اقتباس
ثم إن فهم وفقه القرآن بالنسبة لمن قرأه في ثلاث يختلف فيه حال الناس بحسب مؤهلاتهم اللغوية والعلمية والإيمانية، فإن من عنده علم بلغة العرب من أهل الإيمان يفهم منه ويفقه أكثر مما يفقه غيره، ومن لا علم عنده باللغة قد لا يفقه منه إلا القليل، ومن لا إيمان عنده قد لا يفقه منه شيئاً.
رمضان؛ أعظم مواسم العبادة والإيمان على الأبواب، والجميع آخذ في التشمير استعداداً لنفحاته وطلباً لثمراته، والكثيرون نزلوا الميدان بالفعل من شعبان طلباً للرياضة والدربة على أعمال الشهر العظيم، ما بين صيام وقيام، وزكاة وصدقة، وبر وصلة، وتهيؤ قلبي وآخر جسدي؛ فالمصاحف منشورة، والمساجد من الفجر إلى العشاء معمورة، وفي ذلك فيتنافس المتنافسون، فبلوغ شهر رمضان نعمة عظيمة يفرح بها المؤمنون وحُق لهم ذلك؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُون).
إنه موسم التجارة الرابحة مع أكرم الأكرمين الذي وعد بالمغفرة والعتق من النيران في كل ليلة من ليالي الشهر العظيم المبارك، وإذا كان التجار يستعدون للمواسم الدنيوية التي تضاعف فيها الأرباح والمكاسب، فحري بالعبد الموفق أن يستعد لهذا الموسم العظيم الذي تضاعف فيه الأجور بغير حد ولا مقدار.
ومع دخول الشهر المبارك تثور عدة تساؤلات وتبرز عدة إشكاليات تتعلق بمقصود الموسم ومطلوبه الأسمى؛ المغفرة والعتق من النيران. ومن أكثر الإشكاليات التي تواجه الطامحين للجنان في هذا الشهر العظيم؛ الكمّ والكيف!!
ففريق من الناس يركز في هذا الشهر الكريم على الإكثار من الصالحات بكل ما أوتي من قوة وعزم وهمّة، ويجعل جلّ همه العدد والحجم والكثرة، بينما فريق آخر يجعل جماع سعيه في التركيز على الكيف وتحصيل الأثر المترتب على العبادة، وبين هؤلاء وهؤلاء تزداد الإشكالية والجدلية حدة وخلافاً بسبب التركيز المذموم على الإنجاز التنافسي، وآفة المقارنات المحمومة مع الآخرين.
وهذه الإشكالية في الأساس تنبع بسبب عدة أمور تتعلق بذات المتنافسين، وطبيعة النفس البشرية، وطبيعة الميدان وأفقه الزماني، وكلها أمور تؤسس لظهور أمثال هذه الإشكاليات في حياة الناس، من أبرز الأمور أو قل الأسباب:
1-الضيق الزماني: فأيام رمضان كما وصفها الله -تعالى-" أياماً معدودات" ما إن نستقبلها حتى تنسل من حياتنا انسلال الماء بين فروج الأصابع!!
وهذا المدى الزمني القصير يدفع الكثيرين لنوع من الإكثار والتركيز على الكمّ والحجم وهي طريقة أقرب للاكتناز الفطري الذي يلهث وراءه الكثير من الناس، وهذا ظاهر من تركيز الغالبية على الكمّ أكبر من الكيف.
2-الضعف البشري: البشر محدودو الطاقات والإمكانات، ومن ثم فإن توسعنا في الكم لا بد أن يكون على حساب الكيف، كما أن التوسع في الكيف لا بد أن يكون على حساب الكم، ومن هنا تبرز ثنائية الغنيمة الباردة بالإكثار، أو الغنيمة الثمينة بالتركيز.
3-وفرة الأدلة: من أكثر الأمور التي تؤجج الخلاف بين أنصار الكمّ والكيف وفرة الأدلة من القرآن والسنة وفعل الصحابة وكبار الأئمة والصالحين عبر القرون!!، فكل فريق عنده من الدلائل القرآنية والأحاديث النبوية والآثار السلفية ما يحتج به على صحة طريقه، مما يترك الكثيرين في حيرة من أمرهم.
فأنصار تفضيل الكيف على الكمّ يستدل بالكثير من الآيات والأحاديث، منها:
ذم القرآن للأكثرية إذا كان أصحابها ممن لا يعقلون أو لا يعلمون أو لا يؤمنون أو لا يشكرون، كما نطقت بذلك آيات وفيرة من كتاب الله، قال تعالى: (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ)[العنكبوت: 63]، وقال: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ)[يوسف: 21]، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ)[هود: 17]، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ)[البقرة: 243]، (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)[الأنعام: 116].
وفي المقابل مدح القرآن القلة المؤمنة العاملة الشاكرة، كما في قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ)[ص: 24]، (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)[سبأ: 13]، (وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ)[الأنفال: 26]،(فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ)[هود: 116].
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما-، قال: سمعت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول: "إنما الناس كالإبل المائة، لا تكاد تجد فيها راحلة".
ولفظه في صحيح مسلم عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تجدون الناس كإبلٍ مائة، لا يجد الرجل فيها راحلة".
وعن سلمان -رضي الله عنه- مرفوعاً: " ليس شيء خيرا من ألف مثله إلا الإنسان"(حسنه الألباني والضياء في المختارة).
وعن ثوبان -رضي الله عنه -عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يوشك أن تتداعى عليكم الأمم من كل أفق، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها"، قالوا: أمن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: "بل أنتم كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولنزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن"، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".
والصحابة كان يحفظون القرآن عشر آيات بعشر آيات، لا يتجاوز الواحد منهم العشر الأولى إلى الثانية حتى يحكمها حفظاً وفهماً وتدبراً وعملاً.
فالعبرة بالمعاني وليس المباني، والله ينظر إلى القلوب حيث مستقر الأثر، ولا ينظر إلى الصور والأجساد لأنها انعكاس لما في القلوب.
وفي المقابل نجد أن أنصار تفضيل الكمّ على الكيف يستدل هم الآخرون بالعديد من الأدلة من الكتاب والسنّة وفعل الصحابة والسلف، منها:
أن الله -عز وجل- طلب من عباده الإكثار من عبادة الذكر، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكراً كثيراً)، وقال سبحانه داعياً ومرغباً عباده للإكثار من الصدقات: (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)[البقرة 274].
وفي الحديث المرغب في كثرة قراءة القرآن: "من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألف لام ميم حرف، ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف".
وثوبان سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمل يدخله الجنة قال: "عليك بكثرة السجود". وفي حديث ربيعة بن كعب الأسلمي كذلك قال: يا رسول الله، لما قال سل، قال: أسألك مرافقتك في الجنة وفي اللفظ الآخر: أسألك أن تشفع لي، فقال: أعني على نفسك بكثرة السجود. وفي حديث ثوبان: "إنك لن تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة" فالمقصود: أعني بكثرة الصلاة.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين".
وقال الحافظ ابن حجر في الفتح: "ففي كتاب محمد بن نصر وغيره، بإسناد صحيح عن السائب بن يزيد أن عثمان قرأ القرآن ليلة في ركعة لم يصل غيرها"، ونفس الأمر ورد عن تميم الداري وسعيد بن جبير ومجاهد بن جبر، وتواتر في تراجم الشافعية خبر ختم الإمام الشافعي-رحمه الله-للقرآن ستين مرة في شهر رمضان. وصحّ عن الإمام أحمد بن حنبل صلاته ثلاثمائة ركعة في كل ليلة، ولما امتحن في القول بخلق القرآن وعُذب كان يصلي مائة ركعة كل ليلة!، وقال سلام بن أبي مطيع: كان قتادة يختم القرآن في سبع، وإذا جاء رمضان ختم في كل ثلاث، فإذا جاء العشر ختم كل ليلة.
قال الإمام ابن رجب -رحمه الله- بعد ذكر هذه الآثار وغيرها: "وإنما ورد النهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث على المداومة على ذلك، فأما في الأوقات المفضلة كشهر رمضان خصوصا الليالي التي يطلب فيها ليلة القدر أوفي الأماكن المفضلة كمكة لمن دخلها من غير أهلها، فيستحب الإكثار فيها من تلاوة القرآن اغتناما للزمان والمكان. وهو قول أحمد وإسحاق وغيرهما من الأئمة، وعليه يدل عمل غيرهم كما سبق ذكره".
فالخلاف إذا قوي وسائغ بين أنصار الكمّ والكيف، والترجيح بينهما صعب، ويزداد صعوبة في أوقات فضلى مثل شهر رمضان، وأفضل السبل هو وضع استراتيجية راشدة للجمع بين الكمّ والكيف في هذ الزمان المبارك والموسم العظيم الذي لا يأتي إلا مرة واحدة كل عام.
استراتيجية الجمع بين الكمّ والكيف
نحن في معاملاتنا الاجتماعية واليومية نمجد الكمّ تارة، فنجعله مقياساً للنجاح، ونمجد الكيف تارة، ونعده معياراً للرشد والنضوج؛ مع أن للكم وظائفه، وللكيف وظائفه، وحين نعرف العلاقة التي تربط بينهما، والوظائف الإيمانية والسلوكية والأخلاقية التي يؤديها كل منهما نتمكن من إعطاء كل منهما حقه من الاهتمام والعناية.
وحتى نستطيع بناء استراتيجية رمضانية راشدة في الجمع بين الكمّ والكيف فلابد من اعتماد عدة ركائز لهذه الاستراتيجية، من أبرزها:
الركيزة الأولى: فض الاشتباك
فأول ركيزة في بناء استراتيجية متماسكة وقوية للجمع بين الكمّ والكيف؛ فض الاشتباك بينهما؛ فليس بين الكمّ والكيف تعارض من حيث الأصل، فلكل دوره ووظيفته، والإشكالات التي تنشأ في محاولة ضبطهما أو الجمع المتوازن بينهما في مختلف الخطط عامة وفي طموحات العبادة خاصة، سببها الرئيس آفة النظر للآخرين، والمقارنات المحمومة بالغير، والبحث عن الغنائم السهلة والذي يعتمد على مفهوم الاستعجال والسرعة من أجل الإنجاز، وحشد أكبر كمّ في أقصر زمن، وعلى لهفة الوصول لخط النهاية من أجل التخلص لا الإخلاص، ثم الانتقال لنقطة البداية مرة أخرى من أجل إعادة الكرة وتضخيم الإنجاز!
الركيزة الثانية: تعظيم الإذعان
فحقيقة الإسلام هي الانقياد والاذعان لأوامر الشرع الحكيم، والاستسلام لأوامره ونواهيه، فمعرفة الحق شيء، وقبوله شيء ثان، والاذعان له شيء ثالث، فالأول "معرفة" عمل ذهني بحت، والثاني "قبول" عمل قلبي، والثالث وهو "الإذعان" عمل الجوارح وقول اللسان، فلا تغني معرفة دون قبول، ولا يكفي القبول وحده بدون إذعان.
والمسلم مطالب في شهر رمضان بتعظيم إذعانه لله لتحقيق الامتثال الكامل والوصول إلى الجمع الرشيد بين الكمّ والكيف. وتعظيم الإذعان يحصل بكثرة المعرفة واتساع دوائرها، وذلك عن طريق كثرة القراءة في فضائل شهر رمضان ومكانته وأحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والتابعين وسلف الأمة فيه، وكيف استطاع هؤلاء السابقون العظام من التوفيق بين الكمّ الكبير، والكيف الرشيد فكانت أحوالهم وآثارهم مثار الإعجاب والاستغراب من البركة وروعة الإنجاز، ومدعاة للاقتداء والتأسي.
فعن محمد بن مسعر قال: كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن. وعن ابن وهب: قيل لأخت مالك: ما كان شغل مالك في بيته في رمضان؟ قالت: المصحف، والتلاوة. وقال عمرو بن علي: كان يحيى بن سعيد القطان يختم القرآن كل يوم وليلة يدعو لألف إنسان، ثم يخرج بعد العصر فيحدث الناس. وعن مسبح بن سعيد قال: كان محمد بن إسماعيل يختم في رمضان في النهار كل يوم ختمة، ويقوم بعد التراويح كل ثلاث ليال بختمة.
قال يحيى اليماني: لما حضرت الوفاة أبا بكر بن عياش بكت أخته، فقال لها: ما يبكيك؟ انظري إلى تلك الزاوية، فقد ختم أخوك فيها ثمانية عشر ألف ختمة. الإمام أبو حنيفة -رحمه الله-: كان يختم القرآن في كل يوم وليلة مرة، وفي رمضان في كل يوم مرتين، مرة في النهار ومرة في الليل. أبو العباس بن عطاء: له في كل يوم ختمة، وفي شهر رمضان كل يوم وليلة ثلاث ختمات. والحافظ بن عساكر: كان يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم.
وعن جعفر ابن أبي هاشم: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ختمت القرآن في يوم، فعددت موضع الصبر، فإذا هو نيف وتسعون.
والبعض قد يحتج بما صح من حديث في النهي عن قراءته في أقل من ثلاث، فلا يفهم من الحديث أن قراءته في أقل من ثلاث لا تجوز، إذ المنفي في الحديث هو الفقه والفهم وليس ثواب القراءة، فلا يلزم من عدم فهمه في أقل من ثلاث تحريم قراءته في أقل منها، كذا قال العراقي.
ثم إن فهم وفقه القرآن بالنسبة لمن قرأه في ثلاث يختلف فيه حال الناس بحسب مؤهلاتهم اللغوية والعلمية والإيمانية، فإن من عنده علم بلغة العرب من أهل الإيمان يفهم منه ويفقه أكثر مما يفقه غيره، ومن لا علم عنده باللغة قد لا يفقه منه إلا القليل، ومن لا إيمان عنده قد لا يفقه منه شيئاً.
الركيزة الثالثة: شحذ القلوب
هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، القلوب تصدأ ويعلوها الران فتتشوش رؤيتها، وتنطمس بصيرتها، وتكّل مسيرتها، وتسقط قوتها من أثر هذا الصدأ. والقلوب تصدأ وتعتل بأمرين: بالغفلة إذا طالت، والذنوب إذا تتابعت، وجلاؤها من الذنوب بالاستغفار والتوبة، بأن يكثر الإنسان من الاستغفار الذي يتضمن توبة حقيقية، وليس الاستغفار الذي يكون جاريًا على اللسان بمجرده من غير قصد التوبة، والرجوع والأوبة من الذنب. أما الغفلة فجلاؤها لزوم منزلة اليقظة والبصيرة، ومداومة الذكر والدعاء.
وحتى تنشط القلوب من عقالها، وتخطو في درب السائرين، وتدخل في زمرة المتنافسين، فإنها تحتاج قبل شهر رمضان للشحذ والتجلية، فالسير إلى الله تُقطع مسافاته بالقلوب المشحوذة، لا بالقلوب الصدأة المعلولة، ولعل تلك الغاية تبرزها حكمتها في حض الشارع على التهيؤ لشتى العبادات والتأهيل القلبي لها قبل الشروع فيها والتلبس بها. فيشرع الاجتهاد وخصوصاً كثرة الصيام والذكر وقراءة القرآن في شهر رجب وشعبان، ويستحب إخراج الزكاة قبل رمضان لإغناء الفقراء في هذا الشهر الفضيل، ولتعويد القلب والنفس على العطاء والسخاء وتطهيرهما من الشح والبخل قبل شهر رمضان.
الركيزة الرابعة: الاثبات والمداومة
فمن هدي الحبيب -صلى الله عليه وسلم- الحرص على اثبات العمل وديمومته مهما كان حجمه من أجل تعويد القلب النفس على لزوم طريق العبودية والترقي فيها. فالإثبات والمداومة تترك في النفوس والقلوب آثاراً لا تمحى، وعلامات لا تختفي مهما اعترت الانسان من خطوب وخفت حماسه وذهبت شرته. فالمداومة تحفظ رأس المال وتضع خطوطاً حمراء للعبادة والإيمان لا يتجاوزها الإنسان أبداً.
الركيزة الخامسة: انتهاز الفرص
بالحرص على اغتنام الفرص المتاحة حين تلوح، خاصة أوقات الفراغ والصحّة والأزمان الفاضلة وفي مقدمتها شهر رمضان، مع مراعاة الانقطاع، والتركيز العقلي في العبادات. إذ إن الاستحضار العقلي لمبدأ امتثال العبودية هو بوابة حضور وجدان أدب العبودية واستشعار معانيه الإيمانية.
بهذا يستطيع المرء الجمع بين الكمّ والكيف بسهولة، إذ تمثل معضلة ضيق الوقت مع ازدحام المطالب وتعارض الغايات السبب الرئيس في حدوث إشكالية تعارض الكمً مع الكيف في العبادة، ومتى أوجد العبد لنفسه المساحات الكافية بعد تفريغ وقته من الثانويات، وحسن التخطيط لأولوياته وضرورياته، أمكنه تحقيق المعادلة الصعبة في المزاوجة بين الكمّ والكيف.
التعليقات