سرابيل تقيكم بأسكم (موعظة الشتاء)

الشيخ سعد بن عبد الله السبر

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ زمهرير الشتاء من نفس جهنم 2/من نعم الله على عباده 3/أفضل الطاعة في شدة الشتاء 4/من فضائل الشتاء 5/موعظة الشتاء.
اهداف الخطبة

اقتباس

لنتذكر زمهرير جهنم وعذابها؛ لكي نصبر على برد الشتاء, ونسارع في الطاعة والبناء, عن أبى موسى -رضى الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم جرت وإنهم ليبكون الدم...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله جعل لنا مما خلق ظلال ومن الجبال أكنانا, وجعل لنا سرابيل تقينا الحر وسرابيل تقينا بأسنا, نحمده ونشكره فقد أتم علينا نعمه وتابع علينا فضله, ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في العبادة والخلق والرزق والأسماء والصفات (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11], ونشهد أن محمدا عبده ورسوله, بشير الورى, وخير من اتقى, صلى الله عليه وعلى آله وصحبه, مصابيح الدجى, وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فأُوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله -عز وجل- فهي جمال؛ تقيكم الذنوب والمعاصي, (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

 

أيها المسلمون: لقد مرّ بالناس برد شديد وهلع مديد, عانوا شدة البرد أيام وساعات, وتأثروا واشتكوا, وهم قد أعدوا العدة واتخذوا الأهبة, ولكن لا عاصم من أمر الله إلا من رحم, لم يصبروا على أيامٍ, ونسوا خلواً في زمهرير جهنم, ونسوا أن هذا البرد نفس من أنفاس جهنم في الشتاء, أذن الله لها بالنفس في الشتاء به, عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن لجهنم نفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف, فأشد ما تجدون من البرد من زمهريرها, وأشد ما تجدون من الحر من سمومها".

 

أيها المؤمنون: تفكروا في مجيء الشتاء والصيف, فوالله ما زال المؤمنون يتفكرون فيما خلق لهم ربهم؛ حتى أيقنت قلوبهم, وحتى كأنما عبدوا الله عن رؤيته, ما رأى العارفون شيئا من الدنيا إلا تذكروا به ما وعد الله به من جنسه في الآخرة من كل خير وعافية.

 

وأما الأزمان فشدة الحر والبرد يذكر بما في جهنم من الحر والزمهرير, وقد دل هذا الحديث الصحيح على أن ذلك من تنفس النار في ذلك الوقت قال الحسن: "كل برد أهلك شيئا فهو من نفس جهنم, وكل حر أهلك شيئا فهو من نفس جهنم".

 

ومعلوم أن امتن الله على عباده بأن خلق لهم من أصواف بهيمة الأنعام وأوبارها وأشعارها ما فيه دفء لهم، قال الله تعالى: (وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ) [النحل: 5], وقال الله تعالى: (وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ) [النحل: 80]، (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمَّا خَلَقَ ظِلَالًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ) [النحل: 81].

 

كل هذه النعم لتعيننا على الطاعة ولنتذكر بالبرد زمهرير جهنم, وعلينا أن نعمل ليوم التلاقي يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء, ونعلم أن أفضل العمل والطاعة في شدة الشتاء, ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟" قالوا: بلى يا رسول الله قال: "إسباغ الوضوء على المكاره, وكثرة الخطا إلى المساجد, وانتظار الصلاة بعد الصلاة, فذلك الرباط".

 

وفي حديث معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه رأى ربه -عز وجل- يعني في المنام فقال له: "يا محمد فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: في الدرجات والكفارات؟ قال: والكفارات إسباغ الوضوء في الكريهات ونقل الأقدام إلى الجمعات". وفي رواية: "الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة, من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه". والدرجات "إطعام الطعام, وإفشاء السلام, والصلاة بالليل والناس نيام". [خرجه الإمام أحمد والترمذي] وفي بعض الروايات: "إسباغ الوضوء في السبرات" والسبرة: شدة البرد, إسباغ الوضوء في شدة البرد من أعلى خصال الإيمان.

 

روى ابن سعد بإسناده: أن عمر -رضي الله عنه- وصى ابنه عند موته فقال له: "يا بني عليك بخصال الإيمان قال: وما هي؟ قال: الصوم في شدة الحر أيام الصيف, وقتل الأعداء بالسيف, والصبر على المصيبة, وإسباغ الوضوء في اليوم الشاتي, وتعجيل الصلاة في يوم الغيم, وترك ردغة الخبال فقال: ما ردغة الخبال؟ قال: شرب الخمر".

 

أيها الموحدون: لنتذكر زمهرير جهنم وعذابها؛ لكي نصبر على برد الشتاء, ونسارع في الطاعة والبناء, عن أبى موسى -رضى الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أهل النار ليبكون حتى لو أجريت السفن في دموعهم جرت وإنهم ليبكون الدم".

 

ولنعلم أن من فضائل الشتاء: أنه يذكر بزمهرير جهنم ويوجب الاستعاذة منها, قام زبيد اليامي ذات ليلة للتهجد فعمد إلى مطهرة له كان يتوضأ منها, فغمس يده في المطهرة فوجد الماء باردا شديدا كاد أن يجمد من شدة برده, فذكر الزمهرير ويده في المطهرة فلم يخرجها حتى أصبح, فجاءته جاريته وهو على تلك الحال, فقالت: ما شأنك يا سيدي لم لا تصلي الليلة كما كنت تصلي وأنت قاعد هنا على هذه الحالة؟ فقال: ويحك إني أدخلت يدي في هذه المطهرة فاشتد علي برد الماء فذكرت به الزمهرير, فوالله ما شعرت بشدة برده حتى وقفت علي, فانطوي لا تحدثي بهذا أحدا ما دمت حيا. فما علم بذلك أحد حتى مات -رحمه الله-.

 

وعن كعب قال: "إن في جهنم بردا هو الزمهرير يسقط اللحم؛ حتى يستغيثوا بحر جهنم" وعن عبد الملك بن عمير قال: "بلغني أن أهل النار سألوا خازنها أن يخرجهم إلى جانبها, فأخرجوا فقتلهم البرد والزمهرير؛ حتى رجعوا إليها فدخلوها مما وجدوه من البرد, وقد قال الله -عز وجل-: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا) [النبأ: 24، 25], وقال الله تعالى: (هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ) [ص: 57], قال ابن عباس: "الغساق: الزمهرير البارد الذي يحرق من برده:, وقال مجاهد: "هو الذي لا يستطيعون أن يذوقوه من برده", وقيل: "إن الغساق: البارد المنتن". أجارنا الله تعالى من جهنم بفضله وكرمه.

 

يا من تتلى عليه أوصاف جهنم ويشاهد تنفسها كل عام حتى يحس به ويتألم وهو مصر على ما يقتضي دخولها, مع أنه يعلم إذا جيء بها تقاد بسبعين ألف زمام من يندم, ألك صبر على سعيرها وزمهريرها؟ قل وتكلم ما كان صلاحك يرجى والله أعلم.

 

عن مجاهد قال: "إن في النار لزمهريرا, يغلون فيه, فيهربون منها إلى ذلك الزمهرير, فإذا وقعوا فيه حطم عظامهم حتى يسمع لها نقيض", وعن قابوس بن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: "يستغيث أهل النار من الحر فيغاثون بريح باردة يصدع العظام بردها فيسألون الحر", وعن ابن عباس أن كعبا قال: "في جهنم بردا هو الزمهرير يسقط اللحم حتى يستغيثوا بحر جهنم", وروي عن ابن مسعود قال: "الزمهرير لون من العذاب", وعن عكرمة قال: "هو البرد الشديد".

 

وذكر ابن وهب, عن عبد الله بن عمر, قال: "الغساق: القيح الغلظ, لو أن قطرة منه تهراق في المغرب أنتنت أهل المشرق, ولو أنها تهراق في المشرق أنتنت أهل المغرب", وقيل: "الغساق الذي لا يستطيع من شدة برده, وهو الزمهرير", وقال كعب: "الغساق عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة فستنفع, ويؤتى بالآدمي فيغمس فيها غمسة فيسقط جلده ولحمه عن العظام, فيجر لحمه في كعبيه كما يجر الرجل ثوبه".

 

يا أيها العبد المذال: ما هذا البرد المذال, وما هذا الخد الأصعر، والطرف الأصور. يا هذا سوِّ خدك وأجفانك، فلعل القصار يدق أكفانك. داء الآدمي الهوى، وعلاجه الحسم، متى استعجل الداء، فالكي أنفع، وما يفيدك من جار السوء التوقي.

 

المال ماء كلما زاد غرق. قنعت العنكبوت بزاوية البيت فسبق الحريص إليها وهو الذباب، فصار قوتا لها، وصوت بك نذير العبر: رب ساع لقاعد. ويحك: طلق كواذب آمالك، لتكون وارث مالك. أعظم المغبونين حسرة من نفع كده لغيره. أفضل أعمال البخيل الصدقة؛ لأنه يحارب شيطانين أصغرهما إبليس، وأعظمهما النفس وجنودها، ومن يقوى بأسد الحرص، وكلب الهوى، وخنزير الشره؟!.

 

امدد يديك بالصدقة فإن لم تطق فاكففهما عن الظلم، أطلق لسانك بالذكر، فإن لم تطق فاحبسه عن الغيبة. كم يقف السائل سائل الدمع على باب الذل لديك فتقول: هذا هذاء.

 

كلام الجائع عند الشبعان كله هذيان. ويحك: إن الدقة صداق الجنة، فدع جمع الأكياس (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا) [البقرة: 245].

 

 

 

المرفقات
سرابيل تقيكم بأسكم.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life