اقتباس
كما أن للعوامل الاجتماعية أيضاً تأثيرات قوية جداً في تقوية أحد المسلَكَيْن على حساب الآخر... وبما أننا في زمن طغيان المادة والتنافس على الدنيا والحسابات المصلحية الشخصية بشكل بَشِع فإننا بحاجة مع رمضان وغير رمضان ومع العبادات بل مع فهم (الدين) كله ودَوْره في بناء الإنسان وتحديد وِجْهة سَيْره في الحياة وغاية وجوده.. إلى نُقلة بعيدة:
أفتتِحُ بسؤال مهم: لماذا تحوّل رمضان في حياة المسلمين في الأعمّ الأغلب إلى (موسم فلكلوري)؟!!
الجواب الصريح يستدعي منا مراجعة مقاصد مواسم الطاعات في الإسلام وحكمة تشريعها ومقاصد كل العبادات، ثم مقارنة ما نتوصّل إليه بواقع تعاطي المجتمعات الإسلامية في زماننا مع هذه المواسم ودَوْر الإعلام في صياغة صورة نَمَطية جامدة فارغة من الروح في وعي عامّة المسلمين ووجدانهم!
ثم عندما يصدر عن نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- قبل زمننا المادي هذا بقرون عديدة تحذيرات متعددة من الجمود عند الشكل والصورة في العبادة دون الاستفادة من المقصد وتحقيق الثمرة... ندرك أن الطبيعة البشرية نفسها عندها الاستعداد للتعاطي مع التكاليف والتشريعات بمسلك الاقتصار على أداء الشكل أو بمسلك القيام بالتكليف بروحٍ وخشوع:
ففي صحيح البخاري وغيرِه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : "من لم يَدَعْ قول الزُّوْر والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طعامه وشرابه"! وأخبر عليه الصلاة والسلام - كما في حديث صحيح - عن صائمين خاسرين يُشْفَق عليهم، فقال: "رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش" رواه أحمد.
كما أن للعوامل الاجتماعية أيضاً تأثيرات قوية جداً في تقوية أحد المسلَكَيْن على حساب الآخر... وبما أننا في زمن طغيان المادة والتنافس على الدنيا والحسابات المصلحية الشخصية بشكل بَشِع فإننا بحاجة مع رمضان وغير رمضان ومع العبادات بل مع فهم (الدين) كله ودَوْره في بناء الإنسان وتحديد وِجْهة سَيْره في الحياة وغاية وجوده.. إلى نُقلة بعيدة:
فبَيْن فَهم الدين أنه أداء (طُقُوس) ليس إلاّ... وبين فهمه أنه صلة حُبّ وطاعة وخشوع من الإنسان بخالقه - الله سبحانه وتعالى - وأنه منهج حياة وأسلوب عَيْش ومسار عُمُر، وأنه نظام رباني رائع تخضع له البشرية فيوجّهها ويقود حضارتها: مسافات شاسعة..!!
لذا وانطلاقاً من هذه الحقائق الحاسمة يجب إحداث نُقلة ضخمة صادقة حقيقية مخلصة في تعاطينا مع إسلامنا وفهمنا له وممارستنا لعباداته، عُنوانها كما صاغه الداعية الحكيم الربّاني العلاّمة أبو الحسن النَّدْوي رحمه الله: (إلى الإسلام من جديد)، وعلّق عليه الأستاذ الداعية محمد علي دَوْلة بقوله: هو أصدق نداء نوديت به هذه الأمّة في هذا الزمان: فيه النصحية لها، والغَيْرة عليها، والرغبة في أن تعود لأخذ مكانها معلِّمة مرشدة... في عالَمٍ مُثْخَن بالجراح والآلام، جَرّاء كفره بالله وبدينه الذي بَعَث به أنبياءه، وجَرّاء بُعده عن هَدْي الأنبياء وإيغالِهِ في مَيْدان التنافس على حطام الدنيا!
نقلة بعيدة منشودة فلْنبدَأْها في رمضاننا هذا بتوبةٍ صادقة والتزام جادّ ووعي عميق واهتمام بتحصيل الثمرة الروحية والأثر الأخلاقي والبُعد الاجتماعي لتكاليف الدين وتشريعاته.
يا باغيَ الخير هذا شَهْرُ مكْرُمةٍ *** أقبِــلْ بصدقٍ جـزاكَ اللهُ إحسانـا
أَقْبِلْ بجُودٍ ولا تبخَلْ بنافلـــةٍ *** واجعـلْ جبينـك بالسَّجْدات عنوانـا
أُوصيكَ خيراً بأيـام نُسـافِرُها *** في رحلة الصوم يَحْيَى القلبُ نشوانا
اللهم تقبّل منا رمضان وأكرمنا بعده بالغفران ولا تحرمنا أَجْره يا رحمن
التعليقات