عناصر الخطبة
1/ الواقع المأسوي لأمة الإسلام 2/ سبب الواقع المأسوي التي تمر به أمة الإسلام 3/ وسائل علاج الواقع المأسوي لأمة الإسلاماقتباس
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ المأساةَ التي يعيشُها المسلمونَ اليومَ في هذهِ البلدةِ هيَ: بسببِ إعراضِها عن الله -تعالى-, وبسببِ كُفرانِ النِّعمَةِ, وهذا هوَ قَرارُ الله -تعالى- في كتابِهِ العظيمِ، وإذا عَرَفَ الإنسانُ سَبَبَ الدَّاءِ قَطَعَ نِصفَ الطَّريقِ في العِلاجِ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فيا عباد الله: ونحنُ نعيشُ هذا الواقعَ المريرَ المؤلمَ, الذي أدمى القلبَ بعدَ العينِ, والكلُّ ينظُرُ لعلاجِ هذا الواقعِ, والكلُّ يطرحُ حلَّاً من خلالِ مِنظارِهِ, والإنسانُ المؤمنُ هوَ الذي يطرحُ الحلَّ لحلِّ هذهِ الأزمةِ, وذلك من خلالِ نَظَرِهِ في كتابِ الله -عزَّ وجلَّ-, حيثُ من خلالِهِ يَعرِفُ السَّبَبَ, ثمَّ يَعرِفُ العِلاجَ.
أيُّها الإخوة الكرام: سَبَبُ هذا الواقعِ المريرِ الذي تمُرُّ به هذهِ الأمَّةُ في هذهِ البلدةِ المباركةِ هوَ: الإعراضُ عن ذِكرِ الله -تعالى-, والمقصودُ بذِكرِ الله -تعالى- هوَ القرآنُ العظيمُ؛ لأنَّ اللهَ -تبارك وتعالى- يقولُ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9].
والنَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- تَرَكَنا على المَحَجَّةِ البيضاءِ, لا يَزيغُ عنها إلا هالِكٌ, فمن جملةِ ما قالَهُ لنا سيِّدُنا رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- قولُ الله -تعالى-: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا)[طـه: 124].
هذا في الحياةِ الدُّنيا, فإن أقبَلَ بعدَ إعراضٍ جَعَلَ اللهُ -تعالى- حياتَهُ طَيِّبَةً, قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)[النحل: 97].
وهذا في الحياةِ الدُّنيا, فإن ماتَ على الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِحِ يُكمِلُ اللهُ -تعالى- له الجزاءَ في الآخرةِ, قال تعالى: (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)[النحل: 97].
أمَّا إذا أصرَّ العبدُ على الإعراضِ عن ذِكرِ الله -تعالى-, فإنَّ اللهَ -تعالى- يحشُرُهُ أعمى يومَ القيامةِ بعدَ حياةِ الضَّنكِ في الدُّنيا, فإن سَألَ لماذا حُشِرَ أعمى؟ يأتيهِ الجوابُ: (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى)[طـه: 126].
أيُّها الإخوة الكرام: الجزاءُ من جِنسِ العَمَلِ, من شَكَرَ نِعَمَ الله -تعالى- زادَهُ اللهُ منها, ومن كَفَرَ بِنِعَمِ الله -تعالى- عَرَّضَها للزَّوالِ, قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)[إبراهيم: 7].
وقال تعالى: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ)[النحل: 112].
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ المأساةَ التي يعيشُها المسلمونَ اليومَ في هذهِ البلدةِ هيَ: بسببِ إعراضِها عن الله -تعالى-, وبسببِ كُفرانِ النِّعمَةِ, وهذا هوَ قَرارُ الله -تعالى- في كتابِهِ العظيمِ, وإذا عَرَفَ الإنسانُ سَبَبَ الدَّاءِ قَطَعَ نِصفَ الطَّريقِ في العِلاجِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لو سَألَ الإنسانُ نفسَهُ: ما هوَ سَبَبُ إعراضِهِ عن ذِكرِ الله -تعالى-؟ وكانَ مُنصِفاً, لكانَ جوابُهُ: هوَ نِسيانُهُ يومَ العَرضِ, فمن نَسِيَ يومَ العَرضِ أعرَضَ عن ذِكرِ الله -تعالى-, ومن استَحضَرَ يومَ العَرضِ على الله -تعالى- فلن يُعرِضَ عن ذِكرِ الله -تعالى-, ومن أيقنَ العَرضَ أعرَضَ عن الإعراضِ.
أيُّها الإخوة الكرام: لقد ذكَّرَنا اللهُ -تعالى- بيومِ العَرضِ في كثيرٍ من الآياتِ الكريماتِ, من جملةِ ذلكَ: قولُهُ تعالى: (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً)[الكهف: 48 - 49].
لا في الدُّنيا ولا في الآخرةِ, وصَدَقَ اللهُ -تعالى- القائلُ: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ)[العنكبوت: 40].
وذكَّرَنا اللهُ -تبارك وتعالى- بيومِ العَرضِ, ونتيجةِ هذا العَرضِ، قال تعالى: (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيه * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاَقٍ حِسَابِيه * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَة * فِي جَنَّةٍ عَالِيَة * قُطُوفُهَا دَانِيَة * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَة * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيه * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيه * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَة * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيه * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيه * خُذُوهُ فَغُلُّوه * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوه * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ)[الحاقة: 18 - 32].
ومِمَّا لا شكَّ فيه بأنَّ الإنسانَ يعلمُ في هذهِ الحياةِ الدُّنيا قبلَ الآخرةِ بأنَّهُ من أيِّ الفَريقَينِ سَيكونُ يومَ القيامةِ, فمن كانَ يستطيعُ في الحياةِ الدُّنيا أن يُعلِنَ سَريرَتَهُ أمامَ النَّاسِ حيثُ إنَّها مُوافِقَةٌ لكتابِ الله -تعالى- وسُنَّةِ رسولِهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, وكانَ سُلوكُهُ مُوافِقاً للشَّرعِ الذي جاءَ به سيِّدُنا محمَّدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, فهذا العبدُ سيقولُ إن شاءَ اللهُ -تعالى-: (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ)[الحاقة: 19].
وأمَّا إذا كانَ على العكسِ من ذلكَ فأمرُهُ إلى الله -تعالى-, إن شاءَ سَتَرَهُ وعفا عنهُ, وإن شاءَ فَضَحَهُ وعذَّبَهُ -والعياذُ باللهِ تعالى-.
أيُّها الإخوة الكرام: من أيقنَ العَرضَ صَعُبَ عليه الإعراضُ, ومن نَسِيَ العَرضَ هانَ عليه الإعراضُ, هؤلاءِ أصحابُ سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ- أيقَنوا بيومِ العَرضِ على الله -تعالى-, لذلكَ صَعُبَ عليهِمُ الإعراضُ، فإن وَقَعَ أحدٌ في مُخالفةٍ شرعيَّةٍ أسرعَ إلى سيِّدِنا رسولِ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ-, وقالَ: يا رسولَ الله, طَهِّرني, وتقولُ المرأةُ: يا رسولَ الله, طَهِّرني, ولا ترُدَّني كما رددتَّ ماعِزاً.
أمَّا اليومَ فقد نَسِيَ الكثيرُ يومَ العَرضِ على الله -تعالى-, فهانَ عليهِمُ الإعراضُ عن الله -تعالى-, اللهُ -عزَّ وجلَّ- يُناديهِم بقولِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[البقرة: 278].
فَيُصِرُّونَ على أكلِ الرِّبا, يُناديهِم بقولِهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ)[النساء: 29].
فَيُصِرُّونَ على أكلِ الأموالِ بالباطِلِ, يُناديهِم بقولِهِ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا)[الحجرات: 12].
فَيُصِرُّونَ على مُخالفةِ هذا الأمرِ, يُناديهِم بقولِهِ تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ)[النساء: 29].
وقد بيَّنَ لهم جزاءَ قَتْلِ العَمْدِ بغيرِ حقٍّ بقولِهِ تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[النساء: 93] فَيُصِرُّونَ على القَتْلِ.
أيُّها الإخوة الكرام: إنَّ نِسيانَ يومِ العَرضِ جريمةٌ كُبرى تدفعُ العبدَ لارتِكابِ الجرائِمِ, فالسَّعيدُ من استَحضَرَ يومَ العَرضِ على الله -تعالى-.
يا عباد الله: من أيقنَ الموتَ كانَ حريصاً على عَدَمِ فَواتِ الطَّاعاتِ, وكانَ حريصاً على عَدَمِ الوُقوعِ في المخالفاتِ, وهذا ما ذكَّرت به امرأةٌ سيَّدَنا عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ-, جاء في الشفاء لابن الجوزي: "خَرَجَ عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- يوماً إلى السُّوقِ ومَعَهُ الجارودُ، فإذا امرأةٌ عَجوزٌ فَسَلَّمَ عليها عُمَرُ، فَرَدَّت عليه، وقالت: هيه يا عُمَير! عَهِدتُكَ وأنت تُسَمَّى عُمَيراً في سُوقِ عُكاظ، تُصارِعُ الصِّبيانَ فلم تَذهبِ الأيَّامُ حتَّى سَمِعتُ عُمَرَ، ثمَّ قليلٍ سَمِعتُ أميرَ المؤمنينَ, فاتَّقِ اللهَ في الرَّعِيَّةِ, واعلم أنَّهُ من خافَ الموتَ خَشِيَ الفوتَ؟ فَبَكَى عُمَرُ, فقالَ الجارودُ: لقدِ اجتَرَأتِ على أميرِ المؤمنينَ وأبكَيتِهِ, فأشارَ إليه عُمَرُ أنْ دَعْهَا, فلمَّا فَرَغَ قال: أمَا تعرِفُ هذهِ؟ قال: لا, قال: هذهِ خولةُ ابنةُ حكيم, التي سَمِعَ اللهُ قولَها، فَعُمَرُ أحرى أن يَسمَعَ كَلامَهَا, أشارَ إلى قوله تعالى: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا)[المجادلة: 1].
أيُّها الإخوة الكرام: واقِعُنا المريرُ سَبَبُهُ الإعراضُ عن ذِكرِ الله -تعالى-, وسَبَبُ الإعراضِ نِسيانُ يومِ العَرضِ, وإذا كُنَّا صادِقينَ في طَلَبِ كَشْفِ هذهِ الغُمَّةِ وهذا الكربِ فعلينا باستِحضارِ يومِ العَرضِ عسى أن يدفَعَنا لِنَبذِ هذا الإعراضِ, وصَدَقَ اللهُ -تعالى- القائلُ: (وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا)[الإسراء: 8].
اللَّهُمَّ رُدَّنا إليكَ ردَّاً جميلاً يا أرحمَ الرَّاحمينَ، آمين.
أقول هذا القول, وأستغفر الله لي ولكم, فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
التعليقات