عناصر الخطبة
1/بركات ورحمات شهر رمضان 2/الصبر من أفضل ما يتعلم المسلم من رمضان 3/تعريف الصبر وبيان بعض فضائله 4/الوصية باغتنام العشر الأواخراقتباس
لقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يجتهدُ في العشر الأواخرِ ما لا يجتهدُ في غيرها، وكان إذا دخلت شدَّ مئزَره، وأيقظَ أهلَه، وأحيا ليلَه، فجِدُّوا -أيها المبارَكون- واجتهِدوا، وأرُوا اللهَ مِن أنفسكم خيرًا، فهذا أوانُ الجِدِّ والاجتهادِ، والتزوُّدِ ليومِ المعادِ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي منَح أحبابَه حلاوةَ الطاعة، ومنَعَهم من اللغو واللهو والإضاعة، وخصَّهم بأجزلِ حظٍّ وأفضلِ بضاعةٍ، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةَ رضًا ويقين وقناعة، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صاحب المقام الأرفع والوسيلة والشفاعة، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى قيام الساعة.
أما بعدُ: فأوصيكم -أيها الناسُ- ونفسي بتقوى الله؛ فاتقوا الله -رحمكم الله-، واذكروا أنكم في موسم عظيم، وزمن كريم، طوبى لمن صام نهارَه وصان صيامَه، وقام ليلَه فأحسَن قيامَه، أكبَّ على تلاوة القرآن، وحَفِظَ الجوارحَ عن العصيان، وعمَّر بالخير القلب والأردان.
عبادَ اللهِ: ما زال شهرُ رمضانَ يُظِلُّ أهلَ الإسلامِ بأنواره، ويُفيضُ عليهم من أسرارِه، ممَّا به صلاحُ نفوسِهم، ونَقاءُ أرواحِهم، واستقامةُ أخلاقِهم.
وإنَّ مِنْ خيرِ ما يَغنَمُهُ الصائمُ من جليلِ الخِلالِ، وجميلِ الخِصالِ: الصبرَ، كيف لا! وقد سمَّى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- رمضانَ شهرَ الصبرِ بقوله: "صومُ شهرِ الصبرِ وثلاثةِ أيامٍ مِنْ كُلِّ شهرٍ صومُ الدهرِ"(أخرجه الإمامُ أحمدُ)؛ ففي الصومِ حَبْسٌ للنفسِ عن شهواتها، وصبرٌ منها على ذلك، طاعةً لله وقُربى، فكان الجزاءُ الرباني: "الصومُ لي وأنا أَجزِي به"، وما أَبْلَغَهُ مِنْ جزاءٍ، وأسبَغَه مِنْ عطاءٍ!
أيها المسلمون، أيها الصائمون القائمون: الصبرُ جِماعُ الأمرِ، ونِظامُ الحَزمِ، ودِعامةُ العقلِ، وقوةٌ في النفسِ تَمنَعُ صاحِبَها مِن فِعلِ ما لا يَحْسُنُ، أمر الله -تعالى- به فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200]، وهو -سبحانه- يحب الصبرَ وأهلَه؛ حيث يقول: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 146]، والصابرون في مَعِيَّةِ ربِّهم، يكلؤهم برعايته وعنايته، قال سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[الْأَنْفَالِ: 46]، وقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ومَنْ يَتصبَّرْ يُصبِّرْهُ اللهُ، وما أُعْطِيَ أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسعَ مِنَ الصَّبْرِ"(أخرجه البخاري ومسلم)، وقال عمرُ -رضي الله عنه-: "وَجَدْنَا خَيْرَ عَيْشِنَا بالصبرِ".
وإن من خيرِ الصبرِ -يا رعاكم الله-: الصبرَ على الطاعات، والصبرَ عن المحرَّمات، فذاك أساسُ الإيمانِ، وسِمةُ الإحسانِ؛ قال الحق -سبحانه-: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ)[مَرْيَمَ: 65]، فالصبرُ على الطاعات بالمحافَظة عليها، والإخلاصِ فيها، وحُسنِ إقامتِها، والصبرُ عن المحرَّمات بالخوفِ من الوعيد عليها، والبُعدِ عن أسبابها.
وإذا لَزِمَ العبدُ الصبرَ أتَته وُفودُ البُشرى، فرُزِقَ التوفيقَ، وأُضيءَ له الطريقُ، وكانت عُقباه فَلَاحًا ونصرًا، قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "الصَّبْرُ ضِيَاءٌ"(أخرجه مسلم)، وقال عليه الصلاةُ والسلامُ لابن عباسٍ -رضي اللهُ عنه-ما-: "واعْلَمْ أنَّ النصرَ مع الصَّبْرِ"(أخرجه الإمامُ أحمدُ)، ثم الثوابُ العميم، والجزاءُ العظيم، من لَدُنِ الجوادِ البَرِّ الكريمِ: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزُّمَرِ: 10]، (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)[الْإِنْسَانِ: 12]، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ -رحمه الله-: "لـمَّا كان في الصبرِ مِنْ حبسِ النفسِ والخشونةِ والتعبِ والنَّصَبِ ما فيه، كان الجزاءُ عليه بالجَنَّةِ التي فيها السَّعَةُ، والحريرِ الذي فيه اللِّينُ والنُّعومةُ، والاتكاءِ الذي يتضمَّنُ الراحةَ، والظِّلالِ المُنافيةِ للحَرِّ".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[آلِ عِمْرَانَ: 186].
بارَك اللهُ لي ولكم فيما أنزل من البينات والهدى، ونفعني وإيَّاكم بسنة خير الورى، أقول ما سمعتم، وأستغفِر اللهَ لي وليكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفِروه، إنَّه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، يَخلُق ما يشاء ويختار، نِعَمُه غِزارٌ، وفضلُه مدرارٌ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم القرار.
أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله-، واظفروا من شهركم بخيراته قبل فواته، فعمَّا قريبٍ تَنزِل بكم عَشرُه الأخيرةُ، أَشرَفُ أوقاتِه، فيها ليلةُ القدرِ، التي هي خيرٌ من ألفِ شهر؛ (تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)[الْقَدْرِ: 4-5].
ولقد كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يجتهدُ في العشر الأواخرِ ما لا يجتهدُ في غيرها، وكان إذا دخلت شدَّ مئزَره، وأيقظَ أهلَه، وأحيا ليلَه، فجِدُّوا -أيها المبارَكون- واجتهِدوا، وأرُوا اللهَ مِن أنفسكم خيرًا، فهذا أوانُ الجِدِّ والاجتهادِ، والتزوُّدِ ليومِ المعادِ، ورحِم اللهُ امْرَأً أيقَظ قلبَه من الغفلة والسِّنَةِ، وقَدَّم لنفسه من العمل أحسَنَه.
ثم صلُّوا وسلِّموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبيكم محمد رسول الله، فاللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والأصحاب أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، ، واحم حوزة الدين، وانصر عبادك المؤمنين، اللهم فَرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمين، ونَفِّسْ كربَ المكروبينَ، واقضِ الدَّينَ عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحقِّ والتوفيقِ والتسديدِ إمامَنا ووليَّ أمرنا، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهده لِمَا فيه صلاح البلاد والعباد يا ربَّ العالمينَ، اللهم سدد جندنا المرابطين في الحدود والثغور، كن لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيدا وظهيرًا، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، وارزقنا الزلفى لديك يا ذا الجلال والإكرام.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
التعليقات