اقتباس
كثيرًا ما يشعر الناس بكسل وفتور بعد انقضاء الطاعات، ولا سيما بعد شهر رمضان المبارك، وما إن لملم رمضان رحاله إلا وأُغلقت المصاحف، وجفّت العيون، وطويت سجاجيد الصلاة، وسكتت الألسن التي طالما لهجت بذكر الله، وبشمت البطون التي طالما جاعت حسبةً لله، وابتلت العروق التي طالما تشققت تطلعًا لما عند الله. فهُجِر القرآن، وتُرِك الصيام، واستبدل الناس بذكر ربهم نجوى لا خير فيها.
الحمد لله جلّت حكمته فيما شرع، وعظمت رحمته فيما قضي وقدر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه، ولا مُعقِّب له في حكمه، ولا راد لقضائه، يفعل ما يشاء بحكمته، ويحكم ما يريد بعزته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمًا ومُعلِّمًا وقائدنا وقدوتنا وقرة أعيننا محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ما ترك من شيء يقربنا من الله والجنة إلا ووضّحه لنا وفصَّله تفصيلًا، وما ترك من شيء يقربنا من النار ويبعدنا عن الله إلا ونهانا عنه، وحذّرنا تحذيرًا.
فهو البشير النذير وهو السراج المنير، اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا، عدد ما أحاط به علمك، وخط به قلمك، وأحصاه كتابك، وارض اللهم عن سادتنا: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين وتابعيهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض اللهم عنَّا معهم أجمعين.
وبعد: معاشر المسلمين انتهي رمضان .. أتصدقون؟! أم أنكم مثلي تتعجبون؟! ولكن هذه طبيعة الأيام، وسنة الله في كونه.
يقول الشاعر أبو البقاء الرندي:
لِكُلِّ شَيءٍ إِذا ما تَمّ نُقصانُ *** فَلا يُغَرَّ بِطيبِ العَيشِ إِنسانُ
هِيَ الأُمُورُ كَما شاهَدتُها دُوَلٌ *** مَن سَرّهُ زَمَن ساءَتهُ أَزمانُ
وَهَذِهِ الدارُ لا تُبقي عَلى أَحَدٍ *** وَلا يَدُومُ عَلى حالٍ لَها شانُ
يُمَزِّقُ الدَهرُ حَتمًا كُلَّ سابِغَةٍ *** إِذا نَبَت مَشرَفِيّات وَخرصانُ
لِمثلِ هَذا يَبكِي القَلبُ مِن كَمَدٍ *** إِن كانَ في القَلبِ إِسلامٌ وَإِيمانُ
بالأمس القريب استقبلنا شهر رمضان وها نحن نودعه وقلوبنا مملوءة بالشوق والحنين وعيوننا مملوءة بالدموع ولا ندري هل لنا معه عودة..
قلوب المتقين إلى هذا الشهر تحِنّ ومن ألم فراقه تئِن.. وكيف لا تجري للمؤمن على فراقه دموع وهو لا يدري هل بقي له في عمره إليه رجوع!
رمضان مسابقة في سوق الرحمة والغفران والعتق من النيران سوق انتصب ثم انفض ربح فيه الرابحون الصائمون القائمون الذاكرون السابقون بالخيرات، وخسر فيه الغافلون والساهون اللاهون.
فهنيئًا لمن صابر وصبر وصلى لله وشكر، هنيئًا لمن تلا كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، وناجاه واستغفره بالأسحار، هنيئًا لمن رجاه ودعاه مستحضرًا قوله سبحانه وتعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]..
معاشر الصائمين القائمين الشاكرين الذاكرين المكبرين، إخوتاه يا من صمتم وقمتم، وخشعتم ودعوتم، هنيئًا لكم، هنيئًا لمن صام رمضان إيمانًا واحتسابًا فغفر له ما تقدّم من ذنبه، هنيئًا لمن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا فغفر له ما تقدَّم من ذنبه، هنيئًا لمن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا فغفر له ما تقدَّم من ذنبه، هنيئًا لمن فطَّر فيه صائمًا وأطعم جائعًا وأعطى سائلًا، هنيئًا لمن أحسن إلى يتيم وأدخل الفرحة إلى قلب أسير وأحيى كبد مسكين، هنيئًا لمن أتم فريضته وختم عبادته، هنيئًا لمن تقبَّله الله في رمضان.
روى أن عليًا ابن أبي طالب -رضي الله عنه- كان ينادي في آخر ليلة من رمضان: "يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه ومن هذا المحروم.. فنُعزيه ماذا فات من فاته الخير في رمضان وأي شيء أدرك من أدركه فيه الحرمان..!".
أحبابي.. ها قد عدنا إلى حياتنا كما كانت قبل رمضان، فكيف سيكون حالنا بعد رمضان؟ هل سنواظب على عبادتنا الرمضانية أم على بعضٍ منها؟ أم سنحيل أيامنا صحراء مجدبة وأرضًا قاحلة من العبادة والصلة الوثيقة بالله تعالى؟ وهل سنجعل ليالينا وقلوبنا وأرواحنا مظلمة تفتقر إلى نور الطاعة والعبادة.
أيها الأحباب... كثيرًا ما يشعر الناس بكسل وفتور بعد انقضاء الطاعات ولا سيما بعد شهر رمضان المبارك، وما إن لملم رمضان رحاله إلا وأغلقت المصاحف، وجفّت العيون، وطويت سجاجيد الصلاة، وسكتت الألسن التي طالما لهجت بذكر الله، وبشمت البطون التي طالما جاعت حسبة لله، وابتلت العروق التي طالما تشققت تطلعًا لما عند الله. فهُجِر القرآن، وتُرِك الصيام ، واستبدل الناس بذكر ربهم نجوى لا خير فيها.
وهذا ربما يكون من النفس التي تميل إلى الراحة والدعة أو من الشيطان.
فعندما نُحدِّث الناس عن صيام ستة أيام من شوال عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِي -رضي الله عنه- أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» (رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة).
فبعض الناس يقول وهو يمنّ في عبادته كفاية أننا صمنا رمضان وتسمع كلامًا يدل على أنهم يمتنون على الله بصيامهم ويظن الواحد منهم وكأنة كان في غزوة غزاها مع رسول الله وخالد بن الوليد وكأن كل واحد منهم قد حصل على صك الغفران، أو كأنه سمع بكلتا أذنيه هاتفًا يقول: اعمل ما شئت فقد غفر لك، ولا تضرك بعد اليوم معصية. فلقد صام ثلاثين يومًا وقام ثلاثين ليلة وتصدّق وعبد، وفعل، وفعل..!
إلى هؤلاء، وإلى من صام وقام ودعا وخشع وبكي وتذلّل وتصدّق وفعل الخير إيمانًا واحتساباً إلى هؤلاء جمعًا هذه الكلمات.
أصناف الناس بعد رمضان:
الصنف الأول:
قوم كانوا على خير وطاعة قبل رمضان فلما جاء رمضان كانوا على نشاط واجتهاد في العبادة: قراءة قرآن، صيام، قيام، ذكر، صلة الأرحام، صلاة في المسجد، صلاة الفجر، تحري للحلال ولكل ما يرضى الله عز وجل.
فإذا ذهب رمضان يتألمون على فراقه لأنهم ذاقوا حلاوة العافية فهانت عليهم مرارة الصبر ، لأنهم عرفوا حقيقة ذواتهم وضعفها وفقرها إلى مولاها وطاعته، لأنهم صاموا حقًا وقاموا شوقًا، فلوداع رمضان دموعهم تتدفق، وقلوبهم تشفق، وهؤلاء القوم علموا ألا مستراح لهم إلا تحت شجرة الخلد وملك لا يبلى في مقعد صِدقٍ عند مليك مقتدر، وتأكدوا أن الصالحات ليست حكرًا على شهر من الشهور أو وقت من الأوقات. فعيشتهم بين الخوف وبين الرجاء حالهم كما قال الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون:57-61].. أي: هم مع إحسانهم وإيمانهم وعملهم الصالح، مشفقون من الله خائفون منه، وجلون من مكره بهم.
كما قال الحسن البصري: "إن المؤمن جمع إحسانًا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءةً وأمنًا". أي: يعطون العطاء وهم خائفون ألا يتقبل منهم، لخوفهم أن يكونوا قد قصروا في القيام بشروط الإعطاء. وهذا من باب الإشفاق والاحتياط (تفسير ابن كثير -رضي الله عنه-)..
والمعنى الذين هم من خشية ربهم دائمون في طاعته، جادون في طلب مرضاته. والتحقيق أن من بلغ في الخشية إلى حد الإشفاق وهو كمال الخشية، كان في نهاية الخوف من سخط الله عاجلًا، ومن عقابه آجلًا، فكان في نهاية الاحتراز عن المعاصي.
(والذين يُؤْتُونَ مَا آتَواْ وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أن يؤدي ذلك على وجل من تقصيره، فيكون مبالغًا في توفيته حقه، فأما إذا قرئ (والذين يَأْتُونَ مَا أتَواْ) فالقول فيه أظهر، إذ المراد بذلك أي شيء أتوه وفعلوه من تحرُّزٍ عن معصية وإقدامٌ على إيمان وعمل، فإنهم يقدمون عليه مع الوجل، ثم إنه سبحانه بين علة ذلك الوجل وهي علمهم بأنهم إلى ربهم راجعون، أي للمجازاة والمساءلة ونشر الصحف وتتبع الأعمال، وأن هناك لا تنفع الندامة، فليس إلا الحكم القاطع من جهة مالك الملك. ثم إنه سبحانه لما ذكر هذه الصفات للمؤمنين المخلصين قال بعده: (أُوْلَئِكَ يسارعون فِي الخيرات) وفيه وجهان:
أحدهما: أن المراد يرغبون في الطاعات أشد الرغبة فيبادرونها لئلا تفوت عن وقتها ولكيلا تفوتهم دون الاحترام.
والثاني: أنهم يتعجلون في الدنيا أنواع النفع ووجوه الإكرام، كما قال: (فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:148]، (وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) [العنكبوت من الآية:27] لأنهم إذا سورع لهم بها فقد سارعوا في نيلها وتعجلوها، وهذا الوجه أحسن طباقًا للآية المتقدمة، لأن فيه إثبات ما نفي عن الكفار للمؤمنين (تفسير الرازي).
ويقول (صاحب الظلال) في ظلاله هذا الدرس في السورة يبدأ بتصوير حال الناس بعد أمة الرسل تلك الحال التي جاء الرسول الأخير فوجدهم عليها. مختلفين متنازعين حول الحقيقة الواحدة التي جاءهم بها الرسل من قبل جميعًا.
ويصور غفلتهم عن الحق الذي جاءهم به خاتم المرسلين -صلى الله عليه وسلم- والغمرة التي تذهلهم عن عاقبة ما هم فيه. بينما المؤمنون يعبدون الله، ويعملون الصالحات، وهم مع هذا خائفون من العاقبة، وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون.. فتتقابل صورة اليقظة والحذر في النفس المؤمنة، وصورة الغمرة والغفلة في النفس الكافرة.
ومن هنا يبدو أثر الإيمان في القلب، من الحساسية والإرهاف والتحرج، والتطلع إلى الكمال. وحساب العواقب. مهما ينهض بالواجبات والتكاليف. فهؤلاء المؤمنون يشفقون من ربهم خشية وتقوى؛ وهم يؤمنون بآياته، ولا يشركون به. وهم ينهضون بتكاليفهم وواجباتهم. وهم يأتون من الطاعات ما استطاعوا.. ولكنهم بعد هذا كله: (يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) لإحساسهم بالتقصير في جانب الله، بعد أن بذلوا ما في طوقهم، وهو في نظرهم قليل. إن قلب المؤمن يستشعر يد الله عليه.
ويحس آلاءه في كل نفس وكل نبضة.. ومن ثم يستصغر كل عباداته، ويستقل كل طاعاته، إلى جانب آلاء الله ونعمائه. كذلك هو يستشعر بكل ذرة فيه جلال الله وعظمته؛ ويرقب بكل مشاعره يد الله في كل شيء من حوله.. ومن ثم يشعر بالهيبة، ويشعر بالوجل، ويشفق أن يلقى الله وهو مقصر في حقه، لم يوفه حقه عبادة وطاعة ولم يقارب أياديه عليه معرفة وشكرًا.
وهؤلاء هم الذين يسارعون في الخيرات، وهم الذين يسبقون لها فينالونها في الطليعة، بهذه اليقظة، وبهذا التطلُّع، وبهذا العمل، وبهذه الطاعة. لا أولئك الذين يعيشون في غمرة ويحسبون لغفلتهم أنهم مقصودون بالنعمة، مرادون بالخير، كالصيد الغافل يستدرج إلى مصرعه بالطعم المغري. ومثل هذا الطير في الناس كثير، يغمرهم الرخاء، وتشغلهم النعمة، ويطغيهم الغنى، ويلهيهم الغرور، حتى يلاقوا المصير!
تلك اليقظة التي يفرضها الإسلام على قلب المسلم. والتي يستجيشها الإيمان بمجرد استقراره في القلوب .. ليست أمرًا فوق الطاقة، وليست تكليفًا فوق الاستطاعة. إنما هي الحساسية الناشئة من الشعور بالله والاتصال به؛ ومراقبته في السر والعلن؛ وهي في حدود الطاقة الإنسانية، حين يشرق فيها ذلك النور الوضيء: (وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) [المؤمنون:62].
ولقد شرع الله التكاليف وفق ما يعلم من استعداد النفوس؛ وهو محاسبهم وفق ما يعملونه في حدود الطاقة، لا يظلمون بتحميلهم ما لا يطيقون؛ ولا ببخسهم شيئًا مما يعملون، وكل ما يعملونه محسوب في سجل(يَنطِقُ بِالْحَقِّ) ويبرزه ظاهرًا غير منقوص. والله خير الحاسبين إنما يغفل الغافلون لأن قلوبهم في غمرة عن الحق، لم يمسسها نوره المحيي، لانشغالها عنه، واندفاعها في التيه؛ حتى تفيق على الهول، لتلقى العذاب الأليم، وتلقى معه التوبيخ والتحقير: (بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِّنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ . حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ . لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ . قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ . مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ) [المؤمنون:63-67]..
فعلة اندفاعهم فيما هم فيه ليست هي تكليفهم بما هو فوق الطاقة؛ إنما العلة أن قلوبهم في غمرة، لا ترى الحق الذي جاء به القرآن، وأنهم مندفعون في طريق آخر غير النهج الذي جاء به: (وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِن دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ).. في (ظلال القرآن)..
وقال صاحب الوسيط قرأ القراء السبعة (يُؤْتُونَ مَا آتَواْ) بالمد، على أنه من الإتيان بمعنى الإعطاء، والوجل: استشعار الخوف. يقال: وَجِل فلان وَجَلًا فهو واجل، إذا خاف، أي: يعطون ما يعطون من الصدقات وغيرها من ألوان البر، ومع ذلك فإن قلوبهم خائفة أن لا يقبل منهم هذا العطاء، لأي سبب من الأسباب فهم كما قال بعض الصالحين: "لقد أدركنا أقوامًا كانوا من حسناتهم أن ترد عليهم، أشفق منكم على سيئاتكم أن تعذبوا عليها".
وقد قرأ آخرون: (والذين يُؤْتُونَ مَا أتَواْ) من الإتيان. أي: يفعلون ما فعلوا وهم خائفون ثم ختم سبحانه هذه الآيات الكريمة المشتملة على صفات المؤمنين الصادقين، ببيان أن هذه الصفات الجليلة لم تكلف أصحابها فوق طاقتهم، لأن الإيمان الحق إذا خالطت بشاشته القلوب يجعلها لا تحس بالمشقة عند فعل الطاعات، وإنما يجعلها تحس بالرضا والسعادة والإقدام على فعل الخير بدون تردد، فقال تعالى: (وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)..
أي: وقد جرت سنتنا فيما شرعناه لعبادنا من تشريعات، أننا لا نكلف نفسًا من النفوس إلا في حدود طاقتها وقدرتها (الوسيط لسيد طنطاوي)..
روى الترمذي وابن ماجة وأحمد وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في نعت الخائفين وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصحَّحه وابن مردويه والبيهقي في شعب الإِيمان وصحَّحه الألباني أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَتْ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) قَالَتْ عَائِشَةُ أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ قَالَ: «لاَ يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ مِنْهُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ»..
وحالهم حال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.. فقد أُمر بترك رضيعه الوحيد مع أمه في صحراء وأمر ببناء البيت فبناه على أكمل وجه حتى أُتي بحجر فصعد عليه ليعلو البناء ويكون أليق في تقديمه لله شكرًا وعرفانًا. بعد كل هذا لم يخطر في خلده أنه فعل عظيمًا أو كبيرًا من الأمور فيَمُنّ به فيقول أنا فعلت وفعلت بل بعد الفراغ من بناء البيت على أكمل وجه وأتمه يتمنى على الله القبول (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) [البقرة:127-128] هما في عمل صالح، وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما.
كما روى ابن أبي حاتم من حديث مُحَمَّدٍ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ الْمَكِيِّ، عَنْ وُهَيْبِ بْنِ الْوَرْدِ، قَالَ: قَرَأَ (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا) زَادَ ابْنُ خُنَيْسٍ فِي حَدِيثِهِ، ثُمَّ يَبْكِي، فَقَالَ وُهَيْبٌ: "يَا خَلِيلَ الرَّحْمَنِ تَرْفَعُ قَوَائِمَ بَيْتِ الرَّحْمَنِ وَأَنْتَ مُشْفِقٌ أَنْ لا يَقْبَلَ مِنْكَ" (تفسير القرآن العظيم مُسندًا عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين لابن أبي حاتم).
وهو في عند البخاري، قال بعض أصحب الخواطر: "وجل العارف من طاعته أكثر من وجِلِه من مخالفته لأن المخالفة تمحوها التوبة، والطاعة يطالب بصحتها والإخلاص والصدق فيها" (تفسير السلمي وهو حقائق التفسير ).
ويقول الرازي: "وقال العارفون: فرق بين القبول والتقبل فإن التقبل أن يتكلف الإنسان في قبوله وذلك إنما يكون حيث يكون العمل ناقصًا لا يستحق أن يقبل فهذا اعتراف منهما بالتقصير في العمل، واعتراف بالعجز والانكسار إنهم بعد أن أتوا بتلك العبادة مخلصين تضرعوا إلى الله تعالى في قبولها وطلبوا الثواب عليها وأيضًا فلم يكن المقصود إعطاء الثواب عليه، لأن كون الفعل واقعًا موقع القبول من المخدوم ألذ عند الخادم العاقل من إعطاء الثواب عليه (إنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) كأنه يقول: تسمع دعاءنا وتضرعنا، وتعلم ما في قلبنا من الإخلاص وترك الالتفات إلى أحد سواك" (تفسير الرازي)..
عباد شاكرون ربانيون لا رمضانيون:
حالهم يستنون بحال النبي صلي الله عليه وسلم فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا صَلَّى قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلاَهُ"، قَالَتْ عَائِشَةُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» (رواه مسلم)..
عن عطاء، قال: "دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة -رضي الله عنها-، فقال عبيد بن عمير: حدثينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فبكت، فقالت: قام ليلة من الليالي، فقال: يا عائشة ذريني -اتركيني ودعيني- أتعبد لربي، قالت: قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك، قالت: فقام، فتطهر، ثم قام يصلي، فلم يزل يبكي حتى بل حجره، ثم بكى، فلم يزل يبكي حتى بلَّ الأرض، وجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي، قال: يا رسول الله تبكي، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخر؟ قال: أفلا أكون عبدًا شكورًا؟ لقد نزلت على الليلة آيات، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190-191]".(صحيح ابن حبان؛ وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم).
«لاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْك»:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ دَخَلَ عَلَىَّ سَائِلٌ مَرَّةً وَعِنْدِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَأَمَرْتُ لَهُ بِشَيءٍ ثُمَّ دَعَوْتُ بِهِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَمَا تُرِيدِينَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ بَيْتَكِ شَيْءٌ وَلاَ يَخْرُجَ إِلاَّ بِعِلْمِكِ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ: «مَهْلًا يَا عَائِشَةُ لاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكِ» (رواه البخاري ورواه مسلم، والنسائي في السنن الكبرى واللفظ له، وأحمد، والبغوي في شرح السنة، والبيهقي في السنن الكبرى).
«لاَ تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْك» أي: لا تعدي ما تتصدّقين به وتجمعينه، فيحصي الله ما يعطيك ويَعُدُّهُ عليك، وقيل: هو المبالغة في التقصي والاستئثار.
فلا تقل صمت كذا وصليت كذا فيقال لك من الله كذا وكذا.. من النعم والفضل التي لا تحصي.
(اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ . وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ . وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) [إبراهيم:32-34].
تخيل أن شخصًا له عندك ملايين وأنت تُسدِّدها جنيهًا بجنيه فهل تعطي له الجنيه كل يوم في تبجح وعجب ومنٍ منك عليه أم أنك تعطيه بعينٍ منكسرة وفي تواضع وخجل جمٍّ؟ هكذا صلاتنا وصيامنا وحالنا مع الله تبارك وتعالى.
وروى البخاري عن أبي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لَنْ يُدْخِلَ أَحَدًا عَمَلُهُ الْجَنَّةَ». قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «لاَ، وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِفَضْلٍ وَرَحْمَةٍ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَلاَ يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ» ولله الفضل والمنة..
من تأمَّل أحوال الصحابة وجدهم في قمة العمل مع قمة الخوف ونحن جمعنا بين التقصير بل التفريط والأمن. عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- قال: "وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن" (رواه أحمد في الزهد ؛ كنز العمال)..
وهذا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قرأ سورة الطور إلى أن بلغ قوله (إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَاقِعٌ) [الطور:7] فبكى، واشتد بكاؤه، حتى مرض وعادوه. وقال لابنه وهو في سياق الموت : "ويحك! ضع خدي على الأرض؛ عساه أن يرحمني". ثم قال: "ويل أمي إن لم يغفر الله لي"؛ ثلاثًا ثم قضى (رواه أحمد في الزهد).
وهذا عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كان إذا وقف على القبر ؛ يبكى حتى تبل لحيته (أخرجه الترمذي).
وقال: "لو أنني بين الجنة والنار، لا أدري إلى أيتهما يؤمر بي؛ لاخترت أن أكون رمادًا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير" (أخرجه أحمد في الزهد).
وهذا على بن أبي طالب -رضي الله عنه- وبكاؤه وخوفه، وكان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل، وإتباع الهوى. قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ولَّت مدبِرة، والآخرة قد أسرعت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل (أخرجه أحمد في الزهد).
"وقرأ تميم الداري -رضي الله عنه- ليلة سورة الجاثية فلما أتى على هذه الآية: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية:21] جعل يُردِّدها ويبكي حتى أصبح" (أخرجه أحمد في الزهد).
وقال أبو عبيدة عامرُ بن الجراح -رضي الله عنه-: "وددت أني كبش، فذبحني أهلي، وأكلوا لحمي وحسوا مرقي" (أخرجه: أحمد في الزهد – وانظر: بحوث ودراسات من موقع الإسلام اليوم).
وأخرج أحمد في الزهد والنسائي والبيهقي ومَالِكٌ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ عُمَرَ اطَّلَعَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، -رضي الله عنه-مَا، وَهُوَ يَمُدُّ لِسَانَهُ، فَقَالَ: "مَا صَنَعَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِي الْمَوَرِادَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْجَسَدِ إِلاَّ وَهُوَ يَشْكُو ذَرَبَ اللِّسَانِ» (وصحَّحه الألباني).
وكان يبكي كثيرًا ويقول ابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا ولما احتضر قال لعائشة -رضي الله عنها-: "يا بُنيَّة إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة وهذه الحلاب وهذا العبد فأسرعي به إلى ابن الخطاب".
حالهم الدوام على الطاعة:
روى الإمامان البخاري ومسلم -رضي الله عنه-ما عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه-ا قَالَتْ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «أَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ»". قَالَ: "وَكَانَتْ عَائِشَةُ إِذَا عَمِلَتِ الْعَمَلَ لَزِمَتْهُ".
روى الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه-ا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا عَمِلَ عَمَلًا أَثْبَتَهُ وَكَانَ إِذَا نَامَ مِنَ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً". قَالَتْ: "وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إِلاَّ رَمَضَانَ".
وهؤلاء فازوا برمضان وكسبوه وهو حجة لهم وشاهد لهم وصومهم مقبول وسعيهم مشكور.
للحديث بقية ..
رمضان ولَّى.. فماذا بعد؟! (2/ 2)
التعليقات