عناصر الخطبة
1/ مولد حمزة بن عبدالمطلب ونشأته 2/ موقفه من الإسلام قبل إسلامه 3/ قصة إسلامه وأثر ذلك على الإسلام والمسلمين 4/ إعلان حمزة للإسلام وتحديه لأبطال قريش 5/ إسلام عمر بن الخطاب وعزة الإسلام وأهلهاهداف الخطبة
اقتباس
أَتُرَونَ أنَّ إسْلامَ حَمْزَةَ كَانَ أَمْرَاً عَادِيَّاً عِنْدَ رَسُولِ اللهِ وأَصحَابِهِ؟ كلا فَلَقَدْ شَعُرُوا بالفَخْرِ والأَمَانِ -بِإذنِ اللهِ-! حينَها أَخَذَ حَمْزةُ يُعْلِنُ دِينَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَتَحَدَّى أَبْطَالَ قُرَيْشٍ، حتَّى تَحَدَّى عُمَرَ بنِ الخِطَّابِ -رضي الله عنه- وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أسْلَمَ! وَقَدْ كَانِ يُسَامِيهِ مَكَانَةً وَشَجَاعَةً! حتى إنَّ ..
الخطبة الأولى:
الحَمدُ للهِ عزَّ واقتَدَرَ، وَعَلا وقهَرَ، لا مَحِيدَ عَنْهُ ولا مَفرَّ، جَزِيلُ الفَضْلِ وَالإِنْعَامِ وَقَدْ تَأَذَّنَ بِالزِّيَادَةِ لِمَنْ شَكَرَ، نَشْهَدُ ألاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ؛ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا، وَغَمَرَ عِبَادَهُ لُطْفًا وَحِلْمًا؛ شَهَادَةً تُنْجِي صَاحِبَها يَومَ العَرْضِ الأَكْبَرِ.
وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحمَّدًا عَبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ سَيِّدُ البَشَرِ، الشَّافِعُ المُشَفَّعُ فِي المَحْشَرِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عَليهِ وَعلى آلِهِ الأَطْهَارِ، وَأَصحَابِهِ الأَخْيَارِ، المُهَاجِرِينَ مِنْهُم والأَنْصَارِ، وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإحسَانٍ وإيمانٍ مَا تَعَاقَبَ اللَّيلُ والنَّهَارُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ، وافْخَرُوا بِمَجْدِكُمْ، فَقَدْ صَنَعتُمْ مَجْدَاً شَامِخَاً، وَسِيرَةً عَطِرَةً.. شَجَاعَاتٌ وَبُطُولاتٌ، وَعِزَّةٌ وَنَخْوَةٌ وَشَهَامَاتٌ، في قَدِيمِ الزَّمَانِ وَحَدِيثِهِ، وَصَدَقَ اللهُ: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:40].
وَلَنا مِنْ هَذا المَقَامِ عَتَبٌ على مَنْ يُحَطِّمُ مِنْ قُدُرَاتِ رِجَالِ أمْنِنَا، وَحُمَاةِ حُدُودِنَا -بَعْدَ حِفْظِ اللهِ وَرِعايَتِهِ-، أو يُقَلِّلُ مِنْ إمْكَانَاتِنَا! فَلَقَدْ أَثْبَتُوا لَنا في شَمَالِ المَمْلَكَةِ وَجَنُوبِها، أنَّ هُناكَ مُخْلِصُونَ يَرْجُونَ مَا عِنْدَ اللهِ تَعَالى.
عِبَادَ اللهِ: وحتَّى لا نُصَابَ بِالوَهَنِ وَالإِحْبَاطِ الذي قَدْ أَصَابَ بَعْضَنا فإنَّنا بِحَاجَةٍ إِلى مُطَالَعَةِ تَأْرِيخِ الصَّدْرِ الأَوَّلِ، لِقَومٍ بَذَلُوا النَّفْسَ وَالنَّفِيسَ لإِعْلاءِ كَلِمَةَ الدِّينِ، وَنَشْرِ الإِسْلامِ، وَعِزَّةِ المُسلِمِينَ، فَقَدْ كَانَ إسلامُهُمْ عِزَّا، وَجِهَادُهُمْ نَصْرَاً، واسْتِشْهَادُهُمْ فَخْرَاً؛ لِنَبْعَثَ العِزَّةَ والنَّخْوَةَ والحَمِيَّةَ في نُفُوسِنَا وَنُفُوسِ شَبَابِنَاَ، وَلِنَطْرُدَ عَنَّا الوَهَنَ الذي أثْقَلَ كَوَاهِلَنا!
رَوى الإمَامُ أحمَدُ وغَيرُهُ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "يُوشِكُ الأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا". فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: "بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزِعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ". فَقَالُوا: وَمَا الْوَهَنُ؟ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: "حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ".
وإليكُمْ -يا كِرَامُ- أُنْمُوذَجَاً فَرِيدَاً، وَشَخْصِيَّةً فَذَّةً، أَعَزَّ اللهُ بِهِ الإسْلامَ، إنَّهُ عَمٌ لِنَّبِيِّ الله -صلى الله عليه وسلم- وَأَخُوهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَارِقُ السِّنِّ بَينَهُما قَلِيلٌ جِدَّا، لِذَا عَاشَا سَوِيَّاً، يَنْهَلانِ مِنْ القِيَمِ الَعَرَبِيَّةِ الأَصِيلَةِ، شَجَاعَةً وَبُطولَةً، وَنَجْدَةً وَغَيْرَةً وَحَمِيَّةً! حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَسَدُ اللهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ -صلى الله عليه وسلم-.
وَرَغْمَ هَذِهِ الصِّلَةِ وَتِلْكَ الذِّكرياتِ إلاَّ أنَّهْ لَمْ يُبَادِرْ لِلدُّخُولِ في الإسْلامِ! فَقَدْ أَسْلَمَ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ البِعْثَةِ! ولإسْلامِهِ قِصَّةٌ تَدُلُّ على شَهَامَتِهِ وَشَجَاعَتِهِ وَحَمِيَّتِهِ! وَقَبْلَ إسلامِهِ كَانَ حَمْزَةُ -رضي الله عنه- مَرَّةً مَعَ سَادَةَ قُرَيشٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ دَعْوَةِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَشِدَّةِ قَلَقِهِمْ عَلى مَصِيرِ دِينِهِمْ وَدِينِ آبَائِهِمْ. إلاَّ أَنَّ حَمْزَةَ كَانَ مُعْتَدِلاً وَاقِعِيًّا، فَلَمْ يَطْوِ حِقْدَاً على ابنِ أَخِيهِ، وَلا كَارِهَاً لِلْحَقِّ الذي جَاءَ بِهِ، لِمَا بَينَهُما مِنْ قُوَّةِ عَلاقَةٍ وَصَدَاقَةٍ، وَمَعْرِفَةٍ بِأَخْلاقِهِ وَصِدْقِهِ وَأمَانَتِهِ! مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلى دِينِهِ، وَلَمْ يُفَكِّرْ يَومَاً أَنْ يُؤمِنَ بِهِ! وَهُنا دَرْسٌ لَنَا أَنْ نُحَاوِلَ كَسْبَ أَكْبَرَ عَدَدٍ مِنَ النَّاسِ، لا أَنْ نَخْسَرَهُمْ!. وَمِنْ رَجَاحَةِ عَقْلِ حَمْزَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ مُقَارَبَةَ السِنِّ لَمْ تَكُنْ حِجَابَاً يَمْنَعُ مِنْ الإنصَافِ أو قَبُولِ الحَقِّ!
عِبَادَ اللهِ: كَانَ سَبَبُ إِسلامِهِ -رضي الله عنه- أَنَّ أَبَا جَهْلٍ اعْتَرَضَ الرَّسُولَ الكَرِيمَ -صلى الله عليه وسلم- عِندَ جَبَلِ الصَّفَا، فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ وَنَالَ مِنْهُ مَا يَكْرَهُ! والرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- لا يُكَلِّمُهُ ولا يَرُدُّ عَليهِ، وَمَولاةٌ لِعَبْدِ اللهِ بنِ جُدْعَانَ فِي بَيْتِهَا تَسْمَعُ ذَلِك، انْصَرَفَ أبُو جَهْلٍ لِنَادِي قُرَيشٍ فَجَلَسَ مَعَهُمْ. وَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ أَقْبَلَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مُتَوَشِّحَاً قَوْسَهُ، رَاجِعَاً مِنْ قَنْصِهِ، وَكَانَ إِذَا عَادَ مِنْ قَنْصِهِ لا يَمُرُّ عَلى نَادٍ إلاَّ وَقَفَ وَسَلَّمَ وَتَحَدَّثَ مَعَهُم، فَلَمَّا مَرَّ مِن عِنْدِ المَوْلاةِ قَالَت: يَا أَبَا عَمَارَةَ، لَوْ رَأَيتَ مَا لَقِيَ ابنُ أَخِيكَ مِنْ أَبِي الحَكَم آنِفَاً؟ قَالَ: وَما ذاكَ؟ قَالتْ: وَجَدَهُ هَاهُنَا فَآذَاهُ وَشَتَمَهَ وَبَلَغَ مِنْهُ مَا يَكْرَهُ، وَمُحَمَّدٌ لا يُكَلِّمُهُ. فَغَضِبَ حَمْزَةُ، وَخَرَجَ سَرِيعَاً فَلَمَّا دَخَلَ المَسْجِدَ الحَرَامَ وَجَدَ أبَا جَهْلٍ جَالِسَاً وَالقَومُ حَولَهُ، فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ، وَوقَفَ عَلى رَأْسِهِ فَضَرَبَهُ بِقَوْسِهِ فَشَجَّهُ وَسَالَ الدَّمُ على وَجْهِهِ! ثُمَّ قَالَ: أَتَشْتُمَهُ وَأَنَا عَلى دِينِهِ أَقُولُ مَا يَقُولُ؟ فَرُدَّ عَلَيَّ إنْ اسْتَطَعْتَ.
الجَالِسُونَ مِنْ هَولِ ما سَمِعُوا نَسُوا مَا أَصَابَ سَيِّدَهُمْ! أَحَقَّاً حَمزَةُ أَسلِمُ؟! إنَّها الطَّامَةُ الكُبْرَى عَليهِمْ، وإنَّهُ العِزُّ لأَهْلِ الإسلامِ. قَامَ رِجَالٌ لِيَنْصُرُوا أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ لَهُمْ: دَعُوا أَبَا عَمَارَةَ، فَإِنِّي -وَاللهِ- سَبَبْتُ ابنَ أَخِيهِ سَبَّاً قَبِيحَاً!
لَقَدْ فَرِحَ الرَّسُولُ والمُسلِمُونَ بِإسْلامِهِ، وَأَيقَنُوا أنَّ ذَلِكَ عِزَّا لَهُمْ. رَجَعَ حَمْزَةُ إلى بَيتِهِ، فَأَتَاهُ الشَّيطَانُ فَقَالَ: أَنتَ سَيِّدُ قُرَيشٍ، كَيفَ تَرَكْتَ دِينَ آبَائِكَ، لَلمَوتُ خَيرٌ لَكَ مِمَّا صَنَعْتَ! يَقُولُ: ثُمَّ أَتَيْتُ الكَعْبَةَ وَتَضَرَّعْتُ إلى اللهِ أَنْ يَشْرَحَ صَدْرِي، فَاستَجَابَ اللهُ لِي، وَمَلأَ قَلْبِي يَقِينَاً، وَغَدَوتُ إلى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا اللهَ أَنْ يُثبِّتَ قَلْبِي عَلى دِينِهِ، وَذَكَّرَهُ وَوَعَظَهُ وَبَشَّرَهَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ الصَّادِقُ، فَأَظْهِرْ -يَا ابنَ أَخِي- دِينَكَ.
يَقُولُ: فَبِتُّ بِخَيْرِ لَيلَةٍ مِنْ وَسْوَسَةِ الشَّيطَانِ وَتَزْيِينِهِ! ثُمَّ أنْشَدَ:
حَمِدْتُ اللَّهَ حِينَ هَدَى فُؤَادِي *** إِلَى الْإِسْلَامِ وَالدِّينِ الْحَنِيفِ
بِدِينٍ جَاءَ مِنْ رَبٍّ عَزِيزٍ *** خَبِيرٍ بِالْعِبَادِ بِهِمْ لَطِيفِ
إِذَا تُلِيَتْ رَسَائِلُهُ عَلَيْنَا *** تَحَدَّرَ دَمْعُ ذِي اللُّبِّ الْحَصِيفِ
أَتَدْرُونَ -أيُّها المُؤمِنُونَ- مَتى عَزَّ الإسلامُ حَقَّاً، وَشَعُرَ المُسْلِمُونَ أنَّهُمْ في عِزَّةٍ وَمَنَعَةٍ مِنْ قُرَيشٍ؟ صَحِيحٌ أنَّ حَمْزَةَ كانَ طَرَفَاً أَسَاسَاً فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ إسْلامَ صَاحِبِنَا الآخَرِ كَانَ مُكَمِّلاً لِذلِكَ! فَمَنْ هُوَ يا تُرى؟ هذا ما سنَعلَمُهُ -بإذنِ اللهِ- تَعالى.
فاللهمَّ هَيئْ لَنا مِن أمرِنا رَشَداً، واجْعَلْنَا مَفَاتِيحَ لِلخيرِ مَغَالِيقَ للشَرِّ، سِلمَاً لأوليائِكَ حَرْبَاً على أعدائِكَ، واستغفرُ اللهَ لي ولكُمْ وَلِلمُسلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذنبٍّ فاستَغفِرُوهُ وَتُوبُوا إليهِ؛ إنَّهُ هُوَ الغفُورُ الرَّحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ الذي أَعَزَّنَا بِالإسْلامِ، وَأَكْرَمَنَا بِالإيمَانِ، نَشهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَحَدْهُ لا شَرِيكَ لَهُ، المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ، وَنَشهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحمَّدَاً عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ خَيرُ الأَنَامِ، نَبِيٌّ كَرِيمٌ، لَهُ قَلْبٌ رَحِيمٌ، هَدَانَا بِهِ مِنْ الضَّلالَةِ، وَجَمَعَنا بِهِ مِنْ الشَّتَاتِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَليهِ وَعَلى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وأتباعِهِ الأَئِمَّةِ الأعلامِ، وَمنْ تَبِعَهُمْ بِإحسَانٍ وإيمَانٍ على الدَّوامِ.
أمَّا بَعدُ: فاتَّقوا اللهَ رَبَّكُمْ، واعمَلوا لِدِينِكُمْ انصُرُوهُ وانْشُرُوهُ: "فَوَاللَّهِ لأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَم". قَالَ ذَلِكَ رَسُولُنا -صلى الله عليه وسلم-.
عِبادَ اللهِ: أَتُرَونَ أنَّ إسْلامَ حَمْزَةَ كَانَ أَمْرَاً عَادِيَّاً عِنْدَ رَسُولِ اللهِ وأَصحَابِهِ؟ كلا فَلَقَدْ شَعُرُوا بالفَخْرِ والأَمَانِ -بِإذنِ اللهِ-! حينَها أَخَذَ حَمْزةُ يُعْلِنُ دِينَهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَيَتَحَدَّى أَبْطَالَ قُرَيْشٍ، حتَّى تَحَدَّى عُمَرَ بنِ الخِطَّابِ -رضي الله عنه- وَلَمْ يَكُنْ قَدْ أسْلَمَ! وَقَدْ كَانِ يُسَامِيهِ مَكَانَةً وَشَجَاعَةً! حتى إنَّ ابنَ الخَطَّابِ لَمَّا أرادَ أنْ يُسْلِمَ قَالَ لِخَبَّابِ بنِ الأَرَتِّ: دُلَّنِي عَلى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ لَهُ: فِي بَيتٍ عِنْدَ الصَّفَا، مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَأَخَذَ عُمَرُ سَيْفَهُ فَتَوَشَّحَهُ، فَضَرَبَ عَلَيهمُ البَابَ، فَقَامَ رَجُلٌ فَنَظَرَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، هَذا ابنُ الخَطَّابِ مُتَوَشِّحَاً سَيْفَهُ! فَقَالَ حَمْزَةُ: -وَهَذا الشَّاهِدُ ياكِرامُ- فَأْذَنْ لَهُ، فِإنْ كَانَ يُرِيدُ خَيرَاً بَذَلْنَاهُ لَهُ، وإنْ كَانَ يُرِيدُ شَرَّاً قَتَلْنَاهُ بِسَيفِهِ! فَلَمَّا كَبَّرَ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- عَرَفَ أَهْلِ البَيتِ أَنَّ عُمَرَ قَدْ أَسْلَمَ، حِينَها صَارَ الصَّحَابَةُ يَمْشُونَ وَيُعْلِنُونَ إسلامَهُمْ بِلا مُوارَبَةٍ وَلا وَجَلٍ حَقَّاً: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ". حِينَها قَالَتْ قُرَيشٌ: لَقَدْ فَشَا أَمْرُ مُحَمَّدٍ فِي قَبَائِلِ قُرَيشٍ كُلِّهَا، وَاللهِ مَا نَأْمَنُ أَنْ يَبْتَزُّونَا أَمْرَنَا.
اللهُ أكبرُ -عبادَ اللهِ- إنَّها العِزَّةُ التي نَنْشُدُها في شَبَابِنَا، والقُوَّةُ التي نَأْمَلُ أنْ يَتَرَبَّوا عَلَيهَا، إنَّها الدِّفَاعُ عَنْ دِينِ اللهِ تَعالى، وَعنْ حُرُمَاتِ المُسلِمينَ، والذَّودُ عَنْ بِلادِهِمْ ومُقَدَّساتِهِمْ، تَحْتَ رَايَةِ عُلَمَائِهِم، وَلِوَاءِ وُلاتِهِمْ. (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران:103].
عِبَادَ اللهِ: لَمَّا ازْدَادَت قُرَيشٌ بِالأَذَى أَذِنَ الرَّسُولُ لِأَصْحَابِهِ بِالهِجْرَةِ إلى المَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، هَاجَرَ حَمْزَةُ مَعَهُم، تَارِكاً مَالَهُ، وَجَاهَهُ، وَمَوطِنَهُ، وَلَكِنَّهُ اشتَرَىَ اللهَ وَرَسُولَهُ! فَآخَى الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَهُ وَزَيْدَ بنَ حَارِثَةَ -رضي الله عنه-، وَقَالَ: "تَآخَوْا فِي اللَّهِ أَخَوَيْنِ أَخَوَينِ".
لَقَدْ كَانَ مِن كَرامَةِ اللهِ تَعالى لِحَمْزَةَ، أَنَّ أَوَّلَ لِوَاءٍ عَقَدَهُ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ لَهُ إِذْ بَعَثَهُ فِي سَرِيَّةٍ إلى سَيفِ البَحْرِ، فِي ثَلاثِينَ رَاكِبَاً مِنْ المُهَاجِرِينَ.
لَقَدْ شَهِدَ بَدْرَاً وَأَبْلَى فِيها بَلاءً عَظِيمَاً مَشْهُورَاً. وَكَانَ أوَّلَ مَنْ ابْتَدَأَ قِتَالَ المُشْرِكِينَ، خَرَجَ الأَسْوَدُ المَخْزُومِيُّ فَقَالَ: أُعَاهِدُ اللهَ لأَشْرَبَنَّ مِنْ حَوْضِ مُحَمَّدٍ، أَوْ لأَهْدِمَنَّهُ، أَو لأَمُوتَنَّ دُونَهُ، فَخَرَجَ إليهِ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ فَأَطَنَّ قَدَمَهُ وَقَضَى عَليهِ! بَارَزَ أَبْطَالَ قُرَيشٍ فَصَرَعَهُمَ، الوَاحِدَ تِلوَ الآخَرِ! حَتَّى قَال أَسِيرُهمْ: مَنِ الرَّجُلُ مِنْكُمْ مُعْلَّمٌ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ؟ قَالوا: ذَاكَ حَمْزَةُ. قَالَ: ذَاكَ فَعَلَ بِنَا الأَفَاعِيلَ.
وَفِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ حَضَرَ أُحُداً وَكَانَ يُقَاتِلُ بَينَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ بِسَيفَينِ، وَيَقُولُ: أَنَا أَسَدُ اللهِ. حتَّى قَتَلَهُ وَحشِيُّ بنُ حَرْبَ تَرَصُّدَاً وَغَدْرَاً، وَمَثَّلوا بِهِ وَبَقَروا بَطْنَهُ، انتِقَامَاً مِن رَسُولِ اللهِ، وَأَذِيَّةً لَهُ! نَظَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى حَمْزَةَ فَقَالَ: "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ، فَقَدْ كُنْتَ وَصُولا لِلرَّحِمِ، فَعُولا لِلْخَيْراتِ". ثُمَّ قَالَ: "لَنْ أُصَابَ بِمِثْلِكَ أَبَدَاً، مَا وَقَفْتُ مَوقِفَاً قَطُّ أَغْيَظَ إليَّ مِنْ هَذَا".
فَرَضِيَ اللهُ عَنْ حَمْزَةَ وَأَرْضَاهُ "سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَمْزَةُ". سِيرَتُهُ دَرْسٌ لِشَبَابِناَ، وتَثْبِيتٌ لِجُنُودِنَا، فاللهمَّ اجْعَلِ الجَنَّةَ مَأْوَانَا وَمَأْوَاهُ، وأصلَحَ شبَابَ الإسلامِ والمُسلِمينَ، وَرَدَّهُمْ إليهِ رَدَّاً جَميلاً.
اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمُسلِمينَ، وأذلَّ الكُفْرَ والكافِرينَ وَدَمِّرْ أعدَاءَ الدِّينِ، اللهمَّ عليكَ باليهودِ الظِّالِمينَ، والنَّصارى الحاقِدينَ والرَّافِضةَ الخاسِئِينَ، والنُّصَيرِيَّةَ المُفسِدِينَ، وَكُلَّ عَدُوٍّ للإسلامِ والمُسلمينَ، اللهمَّ انصر جُنُودَنَا واحفظ حُدُودَنا والمُسلمينَ أجمَعِينَ يا ربَّ العالمينَ.
وَفِّقْ ياربُّ وُلاتَنَا وَولاةَ المُسلِمينَ وهيئ لَهُمْ مِنْ أَمرِهِمْ رَشَدَاً! اللهمَّ اجعلنا مَفَاتِيحَ خَيرٍ مَغَاليقَ شَرٍّ، اغفِرْ لَنا وَلِوالِدينَا والمُسلمينَ، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201] (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
التعليقات