عناصر الخطبة
1/ صراع الحق والباطل مستمر 2/انتشار الإسلام وزهوق الكفر 3/مظاهر انتشار التوحيد والسنة 4/مظاهر انحسار الشرك والبدعة 5/الباطل لا يندفع إلا بالحق 6/الحق منصور والباطل مدحوراقتباس
يجب علينا جميعاً أن نفهم أن الباطل لا يندفع إلا بالحق، فالجاهلية لا تموت وتزهق إلا بالإسلام، والشرك لا يزول ويذهب إلا بالتوحيد، والبدعة لا تختفي وتنحسر إلا بانتشار السنة وأهلها، والمعصية لا تتلاشى وتقل إلا بانتشار الطاعة وسبل الخير، فلنسأل أنفسنا ماذا قدمنا من أجل دحر الباطل وانتشار الحق...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة ونشر الديانة ونصح لهذه الأمة، وكشف الله به الغمة وجاهد في الله حق جهاده، حتى تركنا على المحاجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جزى نبياً عن أمته، وداعياً عن دعوته، وارض اللهم عن آله الطهر الميامين، وعن صحبه الغر المحجلين، وارض اللهم عنا معهم برحمة منك يا أرحم الراحمين.
أما بعد:
عباد الله: إن الصراع بين الحق والباطل موجود منذ أن خلق الله البشرية وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولا يمكن أبداً أن يتوقف لحظة واحدة، لأن الحق والباطل لا يمكن أبداً أن يجتمعان، فالمعركة بينهما مستمرة إلى قيام الساعة، فمرة يغلب الحق الباطل وينتصر عليه، ومرة يغلب الباطل الحق، خاصة إذا توانى أهل الحق وقصروا عن نصرته، فإن الباطل ينتفش ويعلوا ويزمجر فترة من الزمن، وساعة من نهار، ولكنه إذا رأى نور الحق قد ظهر، وشمس الحقيقة قد أشرقت، فر مسرعاً كأنه حمار رأى أسداً مفترساً قد أقبل عليه، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء : 81].
لقد أعلن الله -جل جلاله- في هذه الآية العظيمة عن مجيء الحق وظهور سلطانه وإقباله بقوته وصدقه وثباته، فلما جاء الحق وأقبل اندحر الباطل وانزهق وولى هارباً، لأن الحق من طبيعته أن يحيا ويثبت, والباطل من طبيعة أن يتوارى ويزهق عندما يرى الحق، فالباطل ينتفخ وينتفش لأنه باطل لا يطمئن إلى حقيقة ولا يستمد وجوده من أصل يقوم عليه، فمهما علا وارتفع فإنه سرعان ما يتهاوى ويقع، لأنه لا يحمل عناصر البقاء في ذاته, وإنما يستمد حياته الموقوتة من عوامل خارجية وإمدادات غير طبيعية، فإذا تخلخلت تلك العوامل, ووهنت تلك الإمدادات تهاوى وانهار، بخلاف الحق فإنه يستمد عناصر بقائه من أصله، ويأخذ سر وجوده من ذاته، ويكفل لنفسه البقاء والثبات لأنه من منزل من عند الله "الحق"، الذي جعل الحق اسماً من أسمائه الحسنى وصفاته العلى، فهو الحي الباقي الذي لا يزول -جل جلاله وعز كماله-.
ومادام الأمر كذلك فيجب عليك -أيها المسلم- أن تبحث دائماً عن الحق، وتكون دائماً مع أهل الحق، ومناصراً للحق، لأن الحق ثابت وباق، وأما الباطل فإنه زاهق وذاهب، وإياك أن تغتر بزخارف الباطل وزينته الخائرة أو قوته الظاهرة، أو تغتر بغلبته وكثرته وسرعة انتشاره، في مقابل ضعف الحق، وضعف وسائل حملته، فإن الباطل في النهاية إنما هو، (كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا) [النور : 39].
لقد جاء الإسلام الدين الحق فألغى كل الأديان السابقة ونسخها، وصار هو الدين الوحيد الذي لا يقبل الله ديناً سواه، ولا يقبل من الأديان غيره، (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) [يونس : 108]، (وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ) [فاطر : 31].
جاء الإسلام فهيمن على كل الأديان؛ فلا يرضى الله ديناً غيره، لا يهودية، ولا نصرانية، ولا بوذية، ولا سيخية، ولا هندوسية ولا مجوسية، كل الأديان سواء كانت أديان سماوية سابقة، أو أديان بشرية أرضية، كلها أديان باطلة فاسدة، وأهلها هم أهل الباطل، والإسلام هو الدين الوحيد الحق، وأهله هم أهل الحق ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون، وهذا شيء يجب أن نعتز به ونفخر به، ولا يجوز لنا أن نخفيه أو نخجل من الجهر به خوفاً من أعداء الله الذين يدعون أن هذا إلغاء للآخرين أو تهميش للرأي الآخر، وإن علينا أن لا ندعي الحقيقة المطلقة، وهذا كلام تافه فإن الحق هو حق واحد، ولا يمكن أن يكون الحق الذي يقابل الباطل متعدداً أو متنوعاً حتى يقولون أن هذا تهميش للآخرين والرأي الآخر، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [آل عمران : 85].
وإن الناظر في العالم اليوم يجد بفضل الله وحمده أن ديننا الدين الحق في توسع وانتشار، والمسلمون يتكاثرون يوماً بعد يوم، فلا يكاد يمر يوماً واحداً إلا ويدخل الإسلام عشرات البشر، ويتأثر به خلق كثير خاصة في العالم الغربي، حتى جن جنون الغرب، وخافوا خوفاً عظيماً من تأثر أبنائهم وشبابهم ونسائهم بالإسلام ودخولهم فيه، مما يجعلهم يطلقون التهم التي تنفرهم من الإسلام، ويصورونه لهم أنه دين إرهاب وقتل ودماء، وأن رسول البشرية هو كذا وكذا، ولكن (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [آل عمران: 54] ، فكانت هذه التهم الملفقة على الإسلام السبب الأكبر في تعرف الغربيين على الإسلام ودخولهم فيه، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [الفتح : 28]،يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَيَبْلُغَنَّ هَذَا الْأَمْرُ مَا بَلَغَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَلَا يَتْرُكُ اللهُ بَيْتَ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ هَذَا الدِّينَ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللهُ بِهِ الْإِسْلَامَ، وَذُلًّا يُذِلُّ اللهُ بِهِ الْكُفْرَ" [أحمد (16957) ]، (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) [آل عمران : 83].
أيها المسلمون: الحق هو التوحيد والباطل هو الشرك، فالله -جل وعلا- لا يرضى أن يشرك معه في عبادته أحد، فلا يرضى أن يدعى ويدعى معه أحد من خلقه، ولا يرضى أن يسجد له ويسجد لغيره من الكبراء والزعماء، ولا يرضى أن يذبح باسمه ويذبح باسم غيره من الكهنة أو السحرة أو الجن والشياطين، ولا يرضى أن يتحاكم إلى دينه ومنهجه ويتحاكم إلى غيره من القوانين الوضعية والدساتير البشرية، حيث إن هذا هو الشرك الذي قال الله عنه على لسان رسوله: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف : 110].
فمن أشرك بالله معه غيره فقد افترى على الله إثماً عظيماً، وضل ضلالاً بعيداً، وشذ شذوذاً كبير عن الحق، ووقع في الظلم الأكبر، والباطل الأعظم، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) [النساء : 48]، وقال: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [المائدة : 72]. يقول عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَّةَ، وَحَوْلَ الْكَعْبَةِ ثَلَاثُ مِائَةٍ وَسِتُّونَ نُصُبًا، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بِعُودٍ كَانَ بِيَدِهِ، وَيَقُولُ: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) [الإسراء: 81] (جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ) [سبأ: 49]، البخاري [ (2478) مسلم (1781) ].
اليوم نرى بفضل الله في العالم الإسلامي كله أنوار التوحيد قد أشرقت، والناس قد أقبلوا على أهل التوحيد الخالص وتأثروا بدعوتهم، واستمسكوا بمنهجهم، وعلموا أن هذا هو الحق، وأن الشرك والتنديد ودعاء المخلوقين والتعلق بهم وعبادتهم مع الله هو الشرك والباطل، علم الناس أن ما يمارسه المتصوفة القبوريون والشيعة الروافض من دعاء الأولياء والاستغاثة بهم ما هو إلا نوع من الشرك يضاهي شرك المشركين الذين عبدوا الصالحين في زمانهم، وقالوا ما نعبدهم إلا ليشفعوا لنا عند الله، ويكونوا وسطاء لنا يوم القيامة، فرد الله عليهم فقال: (أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر : 3].
اليوم انتشر الوعي الكبير بين أبناء الأمة بوجوب إفراد الله -سبحانه وتعالى- في الحكم، وترك التحاكم إلى غير شريعته، وقام الناس وخرجوا وانتفضوا يطالبون بتحكيم الشريعة، والتخلي عن الشرائع الشرقية والغربية التي حكموا بها بقوة الحديد والنار، وجربت عليهم كل المناهج الكفرية سواء كانت علمانية، أو اشتراكية، أو بعثية، أو قومية، أو وطنية، فخرجوا يطالبون بمنهج الإسلام، (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة : 50]، وقال: (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف : 40].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
عباد الله: إن السنة هي الحق والبدعة هي الباطل، والخير كل الخير هو في التمسك بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والاقتداء به، والعض عليها بالنواجذ، لأنها هي الحق وكل أمر لم يفعله رسولنا -صلى الله عليه وسلم- ولم يرشدنا إليه فهو باطل وضلالة، يقول -صلى الله عليه وسلم- "إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ" [النسائي (1578) ].
إن المسلمين اليوم عرفوا بفضل الله أن المنهج السني هو المنهج الحق، وأن المناهج الخارجة عن دائرة السنة وأهلها ماهي إلا مناهج ضلال وانحراف، وجاءت الأحداث التي تدور رحاها في كثير من دول العالم الإسلامي، وخاصة أحداث العراق وسوريا ولبنان، فبينت صدق أهل السنة، وثبات منهجهم، وصدق تدينهم واستماتتهم في الدفاع عن عقيدتهم، وتضحيتهم من أجل مبادئهم، وعرف كثير من عوام الشيعة والقبوريين والباحثين عن الحقيقة أن منهج أهل السنة هو المنهج الحق، الذي كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأسلاف هذه الأمة.
اليوم بفضل الله ومنه وكرمه بدأ الحق ينتشر، وبدأت الأمة تصحو وتستيقظ على في كل الجوانب، ومن كل الفئات، خاصة فئة الشباب الذين فهموا أن الحق والخير لا يكون إلا في التمسك بالدين، والتقيد بأحكامه وهديه، فالتزم كثير منهم بالدين، وتمسكوا به، ودعوا الناس له، وقاموا بالدفاع عنه، وجعلوا نحورهم دونه، وكم رأينا من الشباب الذين كانوا يمارسون المعاصي الظاهرة ويفعلون الكبائر والموبقات ويجاهرون بها نراهم اليوم بفضل الله في المساجد، بل وفي الصفوف الأولى في كل ميادين الخير والعلم، وما هذا إلا دليل خير عظيم، فإن الشباب إذا استيقظوا استيقظت الأمة بأسرها، وهذا ما نلمسه ونراه في الواقع، حيث أثّر الشباب الصالح في كل الميادين والجوانب العلمية، والفكرية، والثقافية، والإعلامية، بل والسياسية، والاقتصادية، والعسكرية.
أيها المسلمون: يجب علينا جميعاً أن نفهم أن الباطل لا يندفع إلا بالحق، فالجاهلية لا تموت وتزهق إلا بالإسلام، والشرك لا يزول ويذهب إلا بالتوحيد، والبدعة لا تختفي وتنحسر إلا بانتشار السنة وأهلها، والمعصية لا تتلاشى وتقل إلا بانتشار الطاعة وسبل الخير، فلنسأل أنفسنا ماذا قدمنا من أجل دحر الباطل وانتشار الحق؟ أم صرنا ممن أصابهم اليأس والملل من كثرة الباطل، وكثرة أهله، وقوة إمكانياته، وتنوع أساليبه، مع قلة إمكانيات أهل الحق وضعف وسائلهم، وبساطة قدراتهم، ولكن ألم تروا أنه مع الفرق في الإمكانيات بين الفريقين إلا أن أهل الحق أكثر تأثيراً، وأفضل نتيجة، وأفضل أثراً في الواقع؟!! فكيف إذا نشط أهل الحق وكانوا في إظهار الحق أنشط من أهل الباطل، وكانت إمكانياتهم أقوى وأفضل من إمكانياتهم؟.
ولنعلم علم اليقين أن الحق منصور لا محالة، والباطل في طريقة إلى الزوال والنهاية قريباً بإذن الله، ويومها يفرح المؤمنون بنصر الله، ويعتزون بغلبة الحق وانتصاره على الباطل وأهله، فلنحرص على أن يكون لنا الشرف في دحره، ونكون أداة تعين على نصرة الحق وإخماد الباطل، فإن لم نقم بذلك فإن هذا الشرف سيكون في غيرنا، ولن يكون لنا منه حظ ونصيب، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) [محمد : 38]، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف : 21]، يقول النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ زَوَى لِي الْأَرْض، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ مُلْكَ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا ، وَأُعْطِيتُ الْكَنْزَيْنِ الْأَحْمَرَ وَالْأَبْيَضَ،... " [ أبو داود (4252) ] أي الذهب والفضة، ويقول الْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ -رضي الله عنه-، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "لَا يَبْقَى عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ بَيْتُ مَدَرٍ، وَلَا وَبَرٍ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ كَلِمَةَ الْإِسْلَامِ، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ ذُلِّ ذَلِيلٍ، إِمَّا يُعِزُّهُمُ اللهُ فَيَجْعَلُهُمْ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ يُذِلُّهُمْ فَيَدِينُونَ لَهَا" [أحمد (23814) ].
عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر العلي، والمقام الجلي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.
التعليقات