عناصر الخطبة
1/ تشويق العصاة والمذنبين للتوبة 2/ فضل العتق من النار وأصناف عذابها 3/ أسباب النجاة من الناراهداف الخطبة
اقتباس
نعمة عظيمة، ومنحة جليلة، يجود بها ربنا الكريم على عباده تفضلاً منه ومِنة، وقد يسر الله سبلها وهيأ لعباده أسبابها في هذا الشهر المبارك، شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران. فيا من كنت مذنباً ومقصراً وغافلاً: عُـدْ إلى ربك، وتبْ إليه، وقِفْ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد:
مع نعمة أخرى وعطية من عطايا الرحمن التي يتفضل بها على عباده في شهر الصيام والقرآن، بها ينجو العباد من العذاب والهلاك والهوان، وبها يدخل العباد دار السلام ويتبوؤون مقاعدهم في أعالي الجنان؛ ذلكم هو: العتق من النيران؛ نعمة عظيمة، ومنحة جليلة، يجود بها ربنا الكريم على عباده تفضلاً منه ومِنة، وقد يسر الله سبلها وهيأ لعباده أسبابها في هذا الشهر المبارك، شهر الرحمة والغفران والعتق من النيران.
فيا من كنت مذنباً ومقصراً وغافلاً: عُـدْ إلى ربك، وتبْ إليه، وقِفْ ببابه مقراً معترفاً، ذليلاً منكسراً، خائفاً راجياً، وأبشرْ بعد ذلك بمغفرة الله ورحمته وعتقهِ لك من النار.
ما أحوجنا إلى العتق من النار؛ ونحن المقصرون المذنبون، المفرطون المسيؤون.
ما أحوجنا إلى العتق من النار؛ ونحن من أمرنا الله فقصّرْنا، ونهانا فعصينا.
ما أحوجنا إلى العتق من النار؛ ونحن الفقراء الضعفاء الأذلاء، لا طاقة لنا على حرها وسمومها، ولا قوة لنا على بأسها وعذابها.
العتق من النار أن يُنجيَكَ الله من عذاب النار، وأن يحفظك من حَرّها وسمومها، وأن يحول بينك وبين لهبها وحريقها.
العتق من النار أن يكتب الله لك السلامة من نار لا يَهدأ زفيرُها، ولا يُفكّ أسيرُها، ولا يُجبرُ كسيرها.
حَرّها شديد، وقعرُها بعيد، وماؤها صديد، ومقامعها الحديد. طعامُ أهلها الزقوم، وشرابهم الصديد، ولباسهم القطِرَان والحديد.
العتق من النار أن تنجوَ من النار التي لطالما تقرّحت عيون الصالحين من البكاء خوفًا منها، ولطالما لجّوا إلى ظلم الليالي بالدعاء فرَقا منها، أقضَّت مضاجع، وأسالت مدامع، كم أحزنَ ذكرُها مِنْ فرح؟ وكم كدّر حديثها مِنْ مَرح؟
العتق من النار أن تنجوَ من النار التي لا يسكنُ ألمها، ولا يتوقف عذابها، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) [النساء: 56].
العتق من النار أن تنجوَ من النار التي يصيح أهلها ويستغيثون، يسألون التخفيف من عذابها: (فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ) [البقرة: 86]، قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ) [غافر: 49 - 50].
العتق من النار أن تنجوَ من النار التي يصيح أهلها ويستغيثون، يسألون الموت فلا يجدونه، قال تعالى: (إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ * لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ * وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ * وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ * لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ) [الزخرف: 74 - 78].
العتق من النار أن تنجوَ من النار التي يصيح أهلها ويستغيثون، يسألون الخروج منها فلا يسمعون إلاَّ التوبيخ والتقريعَ واللوْمَ والعتاب: (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) [الحجر: 48]، قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) [فاطر: 36 - 37]، يريدون الخروج منها فلا يستطيعون: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) [السجدة: 20].
العتق من النار أن تنجوَ من النار التي يشكو أهلها من شدّة الجوع، فلا يجدون إلا شجرة الزقوم، طعمها مُرّ، ومنظرها قبيح: (إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ) [الدخان: 43 - 46]، (إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ) [الصافات: 63 - 65].
العتق من النار أن تنجوَ من النار التي يشكو أهلها من شدّة العطش، فلا يجدون إلا صديدا منتنا لا يُستساغ، وحَميما يَغلي فيُقطّعُ الأمْعاء، قال تعالى: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا) [الكهف: 29]، وقال عز وجل: (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) [محمد: 15]، وقال سبحانه: (وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ) [إبراهيم: 15 - 17]، لو كان في الدنيا لمات، فالجلود قد نضجتْ، والأمعاء قد تقطعتْ، وكلّ أسباب الهلاكِ قد تحققتْ، ولكنْ لا موتَ: (وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) [إبراهيم: 17].
يشتهون الماء البارد، وقد حِيلَ بينهم وبين ما يشتهون، فيقولون لأهل الجنة: (أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) [الأعراف: 50]، فيقولون لهم: (إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ * الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) [الأعراف: 50 - 51].
العتق من النار أن تنجوَ من النار التي يظنّ أهوَنُ الناس فيها عذابا أنه أشد الناس عذابا من شدة ما يجده من الألم المستمر الذي لا يفارقه، أخرج البخاري ومسلم عن النُّعْمَان بن بشير -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ القِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ فِي أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَةٌ، يَغْلِي مِنْهَا دِمَاغُهُ"، وفي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أهوَنَ أهل النار عذابا مَنْ له نعلان وشِراكان من نار، يغلي منهما دماغه كما يغلي المِرْجَلُ، ما يرى أنّ أحدا أشدّ منه عذابا، وإنه لأهْوَنُهم عذابا" (والمِرْجل: القِدْرُ من النحاس أو الحجارة).
العتق من النار أن تأمَنَ حينَ يخاف العصاة، وأن تفرحَ حين يَحزن العصاة، وأن تسعَدَ حين يشقى العصاة: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) [فصلت: 30 - 32].
العتق من النار أن تنال ثوابا لا حدّ له، وعطاء لا حَصْرَ له، وفوزا لا شقاء بعده أبدا: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ) [آل عمران: 185].
نسأل الله -تعالى- أن يجعلنا من الفائزين، وأن يجعلنا من المعتَقين.
يا من تريد النجاة من النار: أقبلْ على الصيام مؤمنا محتسبا، وأقبلْ على القيام مؤمنا محتسبا، وأقبلْ على الطاعات بعزيمة وثبات، وابتعدْ عن الفواحش والمنكرات خوفا ورجاءً.
اجتهدْ في رمضان، فإنه طريقك إلى العتق من النيران، أخرج ابن حبان وابن خزيمة والحاكم والترمذي وابن ماجة والبيهقي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقصِرْ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنَ النَّارِ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ"، وروى الإمام أحمد في المسند وابن ماجة في سننه والطبراني في الكبير عن أبي أمامة وجابر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّ لله عند كلّ فِطْر عُتقاءَ، وذلك في كلّ ليلة".
حافِظْ على صيامك في رمضان، وأكثرْ من الصيام بعد رمضان؛ ففي الصيام وقاية للعباد من النار، أخرج الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ النَّار"، وفي الصحيحين وغيرهما عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، بَعَّدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا"، وأخرج الترمذي والطبراني عَنْ أَبِي أُمَامَةَ البَاهِلِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ".
يا من تريد النجاة من النار: قوِّ إيمانك بالله، وأخلصْ توحيدك لله؛ ففي الصحيحين عن أَنَس بْن مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لمعاذ -رضي الله عنه-: "مَا مِنْ أَحَدٍ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، صِدْقًا مِنْ قَلْبِهِ، إِلَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ"، وفي الصحيحين عن عِتْبَانَ بْن مَالِكٍ الْأَنْصارِيَّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ".
يا من تريد النجاة من النار: استعذ بالله من النار؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا تشهّدَ أحدُكم فليستعِذْ بالله مِن أربع؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر فتنة المسيح الدجال".
يا من تريد النجاة من النار: كن خاشعا لله، منكسرا ذليلا بين يديه؛ فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرُسُ في سبيل الله" (أخرجه الترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع).
يا من تريد النجاة من النار: حافظْ على الصلوات في أوقاتها مع الجماعة؛ فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى لله أربعين يوما في جماعة، يُدرك التكبيرة الأولى، كُتِبَ له بَرَاءَتان: بَرَاءة من النار، وبراءة من النفاق" (رواه الترمذي وحسنه الألباني في صحيح الجامع).
يا من تريد النجاة من النار: ابتعِدْ عن الشهوات مما حَرّمه الله، فرمضان جاء ليربينا على ترك الشهوات التي أوقعت كثيرا من الناس في المعاصي والمنكرات، كم من إنسان غلبته شهوته فقادته إلى الحرام! أوقعته في الفاحشة! أوقعته في الرذيلة! هَتَكَ أعراضا بسببها! وسَفكَ دماء بسببها! ونهَبَ أموالا بسببها! واعتدى على حقوق بسببها!
ابتعِدْ عن الشهوات، وحَرّرْ نفسك من عبودية الشهوات، فإنها طريق إلى النار؛ ففي صحيح مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "حُفَّتِ الْجَنَّة بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ".
يا من تريد النجاة من النار: اجعلْ لنفسك وقاية من النار، بطاعتك لله واجتنابك لمعصيته؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) [التحريم: 6]، وقال تعالى: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [آل عمران: 131]، وفي الصحيحين عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ ذَكَرَ النَّارَ فَأَشَاحَ بِوَجْهِهِ فَتَعَوَّذَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ: "اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فبكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ".
عباد الله: إذا كنا نخافُ من النار، فلماذا نحنُ على الذنوب عاكفون، وللمعاصي فاعلون، وعن طاعة ربنا غافلون؟! نِمْنا وتوانيْنا عن الطاعات! وقارَفنا وارتكبنا السيئات! كذَبْنا واغتبنا وسبَبنا وشتمنا! وغفلنا عن عبادة الله ومناجاته!
ألسْنا نشكو من حرّ الصيف، وهو لنا عبرة وعظة؟ فماذا عن حرّ جهنم؟ الجواب: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) [التوبة: 81].
فوا عجبًا لمن يقرَع سمعَه ذِكرُ السّعير، وهو من عذابها غيرُ مستجير!
واعجبا لمن لا يطيق حرارة الشمس، كيف له أنْ يَقوَى على حرّ جهنم!
فانجُ بنفسك -يا عبدَ الله- واجعلْ همّك وشُغلك الشاغل الفرارَ والنجاة من النار، فإنك إن نجوْتَ من النار دخلتَ الجنة، ومن دخلَ الجنة فقد فاز فوزا عظيما
فاللهم أعتقْ رقابنا من النار، اللهم أعتقْ رقابنا من النار، اللهم أعتقْ رقابنا من النار.
اللهم أعتق رقابنا ورقابَ آبائنا وأمهاتنا وأجدادنا وسائر قرابتنا والمسلمين أجمعين من النار، يا عزيز يا غفار.
اللهم إنا نعوذ بك من النار، اللهم إنا نعوذ بك من النار، اللهم إنا نعوذ بك من النار.
يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، يا رب العالمين.
اللهم اجعلنا في هذا الشهر من المرحومين، واجعلنا فيه من الفائزين، واجعلنا فيه ممن قبلت منهم الصيام والقيام وأعتقت رقابهم من النيران، يا رب العالمين.
وصَلّ اللهم وسلمْ وبارك على حبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: 180 - 182].
التعليقات