عناصر الخطبة
1/ تعريف بسورة ص 2/ الإشارة لمعالجتها أصول العقيدة 3/ موقف كفار قريش من الإسلام 4/ قصص لبعض الأنبياء عليهم السلام 5/ قصة آدم عليه السلام وإبليس اللعيناهداف الخطبة
اقتباس
سورة ص سورة مكية، وهي الثامنة والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ثمان وثمانون آية، وهدفها نفس أهداف السور المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية. وتسمى (ص)، وهو حرف من حروف الهجاء العربية للإشارة للكتاب المعجز الذي تحدَّى الله به الأولين والآخرين وهو المنظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية ..
الحمد لله منزل القرآن على خير الأنام، أحمده سبحانه وأشكره واستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا عباد الله: سورة ص سورة مكية، وهي الثامنة والثلاثون في ترتيب المصحف الشريف، وآياتها ثمان وثمانون آية، وهدفها نفس أهداف السور المكية التي تعالج أصول العقيدة الإسلامية.
وتسمى (ص)، وهو حرف من حروف الهجاء العربية للإشارة للكتاب المعجز الذي تحدَّى الله به الأولين والآخرين وهو المنظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية.
وابتدأت السورة الكريمة بالقسَم بالقرآن المعجز المنزل على النبي الأمي المشتمل على المواعظ البليغة، والأخبار العجيبة على أن القرآن حق، وأن محمداً -صلى الله عليه وسلم- نبي مرسل، (ص وَالْقُرْآَنِ ذِي الذِّكْرِ) [ص:1]، أقسم الباري -عز وجل- بالقرآن ذي الشرف الرفيع، وذي الشأن والمكانة العالية، وجواب القسم محذوف تقديره: إن هذا القرآن لَمُعجز، وإن محمداً -صلى الله عليه وسلم- لصادق.
(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ) [2]، أي: بل الكافرون في حمية وتكبر عن الإيمان، وفي خلاف وعداوة للرسول -صلى الله عليه وسلم-.
(كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ) [3]، أي: كم أهلكنا قبل أهل مكة من أمم كثيرة من القرون الخالية لتكبرهم عن الحق ومعاداتهم لرسلهم فاستغاثوا واستجاروا عند نزول العذاب طلباً للنجاة، وليس الحين فرار ومهرب ونجاة.
(وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ) [4]، أي: وعجب المشركون من بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-، واستبعدوا أن يبعث الله -عز وجل- رسولاً من البشر، وقال كفار مكة إن محمداً ساحر فيما يأتي به من المعجزات، مبالغة في الكذب في دعوى أنه رسول الله.
(أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) [5]، أي: أزَعَمَ أن الرب المعبود واحد لا إله إلا هو؟ إن هذا لشيء عجاب.
قالوا لعم النبي -صلى الله عليه وسلم-: ما هذا القول الذي يقوله بن أخيك عنا؟ فإنه يعيب ألهتنا ويسفه أحلامنا، فدعاه أبو طالب وكلَّمه في ذلك فقال -صلى الله عليه وسلم-: "يا عم، إنما أريد منهم كلمة واحدة يملكون بها العجم وتدين لهم العرب". فقال أبو جهل والمشركون: نعم، نعطيكها، وعشر كلمات معها، فقال: "قولوا: لا إله إلا الله"، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم ويقولون: أجعل الآلهة إلهاً واحداً، فنزلت الآيات.
(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آَلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) [6]، أي: وانطلق أشراف قريش ورؤساء الضلال فهيم وخرجوا من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول بعضهم لبعض: امشوا واصبروا على عبادة آلهتكم ولا تطيعوا محمداً فيما يدعوكم إليه من عبادة الله الواحد الأحد، إن هذا أمر مدبر يريد من وراءه محمد أن يصرفكم عن دين آبائكم لتكون له العزة والسيادة عليكم، فاحذروا أن تطيعوه.
(مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآَخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ) [7]، أي: ما سمعنا بهذا القول في ملة النصرانية التي هي آخر الملل، إن هذا الذي يدعيه محمد إلا كذب وافتراء.
(أَأُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ) [8]، الاستفهام للإنكار: أي: هل تنزل القرآن على محمد دوننا مع أن فينا من هو أكثر منه مالاً وأعلى رئاسة؟ بل هم في شك منه؛ وأن سبب شكهم أنهم لم يذوقوا العذاب إلى الآن، ولو ذاقوه لأيقنوا بالقرآن وآمنوا به.
(أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) [9]، هذا رد على المشركين فيما أنكروه من اختصاص محمد -صلى الله عليه وسلم- بالنبوة، والمعنى: هل عندهم خزائن رحمة الله تعالى حتى يعطوا النبوة من شاءوا ويمنعوها من شاءوا؟.
(أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبَابِ) [10]، إنكار أيضاً، وإن كان لهم شيء من ذلك فليصعدوا في المراقي التي توصلهم إلى السماء، وليدبروا شؤون الكون، وهو تهكُّم بهم واستهزاء.
(جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ) [11]، أي: ما هم إلا جند قليل حقير من الكفار متحزبين على رسل الله، عما قليل يهزمون ويولون الأدبار، فلا تبال بما يقولون، ولا تكترث بما يهذون.
ثم تناولت السورة قصص بعض الرسل الكرام تسلية للنبي -صلى الله عليه وسلم- عما يلقاه من كفار مكة، وتخفيفاً لآلامه وأحزانه، فذكرت قصة نبي الله داود وولده سليمان -عليه السلام-، الذي جمع الله له بين النبوة والملك، وما نال كل منهما من الابتلاء والفتنة.
ففي ذكر داود -عليه السلام- وصفته السورة بالقوة في الدين وفي البدن، فقد كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وكان يقول نصف الليل، وأنه كثير الرجوع والإنابة إلى الله.
وذكر الله سبحانه أنه سخَّر معه الجبال تسبح في المساء والصباح، وكانت معجزة لداود -عليه السلام-، وكذلك الطير مجموعة تسبح معه، وراجعة إلى طاعته.
قال ابن كثير رحمه الله: كانت الطير تسبح بتسبيحه وترجع بترجيعه إذا مر به الطير وهو سابح في الهواء فسمعه يترنم بقراءة الزبور يقف في الهواء ويسبح معه، وكذلك الجبال كانت ترجِّع معه وتسبح تبعاً له.
وقال الله سبحانه: إنا قوَّينا ملكه، وثبتناه بالهيبة والنصرة وكثرة الجنود، وأعطاه الله النبوة والفهم والإصابة في الأمور والكلام البين الذي يفهمه مَن يخاطَب به، قال مجاهد: يعني إصابة القضاء وفهمه.
ثم أخبر الله عز وجل رسوله -صلى الله عليه وسلم- عن الجماعة المتنازعين الذي تسوروا على داود مسجده في وقت اشتغاله بالعبادة والطاعة، ودخلوا عليه من أعلى السور فجأة فخاف منهم وارتعد، حيث دخلوا عليه بغير إذن، ودخلوا من غير الباب، في وقت كان قد خصصه للعبادة.
وقالوا: لا تخف فنحن شخصان مختصمان، تعدَّى بعضنا على بعض، فاحكم بيننا بالعدل، ولا تجر ولا تظلم في الحكم وأرشدنا إلى وسط الطريق، يعني إِلى طريق الحق الواضح.
فقال أحد الخصمين: إن صاحبي هذا يملك تسعة وتسعين نعجة -وهي أنثى الضأن- وأملك أنا نعجة واحدة، قال المفسرون: وقد يكنى بها عن المرأة، ويكون الغرض أن عنده تسعاً وتسعين امرأةً وعندي امرأة واحدة، فقال ملِّكنِيها واجعلها تحت كفالتي، وغلبني في الخصومة، وشدَّد عليَّ في القول وأغلظ.
فقال له داود: لقد ظلمك بهذا الطلب حين أراد انتزاع نعجتك منك ليكمل ما عنده إلى مائة، وإن كثيراً من الشركاء ليتعدى بعضُهم على بعض إلا المؤمنين الذين يعملون الصالحات فإنهم لا يبغون، وهم قليل.
وعلم داود وأيقن أنما اختبره الله بهذه الحادثة وتلك الحكومة فطلب المغفرة من الله المغفرة وخرَّ ساجداً لله تعالى، ورجع إليه بالتوبة والندم على ما فرط منه، فسامحه الله وعفا عنه، وإن له لقربة وكرامة عند الله بعد المغفرة، وحسن مرجع في الآخرة.
ثم قال الله سبحانه ما تفسيره: يا داود، إنا استخلفناك على الناس لتدبير شؤونهم ومصالحهم فاحكم بينهم بالعدل وبشريعة الله التي أنزلها عليك ولا تتَّبع هوى النفس في الحكومات وغيرها فيضلك اتباع الهوى عن دين الله القويم، وشرعه المستقيم، فإن الذين ينحرفون عن دين الله وشرعه لهم عذاب شديد يوم القيامة بسبب نسيانهم وتركهم سلوك سبيل الله، وعدم إِيمانهم بيوم الحساب؛ لأنهم لو آمنوا به لأعدوا الزاد ليوم المعاد.
ثم ذكر الله سبحانه بعض البراهين على البعث والنشور، كما بين الحكمة من نزول القرآن، وتابع الحديث عن قصة سليمان بن داود -عليهما السلام- تتميماً وتكميلاً للهدف السامي من ذكر قصص القرآن، فقال سبحانه ما تفسيره: إنا رزقنا عبدنا داود بالولد الصالح سليمان، وأعطيناه النبوة، فإنه كثير الرجوع إلى الله بالتوبة والإنابة.
واذكر يا محمد حين عرض على سليمان عشية يوم من الأيام، أي بعد العصر، الخيل الواقفة على طرف الحافر، السريعة الجري، فقال سليمان: إني آثرت حب الخيل حتى شغلتني عن ذكر الله، قال المفسرون: عُرضت عليه آلاف من الخيل تركها له أبوه، فأجريت بين يديه عشياً، فتشاغل بحسنها وجريها ومحبتها عن ذكر الله حتى غابت الشمس واختفت عن الأنظار، فندم سليمان على ذلك، فقال: ردوا هذه الخيل عليَّ، فشرع يذبحها تقرباً إلى الله لتكون طعاماً للفقراء؛ لأنها شغلته عن ذكر الله.
ثم أشار سبحانه إلى ابتلاء آخر لسليمان، ابتلى به ثم تاب وأناب من تلك الهفوة والزلة، ولعل هذه الفتنة ما روي في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال سليمان: لأطوفنَّ الليلة على سبعين امرأة، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل إن شاء الله، فطاف عليهن، فلم يحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشِقِّ رجل، والذي نفسي بيده! لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون".
وقد أورد بعض المفسرين غير هذا، واختار الإمام الفخر الرازي: إن الفتنة التي فتن بها سليمان هنا يقصد بها فتنة في جسده، حيث أن سليمان ابتلى بمرض شديد نحل منه وضعف حتى صار لشدة المرض جسداً ملقى على كرسي.
وبعد أن أناب إلى الله غفر له الله ما صدر منه، فطلب من الله أن يعطيه ملكاً واسعاً لا يكون لأحد غيره ليكون دلالة على نبوته، فذلل الله له الريح لطاعته إجابة لدعوته تسير بأمره لينة طيبة حيث يقصد وأراد.
وسخَّر له الشياطين تعمل بأمره، منهم من يستخدمه لبناء الأبنية الهائلة العجيبة، ومنهم من يغوص في البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان، وآخرين من الشياطين مَرَدة، موثَّقون في الأغلال مربوطون بالقيود والسلاسل لكفرهم وتمردهم على طاعة سليمان.
وقال له الله سبحانه ما تفسيره: هذا عطاؤنا الواسع لك، فأعط من شئت، لا حساب عليك في ذلك، وإن له عند الله سبحانه لمكانه رفيعة في الدنيا، وحسن مرجع في الآخرة.
ثم ذكر القصة الثالثة في هذه السورة وهي قصة أيوب عليه السلام، الذي ابتلى بأنواع البلاء فصبر، فنادى متضرعاً قائلا: إني مسني الشيطان بتعَب ومشقَّةٍ وألم شديد في بدني.
قال المفسرون: وإنما نسب ذلك إلى الشيطان تأدباً مع الله، وإن كانت الأشياء كلها، خيرها وشرها، بتقدير الله تعالى، وكان أيوب قد أصيب في ماله وأهله وبدنه، وبقى في البلاء ثمانيَ عشرةَ سنةً.
قال المفسرون: كان أيوب نبياً من الروم، وكان له أولاد ومال كثير، فأذهب الله ماله فصبر، ثم أذهب الأولاد فصبر، ثم سلط البلاء والمرض على جسمه فصبر، فمر عليه ملأ من قومه فقالوا: ما أصابه هذا إلا بذنب عظيم، فعند ذلك تضرع إلى الله فكشف عنه ضره.
وقال الله تعالى ما تفسيره: اضرب برجلك الأرض فضربها فنبعت له عين ماء صافية، وقيل له: هذا ماء تغتسل به، وشراب تشرب منه، فاغتَسَلَ منها، فذهب ما كان بظاهر جسده، وشرب منها فذهب كل مرض بداخل جسده. وجمهور المفسرين على أنه نبعت له عينان شرب من إحداهما واغتسل من الأخرى فشفي.
ووهب الله له أهله ومثلهم معهم، وللمفسرين اختلاف في هذا، قيل إن الله أحيا له من مات من أولاده ورزقه مثلهم، وقال الرازي: الأقرب أن الله تعالى متَّعَه بصحته وبماله وقوَّاه حتى كثر نسله، وصار أهله ضعف ما كان، وأضعاف ذلك؛ رحمة من الله به لصبره وإخلاصه، وعبرة لذوي العقول السليمة. وقال له الله ما تفسيره: خذ بيدك حزمة من القضبان الرفيعة فاضرب بها زوجتك لتُبِرَّ بيمينك ولا تحنث.
قال المفسرون: كان أيوب قد حلف أن يضرب امرأته مائة سوط إذا برئ من مرضه؛ وسبب ذلك أنها كانت تخدمه في حالة مرضه فلما اشتد به البلاء وطالت به المدة وسوس إليها الشيطان: إلى متى تصبرين؟.
فجاءت إلى أيوب وفي نفسها الضجَر فقالت له: إلى متى هذا البلاء؟ فغضب من هذا الكلام، وحلف إن شفاه الله ليضربها مائة سوط، فأمره الله أن يأخذ حزمة من قضبان رفيعة، أي من الحشائش، فيها مائة عود، ويضربها بها ضربة واحدة ويبر في يمينه، ورحمة من الله به وبزوجته التي قامت على رعايته، وصبرت على بلائه، وهذا من الفرج والمخرج لمن اتقى الله وأطاعه، ولأنه ابتلى فصبر على الضراء، وإنه كثير التوبة والرجوع إلى الله.
عباد الله: هذه لمحة عن سورة ص، وعن بعض القصص العظيمة فيها، نسأل الله الاعتبار، وأن ينفعنا بما قلنا وما سمعنا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل في قصص القرآن الاعتبار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن والاه، ومن تبعهم على الحق والهدى إلى يوم الدين.
أما بعد: عباد الله: استكمالاً للحديث عن سورة (ص) الكريمة نقول إنها بعد أن ذكرت القصص السابقة أعقبتها بذكر رسل الله إبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل واليسع وذا الكفل -عليهم السلام-، وما مر بهم من فتن، في عرض سريع لبيان سنة الله في ابتلاء أنبياء الله وأصفيائه.
كما أشارت إلى دلائل القدرة والوحدانية في هذا الكون المنظور، وما فيه من بدائع الصنعة، للتنبيه على أن هذا الكون لم يخلق عبثاً، وأنه لابد من دار ثانية يجازي فيها المحسن والمسيء.
وقبل ختم السورة بين الله سبحانه فيها قصة خلق آدم، قال الله سبحانه للملائكة إنه سيخلق إنسانا من طين، وأمر الملائكة بالسجود له إذا أتمَّ خَلْقَه ونفخ فيه الروح، فسجدوا جميعاً إكراماً له واعظاماً، لكن إبليس استكبر عن طاعة الله، وأبى السجود لآدم، فصار من الكافرين.
فقال له ربه: ما الذي صرفك وصدك عن السجود لمن خلقته بذاتي من غير أب ولا أم؟ أستكبرتَ الآن عن السجود أم كنت قديماً من المتكبرين على ربك؟ فقال إبليس اللعين: أنا خير من آدم وأشرف وأفضل؛ لأنني مخلوق من النار وآدم مخلوق من الطين، والنار خير من الطين، فكيف يسجد الفاضل للمفضول؟.
فقال الله له: اخرج من الجنة فإنك لعين مطرود من كل خير وكرامة، وأنت مبعد عن رحمتي إلى يوم الجزاء والعقوبة، ثم تلقى ما هو أفظع وأشنع من اللعن، فطلب إبليس من الله عز وجل أن يمهله ويؤخره إلى اليوم الذي يبعث الله فيه الخلائق من القبور، فقال له الله سبحانه إنك من الممهلين إلى وقت النفخة الأولى حيث يموت الناس وتنتهي وتهلك.
فقال اللعين: أقسم بعزتك لأضلن بني آدم أجمعين إلا الذين أخلصتهم لعبادتك وعصمتهم مني! فرد الله عليه بأن أقسَم بالحق، ولا يقول الله إلا الحق، لأملأن جهنم منكم ومن أتباعك أجمعين، والله عالم بكل الأمور من قبل ومن بعد.
ثم ختمت السورة بقوله لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ) [86]، أي: قل لهم يا محمد لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجراً، ولست من الذين يتصنعون ويتحيلون حتى أنتحل النبوة وأتقوَّل القرآن.
(إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) [87]، أي: ما هذا القرآن إلا عظة للإنس والجن والعقلاء، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) [88]، أي: وَلَتَعلمنَّ خبره وصدقه عن قريب، وهذا وعيد وتهديد، قال الحسن: يا ابن آدم، عند الموت يأتيك الخبر اليقين.
عباد الله: هذه بعض معاني آيات سورة ص، ذكرنا تفسير بعضها، والبعض الآخر أجملناه على شكل قصة، وبعضها لم نذكره حتى لا نطيل أكثر من هذا.
أسأل الله أن يرزقنا التوبة والإنابة إلى الله والعمل الصالح المقبول المبرور إنه سميع قريب مجيب الدعاء.
وصَلُّوا وسلِّموا عباد الله على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التعليقات