اقتباس
ولا شكَّ أن شهر رمضان يُعَدُّ فرصة عظيمة لطلب الاستعانة من الله -عز وجل-، وإنْ كانت مطلوبة في كل وقت من أوقات السنة، إلَّا أنَّ دخولها في باب الدعاء أرجى قبولًا فيه، على هذا يمثل هذا الشهر الفضيل...
بينما تأخذ دورات إدارة الوقت حيزًا كبيرًا في مجالِ التنميةِ البشرية، فإنَّ تطبيقها الفعلي ربَّما يأخذُ بأنفاسِ المحاولين، ويجهدهم كثيرًا في سبيل تنظيم الوقت، ولو بالحدِّ الأدنى لِمَا سمِعوا عنه وقرأوه، وتزداد الفجوة دائمًا بين النظري والتطبيقي في مثلِ هذه المجالات بدرجةٍ ملحوظة، ولا يتأتَّى العلاجُ إلَّا توفيقًا وإبداعًا، وببذل مزيد من التجربة والجهد والإصرار!
وثمة أمورٌ تقوِّي الفرصة لإدارةٍ أنسبَ للوقت، والاستفادة القصوى منه، ومنها: (الاستعانة بالله -تعال-، المجال الزمني، حصر الأهداف وتقسيم الوقت، تركيز المهام وتجديد النشاط، مصاحبة ذوي الهمم، القراءة التحفيزية):
فالاستعانةُ بالله -تعالى- مطلوبةٌ في كل الأوقات والأحوال، ولا سبيل لحركة إلَّا بتوفيق الله -عز وجل-، وكل اجتهاد يصبح هو والعدم سواءً، إنْ لم يُحالِفْه توفيق من الله، وصدق القائل:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى *** فأوَّلُ ما يجني عليه اجتهادُه
ومن أهم الأمور المتحصلة في هذا الباب؛ أن يُوفِّق اللهُ العبدَ لينالَ توفيقًا من لدنه، ألمْ ترَ كيف كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو الله -تعالى- أن يثبت قلبه على دينه، وأن يعينه على ذكرهِ وشكرهِ وحسنِ عبادتهِ، ويدخل فيه أيضًا من أمور الإخلاص، وحسن الظن والدعاء وأداء الطاعات وغير ذلك، ما لا يتَّسِع المقام لذكره.
ونقصد بالمجال الزمني هنا؛ تحري الأوقات المحصورة بزمنٍ معين؛ كالاستعداد للصلوات في أوقاتها، أو الاستعداد لصلاة الجمعة وما يستلزمه من تجهيزات وترتيبات معينة، أو الاستعداد لصيام رمضان وقيامه على الوجه المطلوب، وغير ذلك من الأمور المحصورة في توقيت زمني يُلزم صاحبه أن يُديرَ وقته وفقًا له، حتى لا يخرج من الوقت ولم يؤدِّ شيئًا يُذكَر!
ومن أهم العوامل في إدارة الوقت، حصر الأهداف وتحديدها، فالأهداف المنشودة ربما تكون بالكثرة والتدفُّق بما لا يسع الوقت إنجازها؛ لذا فإنَّ التشتُّت لا يُحقِّق أهدافًا، ويكون سببًا رئيسًا في إهدار الوقت وعدم الاستفادة منه، وفي هذا الإطار ينبغي تقسيم الوقت حسب ما تمَّ تحديده من أهداف، ففي شهر رمضان على سبيل المثال، نجد أنفسنا أمام هدفٍ ما، وليكن حضور صلوات التراويح في جماعة كل ليلة، فلتحقيق هذا الهدف، علينا أن نُنظِّم وقتنا، وننجز المهامَّ اليومية الأخرى، بالطريقة التي تجعلنا مُتفرِّغين لصلاة التراويح.
وهذا الأمر متعلقٌ بما يُسمَّى تركيز المهام في زمنٍ مُحدَّد، ويلزم له قدرًا من النشاط والحيوية والبُعْد عن التراخي والكسل، فأداءُ الصلواتِ في أوقاتها في جماعةِ المسجد يَستلزم الاستعداد لها كمهمة ضمن المهام اليومية المجدولة ذهنيًّا على الأقل، تجعل صاحبها يقوم إليها متحفِّزًا كأنما نَشطَ من عِقال!
وفي أداءِ الصلوات في جماعة المسجد، ملمحٌ لطيفٌ لعلوِّ الهِمَّةِ، وعدم التداعي إلى الكسل؛ إذْ يُقرِّبُ من مُصاحبةِ ذَوي الهِمَمِ، ومُعتادي المساجد، المشهود لهم بالإيمان، فتألفُ النَّفْسُ معاشرتهم، وتعتاد صنيعهم، وتحذو حذوهم.
ومصاحبةُ ذوي الهمم أمرٌ ضروريٌّ جدًّا في إدارة الوقت وتنظيمه، فالإنسانُ إزاء تنظيم وقته، يحركه محفِّزان: محفزٌ خارجي، يكون من مكوناته الصحبةُ النشطة ذوو الهِمَم والبأس الشديد، ثم محفزٌ داخلي، يتمثَّل في نداءات النفس، وتحريك الرغبات لإنجاز الأهداف وفق وقت معين، وربما للقراءة التحفيزية دورٌ كبيرٌ في ذلك؛ فعن طريقها يُطالعُ المرءُ آليات عديدة، وطرق سديدة لإدارة الوقت وتنظيمه، ويطَّلع أيضًا على نماذج قديمة وحديثة في هذا المجال، بما يكون داعيًا مؤثرًا نوعًا ما لتوجيهه نحو إدارة وقته الإدارة المثلى.
ولا شكَّ أن شهر رمضان يُعَدُّ فرصة عظيمة لطلب الاستعانة من الله -عز وجل-، وإنْ كانت مطلوبة في كل وقت من أوقات السنة، إلَّا أنَّ دخولها في باب الدعاء أرجى قبولًا فيه، على هذا يمثل هذا الشهر الفضيل حيزًا زمنيًّا مناسبًا لإدارة الوقت على الوجه السليم، واتخاذه أساسًا لباقي الشهور، كأنَّ أيام هذا الشهر بمثابة دورة تدريبية تطبيقية لإدارة الوقت، تمتدُّ طيلة أيام السنة في ظلِّ ما اكتسبه المرء من مهارات حصر الأهداف وآليات تقسيم الوقت خلال تلك الأيام المباركة، التي تكون فيها درجة الاستعداد مشتعلة، ووهج التصميم على أشده، ولسان الحال يتمثل قول القائل:
قد رشَّحوكَ لأمرٍ إنْ فطِنتَ لهُ *** فاربأْ بنفسكَ أن ترعى مع الهَمَلِ
فلا غرو إذًا أنْ تجدَ من يُقيم رمضان إيمانًا واحتسابًا لديه خبرات متراكمة لإدارة الوقت يستطيع من خلالها تركيز المهام وتجديد النشاط لتنفيذها، في بيئةٍ نشطةٍ من حوله، وقد رأى أصحابَ الهمم في أنشط حال، وأسرع حركة ومسارعة؛ لإنجاز ما يهدفون إليه في الوقت المناسب بلا هدرٍ ولا تضييع، يحركه أيضًا بواعث النفس التي تروم العلا، وتتطلع إلى كل تقدُّم، مما رأت من خلال قراءاتها ومطالعتها ما يحفزُ فيها الإرادة، وينمي فيها العزيمة والتحدي!
المصدر/ الألوكة
التعليقات