عناصر الخطبة
1/تصفيد شياطين الجن في رمضان 2/تعاون شياطين الإنس مع الجن 3/من أعمال شياطين الإنساقتباس
وَالْعَدَاوَةُ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْس لا تَقِلُّ خَطَرًا مِنْ شَيَاطِيْنِ الجِنِّ؛ فَهُمْ يَجْتَمِعُوْنَ على تَحْسِيْنِ البَاطِلِ، وَتَشْوِيْهِ الحَقّ عَبْرَ شَاشَاتٍ جَذَّابَة، وَقَنَوَاتٍ خَلَّابَة...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تعالى، فَبِالتَّقْوَى: تُدْفَعُ البَلايا والنَكَبَات، وتُجْلَبُ الخَيْراتُ والبَرَكات؛ (وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ)[الطلاق: 2-3].
عِبَادَ الله: إِنَّهُا مَحَطَّةُ المُتَّقِيْن، وَمُسْتَرَاحُ المُؤْمِنِيْن، يَتَزَوَّدُوْنَ فِيْهِا مِنْ وَقُوْدِ الصَّالِحَاتِ والطَّاعَات، وَيَتَخَلَّصُونَ مِنْ أَذَى المَعَاصِي وَالمُنْكَرَاتِ؛ إِنَّهَا مَحَطَّةُ رَمَضَان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].
وَشَهْرُ رَمَضَان؛ تُفْتَحُ فِيْهِ أَبْوَابُ الخَير، وَتُغْلَقُ أَبْوَابُ الشَّرِّ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ”(رواه البخاري، ومسلم). وفي رِوَايَةٍ: “صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ”(رواه مسلم). قال ابْنُ عُثَيْمِيْن: “تَصْفِيْدُهُمْ عَنْ إِغْوَاءِ النَّاس؛ بِدَلِيْلِ كَثْرَةِ الخَيْر، وَالإِنَابَةِ إِلَى اللهِ في رَمَضَان”.
والوَسْوَاسُ يَكُونُ مِنَ الإِنْسَان كَمَا يَكُوْنُ مِنَ الجَانِّ، قال تعالى: (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)[الناس: 6]. قال الحَسَنُ: “هُمَا شَيْطَانَانِ: أَمَّا شَيْطَانُ الْجِنِّ: فَيُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَأَمَّا شَيْطَانُ الْإِنْسِ: فَيَأْتِي عَلَانِيَةً”.
وَالْعَدَاوَةُ مِنْ شَيَاطِينِ الإِنْس لا تَقِلُّ خَطَرًا مِنْ شَيَاطِيْنِ الجِنِّ؛ فَهُمْ يَجْتَمِعُوْنَ على تَحْسِيْنِ البَاطِلِ، وَتَشْوِيْهِ الحَقّ عَبْرَ شَاشَاتٍ جَذَّابَة، وَقَنَوَاتٍ خَلَّابَة، قال -عز وجل-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا)[الأنعام: 112]. قالَ السِّعْدِي: “يُزَخْرِفُوْنَ البَاطِلَ؛ حَتَّى يَجْعَلُوْهُ في أَحْسَنِ صُوْرَة؛ لِيَغْتَرَّ بِهِ السُّفَهَاءُ الَّذِيْنَ لا يَفْهَمُونَ الحَقَائِق، بَلْ تُعْجِبُهُمْ الأَلْفَاظ المُزَخْرَفَة؛ فَيَعْتَقِدُوْنَ الحَقَّ بَاطِلًا، والبَاطِلَ حَقًّا”.
وَلَمَّا عَلِمَ شَيَاطِيْنُ الإِنْس، ما أَصَابَ إِخْوَانَهُمْ مِنْ شَيَاطِيْنِ الجِنّ؛ مِنْ حَبْسٍ وَاعْتِقَال؛ أَغَاظَهُمْ ذَلِك! فَبَدَأُوْا بِحَمْلَةٍ رَمَضَانِيّة، وَخُطَّةٍ شَيْطَانِيَّة؛ لِإِشْغَالِ المُسْلِمِين؛ عَنْ طَاعَةِ رَبِّ العَالَمِيْن، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: “لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيدِ جَمِيعِ الشَّيَاطِين أَنْ لَا يَقَعَ شَرٌّ وَلَا مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْرَ الشَّيَاطِينِ: كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ، وَالْعَادَاتِ الْقَبِيحَةِ، وَالشَّيَاطِينِ الْإِنْسِيَّةِ”.
وَخُلاصَةُ الحَمْلَةِ الشَّيْطَانِيّة إِضْعَافُ الدِّيْنِ بِالشَّهَوَات، وَإِضْعَافُ اليَقِيْنِ بِالشُّبُهَات، وإِضْعَافُ الهِمَّةِ بِالتَّفَاهَات (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلا عَظِيمًا * يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنْسَانُ ضَعِيفًا)[النساء: 27-28].
وَلَوْ لَمْ يَأْتِ مِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ إِلَّا ضَيَاع الأَوْقَات، بِفُضُوْلِ المُبَاحَات؛ لَكَفَى بِذَلِكَ غَبْنًا وَحِرْمَانًا.
فَاحْذَرُوا كَيْدَ الشَّيْطَان، وَاغْتَنِمُوا شَهْرَ الغُفْرَان، قَبْلَ فَوَاتِ الأَوَان! قال -صلى الله عليه وسلم-: “رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ، ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ!”(رواه الترمذي وصححه الألباني).
وَمِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ في رَمَضَان الَّذِيْنَ يُؤْذُونَ المسلمِينَ بِأَلْسِنَتِهِمْ؛ فَلَا يَخْرُجُ رَمَضَانُ؛ إِلَّا وَقَدْ تَمَزَّقَتْ ثَيَابُه، وَضَاعَ ثَوَابُه! قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ؛ فَلَيْسَ لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ”(رواه البخاري). قَالَ بَعْضُ السَّلَف: “الصِّيَامُ جُنَّةٌ، مَا لَمْ يَخْرِقْهَا صَاحِبُهَا، وَخَرْقُهَا: الْغَيْبَةُ”.
وَكَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ، يَفِرُّوْنَ مِنْ شَيَاطِيْنِ الإِنْسِ في رَمَضَان؛ فَإِذَا صَامُوا؛ جَلَسُوا في المساجدِ، وقالوا: “نَحْفَظُ صَوْمَنا، ولا نَغْتَابُ أَحَدًا”.
وَشَيَاطِيْنُ الإِنْسِ في رَمَضَان لا يُعْجِبُهُمْ إِقْبَال النَّاسِ عَلَى الخَيْر، في شَهْرِ الخَيْر؛ فَأَخَذُوا يُشَكِّكُوْنَ في الثَّوَابِتِ والفَضَائِل، وَيَلْتَقِطُوْنَ شَوَاذَّ المَسَائِل، وَيُشْغِلُونَ الصَّائِمِيْنَ بِالتَّوَافِهِ والرَّذَائِل! وَهَدَفُهُمْ: تَثْبِيْطُ العَزَائِم، وَإِضْعَافُ الهِمَم: أَنْ تَسِيرَ إِلَى اللهِ وَجَنَّتِهِ، قال مُحَمَّدُ بْنِ سِيرِينَ: “إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ، فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ”.
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: هَا هُوَ سُوْقُ رَمَضَانَ يُنَادِيْكُمْ؛ فَتَزَوَّدُوا مِنْ خَيْرَاتِه، وَاسْتَكْثِرُوا مِنْ حَسَنَاتِه، وَاحْذَرُوا أَنْ تَخْرُجُوا مِنْهُ مُفْلِسِيْن، وَمِنْ تِجَارَتِهِ خَاسِرِيْن؛ بِكَيْدِ هَؤُلَاءِ الشَّيَاطِيْن (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[البقرة:268].
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوْذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِين، وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ يَحْضُرُوْن.
اللَّهُمَّ سَلِّمْنَا إلى رَمَضَان، وَسَلِّمْ لَنَا رَمَضَان، وَتَسَلَّمْهُ مِنَّا مُتَقَبَّلًا.
اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا، وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، وَاخْتِمْ بالصالحاتِ أَعْمَالَنَا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
التعليقات