عناصر الخطبة
1/بين يدي آيات سورة العصر 2/في سورة العصر نجاة وفلاح 3/مكانة العلم في شريعة الإسلاماقتباس
فأقسَم الله -تبارك وتعالى- بالعصر وهو الدهر، أو بجزء معظَّم منه، وهو الوقت الكائن آخِر النهار، ووقع القسَم به على أن جنس الإنسان في خسار، ومَنْ كان كذلك فمآلُه إلى دار البوار وبئس القرار، ثم استثنى الله من الخاسرين من اتصف بأربع صفات...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وآله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أما بعد: فإن أحسنَ الحديثِ كلامُ اللهِ -تبارك وتعالى-، وأحسن الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وآله وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عباد الله: يقول الله -تبارك وتعالى- في كتابه العظيم وهو أصدق القائلين: بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[الْعَصْرِ: 1-3]، فأقسَم الله -تبارك وتعالى- بالعصر وهو الدهر، أو بجزء معظَّم منه، وهو الوقت الكائن آخِر النهار، ووقع القسَم به على أن جنس الإنسان في خسار، ومن كان كذلك فمآلُه إلى دار البوار وبئس القرار، ثم استثنى الله من الخاسرين من اتصف بأربع صفات، دلَّت عليها هذه الآياتُ البيِّناتُ، الأولى في قوله -تبارك وتعالى-: (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا)[الْعَصْرِ: 3]، والإيمان في أصله وكماله لا يحصل إلا بالعلم، الصفة الثانية في قوله -عز وجل-: (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)[الْعَصْرِ: 3]، والعمل الصالح ما كان صوابا، خالصا لله -تبارك وتعالى-، ما كان خالصا لله -تبارك وتعالى-، صوابا على سُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والثالثة في قوله -عز وجل-: (وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ)[الْعَصْرِ: 3]، وحقيقتها الدعوة إلى الله -عز وجل-، والرابعة في قوله -تبارك وتعالى-: (وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)[الْعَصْرِ: 3]؛ أي على هذه الخصال المنجية من الخسار، مَنْ رَضِيَ بالله رَبًّا، وبالإسلام دِينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولًا، وعلم عن الله مَحَابَّه، وفَهِمَ من وحي الله مُرادَه، وعمل لله الصالحاتِ، وخلصها من شرك الإشراك وشناعة الابتداع، فكمَّل نفسَه بالعلم النافع والعمل الصالح، ثم سعى إلى كمال غيره بالدعوة إلى الله -عز وجل-، وإلى ذلك الحق الذي علمه وعرفه، فوصَّى واستوصى بما سيُسأل عنه كلُّ أحد في قبره، من معرفة الله -تبارك وتعالى-، ومعرفة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومعرفة دين الإسلام، معرفةً متعلقةً بأدلتها من كتاب الله -تبارك وتعالى-، وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، ومن آثار الصحابة والتابعين وأئمة الدين المهديين، وصَبَرَ على الإيمان والعمل الصالح، وعلى الدعوة إلى الله -عز وجل- عملا وتعلُّما وتعليما، وعلى ما يقع من الأذى على مَنْ أخَذ نفسَه بمنهاج النبوة فقد نجا وسورةِ العصر من الخُسْر.
ولوفاء هذه السورة الكريمة على قِصَرِها في بيان ما يؤمَر به الناس لينجوا ويُفلِحوا قال أبو عبد الله الشافعي -رحمه الله تعالى-: "هذه السورة لو ما أنزَل اللهُ حجةً على خلقه إلا هي لكفتهم"؛ أي: كَفَتْهُمْ في قيام الحجة عليهم؛ بوجوب امتثال حكم الله الشرعي بتصديق خبر الله، واتباع أمره، واجتناب نهيه، واعتقاد حل ما أحله سبحانه.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم، فاستغفِرُوه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على النبي المصطفى، وآله وصحبه ومن بآثارهم اقتفى.
أما بعد: فاتقوا الله -عباد الله-، فقد قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119]، يقول الله -تبارك وتعالى-: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)[مُحَمَّدٍ: 19]، قال سفيان بن عيينة -رحمه الله-: "فبدأ بالعلم" أي قبل القول والعمل، فالهدى كله في العلم بأنه لا إله إلا الله، ودين الحق كله في استغفار الله -تبارك وتعالى- والتوبة إليه قولا وعملا، قال الله -عز وجل-: (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التَّوْبَةِ: 32-33].
هذا وصلوا وسلموا -عبادَ الله- على خير خَلْق الله محمد بن عبد الله، فقد أمركم الله -تبارك وتعالى- بالصلاة والسلام عليه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، فاللهم صلِّ وسلِّم وزِدْ وبارِكْ على عبدك ورسولك نبينا محمد، وارضَ اللهم عن الأئمة الخلفاء الراشدين المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك وفضلك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمِنًا مطمئنا سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولاية المسلمين فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللهم أيِّد بالحق إمامنا، اللهم وفقه لهداك، واجعل عمله في رضاك يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبِّت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أنت أعلم به منا، أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر، وأنتَ على كل شيء قدير، لا إله إلا أنتَ سبحانك إنَّا كنَّا من الظالمين، فاغفر لنا وارحمنا يا أرحم الراحمين، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك، ونعوذ بعفوك من عقوبتك، ونعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليكَ، أنتَ كما أثنيتَ على نفسكَ.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات