عناصر الخطبة
1/أعظم الاستهزاء وأشنعه 2/من صور كفاية الله تعالى لنبيه وحمايته من كائديه 3/قصة وعِبَرة 4/ فضل رسول الله على العالمين 5/من نهايات المتطاولين على الجناب النبوي الكريم.

اقتباس

إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الاِسْتِهْزَاءِ: الاِسْتِهْزَاء بِالرَّسُولِ الكَرِيمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فَهُوَ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ، وَالنِّعْمَةُ المُسْدَاةُ، وَالرَّحْمَةُ لِلْعَالَمِينَ، وَرَسُولُ المَوْلَى -جَلَّ جَلَالُهُ- إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَمَنْ سَبَّهُ أَوِ انْتَقَصَ مِنْهُ أَوْ عَادَاهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ المِلَّةِ، وَآذَنَ نَفْسَهُ بِالهَلَاكِ،...

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ للهِ الذِي أَنْقَذَنَا بِنُورِ العِلْمِ مِنْ ظُلُمَاتِ الجَهَالَةِ، الحَمْدُ للهِ الذِيْ أَنْقَذَنَا بِنُورِ الوَحْيِ مِنَ السُّقُوطِ فِي دَرَكِ الضَلَالَةِ، الحَمْدُ للهِ الذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ إِرْشَادَاً لَنَا وَدَلَالَةً.

 

لَكَ الحَمْدُ يَا ذَا الجُودِ وَالمَجْدِ وَالعُلَا *** تَبَارَكتَ تُعْطِي مَنْ تَشَاءُ وَتَمْنَعُ

إِلَهِي وَخَلَّاقِي وَحِرْزِي وَمَوْئِلِي *** إِلَيكَ لَدَى الإِعْسَارِ وَاليُسْرِ أَفْزَعُ

إِلَهِيْ لَئِنْ جَلَّتْ وَجَمَّتْ خَطِيئَتِي *** فَعَفْوُكَ عَنْ ذَنْبِي أَجَلُّ وَأَوْسَعُ

 

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا الله ُوَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

اللهُ زَادَ مُحَمَّدًا تَكْرِيمًا *** وَحَبَاهُ فَضْلاً مِنْ لَدُنْهُ عَظِيمًا

وَاِخْتَصَّهُ فِي المُرْسَلِينَ كَرِيمًا *** ذَا رَأْفَةٍ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا

يَا أَيُّهَا الرَّاجُونَ مِنْهُ شَفَاعَةً *** صَلُّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

فاللهُمَ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَيهِ وَعَلَى آَلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَعَلَى أَصْحَابِهِ الغُرِّ المَيَامِينَ وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى دَرْبِهِ وَاسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَومِ الدِّينِ..

 

أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102].

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مِنْ مَسَاوِئِ الأَخْلَاقِ الاِسْتِهْزَاءَ بِمَنْ حَقُّهُ التَّقْدِيرُ، وَتَنَقُّصُ مَنْ حَقُّهُ الإِكْرَامُ، وَالنَّاسُ تَعُدُّ المُسْتَهْزِئَ مَذْمُوماً مَلُوماً مُحْتَقَراً مُهَاناً، فَالنَّاسُ لَا تَرْضَى أَنْ يَسْتَهْزِئَ بِهَا أَحَدٌ أَوْ أَنْ يَذُمَّهَا، وَكِرَامُ النَّاسِ تَأْنَفُ مِنْ أَنْ تَسْتَهْزِئَ بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ.

 

أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الاِسْتِهْزَاءِ: الاِسْتِهْزَاء بِالرَّسُولِ الكَرِيمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، فَهُوَ الرَّحْمَةُ المُهْدَاةُ، وَالنِّعْمَةُ المُسْدَاةُ، وَالرَّحْمَةُ لِلْعَالَمِينَ، وَرَسُولُ المَوْلَى -جَلَّ جَلَالُهُ- إِلَى النَّاسِ أَجْمَعِينَ، فَمَنْ سَبَّهُ أَوِ انْتَقَصَ مِنْهُ أَوْ عَادَاهُ فَقَدْ خَرَجَ مِنَ المِلَّةِ، وَآذَنَ نَفْسَهُ بِالهَلَاكِ، رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- فِي تَفْسِيرِهِ لِقَولِ اللهِ -تَعَالَى-: (إِنَّا كَفَينَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ)[الحجر:95]؛ قَالَ: "المُسْتَهْزِئُونَ: الوَلِيدُ بنُ المُغِيرَةِ، وَالأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ يَغُوثَ، وَالأَسْوَدُ بنُ المُطَّلِبِ، وَالحَارِثُ بنُ غَيطَلَةَ السَّهْمِيُّ، وَالعَاصِي بنُ وَائِلٍ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَشَكَاهُمْ إِلَيهِ بَعْدَمَا نَالَهُ مِنْهُمْ أَذىً عَظِيمٌ، فَقَالَ: أَرِنِي إِيَّاهُمْ، فَأَرَاهُ إِيَّاهُمْ، وَجِبْرِيلُ يُشِيرُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي مَوْضِعٍ مِنْ جَسَدِهِ، وَيَقُولُ: كَفَيتُكَهُ، وَالنَّبِيُّ يَقُولُ: "مَا صَنَعْتَ شَيئًا"، فَمَا هِي إِلاَّ أَيَّامٌ حَتَّى مَرَّ الوَلِيدُ بِرَجُلٍ مِنْ خُزَاعَةَ وَهُوَ يَرِيشُ نَبْلاً، فَأَصَابَ أَبْجَلَهُ فَقَطَعَهَا، وَأَمَّا الأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَنَزَلَ تَحْتَ سَمُرَةٍ، فَجَعَلَ يَقُولُ: يَا بُنَيَّ، أَلاَ تَدْفَعُونَ عَنِّي؟! قَدْ هَلَكْتُ وَطُعِنْتُ بِالشَّوْكِ فِي عَينَيَّ، فَجَعَلُوا يَقُولُونَ: مَا نَرَى شَيئًا، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى عَمِيَتْ عَينَاهُ، وَأَمَّا الأَسْوَدُ بنُ عَبْدِ يَغُوثٍ، فَخَرَجَ فِي رَأْسِهِ قُرُوحٌ فَمَاتَ مِنْهَا، وَأَمَّا الحَارِثُ فَأَخَذَهُ المَاءُ الأَصْفَرُ فِي بَطْنِهِ حَتَّى خَرَجَ خَرْؤُهُ مِنْ فِيهِ، فَمَاتَ مِنْهُ، وَأَمَّا العَاصِي فَرَكِبَ إِلَى الطَّائِفِ، فَرَبَضَ عَلَى شِبْرِقَةٍ، فَدَخَلَ مِنْ أَخْمَصِ قَدِمِهِ شَوْكَةٌ، فَقَتَلَتْهُ".

 

وَهَا هُوَ كِسْرَى حَاكِمُ امْبرَاطُورِيَةِ الفُرْسِ العُظْمَى فِي وَقْتِهِ، يُمزِّقُ كِتَابَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَيَسْخَرُ مِنْهُ وَمِنْ رَسُولِهِ، فَيَدْعُو عَلَيهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُمَزِّقَ اللهُ مُلْكَهُ، فَمَا لَبِثَ إِلَا وَقْتاً يَسِيرًا حَتَّى مُزِّقَ مُلكُهُ، وقُتِلَ عَلَى يَدِ وَلَدِهِ أَقْرَبِ النَّاسِ إِلَيهِ.

 

وَرَوَى البُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا، فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللهُ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ؛ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ؛ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيسَ مِنَ النَّاسِ، فَأَلْقَوْهُ".

 

حَدَّثَ ابْنُ حَجَرٍ -رَحِمَهُ اللهُ- فَقَالَ: "كَانَ النَّصَارَى يَنْشُرُونَ دُعَاتَهُمْ بَيْنَ قَبَائِلِ المَغُولِ طَمَعَاً فِي تَنْصِيرِهِم، وَقَدْ مَهَّدَ لَهُمْ الطَّاغِيَةُ هُولَاكُو سَبيِلَ الدَّعوةِ بِسبَبِ زَوْجَتِهِ الصَّلِيبِيَةِ ظَفر خَاتُون، وَذَاتَ مَرَّةٍ تَوَجَّهَ جَمَاعَةٌ مِنْ كِبَارِ النَّصَارَى لِحُضُورِ حَفْلٍ مَغُولِيٍّ كَبِيرٍ، عُقِدَ بِسَبَبِ تَنَصُّرِ أَحَدِ أُمَرَاءِ المَغُولِ، فَأَخَذَ وَاحِدٌ مِنْ دُعَاةِ النَّصَارَى فِي شَتْمِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ هُنَاكَ كَلْبُ صَيدٍ مَرْبُوط، فَلَمَّا بَدَأَ هذَا الصَلِيبيُّ الحَاقِدُ فِي سَبِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- زَمْجَرَ الكَلْبُ وَهَاجَ، ثُمَّ وَثَبَ عَلَى الصَّلِيبِي وَخَمَشَهُ بِشِدَّةٍ، فَخَلَّصُوهُ مِنْهُ بَعْدَ جَهْدٍ، فَقَالَ بَعْضُ الحَاضِرِينَ: هَذَا بِكَلَامِكَ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ -عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، فَقَالَ الصَّلِيبِيُّ: كَلَّا؛ بَلْ هَذَا الكَلْبُ عَزِيزُ نَفْسٍ؛ رَآنيِ أُشِيرُ بِيَدِي، فَظَنَّ أَنِّي أُرِيدُ ضَرْبَهُ، ثُمَّ عَادَ لِسَبِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- وَأَقْذَعَ فِي السَّبِّ، عِنْدَهَا قَطَعَ الكَلْبُ رِبَاطَهُ وَوَثَبَ عَلَى عُنُقِ الصَّلِيبيِّ وَقَلَعَ زَوْرَهُ فِي الحَالِ فَمَاتَ الصَّلِيبيُّ مِنْ فَوْرِهِ، فَعِنْدَهَا أَسْلَمَ نَحوَ أَرْبَعِينَ أَلْفَاً مِنَ المَغُولِ".

 

تَأَمَّلْ!! كَلْبٌ يُدَافِعُ عَنْ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَيَغَارُ مِنْ أَنْ يُنْتَقَصَ أَمَامَهُ، وَقَارِنْهُ بِحَالِ بَعْضِ مَنْ يُهَوِّنُ مِنَ المَوْضُوعِ، وَيَطْلُبُ عَدَمَ تَضْخِيمِ الأُمُورِ، (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)[الفرقان:44].

 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالقُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيمِ، قَدْ قُلْتُ مَا سَمِعْتُمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُم إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَه إِلَّا اللهُ رَبُّ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ وَقَيَّومُ السَّمَاوَات وَالأَرَضِين، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى الْمَبْعُوثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِين، وَعَلَى مَنْ سَارَ عَلَى هَدْيِهِ وَاقْتَفَى أَثَرَهُ إِلَى يَوْمِ الدِّين.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَرَاقِبُوهُ فِيْ السِّرِّ وَالَّنَجْوَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَنَا عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: فَضْلُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الأُمَّةِ كُلِّهَا، فَهُوَ السَّبَبُ فِي هِدَايَتِهَا لِلْحَقِّ، وَالسَّبَبُ فِي اجْتِمَاعِهَا وَاِئْتِلَافِهَا عَلَى دِينٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ أُوذِيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِي سَبِيلِ ذَلِكَ أَذًى شَدِيدًا، وَكُلُّ ذَلِكَ مَحَبَّةً لِأُمَّتِهِ، وَكَانَ يُنَادِي رَبَّهُ -جَلَّ وَعَلَا- وَيَقُولُ: يَا رَبِّ؛ أُمَّتِي.. أُمَّتِي، وَمِنْ حَقِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- عَلَينَا نُصْرَتُهُ وَالذَّبُّ عَنْهُ وَالدِّفَاعُ عَنْهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ)[المجادلة:5].

 

حَكَوا أَنَّ أَحَدَ خُطَبَاءِ مِصْرَ، كَانَ فَصِيحَاً مُتَكَلِّمَاً مُقْتَدِراً, وَأَرَادَ هَذَا الخَطِيبُ أَنْ يَمْدَحَ أَحَدَ أُمَرَاءَ مِصْرَ عِنْدَمَا أَكْرَمَ طَهَ حُسَين، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: "جَاءَهُ الأَعْمَى، فَمَا عَبَسَ بِوَجْهِهِ وَمَا تَوَلَّى", فَمَا كَانَ مِنَ الشَّيْخِ مُحَمَّد شَاكِر - وَالِدِ الشَّيخِ أَحْمَد شَاكِر - إِلَّا أَنْ قَامَ بَعْدَ الصَّلَاةِ يُعْلِنُ للِنَّاسِ أَنَّ صَلَاتَهُمْ بَاطِلَة، وَعَلَيهِمْ إِعَادَتُهَا لِأَنَّ الخَطَيِبَ كَفَرَ بِمَا شَتَمَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-.

 

يَقُولُ أَحْمَدُ شَاكِر -رَحِمَهُ اللهُ-: "وَلَكِنَّ اللهَ لَمْ يَدَعْ لِهَذَا المُجْرِمِ جُرْمَهُ فِي الدُّنْيَا قَبْلَ أَنْ يَجْزِيَهُ جَزَاءَهُ فِي الأُخْرَى، فَأُقْسِمُ بِاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُ بِعَيْنَيْ رَأْسِي بَعْدَ بِضْعِ سِنِين، وَبَعْدَ أَنْ كَانَ عَالِياً مُنْتَفِخَاً، مُسْتَعِزّاً بِمَنْ لَاذَ بِهِمْ مِنَ العُظَمَاءِ وَالكُبَرَاءِ؛ رَأَيْتُهُ مَهِيناً ذَلِيلاً، خَادِمَاً عَلَى بَابِ مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ القَاهِرَةِ، يَتَلَقَى نِعَالَ المُصَلِّيَن يَحْفَظُهَا فِي ذِلَّةٍ وَصَغَارٍ، حَتَّى لَقَدْ خَجِلْتُ أَنْ يَرَانِي، وَأَنَا أَعْرِفُهُ وَهُوَ يَعْرِفُنِي، لَا شَفَقَةً عَلَيهِ، فَمَا كَانَ مَوْضِعَاً للِشَفَقَةِ، وَلَا شَمَاتَةً فِيهِ؛ فَالرَّجُلُ النَّبِيلُ يَسْمُو عَلَى الشَّمَاتَةِ، وَلَكِنْ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ عِبْرَةٍ وَعِظَةٍ".

 

هَذَا الذِي نَجْنِيهِ مِنْ حُرِّيةٍ *** قَالَتْ لِكُلِّ مُعَاندٍ حَياكا

قَالُوا لِمَنْ سَبَّ الزَعِيمَ مُنَافِقٌ *** وَلِمِنْ رَمَى المُخْتَارَ أَنْتَ وَذَاكَا

لَا خَيْرَ فِينَا إِنْ سُلِبنا غَيْرةً *** وَقَضَى عَلَينَا مَاكِرٌ قدْ حَاكَا

يا أمتي قومي لنُصرةِ سيّدٍ *** هيَّا أزيلي السُّمَّ والأشوَاكا

هذا أوانٌ لامتحانٍ قَدْ نَرى *** مَنْ قَدْ بكى فِيهِ ومنْ يتباكا

إنْ لَمْ يقم فينا حُمَاةُ محمَّدٍ *** فلسَوْفَ نلقى في الغداةِ هلاكا

يا ربُ أكرمنا بنصرةِ أحمَدٍ *** وادْحَرْ دعِيَّا قدْ أرادَ حِماكا

 

يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَكْثِرُوا مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- فِيْ كُلِّ وَقْتٍ وَحِيْنٍ، وَأَكْثِرُوا مِنْهَ فِي هَذَا اليَومِ الجُمُعَةِ، فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ وَالبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات
سابّ-النبي.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life