عناصر الخطبة
1/قرب قيام الساعة 2/أهمية علامات الساعة 3/سبع علامات للساعة لم تظهر حتى الآن 4/معنى اقتراب الساعة 5/ فائدة التذكير بعلامات الساعة.اقتباس
أما إنْ قلتَ: ما فائدةُ التذكيرِ بعلاماتِ الساعةِ؟ فالجوابُ: أنه ليسَ التذكيرُ بها لمجردِ الإثارةِ أو الثقافةِ، وإنما لأجِل أن يتذكرَ كلُ غافلٍ، ويؤوبَ كلُ عاصٍ، ومَن تذكَّر فقلبُه حيٌ فيه خشيةٌ للهِ، فلنستعدَ ولنخشَ النُذُرَ...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمدُ للهِ حمداً لا يَبيدُ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وكلُ الخلقِ له عبيدٌ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه المنصورُ من ربِهِ بالتأييدِ، فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ إلى يومٍ غيرِ بعيدٍ.
أما بعدُ: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ)[الأنبياء1 - 3].
نعمْ قيامُ الساعةِ قريبٌ -أيُها المؤمنونَ-، والباقي من الدنيا قليلٌ، بالنسبةِ إلى ما مضَى منها، فلنستعدَّ للرحيلِ. روَى البخاريُّ أن رسولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنْ الْأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ".
وإن اللهَ جلتْ حكمتُه، قد أخفَى وقتَ قيامِ الساعةِ، ولكنه قد أعلمَنا بقُربِها، لنستعدَ لها: (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا)[الأحزاب: 63]، وقد جعلَ لها علاماتٍ، وهذه العلاماتُ أكثرُها وقعَ وعُرِفَ، وبعضُها لم يقَعْ إلى الآنَ.
وإليكم الآنَ سبعَ علاماتٍ للساعةِ لم تقعْ بعدُ:
1- عَودَةُ جزيرةِ العَربِ جنَّاتٍ وَأنهاراً: كما قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا"(رواهُ مسلمٌ). وعَودتُها إلى ما كانت عليهِ من قبلُ ربما بتغيُرِ مناخِها الحارِ إلى جوٍّ لطيفٍ، ويُفجِرُ خالقُها فيها من الأنهارِ والعيونِ ما يُحوِّلُ جدبَها خِصباً.
2- تكليمُ السّبَاعِ والجمَادِ الإنسَ: قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُكَلِّمَ السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكَلِّمَ الرَّجُلَ عَذَبَةُ سَوْطِهِ، وَشِرَاكُ نَعْلِهِ، وَيُخْبِرَهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ"(صححهُ البيهقيُّ والذهبيُّ وابنُ كثيرٍ). وهذهِ أعاجيبُ نجزِمُ أنها لم تَقَعْ، ولا يُمكنُ تأويلُها بمخترعاتِ العصرِ.
3- انحسَارُ نهرِ الفراتِ عَن جَبلٍ من ذهَبٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُوشِكُ الفُرَاتُ أَنْ يَحْسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَمَنْ حَضَرَهُ فَلاَ يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا"(رواهُ البخاريُّ ومسلمٌ). والسببُ في النهيِ عن الأخذِ منه لما ينشأُ عن أخذِه من الاقتتالِ وسفكِ الدماءِ.
4- إخراجُ الأرضِ كنوزَهَا المخبوءَةَ: قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَقِيءُ الْأَرْضُ أَفْلَاذَ كَبِدِهَا أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ، مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ، فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ، فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي. ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا"(رواهُ مسلمٌ).
5- محاصَرةُ المسلمينَ إلى المدينَةِ: بأن يُهزمَ المسلمونَ، ويحاصرُهم أعداؤُهم إلى المدينةِ النبويةِ؛ لقولِه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يُوشِكُ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يُحَاصَرُوا إِلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى يَكُونَ أَبْعَدَ مَسَالِحِهِمْ سَلَاحِ"(رواهُ أبُو داودَ). والمسالحُ هيَ الثغورُ، وسَلاَحُ موضعٌ قريبٌ من خيبرَ.
6- خروجُ مَلكٍ من قحطانَ شديدِ القوةِ والقيادةِ. ففي الصحيحينِ أن النبيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ"(رواه البخاري:3329، ومسلم 2910). أي ينقادونَ له بسهولةٍ، فتكفِيهِمُ العصا.
7- خروُج المَهديِ: قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَوْ لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا يَوْمٌ لَطَوَّلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، حَتَّى يَبْعَثَ فِيهِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يُوَاطِئُ اسْمُهُ اسْمِي، وَاسْمُ أَبِيهِ اسْمَ أَبِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا"(رواه أبو داود 4282، والترمذي 2231 : 2232، وقال : حسن صحيح).
قالَ ابنُ كثيرٍ في النهاية في الفتن والملاحم: "وَفَي زَمَانِهِ تَكُونُ الثِّمَارُ كَثِيرَةً، وَالزُّرُوعُ غَزِيرَةً، وَالْمَالُ وَافِرًا، وَالسُّلْطَانُ قَاهِرًا، وَالدِّينُ قَائِمًا، والعَدُوُّ رَاغِمَاً".
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفَى، وصلاةً وسلامًا على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ:
فلعل قائلاً يقولُ: كيف يخبرُنا اللهُ –تعالى- بقُربِها، وقد مضى على هذا الخبرِ أربعةَ عشرَ قرناً؟! فالجوابُ -عبادَ الله- من وجهينِ:
الوجهُ الأولُ: أنّ المرادَ بقولِه -تعالى-: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ)[القمر: 1] هو أنه لم يبقَ من الدنيا إلا الشيءُ اليسيرُ مقارنةً بما مضَى منها.
الوجهُ الثاني: أنها قريبةٌ في علمِ اللهِ وتقديرِه، وتقديرُ اللهِ غيرُ تقدِيرنا، وعلمُه غيرُ علمِنا: (إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا * وَنَرَاهُ قَرِيبًا)[المعارج: 6- 7]. وقيامُ الساعةِ أمرٌ هيّن سريعٌ على اللهِ، أسرعُ من غمضِ العينِ: (وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ)[النحل: 77].
أما إنْ قلتَ: ما فائدةُ التذكيرِ بعلاماتِ الساعةِ؟
فالجوابُ: أنه ليسَ التذكيرُ بها لمجردِ الإثارةِ أو الثقافةِ، وإنما لأجِل أن يتذكرَ كلُ غافلٍ، ويؤوبَ كلُ عاصٍ، ومَن تذكَّر فقلبُه حيٌ فيه خشيةٌ للهِ، فلنستعدَ ولنخشَ النُذُرَ: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا * فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْرَاهَا * إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا * إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا)[النازعات: 42- 45].
فاللهم يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ، وَيَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ أحسِنْ خواتيمَنا، وارزقنا خشيةً في قلوبِنا.
اللَّهُمَّ ابْسُطْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ. اللَّهُمَّ إِنّا نَسْأَلُكَ النَّعِيمَ الْمُقِيمَ الَّذِي لَا يَحُولُ وَلَا يَزُولُ. اللَّهُمَّ إِنّا عَائِذونَ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَنا.
اللَّهُمَّ قَاتِلِ الْكَفَرَةَ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ عَلَيْهِمْ رِجْزَكَ وَعَذَابَكَ. اللهم احفظْ دينَنا وبلادَنا ونفوسَنا وأمنَنا وحدودَنا وجنودَنا.
اللهم احفظِ السودانَ وأهلَها. اللهم احفظْ ووفقْ وسدِّدْ وليَ أمرِنا ووليَ عهدِه لهُداكَ. واجعلْ عمَلَهما في رضاكَ.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
التعليقات