سبعة يظلهم الله-1

الشيخ نواف بن معيض الحارثي

2024-08-13 - 1446/02/09
عناصر الخطبة
1/مرحلة الشباب أهم مراحل العمر 2/ممن يظلهم الله شاب نشأ في طاعته 3/مظاهر اهتمام الإسلام بمرحلة الشباب 4/نماذج قرآنية للشباب الصالح 5/الحث على العناية بالشباب وتوجيههم

اقتباس

لَقَدْ قَامَتْ دَعْوَةُ الإِسْلامِ فِي صَدْرِ تَأرِيخِ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى أَيْدِي الشَّبَابِ القَوِيَّةِ الفَتِيَّةِ، فقد أسلمَ الصديقُ وهو ابنُ سبعٍ وثلاثينَ سنةً، وعمرُ وهو ابنُ ستٍ وعشرينَ سنةً، وذي النورينِ وهو ابنُ العشرينَ سنةً، ومَا كَانَ أَصْحَابُ رَسِولِ اللـهِ إِلا شَبَابًا، مُكْتَهِلِينَ فِي شَبَابِهِمْ...

سبعة يظلهم الله في ظله- شاب نشأ في عبادة الله

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

الحَمْدُ للـهِ الَّذِي خَلَقَ العِبَادَ أَطْوَارًا، وَجَعَلَهُمْ فِي شَبَابِهِمْ أَكْثَرَ قُوَّةً وَازْدِهَارًا، وَنَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللـهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَبَّى أَصحَابَهُ عَلَى حُبِّ الفَضَائِلِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنْ مَسَالِكِ الرَّذَائِلِ، فَكَانُوا أَسْمَى النَّاسِ أَخْلاقًا وَأَعْمَالاً، وَأَزكَاهُمْ أَقْوَالاً وَأَفْعَالاً، وَعَلَى أَصْحَابِهِ مُهَاجِرِينَ وَأَنْصَارًا، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ لَيْلاً وَنَهَارًا.       

 

أما بعد: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّـهُ فِي ظِلِّهِ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ"، ومنهم: "وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ".

 

عباد الله: إنَّ مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ هِيَ أَهمُ الْـمَرَاحِلِ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ؛ لأَنَّهَا بَوَّابَةٌ فِي هَذِهِ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا إِلَى أحَدِ طَرِيقَيْنٍ: إِمَّا الْبِنَاءِ وَإِمَّا الْـهَدْمِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الشَّبَابُ مَحَطَّ الأَنْظَارِ وَمَعْقِدَ الآمَالِ.

 

إِنَّ مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ تَتَدَفَّقُ فِيهَا نَوَازِعُ الْـخَيْرِ وَنَوَازِعُ الشَّرِّ، فَحَيْثُمَا وَجَّهْتَهَا اتَّجَهَتْ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ نَجِدُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَلْفِتُ نَظَرَ الْـمُرَبِّينَ إِلَى أَنْ يَسْلُكُوا بِالشَّبَابِ مَسْلَكَ عِبَادَةِ اللَّـهِ -تَعَالَى-؛ لِيَسُدُّوا عَنْهُ مَنَافِذَ الشَّرِّ، فَقَدْ عَدَّدَ -صلى الله عليه وسلم- أَصْنَافَ الْـمُسْتَظِلِّينَ بِظِلِّ الْعَرْشِ، وَذَكَرَ مِنْهُمْ صِنْفًا مِنَ الشَّبَابِ فَقَالَ: "وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللـهِ".

 

إنَّ الشابَّ الذي نَشَأَ في عبادةِ اللَّـهِ هو الذي نَمَى وكَبُرَ في عبادةِ اللَّـهِ، واستمرَّ على ذلك حتى توفَّاه اللَّـهُ، وسواءٌ في ذلك الذَّكَرُ والأنثى، وليس من شَرْطِ نَشْأَةِ الشابِّ في عبادةِ اللَّـهِ ألَّا يقعَ منه ذنبٌ، فمَن ذا الذي يسلمُ من الذنوبِ؟! وإنَّما المَقصودُ أنه مُشْتَغِلٌ بعبادةِ اللَّـهِ، فإذا أذنب تاب وأناب، ولم يكن ذلك الذنبُ مُفْضِياً إلى قُنُوطِه من رحمةِ العزيزِ الوهَّابِ.

 

عباد الله: إنَّ الإنْسَانَ فِي شبَابِهِ أقْدَرُ عَلَى العَمَلِ مِنْهُ فِي شَيْخُوخَتِهِ؛ لِذلِكَ جَاءَ فِي سُنَّةِ رَسُولِنَا -صلى الله عليه وسلم- التَوجِيهُ وَالإِرشَادُ إِلَى اغْتِنَامِ فَتْرَةِ الشَّبَابِ فَقَالَ-صلى الله عليه وسلم-: "اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْـلَ خَمْسٍ: -وَذَكَرَ مِنْهَا- شَبَابَكَ قَبْـلَ هَرَمِكَ".

 

ولأهميةِ مرحلةِ الشبابِ فقد جَعَلَ اللـهُ لهذهِ الِمَرْحَلَةِ سُؤَالاً خَاصًّا يَسْأَلُهُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "لا تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ..".

 

إنَّ الشَّبَابَ فِي كُلِّ أُمَّةٍ هُمْ عِمَادُ مَجْدِهَا، وَأَسَاسُ نَهْضَتِهَا، وَمَعقِدُ آمَالِهَا، تَقْوَى بِقُوَّتِهِمْ، وَتَضْعُفُ بِضَعْفِهِمْ، فَالشَّبَابُ عِمَادُ الأُمَّةِ، بِهِمْ تَصُولُ وَتَجُولُ، وَعَلَى سَوَاعِدِهِمْ يَتِمُّ البُنْيَانُ، وَبأيْدِيهِمْ تَتَحَقَقُّ الآمَالُ، وَإِذَا أَرَادَ اللـهُ بِأُمَّةٍ خَيْرًا هَيَّأَ لَهَا مِنَ الشَّبَابِ عَنَاصِرَ عَامِلَةً مُخْلِصَةً مُؤْثِرَةً، تُؤْثِرُ مَصْـلَحَةَ الأُمَّةِ عَلَى مَصَالِحِهَا الشَّخْصِيَّةِ، شَبَابًا مَلِيئَةً بِالإِيْمَانِ قُلُوبُهُمْ، سَبَّاقينَ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ وَفَضِيلَةٍ، مُبْـتَعِدينَ عَنْ كُلِّ شَرٍّ وَرَذِيلَةٍ، يَعْـلَمُونَ حَقَّ اللـهِ فَيُؤدُّونَهُ، وَيَعْرِفُونَ حَدَّ اللـهِ فَيَلْتَزِمُونَهُ؛ (أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)[الحجرات: 3].

 

شبابَ الأمة: إنَّ الإيمَانَ حِينَ يَعْمُرُ قُلُوبَ الشَّبَابِ يَجْعَلُهُمْ قُوَّةً فَعَّالَةً تَفْعَلُ كُلَّ مَا هُوَ خَيْرٌ، وَتَقُولُ كُلَّ مَا هُوَ رُشْدٌ، وَتَتَوَجَّهُ إلَى أبْوَابِ المَعْرُوفِ وَالبِرِّ، يُعِزُّونَ أمَّتَهُمْ، وَيَرْفَعُونَ شَأْنَ مُجْـتَمَعِهِمْ، وَيَنْهَضُونَ بِهِ، وَيَكُونُونَ نَمَاذِجَ طَيِّبَةً فِي أُسَرِهِمْ، وَأُسْوَةً حَسَنَةً لأمْـثَالِهِمْ مِنَ الشَّبَابِ، بِهِمْ تَطْهُرُ الأَرْضُ مِنَ الرِّجْسِ وَالفَسَادِ، وَبِهِمْ تَسْطَعُ أنْوارُ اليَقِينِ، فهَذَا إِبْرَاهِيمُ -عَلَيْهِ السَّلامُ-، يَقِفُ أَمَامَ قَوْمِهِ مُفَنِّدًا بَاطِلَهُمْ بِالْـحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ، فخالفَ قومَه وأنكرَ عليهم ما هم فيه من الكفرِ باللـهِ الواحدِ الديانِ؛ (قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)[الأنبياء: 60]، قالَ ابنُ عباسٍ: "ما بعثَ اللـهُ نبياً إلا شاباً".

 

ومن ذلكَ: كذلكَ ما ذكرَه اللـهُ عن أصحابِ الكَهْفِ الَّذِينَ جَعَلَهُمْ اللـهُ نَمُوذَجًا يُحْـتَذَى بِهِ فِي قُوَّةِ الإيمَانِ؛ (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى)[الكهف: 13]، هَذَا فِي جَانِبِ الإيمَانِ الحَقِّ وَاليَقِينِ الرَّاسِخِ.

 

وَذَكَرَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- مِثَالاً رَائِعًا فِي مَجَالِ صُنْعِ المَعْرُوفِ وَإعَانَةِ العَجَزَةِ وَالضُّـعَفَاءِ، وَهُوَ مُوسَى -عَلَيْهِ السَّلامُ- حِينَ سَقَى لابْنَتَيْ العبدِ الصالحِ، فكَانَتِ الثَّمَرَةُ الطَّيِّبَةُ وَالثَّنَاءُ العَطِرُ (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)[القصص: 26].

 

وَذَكَرَ لَنَا رَبُّنَا -عَزَّ وَجَلَّ- نَمُوذَجًا لِلشَّابِ الصَّالِحِ حِينَ يَكُونُ رَبَّ أُسْرَةٍ يُوَجِّهُهَا إلَى الطَّاعَةِ وَالخَيْرِ، وَيَقُودُهَا بَعيْدًا عَنِ السُّوءِ وَالشَّرِّ؛ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)[مريم: 54 - 55].

 

وَهَكَذَا نَرَى نَمَاذِجَ فَرِيدَةً لِلشَّبَابِ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ فِي كُلِّ مَجَالٍ مِنْ مَجَالاتِ الحَيَاةِ، وَفِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبِ الأخْلاقِ والسُّـلُوكِ، وَقَدْ ذَكَرَ اللـهُ مِسْكَ خِتَامِهِمْ فِي شَخْصِ سيِّدِنا -صلى الله عليه وسلم-، حيثُ قالَ فيهِ القَولَ الجَامِعَ البَلِيغَ: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[القلم: 4].

 

عباد الله: لَقَدْ قَامَتْ دَعْوَةُ الإِسْلامِ فِي صَدْرِ تَأرِيخِ هَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى أَيْدِي الشَّبَابِ القَوِيَّةِ الفَتِيَّةِ، فقد أسلمَ الصديقُ وهو ابنُ سبعٍ وثلاثينَ سنةً، وعمرُ وهو ابنُ ستٍ وعشرينَ سنةً، وذي النورينِ وهو ابنُ العشرينَ سنةً، ومَا كَانَ أَصْحَابُ رَسِولِ اللـهِ إِلا شَبَابًا، مُكْتَهِلِينَ فِي شَبَابِهِمْ، غَضِيضَةً عَنِ الشَّرِّ أَعيُنُهُمْ، بَطِيئَةً عَنِ البَاطِلِ أَرْجُلُهُمْ، أَنْضَاءَ عِبَادَةٍ وَأَطْلاحَ سَهَرٍ، تَمَثَّلَتْ فِيهِمُ القِيَمُ، وَعَلَتْ بِهِمُ الهِمَمُ، فَغَدَوا قَادَةَ الأُمَمِ، وَمَصَابِيحَ الظُّلَمِ، ولقد اهتزَ عرشُ الرحمنِ لموتِ سعدِ بنِ معاذٍ وهو ابنُ ستٍ وثلاثينَ سنةً.

 

لقد كَانَ -صلى الله عليه وسلم- يَغْرِسُ فِي قُلُوبِ الشَّبَابِ الإِيمَانَ، وَيُرَبِّيهِمْ عَلَى العِلْمِ مَعَ العَمَلِ، وَيَتَعَاهَدُهُمْ عِنْدَ بُلُوغِهِمْ؛ لِأَنَّهُ سِنُّ التَّكْلِيفِ، وَكَأَنَّ هَذَا الفِعْلَ مِنْهُ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ عَامًّا مَعَ الشَّبَابِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّـهِ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ-أي-قاربوا البلوغَ- فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ؛ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا"(ابْنُ مَاجَهْ).

 

وعن أَنَسِ -رضي الله عنه-قال: "كَانَ شَبَابٌ مِنَ الأَنْصَارِ سَبْعِينَ رَجُلاً، يُقَالُ لَهُمُ: الْقُرَّاءَ، كَانُوا يَكُونُونَ في الْمَسْجِدِ، فَإِذَا أَمْسَوُا انْتَحَوْا نَاحِيَةً مِنَ الْـمَدِينَةِ فَيَتَدَارَسُونَ وَيُصَلُّونَ، يَحْسِبُ أَهْلُوهُمْ أَنَّهُمْ في الْـمَسْجِدِ، وَيَحْسِبُ أَهْلُ الْـمَسْجِدِ أَنَّهُمْ في أَهْلِيهِمْ، حَتَّى إِذَا كَانُوا فِي وَجْهِ الصُّبْحِ اسْتَعْذَبُوا مِنَ الْـمَاءِ، وَاحْتَطَبُوا مِنَ الْـحَطَبِ، فَجَاؤُوا بِهِ فَأَسْنَدُوهُ إِلَى حُجْرَةِ رَسُولِ اللَّـهِ -صلى الله عليه وسلم- فَبَعَثَهُمُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- جَمِيعًا، فَأُصِيبُوا يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ، فَدَعَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى قَتَلَتِهِمْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فِي صَلاَةِ الْغَدَاةِ"(أَحْمَدُ).

 

ألا فَاتَّقُوا اللـهَ -مَعْـشَرَ الشَّبَابِ- وَتَجَمَّـلُوا بِالأَخْلاقِ، وَتَزَيَّنُوا بِالعِلْمِ وَالعَمَلِ، وَتَفَاضَلُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ بِالتَّقْوَى، وَاستَمْسِكُوا بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى؛ يُؤْتِكُمُ اللـهُ -تَعَالَى- أُجُورَكُمْ، وَيُوصِلْكُمْ إِلَى مُبْـتَغَاكُمْ، وَيُحَقِّقْ أَهْدَافَكُمْ وَمَقَاصِدَكُمْ؛ (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 56].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، أَمَّا بَعْدُ:

 

فَيَا عِبَادَ اللـهِ: مرحلةُ الشَّبابِ هي القُوَّةُ والفُتوَّةُ في الإنسانِ، وهي مَظِنَّةُ التهَوُّرِ والانغماسِ في شَهَواتِ الحياةِ الدُّنيا، فإذا تَغلَّبَ الشابُّ على شَهَواتِه، وأطاعَ اللـهَ، وشغَلَ نَفْسَه بذلك؛ فهو دَليلٌ على قوَّةِ الإيمانِ، والاستِقامةِ على طريقِ الحقِّ؛ "إنَّ اللـهَ لَيَعجَبُ مِنَ الشابِّ ليست له صَبْوةٌ"(أحمدُ وغيرُه)؛ أي: لَيْسَ لَهُ مَيْلٌ إِلَى الهَوَى بِاعْتِيَادِهِ لِلْخَيْرِ، وَقُوَّةِ عَزِيمَتِهِ فِي البُعْدِ عَنِ الشَّرِّ، وَهَذَا عَزِيزٌ نَادِرٌ، فَلِذَلِكَ قُرِنَ بِالتَّعَجُّبِ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الغَرِيزَةَ تُنَازِعُ الشَّبَابَ، وَتَدْعُوهُمْ إِلَى الشَّهَوَاتِ، وَالشَّيْطَانُ يُزَيِّنُهَا لَهُمْ، فَعَدَمُ صُدُورِ الصَّبْوَةِ مِنَ الشَّابِّ هُوَ مِنَ العَجَبِ العُجَابِ، قال ابنُ رَجَبٍ: "فإنَّ الشبابَ شعبةٌ من الجُنُونِ، وهو داعٍ للنفسِ إلى استيفاءِ الغَرَضِ من شهواتِ الدُّنيا، ولَذَّاتِها المَحظورةِ، فمَن سَلِمَ منه فقد سَلِمَ".

 

عباد الله: إِنَّ مِنْ شَأْنِ مَرْحَلَةِ الشَّبَابِ أَنْ تَدْفَعَ صَاحِبَهَا دَفْعًا إِلَى الشَّغَفِ بِكُلِّ جَدِيدٍ، وَإِلَى مُحَاوَلَةِ التَّمَلُّصِ مِنْ كُلِّ قَدِيمٍ، دُونَ وَزْنِ الْـجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ بِالْمِيزَانِ الْقِسْطِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ يَنْبَغِي لِلْمُرَبِّينَ أَنْ يُوَسِّعُوا صُدُورَهُمْ لآرَاءِ الشَّبَابِ، فَيَجْلِسُوا إِلَيْهِمْ وَيَسْمَعُوا مِنْهُمْ، فَتُوزَنَ آرَاؤُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ بِمَوَازِينِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ، وَأَنْ نَضَعَ الدَّوَاءَ النَّاجِعَ لِبَعْضِهَا، وَنُوَجِّهَ مَا يَصْلُحُ مِنْهَا التَّوْجِيهَ الأَرْشَدَ، كَمَا فَعَلَ -صلى الله عليه وسلم- عِنْدَمَا جَاءَهُ شَابٌّ فَقَالَ لَهُ: يا رَسُولَ اللـهِ، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا!، فَقَالَ لَهُ -صلى الله عليه وسلم-: "اُدْنُ"، فَدَنَا فَقَال لَهُ: "أَفَتَرْضَاهُ لأُمِّكَ؟"، قَالَ: لا، يَا رَسُولَ اللـهِ، جَعَلَنِي اللَـهُ فِدَاكَ، قَالَ: "وَلا النَّاسُ يَرْضَوْنَهُ لأُمَّهَاتِهِمْأَوَ تَرْضَاهُ لأُخْتِكَ؟ قَالَ: لا، يَا رَسُولَ اللـهِ، قَالَ: "وَلا النَّاسُ يَرْضَوْنَهُ لأَخَوَاتِهِمْ"، قَالَ: "أَوَ تَرْضَاهُ لِخَالَتِكَ؟"، قَالَ: لا يَا رَسُولَ اللـهِ، قَالَ: "وَلا النَّاسُ يَرْضَوْنَهُ لِخالاتِهِمْ"، قَالَ: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ، وَحَصِّنْ فَرْجَهُ"، قَالَ: فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ"(أَحْمَدُ).

 

فَأَوْلُوا مَرْحَلَةَ الشَّبَابِ عِنَايَتَكُمْ، وَاتَّقُوا اللـهَ -تَعَالَى- فِيهِمْ، أَدِّبُوهُمْ أَحْسَنَ تَأْدِيبٍ، وَرَبُّوهُمْ عَلَى الإِيمَانِ وَالقُرْآنِ، وَازْرَعُوا فِيهِمْ مَكَارِمَ الأَخْلاقِ وتذكروا: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life