عناصر الخطبة
1/رفعة مكانة الصحابة وعلو شأنهم 2/فضائل أبي عبيدة بن الجراح 3/مناقب أبي عبيدة وخصائصه 4/بطولاته وجهاده ووفاته.اقتباس
من الصحابة الكرام صحابي جليل لا يُتطرّق له كثيرًا، ومروياته قليلة، مع علوّ منزلته التي أوشك أن يخلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أُمّته.. إنه أبو عبيدة عامر بن الجراح.. أحد السابقين الأولين، ومن العشرة المشهود لهم بالجنة، وشهد بدرًا وأُحُدًا والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وممن هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة أيضًا، وكان يدعى "القويّ الأمين"...
الخطبة الأولى:
بيَّن الله فضل الصحابة -رضي الله عنهم-، وأنه -سبحانه وتعالى- (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[التوبة:100].
والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيهم: "لا تسبُّوا أصحابي؛ فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أُحُد ذهبًا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه"(متفق عليه)، وهم خير البشر بعد الأنبياء -عليهم السلام-: "خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"(متفق عليه). ومنهج أهل السنة واضح في بيان فضلهم وعلو شأنهم، ورفعة مكانتهم.
من الصحابة الكرام صحابي جليل لا يُتطرّق له كثيرًا، ومروياته قليلة، مع علوّ منزلته التي أوشك أن يخلف النبي -صلى الله عليه وسلم- على أُمّته، بحضور أبي بكر وعمر وبقية الصحابة -رضي الله عنهم-.
إنه أبو عبيدة عامر بن الجراح يجتمع نسبه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجد السابع، وهو أحد السابقين الأولين، ومن العشرة المشهود لهم بالجنة، وشهد بدرًا وأُحُدًا والمشاهد كلها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وممن هاجر إلى الحبشة وإلى المدينة أيضًا، وكان يدعى "القويّ الأمين".
واشتهر فعله مع النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد نزع يومئذ الحلقتين اللتين دخلتا من المغفر في وجنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ضَرْبة أصابته يوم أُحُد، فانقلعت ثنيتاه، فحسن ثغره بذهابهما، حتى قيل: "ما رُئِيَ هتم قط أحسن من هتم أبي عبيدة".
قال في فضله النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نعم الرجل أبو عبيدة بن الجراح"، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه: "لكل أمة أمينٌ، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح"(رواه البخاري).
عزم الصديق على توليته الخلافة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأشار به يوم السقيفة، لكمال أهليّته؛ فقال أبو بكر -رضي الله عنه- للصحابة: "قد رضيتُ لكم أحد هذين الرجلين: عمر، وأبا عبيدة".
قال عمر -رضي الله عنه- في فضل أبي عبيدة: "إن أدركني أجلي، وأبو عبيدة حيّ، استخلفته، فإن سألني الله -عز وجل-: لِمَ استخلفته على أمة محمد؟ قلت: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن لكل أمة أمينًا، وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح".
وقال عمر -رضي الله عنه- مرَّة لجلسائه: "تمنوا"، فتمنوا، فقال عمر: "لكني أتمنى بيتًا ممتلئًا رجالاً مثل أبي عبيدة بن الجراح".
وقال عبد الله بن شقيق: قلت لعائشة: أيُّ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أحبّ إليه؟ قالت: أبو بكر. قلت: فمن بعده؟ قالت: عمر. قلت: فمن بعده؟ قالت: أبو عبيدة بن الجراح".
ومناقبه -رضي الله عنه- كثيرة؛ فزهده ظاهر للناس، لما دخل عمر بن الخطاب الشام، ورأى عيش أبي عبيدة، وما هو عليه من شدة العيش قال له: "كلنا غيَّرته الدنيا غيرك يا أبا عبيدة".
رضي الله عنه وعن بقية الصحابة.
الخطبة الثانية:
لأبي عبيدة -رضي الله عنه- دراية في تولي قيادة الجند؛ ففي غزوة ذات السلاسل أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- بمددٍ وأوصاه بقوله: "لا تختلفا"؛ فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه قال له عمرو بن العاص: إنما جئت مددًا لي. فقال أبو عبيدة: لا، ولكني أنا على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه -وكان أبو عبيدة رجلا سهلاً لينًا هينًا عليه أمر الدنيا- فقال له عمرو: بل أنت مدد لي. فقال أبو عبيدة إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لي: "لا تختلفا"، وإنك إن عصيتني أطعتك. فقال له عمرو: فإني أميرٌ عليك. قال: فدونك. فصلى عمرو بالناس ولم يختلف مع عمرو بن العاص.
وقد استعمل النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا عبيدة غير مرَّة، منها المرة التي جاع فيها عسكره وعددهم 300 حتى أكلوا الخبط، وكانوا ثلاث مئة، فألقى لهم البحر الحوت الذي يقال له العنبر حوتًا ميتًا لم يروا مثله، قالوا: "فأكلنا منه نصف شهر، فأخذ أبو عبيدة عظمًا من عظامه، فمر الراكب تحته، فأخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرًا يقول قال أبو عبيدة: كلوا فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "كلوا رزقًا أخرجه الله، أطعمونا إن كان معكم؛ فأتاه بعضهم فأكله"(رواه البخاري).
وقد كان أحد الأمراء المسيرين إلى الشام والذي فتحوا دمشق، ولما ولي عمر بن الخطاب الخلافة عزل خالد بن الوليد، وكان قَصْدُ عمر ألَّا تتعلق قلوب الناس بخالد بن الوليد وبانتصاراته، واستعمل بدلاً منه أبا عبيدة؛ فقال خالد أدبًا مع أبا عبيدة: وُلِّيَ عليكم أمين هذه الأمة، وقال أبو عبيدة في فضل خالد: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن خالدًا لسيفًا من سيوف الله".
وكان في توليته على إمارة الجند حكمة ولين وبُعْد نظر؛ فحين عزل عمرُ خالدًا، واستعمل على الكل أبا عبيدة، فجاءه التكليف بإمارة الجند، فكتمه مدة، وكل هذا من دينه ولينه وحلمه، فكان فتح دمشق على يده، فعند ذلك أظهر التكليف، ليعقد الصلح للروم، ففتحوا له باب الجابية صلحًا، وإذا بخالد قد افتتح البلد عنوة من الباب الشرقي، فأمضى لهم أبو عبيدة الصلح.
ذكر ابن سعد وغيره أن أبا عبيدة -رضي الله عنه- مات في طاعون عمواس سنة ثماني عشرة وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
كان ورعًا زاهدًا وجلاً قال: "لوددت أني كبش يذبحني أهلي فيأكلون لحمي ويحسون مرقي".
هذا وَمْض يسير من حياة هذا الصحابي الجليل، رضي الله عنه وأرضاه، وواجبنا في الصحابة عمومًا كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "الواجب: الثناء عليهم، والاستغفار لهم، والترحم عليهم، والترضي عنهم، واعتقاد محبتهم وموالاتهم، وعقوبة من أساء فيهم القول".
وصلوا وسلموا......
التعليقات