عناصر الخطبة
1/المخدرات بأنواعها طريق مظلم ومستقبل مجهول ومخاطر لا تنتهي 2/دعوة لمن وقعوا في شباك المخدرات بالتوبة إلى الله 3/تحية لرجال الأمن ومكافحة المخدراتاقتباس
إن أيامَكُم غَاليةٌ فلا تُفرِّطوا منها ولو بِدقيقةٍ، فارفَعوا أنفُسَكُم بالصَّالحاتِ، واجعلوا بينَكُم وبينَ اللهِ طَاعاتٍ، واجعلوا بينَكُم وبينَه خَلواتٍ، واجعلوا بينَكُم وبينَه دعواتٍ، واجعلوا بينَكُم وبينَه دمعاتٍ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ حَمداً كَثيراً طَيباً مُباركاً فيهِ، مِلءَ السَّماواتِ ومِلءَ الأرضِ ومِلءَ مَا شاءَ مِن شَيءٍ بَعدُ، الحمدُ للهِ على نِعمِهِ الكثيرةِ، وعَطائِه الجَزيلِ، وفَضلِهِ العَمِيمِ، أَحمَدُهُ سُبحانَهُ حَمداً يَليقُ بِعظَمَتِهِ، ويُوافِي جُودَهُ وكَرَمَهُ، وأشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لاَ شَريكَ لَه المتَفَرِّدُ بالعَطَاءِ والكَرَمِ، وأَشهَدُ أَنَّ محمَّداً عَبدُهُ ورَسُولُهُ خَيرُ مَن شَكرَ اللهَ -تعالى- علَى نِعَمِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وصَحبِهِ وسَلَّمَ تَسليماً كثيراً .. أمَّا بَعدُ:
فاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واشكُرُوهُ علَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ؛ فمَنْ سِواهُ نَشْكُرُ، ومَن سِوَاهُ نَذكُرُ، ومَن سِواهُ نَتُوبُ إليهِ ونَستَغفِرُ؛ (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
طَريقٌ مُظلِمٌ، ومُستَقبلٌ مُؤلمٌ، الداخلُ فيه مَفقودٌ، والخَارجُ مِنهُ مَولودٌ، مَن خَرجَ مِنهُ جَاءَ بالنَّذيرِ والتَّحذيرِ، وأَخبرَ بِأحداثٍ تُشبهُ الأَساطيرَ، كَمْ أَفقَرتْ مِن غِنىً، وأَذلَتْ مِن عِزٍّ، وَسَلَبَتْ مِن نِعمَةٍ، وجَلَبَتْ مِن نِقمَةٍ، كَمْ في البُيوتِ فِيهِ من أَخبارٍ حَزينةٍ، وكَم في الصُّدورِ فيه من أَسرارٍ دَفينةٍ، كَمْ ضَاعَ فيهِ مِن كِبارٍ وصِغارٍ وشَبابٍ وفَتياتٍ، وكَمْ تَحَولَّتْ فِيهِ أُسَرٌ من بَعدِ الاجتماعِ إلى الشَّتاتِ، إنَّها المُخدراتُ وما أدراكَ ما المُخدراتُ.
إنَّ الأرقامَ المُخيفةُ التي تُعلنُ عنها الدَّولةُ في مَضبوطاتِ المُخدِراتِ، والطُرقُ الاحترافيةُ التي يتمُّ تهريبُها بها، يجعلُنا نشعرُ بأنَّ لَهَا سُوقاً رائجةً، وزبائنَ كَثيرةً، والأعظمُ مِنْ ذَلكَ أَنَّ خَلفَ هَذهِ المؤامرةِ أَعداءٌ للعَقيدةِ والدِّينِ، لا يُريدونَ لشبابِ الأمةِ خَيْراً ولا فَلاحاً، ولا لأبناءِ الوَطنِ نُهُوضاً ولا نَجَاحاً، فكَيفُ تُفلحُ أُمَّةٌ أو بِلادٌ وتَصِلُ إلى المُنافسةِ في التَّطَورِ والرُّقيِّ، وشَبَابُها الذينَ هُم أَملُها غَائبٌ عَن الوَعيِّ.
واليَومَ يَخرجُ إلينا شَيطانُ المُخَدراتِ أو ما يُسمَّى بالشَّبُّو والكريستالِ والآيسِ وغَيرِها مِن الأسماءِ فَيُكملُ مَأساةَ الألَمِ، في أَعراضٍ غَريبةٍ، وسُرعةٍ عَجيبةٍ، يُرَكَّبُ اصطِناعياً كِيميائياً، فَيُحَوِّلُ الإنسانَ كائناً بِدَائياً.
والخَطيرُ أنَّهُ يُصنَّعُ مَحلِّياً، وأَرخَصُ سِعراً، ولَكِنَّهُ أفتَكُ خَطَراً، يُصابُ مَعَها المُتَعاطي بفِقدَانِ الوَزنِ والشَّهيةِ، وعَدمِ النَّومِ لفَتراتٍ طَويلةٍ، وحُدوثِ حَركةٍ لا إراديةٍ بالوَجهِ، ونَوباتِ غَضبٍ حَادةٍ، وتَقلبٍ مَزاجيٍّ، وهَلوَسةٍ سَمعيٍة وبَصريةٍ، وتَسوِّسٍ شَديدٍ بالأسنانِ وتَساقُطِها، وارتفاعٍ بِمعدلِ التَّنفسِ وضَرباتِ القَلبِ، وتَدميرٍ لخلايا المُخِ، وظُهورٍ لِعَلاماتِ الشَّيخوخةِ المُبَكرةِ، وارتكابِ سُلوكياتٍ وأَخلاقياتٍ شَائنةٍ، واقترافِ جَرائمَ مُروعةٍ، تَبدأُ مِن القَتلِ حتى لأقربِ النَّاسِ، وانتهاءً بالانتحارِ أو الجُنونِ والعِياذُ باللهِ -تَعالى-، ولِسانُ حَالِه:
يَا مَنْ سَألتُمْ عَنِ الإدمانِ قِصَتُهُ *** تُدمي القُلوبَ وفِيهَا الخَوفُ والرَّهَبُ
لا تَسألوني فَإنَّ النَّارَ مُوقَدَةٌ *** وإنَّ عَقْلِي ووِجدَاني لَها حَطَبُ
أَرَى الحَياةَ ظَلامَاً لا يُخالطِهُ *** نُورٌ فَلا فَرَحُ عِندي ولا طَرَبُ
دَمعي أَمَامَ جِدارِ اللَّيلِ يَنسَكِبُ *** وجَمرةُ في حَنايا القَلبِ تَلتَهِبُ
أُمِّي تُخاطِبُ في قَلبي أُمومَتَها *** فَمَا تَرى غَيرَ جَفوٍ مَا لَهُ سَبَبُ
أَبي يُراقِبُني والطَّرفُ مُنكَسرٌ *** أُمِّي تُراقبني والدَّمعُ يَنسَكِبُ
مَا عُدتُ كَالأمسِ إشرَاقاً ولا أَمَلاً *** وكَيفَ يُشرقُ مَنْ في قَلبِهِ لَهَبُ؟
فيا شبابَ الإسلامَ: مَن مِنكُم يُريدُ أن يَكونَ ذلكَ الكَائنَ الذي لا يَعرفُ لِلحياةِ طَعماً، ولا لِلسَّعادةِ رَسماً، فَنَصيحةٌ من قلبي الدَّاميِ إلى قلوبِكم الطَيَّبةِ الصَّادقةِ، الإسلامُ يحتاجُ إليكم ليستعيدَ قوَّتَه، ووطنُكم يُريدُكم ليُحفظَ أمنَه وسعادتَه، ومجتمَعُكم يُناديكم ليبنيَ حضارتَه ونهضتَه، إن أيامَكُم غَاليةٌ فلا تُفرِّطوا منها ولو بِدقيقةٍ، فارفَعوا أنفُسَكُم بالصَّالحاتِ، واجعلوا بينَكُم وبينَ اللهِ طَاعاتٍ، واجعلوا بينَكُم وبينَه خَلواتٍ، واجعلوا بينَكُم وبينَه دعواتٍ، واجعلوا بينَكُم وبينَه دمعاتٍ؛ فلا هدايةَ إلا عن طريقِه، ولا توفيقَ في الدُّنيا والآخرةِ إلا بسببِه، وهو يحبُّ التَّوابينَ ويُحبُّ المُتَطهرينَ.
أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لي ولكم ولجميعِ المسلمينَ من كُلِّ ذَنبٍ فاستغفروه، إنَّ ربي لغفورٌ رَحيمٌ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ له وَليُ الصالحينَ، وأَشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه إمامُ المتقينَ، صَلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلِه وصحبِه ومن اهتدى بهديه إلى يومِ الدينِ؛ أَما بعدُ:
فَأمَا أَنتَ يَا من اُبتُليتَ بِشيءٍ مِنْ هَذا، فَلا زالَ البَابُ أمَامَكَ مَفتوحاً، والعَرضُ لَكَ مَطروحاً، فَكُنْ مِن عِبادِهِ التَّائبينَ، الذينَ هُم لِما اقتَرفوا نَادمينَ، وتَذكَّرْ ذَلكَ النِّداءَ الوَدودَ، وأَنتَ في قِمةِ الصُّدودِ: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)، فألبسَك وِسامَ الشَّرفِ (يَا عِبَادِيَ)، وأَنتَ كُنتَ عَلى الباطلِ في تَّمادِي، فاذهَبْ بِعَزيمةٍ إلى أَقربِ مَركزٍ لِعلاجِ الإدمانِ، وقُلْ لَهم: أنا إنسانٌ وأريدُ أَن أرجِعَ إلى إنسانٍ.
أما أنتم يا رِجالَ الجَماركِ ويا رِجالَ مُكافحةِ المُخدراتِ وجميعَ الأجهزةِ المُشاركةِ، شُكراً لَكم من القَلبِ، تَسهرونَ وننَامُ، وتَتعبونَ ونَرتاحُ، وتَتَعرضونَ لِلَخطَرِ ونَحنُ في أمانٍ، حِمايةً لِشبابِ البلادِ والأوطانِ، ذكرَ الشيخُ عبدُ العزيزِ بنُ بازٍ -رحمَه اللهُ- شَرَّ المُخدراتِ ثمَّ قالَ: "ومَنْ قُتلَ في سبيلِ مُكافحةِ هذا الشّرِ وهو حَسُنَ النَّيةِ فهو من الشُّهداءِ"؛ فَهنيئاً لَكم أن جَمعَ اللهُ -تَعالى- لكم بينَ لُقمةِ العَيشِ، وأجرِ الجِهادِ في الجيشِ.
فحقيقٌ عَلينا جميعاً مُواطِنينَ ومُقيمينَ أن نَشكرَهم وأن نُساعدَهم وأن نُشجِّعَهم وأن نضعَ أيدينا بأيديهم، فشكراً لكم، وجَزاكم اللهُ خيراً، وغفرَ اللهُ لَكم، تحيةٌ وإكبارٌ، لأصحابِ النُّفوسِ الكِبارِ
اللَّهُمَّ أَعزَّ الإسلامَ والمُسلمينَ، وأَذلَّ الشِّركَ والمُشركينَ، ودَمِّرْ أَعداءَ الدينِ، واجعلْ هَذا البلدَ آمناً مُطمئناً وسَائرَ بِلادِ المسلمينَ، اللهمَّ احفَظنا مِن كُلِّ سُوءٍ ومَكروهٍ، ومِن كُلِّ شَرٍّ وفِتنةٍ، اللَّهُمَّ رُدَّ كَيدَ الكَائدينَ في نُحورِهم واكفِنَا شُرورَهم إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللهم اهْدِ شَبَابَ الإسْلاَمَ وَالمُسْلِمِين، اللهم رُدَّهُمْ إِلَى دِينِكَ رَدَّا جَمِيلًا، اللّهُمَّ لا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينَنَا، وَلا تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا، وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنَا، وَلا إِلَى النَّارِ مَصِيرِنَا، وَاجْعَلْ الجَنَّةَ هِيَ دَارَنَا، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنَا بِذُنُوبِنَا مَنْ لا يَخَافُكَ فِينَا وَلا يَرْحَمُنَا، الَّلهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، وَالفَوْزَ بِالجَنَّةِ، وَالنَّجَاةَ مِنَ النَّارِ، اللَّهُمَّ أَصلحْ ولاةَ أُمورِنا، واجعلهم هُداةً مُهتدينَ غَيرَ ضَالينَ ولا مُضلينَ، اللَّهُمَّ أَعنهم عَلى نَصرِ الحَقِّ والقِيامِ به، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
التعليقات