عناصر الخطبة
1/ تعريف بسورة الإنسان 2/ تفسيرها 3/ عرض ملخص لها 4/ فضلها
اهداف الخطبة

اقتباس

أخرج أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ) حتى ختمها، ثم قال: "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء، وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملَك وضع جبهته ساجداً، واللهِ! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، وما تلذَّذتم بالنساء على الفراش، ولَخَرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل ..

 

 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين خلق الإنسان وكرمه وأمره بعبادته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

فيا معشر المسلمين: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ولنا مع سورة الإنسان وقفة، وهي السورة السادسة والسبعون في ترتيب المصحف الشريف، وهي إحدى وثلاثون آية، قال الجمهور: وهي سورة مدنية، وقيل مكية.

أخرج أحمد والترمذي وغيرهما عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ) حتى ختمها، ثم قال: "إني أرى ما لا ترون، وأسمع ما لا تسمعون، أطَّت السماء، وحقّ لها أن تئطّ، ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملَك وضع جبهته ساجداً، واللهِ! لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، وما تلذَّذتم بالنساء على الفراش، ولَخَرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عز وجل".

بدأت السورة بقول تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) [الإنسان:1]، أي: قد أتى، والمراد بالإنسان هنا آدم، وحين من الدهر قيل: أربعون سنة قبل أن يُنفَخ فيه الروح، وقيل: المعنى أن الإنسان كان جسداً مصوراً تراباً وطيناً لا يذكر، ولا يدري ما اسمه، ولا ما يراد به، ثم نفخ فيه الروح فصار مذكوراً.

(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) [2]، المراد بالإنسان هنا: بني آدم، والنطفة: الماء الذي يقطر وهو المنيّ، والأمشاج: صفة النطفة، وهي الأخلاط، والمراد: نطفة الرجل ونطفة المرأة واختلاطهما، وخَلَقَهُ لابتلائه، أي نبتليه بالخير والشر وبالتكاليف.

(إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) [3]، أي: بيَّنَّا له طريق الهدى وطريق الضلال، فإما أن يكون شاكراً لله على نعمه، أو كفوراً.

ثم بيَّن الله سبحانه ما أعد للكافرين فقال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا) [4]، أي: هيأنا للمجرمين قيوداً، تُشد بها أرجلهم، وأغلال تُغَل بها أيديهم إلى أعناقهم، وناراً مستعرة يُحرَقون بها.

كما بيَّن ما أعد للشاكرين فقال: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا) [5]، أي: أهل الطاعة يشربون من كأس ممزوجة بالكافور، وهو اسم عين في الجنة يقال لها الكافور، تمزج خمر الجنة بماء هذه العين، (عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا) [6]، أي: يجرونها إلى حيث يريدون، وينتفعون بها كما يشاءون.

(يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا) [7]، أي: يوفون بالنذر في الدنيا، ويخافون يوم القيامة الذي يفشو شره وينتشر، (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا) [8]، أي: يطعمون هؤلاء الأصناف الثلاثة الطعام، على حُبِّه لديهم، وقِلَّتِه عندهم، (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا) [9]، قال المفسرون: لم يتكلموا بهذا، ولكن علمه الله في قلوبهم فأثنى عليهم، وعلم من ثنائه أنهم فعلوا ذلك خوفا من الله، ورجاء ثوابه، وهم لا يريدون منهم المجازاة على هذا الإطعام، ولا يريدون الشكر، بل هو خالص لوجه الله، أي: لا يريدون الثواب والجزاء إلا من الله سبحانه.

(إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) [10]، أي: نخاف عذاب يوم متصف بهاتين الصفتين: العُبوس: الذي تعبس الوجوه فيه من شدته وهوله، والقمطرير: الصعب الشديد، وهو أشد ما يكون من الأيام، (فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا) [11]، أي: دفع الله عنهم شره، وأعطاهم بدل العبوس في الكفار نضرة وجمالا في الوجوه، وسروراً في القلوب، (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [12]، أي: أدخلهم الجنة، وألبسهم الحرير، (مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلَا زَمْهَرِيرًا) [13]، أي: جزاهم جنة متكئين فيها على السُّرُر في الحجال، لا يجدون فيها حَرَّاً ولا برداً، والزمهرير: البرد الشديد، والحجلة: ما يسدل على السرير من فاخر الثياب والستور.

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اشتكت النار إلى ربها فقالت: ربي! أكل بعضي بعضاً، فجعل لها نفَسَيْن: نفَساً في الصيف، ونفَساً في الشتاء، فشدة ما تجدون من البرد من زمهريرها، وشدة ما تجدون في الصيف من الحَر (سمومها)".

(وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلًا) [14]، أي: إن ظلال الأشجار قريبة منهم، مُظِلَّة عليهم، والثمار سخرت لمتناولها تسخيراً كبيراً، بحيث يتناولها القائم والقاعد والمضطجع، لا يرد أيديهم عنها بُعدٌ ولا شوك، (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيراْ) [15]، أي: تدور عليهم الخدم إذا أرادوا الشراب بآنية الفضة، وأكواب: جمع كُوب، وهو الكُوز الذي لا عُروة له، (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا) [16]، أي: من وصف القوارير في الصفاء وفي بياض الفضة، فصفاؤها صفاء الزجاج، ولونها لون الفضة، ومعنى (قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا)، أي: قدرها السقاة من الخدم الذين يطوفون عليهم على قدر ما يحتاج إليه الشاربون من أهل الجنة من دون زيادة ولا نقصان.

(وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلًا) [17]، أي: أن أهل الجنة يسقون في الجنة كأساً من الخمر ممزوجة بالزنجبيل، وخمر الجنة لا تُذهب العقول كخمر الدنيا، (عَيْنًا فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا) [18]، أي: عينا في الجنة تسمى السلسبيل، وهو الشراب اللذيذ، مأخوذ من السلاسة، فالشراب السلسبيل: الطيب اللذيذ.

(وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ)، لمــَّا فرغ سبحانه من وصف شرابهم ووصف آنيتهم وصف السقاة الذين يسقونهم ذلك الشراب، وأنهم باقون على ما هم عليه من الشباب والنضارة لا يهرمون ولا يتغيرون ولا يموتون، (إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا) [19]، أي: إذا نظرت إليهم ظننتهم لمزيد حسنهم وصفاء ألوانهم ونضارة وجوههم لؤلؤا مفرقاً، (وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا) [20]، أي: وإذا نظرت ببصرك في الجنة رأيت نعيما لا يوصف، وملكاً كبيراً لا يقدر قدره، (عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) [21]، أي: فوقهم ثياب سندس، وهو ما رق من الديباج، أي الحرير، خضر في ألوانها، والإستبرق: ما غلظ من الديباج، وهو الحرير، وحُلُّوا بأساورَ من فضةٍ، وسقاهم ربهم شراباً طاهراً ليس كخمر الدنيا، (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا) [22]، أي: هذا النعيم ثواب أعمالكم حيث كان عملكم في الدنيا بطاعة الله مَرضيَّاً مقبولا، وشكر الله سبحانه لعمل عبده هو قبول طاعته.

(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا) [23]، أي: فرقناه في الإنزال، لم ننزله جملة واحدة، (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا) [24]، أي: اصبر يا محمد لقضائه ولحكمه إن تأخر نصرك إلى أجل اقتضته حكمته، ولا تطع كل واحد من مرتكب الإثم، أو غالٍ في الكفر، (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [25]، أي: داوِمْ على ذكر الله في جميع الأوقات، وقيل: المعنى صَلِّ لربك أول النهار صلاة الصبح، وآخر صلاة العصر، (وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) [26]، أي: صل المغرب والعشاء، ونزِّهْهُ عمَّا لا يليق به، وقيل: المراد صلاة التطوع في الليل.

(إِنَّ هَؤُلَاءِ يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًا ثَقِيلًا) [27]، يعني: كفار مكة ومَن هو موافق لهم، والمعنى أنهم يحبون الدار العاجلة وهي دار الدنيا، ويتركون خلفهم أو بين أيديهم وأمامهم يوماً شديداً عسيراً هو يوم القيامة، وسمي ثقيلاً لما فيه من الشدائد والأهوال، (نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا) [28]، أي: ابتدأنا خلقهم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة، إلى أن كمُل خلقهم. وشَدُّ الأسر: أي شدة الخلق، ولو شئنا لأهلكناهم وجئنا بأطوعَ لله منهم.

(إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا) [29]، أي: إن هذه السورة تذكير وموعظة، وطريقٌ يُتوسَّلُ به إلى الله، (وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) [30]، أي: وما تشاءون أن تتخذوا إلى الله سبيلاً إلا أن يشاء الله سبحانه المتصف بكمال الصفات، ومنها العلم والحكمة، (يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [31]، ختم اللهُ سبحانه السورة ببيان مآل المتقين، جنته ورضوانه، ومآل الكفرة المجرمين العذاب الشديد.

عباد الله: هذه لمحة موجزة عن سورة الإنسان، أسأل الله أن ينفعنا بها، وأن ينفعنا بهدي كتابه وآياته المحكمة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: عباد الله: سورة الإنسان تعالج أموراً تتعلق بالآخرة، وتتحدث بوجه خاص عن نعيم المتقين الأبرار في دار الخلد والإقامة في جنات النعيم، وقد بدأت ببيان قدرة الله في خلق الإنسان في أطوار، وتهيئته ليقوم بما كلف به من أنواع العبادة، حيث جعل الله تعالى له السمع والبصر وسائر الحواس.

ووصفت السعداء بالوفاء بالنذر، وإطعام الفقراء، وابتغاء مرضاة الله، والخوف من عذابه، وذكر أن الله سبحانه قد أمنهم من ذلك اليوم العبوس الذي تكلح فيه الوجوه، وتتابع في السورة سرد نعيم أهل الجنة في مأكلهم، ومشربهم، وملبسهم، ومكانهم في الجنة. وبينت أن القرآن الكريم تذكرة لمن كان له قلب يعي، أو فكر ثاقب يستضيء بنوره.

ومن فضلها انه يُسَنُّ قراءتها في صلاة الفجر يوم الجمعة في الركعة الثانية، بعد قراءة سورة السجدة في الركعة الأولى.

أسأل الله أن نكون أعطينا لمحة طيبة عن معاني هذه السورة الكريمة، وأن ينفعنا بها وبكتابه الكريم، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إنه سميع قريب مجيب الدعاء.

وصلُّوا وسلِّموا -عباد الله- على خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

 

 

 

 

 

 

المرفقات
سورة الإنسان.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life