سلامة الصدر

ناصر بن محمد الأحمد

2015-01-29 - 1436/04/09
عناصر الخطبة
1/حاجة المسلم إلى تفقد قلبه وإصلاحه 2/التأمل في موقفين من السيرة النبوية 3/أهمية سلامة الصدر وبعض فضائل ذلك 4/قصص رائعة في سلامة الصدر 5/المقصود بسلامة الصدر 6/بعضأسبابسلامة الصدر
اهداف الخطبة

اقتباس

سلامة الصدر، معينة للقلب على الخير والبر، والطاعة والصلاح، فليس أروح للمرء، ولا أطرد للهّم، ولا أقرّ للعين، من سلامة الصدر على عباد الله المسلمين.سلامة الصدر، تقطع سلاسل العيوب، وأسباب الذنوب، فإن من سلم صدره، وطهر قلبه عن الإرادات الفاسدة، وال...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله...

 

أما بعد:

 

أيها المسلم: أرأيت لو كانت لديك آنية من زجاج نظيفة لامعة، ثم تعرضَت للأتربة، حتى اغبرت، وانطفأ بريقها، فعاجلتها بالمسح والتنظيف، فعاد إليها رواؤها ورونقها، ما كان أسهل ذلك عليك.

 

ثم أرأيت لو أنك أهملتها، حتى تراكمت الأتربة وتحجرت، واستمسكت فصار من العسير عليك حينئذ تنظيفها إلا أن تقسو عليها في التنظيف قسوة قد تحدث فيها خدشاً لا تمحوه الأيام.

 

كذلك هي القلوب، تحمل على من حولها الشيء بعد الشيء من الغضب، أو الحقد، أو الحسد، فإذا بادر أصحابها بتنقيتها زال كل كدر وعم الصفاء، وسلم الصدر.

 

وإذا أهملوا ذلك، تراكمت المواقف، وتتابعت المآخذ، حتى يصبح في كل قلب على أخيه بغضاء لا تزول إلا بمعالجة شديدة، ربما تركت خدشاً لا يمحوه الزمان.

 

إن القلوب إذا تنافر ودها *** مثل الزجاجة كسرها لا يشعبُ

 

إن سلامة الصدر -أيها المؤمنون- سلامته من كل غل وحسد، وحقد وبغضاء، على المسلمين، وهي من أعظم الخصال، وأشرف الخلال، ولا يقوى عليها إلا الرجال.

 

ولقد كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- أحرص الناس على سلامة قلبه، فكان يَقُولُ فِي صَلَاتِهِ: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الْأَمْرِ وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَلِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ".

 

وكان يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه عنه ابن مسعود: "لَا يُبَلِّغُنِي أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِي عَنْ أَحَدٍ شَيْئًا، فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَخْرُجَ إِلَيْكُمْ، وَأَنَا سَلِيمُ الصَّدْرِ"[أبو داود].

 

إن سلامة الصدر ونقاءه مفتاح المجتمع المتماسك الذي لا تهزه العواصف، ولا تؤثر فيه الفتن، وكيف -يا ترى- يكون مجتمع تسوده الدسائس والفتن، وتمتلئ قلوب أفراده غشاً وحسداً وأمراضاً؟ أفذاك مجتمع أم غابة وحوش وذئاب؟.

 

لقد قرأت في سيرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم- موقفين يستحقان التأمل والتبصر:

 

الأول منهما: في غزوة الأحزاب، حين أحكم الأعداء قبضتهم، وأحاطوا بالمدينة، ونقضت قريظة عهدها، ولم يكن يحول بينها وبين المسلمين شيء، وكان الأمر كما قال الله: (إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا)[الأحزاب: 11].

 

في ذلك اليوم العصيب خرج الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبطنه معصوب، وهو متطلق الوجه، فأخذ المعول، وقال: "بسم الله" وضرب صخرة في الخندق ضربة، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة.

 

ثم ضرب الثانية، فقال: "الله أكبر، أعطيت فارس والله إني لأبصر قصر المدائن الآن"

 

ثم ضرب الثالثة، فقال: "الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني".

 

وأما الموقف الآخر؛فهو عندما مر شاس بن قيس، وكان شيخاً، قد عتا شديد الحسد للمسلمين على نفر من صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، فغاظه ما رأى من ألفتهم، فأمر فتى يهودياً أن يجلس معهم، ثم يذكرهم يوم بعاث، وما تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل فتفاخر القوم، حتى تواثب رجلان، فاختصما، وتعصب لكل قومه، حتى تواعدوا أن يقتتلوا عند الحرة، فبلغ ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فخرج مغضباً، يعرف الغضب في وجهه، حتى جاءهم، فقال: "الله الله يا معشر المسلمين: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟ لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم أعناق بعض" "فبكى القوم، واصطلحوا".

 

أليس عجيباً أن يخرج الرسول راضياً متبسماً يوم الخندق رغم شدة الموقف وصعوبته، ويغضب كل هذا الغضب لمجرد تواثب بين حيين من المسلمين بل يصف ذلك بأنه كفر؟.

 

إنه الدرس النبوي البليغ، إذا كانت القلوب سليمة، والصف واحداً، فليعصف الباطل، وليجلب الكفر بخيله ورجله، فإن البناء متين.

 

أما إذا اختلفت القلوب، وذهب صفاؤها، فهذا نذير الشر، وأول البلاء، ويجب حينئذ الوقوف بحزم أمام هذا الداء.

 

سلامة الصدر، نعمة ربانية، ومنحة إلهية.

 

سلامة الصدر، من أسباب النصر على العدو، قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ)[الأنفال: 62].

 

فائتلاف قلوب المؤمنين، من أسباب النصر التي أيد الله بها رسوله، كما قال الإمام القرطبي -رحمه الله-.

 

سلامة الصدر، سبب في قبول الأعمال؛ ففي الحديث: "تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله -عز وجل- في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئاً إلا امرئ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: أنظِروا هذين حتى يصطلحا".

 

فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الأحقاد والضغائن؟

 

سلامة الصدر، علامة فضل وتشريف؛ روى ابن ماجة عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّم-: "أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَان" قَالُوا: صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْب؟ قَال: "هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ، لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا بَغْيَ، وَلَا غِلَّ وَلَا حَسَد".

 

سلامة الصدر، صفة من صفات أهل الجنة، قال الله -تعالى-: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ)[الأعراف: 43].

 

وفي الحديث في وصف أول زمرة تلج الجنة: "لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد".

 

سلامة الصدر، طريق إلى الجنة أيضاً، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنطف لحيته من الوضوء، تكرر ذلك ثلاث مرات في ثلاثة أيام، فأحب عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن يعرف خبيئة هذا الرجل، فبات عنده ثلاثاً، فلم يره كثير صلاة ولا صيام، فسأله، فَقَالَ: مَا هُوَ إِلَّا مَا رَأَيْتَ غَيْرَ أَنِّي لَا أَجِدُ فِي نَفْسِي لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غِشًّا وَلَا أَحْسُدُ أَحَدًا عَلَى خَيْرٍ أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: هَذِهِ الَّتِي بَلَغَتْ بِكَ، وَهِيَ الَّتِي لَا نُطِيق".

 

أفرأيت كيف سمت به سلامة صدره حتى بشر بالجنة ثلاث مرات؟!

 

انظر -رعاك الله- إلى عظم الأمر، فإذا كان مثل ابن عمرو وهو من هو، وكان جلداً في العبادة، يقول: وهي التي لا نطيق، فما يقول من دونه؟

 

وما كانت هذه الكلمة من ابن عمرو تثبيطاً عن هذا الخلق العظيم، وإنما كانت بياناً لعظم منزلته، وحاجته إلى المجاهدة العظيمة.

 

نعم، فالنفوس الكبيرة وحدها هي القادرة على تجاوز الإساءة، ومقابلتها بالإحسان، ومن ثم المحافظة على القلب نقياً، والصدر سليماً.

 

سلامة الصدر، معينة للقلب على الخير والبر والطاعة والصلاح، فليس أروح للمرء، ولا أطرد للهّم، ولا أقرّ للعين، من سلامة الصدر على عباد الله المسلمين.

 

سلامة الصدر، تقطع سلاسل العيوب، وأسباب الذنوب، فإن من سلم صدره، وطهر قلبه عن الإرادات الفاسدة، والظنون السيئة، عف لسانه عن الغيبة والنميمة، وقالة السوء.

 

سلامة الصدر، فيها صدق الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه أسلم الناس صدرًا، وأطيبهم قلبًا، وأصفاهم سريرة.

 

وشواهد هذا في سيرته كثيرة، ليس أعظمها أن قومه أدموا وجهه يوم أحد، وشجوا رأسه، وكسروا رباعيته، فكان يمسح الدم، ويقول: "اللهم اغفر لقومي، فإنهم لا يعلمون".

 

ضُرب الإمام أحمد في زمن المعتصم ضرباً شديداً، فلما كان زمن المتوكل أحس الإمام بأذى في ظهره، فإذا هي لحمة فاسدة التأم عليها الجرح، ولم يكن بد من شق الظهر وإخراجها، قالوا: "فلما أحس الإمام بألم المبضع، وحر الشق، قال: "اللهم اغفر للمعتصم".

 

فيا سبحان الله! يستغفر لمن كان سبباً في ألمه! إنه منطق عظيم لا تعرفه القلوب الضيقة، والنفوس الصغيرة.

 

لا يحمل الحقد من تسمو به الرتبُ *** ولا ينال العلا من طبعه الغضب

 

ومن قبله كان يوسف -عليه السلام- مثلاً فذاً في سلامة الصدر، فبعد أن فعل به إخوانه ما فعلوا، وبعد أن صار في منزلة يقدر فيها على الانتقام أبى أن يثأر لنفسه، ووفى لإخوته الكيل، ثم قال لهم: (قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ)[يوسف: 92].

 

فعفا عنهم، ثم استغفر لهم،وأعجب من هذا أنه التمس لهم العذر فيما فعلوه: (مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي)[يوسف: 100].

 

ومن قبل ذلك قال هابيل لأخيه، وقد هم بقتله وتوعده: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ)[المائدة: 28].

 

وحضرت الوفاة أبا دجانة الأنصاري -رضي الله عنه- وكان وجهه يتهلل، فقيل له في ذلك، فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً".

 

وعن الشعبي -رحمه الله- قال: رأى علي بن أبي طالب طلحة بن عبيد الله في وادٍ مُلقى بعد وقعة الجمل التي كانت بين علي وبين عائشة وطلحة والزبير -رضي الله عنهم-، فنزل فمسح التراب عن وجه طلحة، وقال: "عزيز عَلَيّ يا أبا محمد أن أراك مجندلاً في الأودية تحت نجوم السماء، إلى الله أشكو عُجري وبجري".

 

ودخل على عليّ عمران بن طلحة بن عبيد الله، فقال له علي: إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ)[الحجر: 47].

 

ولجّ خصوم ابن تيمية في خصومته حتى أودعوه السجن، وضيقوا عليه، فلما مات أحد كبار أعدائه كان ابن تيمية أول من عزى أهله، بل قال لهم: أنا أكون لكم مكانه! وحين قال له محبوه: ألا تأذن لنا فنؤذي من آذاك؟ قال لهم: إني قد أحللت كل من آذاني ولا أحل أحداً آذى أحداً بسببي!.

 

ومرض الشافعي، فعاده بعض أصحابه، فقال له: "قوى الله ضعفك!" فقال الشافعي: "لو قوى ضعفي لقتلني!" فقال: "يا إمام والله ما أردت إلا الخير، فقال: أعلم أنك لو شتمتني ما أردت إلا الخير".

 

قال صديق لابن السماك: "موعدنا غداً نتعاتب، فقال له ابن السماك: بل موعدنا غداً نتغافر".

 

وهو جواب يأخذ بمجامع القلوب، فلماذا التعاتب المكفهِر بين الإخوة كل منهم يطلب من صاحبه أن يكون معصوماً؟ أليس التغافر وسلامة الصدر أولى وأطهر وأبرد للقلب؟ أليس جمال الحياة أن تقول لأخيك كلما صافحته: "رب اغفر لي ولأخي هذا"، ثم تضمر في قلبك أنك قد غفرت له تقصيره تجاهك؟ بلى -والله-.

ولله در شاعر راح يمرح ويتغنى، ويقول:

 

من اليوم تعارفنا ونطوي ما جرى منا *** فلا كان ولا صار ولا قلتم ولا قلنا

وإن كان ولابد من العتبى فبالحسنى

 

هكذا إذا صفاء وود، إخاء وحب، قلب سليم ونفس صافية، وصدر يحتمل الزلات، ويغفر الخطايا، ويمحو بالإحسان الإساءة، ومنطق كمنطق الشاعر الذي يقول:

 

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد *** جاءت محاسنه بألف شفيعِ

 

واعجباه! إنها قلوب تسامت عن ذاتها، وتعالت عن الغضب لنفسها، فأين من هؤلاء من يحمل على أخيه لمجرد أنه نسي دعوته إلى وليمة؟ وأين من هؤلاء من يحمل على أخيه لكلمة خرجت من غير قصد فيحملها على الشر وهو يجد لها في الخير محملاً؟ وأين من هؤلاء من يتميز غيظاً على أخيه؛ لأنه سبقه بسيارته؟ وأين من هؤلاء من يجعل من ذهنه حاسوباً يسجل فيه كل صغيرة وكبيرة من هفوات إخوانه، حتى إذا غضب على أحدهم أخرج له قائمة طويلة فيها الحوادث والأرقام والتواريخ؟ وأين من هؤلاء من لا يكاد يصفو قلبه لأحد فهو يحسد هذا، ويحقد على ذاك، ويغضب على الثالث، ويسيء الظن بالرابع، ويتهم الخامس وهكذا؟.

 

أيها المؤمنون: إن سلامة الصدر خصلة من خصال البر عظيمة، غابت رسومها واندثرت معالمها، وخبت أعلامها، حتى غدت عزيزة المنال، عسيرة الحصول مع ما فيها من الفضائل والخيرات.

 

فنسأل الله السلامة والعافية، ونسأله -جل وتعالى- سلامة الصدر، ونقاء القلب، وإنها لفرصة عظيمة ونحن مقدمون على شهر جليل وموسم عظيم، أن نطهر نفوسنا وقلوبنا من كل ما يفسده، إنه سميع مجيب.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

 

أقول ما قلت، فإن كان صواباً فمن الله وحده، وإن كان غير ذلك فمن نفسي ومن الشيطان، والله ورسوله منه بريئان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

 

أما بعد:

 

أيها المسلمون: إن سلامة القلبوالصدر، ليست السذاجة والضعف، كما يفهما البعض.

 

سلامة الصدر، ليست القلب الذي يسهل غشه وخداعه، والضحك عليه، ولا يعرف الخير من الشر.

 

إن سلامة القلب، كما قال ابن تيمية -رحمه الله-: "القلب السليم المحمود الذي يريد الخير لا الشر، ومآل ذلك بأن يعرف الخير والشر، فأما من لا يعرف الشر، فذاك نقص فيه، لا يمدح به".

 

إن لسلامة الصدر أسبابًا وطرقًا لا بد من سلوكها؛ فمن تلك الأسباب:

 

الإخلاص لله -تعالى-: فعن زيد بن ثابت مرفوعًا: "ثلاث لا يُغِل عليهن صدر مسلم: إخلاص العمل لله -عز وجل-، ومناصحة أولي الأمر، ولزوم جماعة المسلمين"[رواه الإمام أحمد بسند صحيح].

 

ومن أسباب سلامة الصدر: الإقبال على كتاب الله -تعالى-: الذي أنزله شفاء لما في الصدور، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ)[يونس: 57].

 

فكلما أقبلت -يا عبد الله- على كتاب الله تلاوة وحفظًا وتدبرًا وفهمًا، صلح صدرك، وسلم قلبك.

 

ومن أسباب سلامة الصدر: دعاء الله -تعالى-: أن يجعل قلبك سليمًا من الضغائن والأحقاد على إخوانك المؤمنين، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[الحشر: 10].

 

أيها المؤمنون: إنّ من طرق إصلاح القلب وسلامة الصدر: إفشاء السلام بين المسلمين؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".

 

وقد أجاد من قال:

 

قد يمكث الناس دهرًا ليس بينهم *** ودّ فيزرعه التسليم واللطفُ

 

ومن أسباب سلامة الصدر: الابتعاد عن سوء الظن: فإنه بئس سريرة الرجل، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[الحجرات: 12].

 

وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا"[رواه الشيخان].

 

فانظر كيف بدأ بالنهي عن سوء الظن؛ لأنه الذي عنه تصدر سائر الآفات المذكورة في الحديث.

 

فالواجب عليك -يا عبد الله- أن تطهر قلبك من سوء الظن ما وجدت إلى ذلك سبيلاً.

 

أيها المؤمنون: هذه بعض أسباب صلاح القلب، وسلامة الصدر، فإنه من صدق في طلبها أدركها، ف: "لو صحّ منك الهوى أُرشِدّتَ للحيَل".

 

اللهم إنا نسألك صدورًا سليمة، وقلوبًا طاهرة نقية.

 

اللهم طهر قلوبنا من الشرك والشك والنفاق، وسائر الآفات.

 

اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

 

 

المرفقات
سلامة الصدر.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life