَضَعَهُ، فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ شَرِيكٌ: هَكَذَا يُطْلَبُ الْعِلْمُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ -رحمه الله-: "كُنْتُ أَصْفَحُ الْوَرَقَةَ بَيْنَ يَدَيْ مَالِكٍ رحمه الله صَفْحًا رَفِيقًا هَيْبَةً لَهُ؛ لِئَلَّا يَسْمَعَ وَقْعَهَا"، وَقَالَ الرَّبِيعُ: "وَاَللَّهِ مَا اجْتَرَأْتُ أَنْ أَشْرَبَ الْمَاءَ وَالشَّافِعِيُّ يَنْظُرُ إلَيَّ هَيْبَةً لَهُ".

 

باركَ اللهُ لي ولكم في القرآنِ العظيمِ.. ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيمِ.. أقولُ قولي هذا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولسائرِ المسلمينَ من كلِ ذنبٍ، فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ العليمِ الخبيرِ، ذو الحكمةِ في الخلقِ والتدبيرِ، يخلقُ مايشاءُ ويفعلُ ما يريدُ، له الحمدُ على ما قَدَّرَ وحكمَ، وله الشُّكرُ على ما قضى وأبرمَ، والصَّلاةُ والسلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمينَ؛ محمدِ بنِ عبدِ اللهِ الرسولِ النبيِ الأمينِ، وعلى آلِه وأصحابِه الصادقينَ الصابرينَ معه في كلِّ الميادينَ، ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يومِ الدينِ.

 

أما بعد: أيُّها المعلمُ القديرُ.. لقد أعطيناكَ فلذةَ كبودِنا، وآمناكَ على مُهجةِ قلوبِنا، وسلمناكَ نورَ عيونِنا، فكنْ لهم الأبَّ والأخَّ والصَّديقَ، علِّمهم الأدبَ قبلَ العلمِ، وكنْ لهم القُدوةَ الطَّيبةَ، قالَ عُتبةُ بنُ أبي سفيانَ لعبدِ الصَّمدِ مؤدِّبِ ولدِه: "ليكنْ أوَّلَ ما تبدأُ به من إصلاحِك بَنِّي إصْلاحُكَ نَفسَك؛ فإنَّ أَعينَهم معقودةٌ بعينِك، فالحسَنُ عِندَهم ما استحسنتَ، والقبيحُ عندهم ما استقبحتَ، علِّمْهم كتابَ اللَّهِ، ولا تُكرِهْهم عليه فيَملُّوه، ولا تتركْهم منه فيهجُروه، ثم روِّهم من الشِّعرِ أَعَفَّه، ومن الحديثِ أَشْرَفَه، ولا تُخْرِجْهم من عِلْمٍ إلى غيرِه حتى يُحْكموه، فإنَّ ازدحامَ الكلامِ في السَّمعِ مَضَلَّةٌ للفهمِ، وعلِّمْهم سِيَرَ الحكماءِ وأخلاقَ الأدباءِ، وجنِّبْهُم محادَثةَ النساءِ، وتهدَّدْهم بي وأدِّبْهم دُوني، وكنْ لهم كالطَّبيبِ الذي لا يَعجَلُ بالدَّواءِ حتى يعرفَ الداءِ، ولا تَتّكلْ على عُذري، فإني قد اتَّكلتُ على كفايتِك، وزدْ في تأديبِهم أزدْكَ في بِرِّي إن شاءَ اللَّهُ".

 

 وصدقَ الشَّاعرُ:

يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ *** هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ

لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ *** عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ

تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى *** كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ

ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا *** فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ

فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى *** بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصل التسليمُ

 

ولا تنسَ النيَّةَ الصَّالحةَ، واحتسابَ الأجرَ العظيمَ، فأنتَ راعٍ ومسؤولٌ عن طُلابِكَ، قالَ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "أَلا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلّكُمْ مَسْئُول عَنْ رَعِيَّته"، فعلينا البذرُ، وعلينا وعَليكَ السَّقيُّ، وعلى اللهِ تعالى الهدايةُ والصَّلاحُ.

 

اللهمَّ وَفِّقْ المعلمينَ والمعلماتِ لكلِّ خيرٍ، اللهم وفقْ أهلَ التربيةِ والتعليمِ لكلِ خيرٍ، اللهم اجعلهم أداةَ خيرٍ وصلاحٍ لأمتِنا يا ربَّ العالمينَ، اللهمَ أصلحْ بهم البلادَ والعبادَ يا ربَّ العالمينَ، اللهمَ أصلحْ شبابَنا وفتياتِنا، واغفر لنا ذنوبَنا وما أسررْنا وما أنت أعلمُ به منا يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهم من أرادَ بنا أو بتعليمِنا سوءًا فأشغله في نفسِه، واجعلْ كيدَه في نحرِه، يا ربَّ العالمينَ، اللهم آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمَّتَنا وولاةَ أمورِنا، واجعل اللهم ولايتَنا فيمن خافكَ واتقاكَ واتبعَ رضاك يا ربَّ العالمينَ، وصلى اللهُ وسلمَ على سيدِ المرسلينَ وعلى آلِه وصحبِه والتابعينَ، ومن سارَ على هديِّهم واقتفى أثرَهم إلى يومِ الدينِ.

 

 

المرفقات
صانع الأجيال.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life