عناصر الخطبة
1/الأخوة الإيمانية بين المؤمنين 2/تراحم المؤمنين وتآلفهم 3/حقوق الأخوة بين المسلمين 4/الولاء للمسلمين والتألم لآلامهم 5/الدعاء للمستضعفين.

اقتباس

فَرَحٌ لِفَرَحِ المُؤْمِنِينَ، وحُزْنٌ عِنْدَ مُصابِهِم، اسْتِبْشارٌ بِعُلُوِّ المُسْلِمِينَ، وتَأَلُّمٌ لِآلامِهِم. قِيامٌ بِما أَوْجَبَهُ اللهُ تِجاهَهُم، عَوْنٌ لَهُمْ عِنْدَ الحَاجَةِ، ومُسانَدَةٌ لَهُم عِنْدَ الضَّعْفِ، ونُصْرَةٌ لَهُمْ عِنْد الْمَظْلَمَةِ، جَسَدٌ واحِدٌ، أَلَمُ عُضْوٍ مِنْهُ أَلَمٌ لِلْجَسَدِ، وتَوَجُّعُ جارِحَةٍ مِنْهُ تَوَجُّعُ للرُّوْح...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أَيُّها المُسْلِمُون: أُمَّةُ مُؤْمِنَةٌ أَلَّفَ اللهُ بَينَها، مُتَراحِمَةٌ مُتآزِرَةٌ مُتَآخِيَةٌ مُتَناصِرَة؛ (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[الأنفال: 63].

 

جَمَعَ اللهُ قُلُوبَ المؤْمِنِينَ على الإِيْمانِ، فَكانُوا إِخوةً في الدِّيْنِ مُتآلِفِيْن؛ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)[الحجرات: 10]؛ (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا)[آل عمران: 103].

 

عَنْ عَبْدِ اللهِ بن عُمَرَ -رَضيَ الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قَال: "المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ، ولا يُسْلِمُهُ، مَنْ كانَ في حَاجَةِ أَخِيْهِ كَانَ اللهُ في حَاجَتِهِ، ومَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِها كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القِيامَةِ، ومَنْ سَتَرَ مُسْلِماً سَتَرَهُ اللهُ يَومَ القِيامَة"(رواه البخاري ومسلم).

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "وكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ؛ لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ ولا يَكْذِبُه ولا يَحْقِرُه"(رواه مسلم).

 

"وكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا"؛ أُخُوَّةٌ في الدِّينِ تَعْلُو عَنْ رُبَى النَّسَبِ، أُخُوَّةٌ في الدِّيْنِ تَمْتَدُّ، فَلا زَمانَ يَحُدُّها، ولا مَكانَ يَحْصُرُها.

 

فَأَيْنَمَا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ في بَلَدٍ *** عَدَدْتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي

 

أُخُوَّةُ الدِّينِ تَمْتَدُّ في الأَرْضِ، لِتَتَّصِلَ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وإِنْ بَعُدَ مَكانُهُ. أُخُوَّةٌ تَتَخَطَى الحَواجِزَ والحُدودَ لِتَبْلُغَ في أَقاصِي الدِيارِ بُغْيَتَها. أَوْثَقَتِ الشَّرِيْعَةُ أَواصِرَها. أَثْبَتَها اللهُ لِكُلِّ مُؤْمِنٍ وإِنْ بَعُدَتْ دَارُه. وحَجَبَها عَنْ كُلِّ كَافِرٍ ومُنافِقِ وإِنْ دَنا جِدَارُه.

 

فقد نُهِيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُصَلِّيَ على أَحَدٍ مِن المنَافِقِين وقَد كانُوا يُصَلُّونَ في المَسْجِدِ مَعَه؛ (وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ)[التوبة: 84].

 

ولَمَّا ماتَ النَّجَاشِيُّ في أَرْضِ الحَبَشَةِ قَامَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى عليه صَلاة الغائِبِ وهُوَ في المَدِينَة. قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: نَعَى لنا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- النَّجاشِيَّ صَاحِبَ الحَبَشَةِ، يَومَ الذي ماتَ فِيهِ، فقالَ: "اسْتَغْفِرُوا لأخِيكُمْ"، وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "خرج بهم رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- إلى المُصَلَّى، فصفَّ بهم، وكَبَّرَ أَرْبَعًا"(متفق عليه).

 

وكَما امْتَدَّتْ أُخُوَّةُ الدِّينِ إِلى كُلِّ مَكانٍ؛ فَقَدْ امْتَدَّتْ أُخُوَّةُ الدِّينِ إِلى كُلِّ زَمَان، يَسْتَغْفِرُ المُؤْمِنُ لِمَنْ سَبَقَهُ مِن المُؤْمِنِينَ ويُحِبُّهُم ويَتَولاهُم؛ (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ)[الحشر: 10].

 

كَما يُشْفِقُ المؤْمِنُ عَلى مَنْ سَيَخْلُفُهُ مِن المؤْمِنِينَ مِنْ بَعْدِه، ويُحِبُّهُم ويَتَولاهُم، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عنْه- أَنَّ رسُول اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أَتَى المَقْبَرَةَ فَقَالَ: "السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَار قَومٍ مُؤْمِنينِ، وإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّه بِكُمْ لاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رأَيْنَا إِخْوانَنَا، قَالُوا: أَولَسْنَا إِخْوانَكَ يَا رسُول اللَّهِ؟ قَالَ: "أَنْتُمْ أَصْحَابي، وَإخْوَانُنَا الّذينَ لَم يَأْتُوا بعد.."(الحديث رواه مسلم).

 

إِنَّها أُخُوَّةُ الدِيْنِ وكَفَى، مِنْ أَوْثَقِ عُرَى الإِيْمانِ، ومِنْ آكَدِ أَوامِرِ الدِّين. أُخُوَّةٌ تَقْتَضِي المَحَبَّة والمَوَدَّة، والمُوالاة والنُّصْرَة، والعَوْن والتأَيِيد؛ (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)[التوبة: 71].

 

فَرَحٌ لِفَرَحِ المُؤْمِنِينَ، وحُزْنٌ عِنْدَ مُصابِهِم، اسْتِبْشارٌ بِعُلُوِّ المُسْلِمِينَ، وتَأَلُّمٌ لِآلامِهِم. قِيامٌ بِما أَوْجَبَهُ اللهُ تِجاهَهُم، عَوْنٌ لَهُمْ عِنْدَ الحَاجَةِ، ومُسانَدَةٌ لَهُم عِنْدَ الضَّعْفِ، ونُصْرَةٌ لَهُمْ عِنْد الْمَظْلَمَةِ؛ (وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ)[الأنفال: 72].

 

اقْتِداءٌ بِهَدْيِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- وبِهَدْيِ  أَصْحابِهِ؛ (مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ)[الفتح: 29]؛ (رُحَماءُ بَيْنَهُم) جَسَدٌ واحِدٌ، لا تَنَافُرَ بَينَ أَعْضائِهِ، ولا تَهاجُرَ بَيْنَ أَجْزائِهِ. جَسَدٌ واحِدٌ لا يَنْفَكُّ بَعْضُهُ عَنْ بَعْض. أَلَمُ عُضْوٍ مِنْهُ أَلَمٌ لِلْجَسَدِ، وتَوَجُّعُ جارِحَةٍ مِنْهُ تَوَجُّعُ للرُّوح.

 

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قَال: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"(متفق عليه).

 

سِيرَةُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- حَافِلَةٌ بِتِلْكَ المَعانِي شَاهِدَة، قَالَ جَرِيرُ بنُ عَبْدِ اللهِ -رَضي الله عنه-: "كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- في صَدْرِ النَّهَارِ، فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ، مُجْتَابِي النِّمَارِ أَوِ العَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُمْ مِن مُضَر -أَيْ مِنْ قَبِيْلَةِ مُضَر-، بَلْ كُلُّهُمْ مِن مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- لِما رَأَى بهِمْ مِنَ الفَاقَةِ؛ -أَيْ مِنْ شِدَّةِ الفَقْرِ-، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فأمَرَ بلَالًا فأذَّنَ وَأَقَامَ.

 

فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ؛ فَقَالَ: "تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِن دِينَارِهِ، مِن دِرْهَمِهِ، مِن ثَوْبِهِ، مِن صَاعِ بُرِّهِ، مِن صَاعِ تَمْرِهِ، حتَّى قالَ: ولو بشِقِّ تَمْرَةٍ"، قالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجزُ عَنْهَا، بَلْ قدْ عَجَزَتْ، قالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِن طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يَتَهَلَّلُ كَأنَّهُ مُذْهَبَةٌ"(رواه مسلم).

 

إِنَّهُ الولاءُ للمؤْمِنِينَ، تأَلُمٌ لِآلامِهِم، وتَوَجُّعُ لِمُصابِهِم؛ "فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- لِما رَأَى بهِمْ مِنَ الفَاقَةِ"؛ أَلَمٌ حَمَلَ على الجِدِّ في بَذْلِ الوُسْعِ لِرَفْعِ الكَرْبِ عَن المَكْرُوبِين؛ "فَدَخَلَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ خَرَجَ، فأمَرَ بلَالًا فأذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ دَعَا إِلى الصَّدَقَة".

 

فلَمَّا انْجَلَتِ الغُمَّةُ، وزالَتِ الضَّائِقَةُ؛ حَلَّت الطُمأَنِينَةُ والبُشْرَى في قَلْبِ سَيِّدِ المُرْسَلِين -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-؛ قالَ جَرِيرُ: "حَتَى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يَتَهَلَّلُ كَأنَّهُ مُذْهَبَةٌ"؛ (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ)[المائدة: 55- 56].

 

بارك الله لي ولكم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ وليّ الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رسول ربّ العالمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليماً.

 

أما بعد: فَاتَّقُوا اللهَ عِبادَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون.

 

أيها المسلمون: قَلْبُ المُؤْمِنِ قَلْبٌ مُشْرِقٌ بالإِيْمانِ، وَلاؤُهُ للهِ ولِرَسُولِهِ وللمؤْمِنِين، تَحْتَ لِواءِ الأُمَةِ بَاقٍ، وَعَلَى وَلائِها مُقِيم، لا يَنْفَكُّ عَنْ انْتِمائِهِ لأُمَّتِهِ لا فِيْ حَالِ سَرَّائِهِ ولا في حَالِ ضَرَّائِه، ولا في حَالِ شِدَّتِهِ ولا فِي حَالِ رَخَائِه.

 

مُؤمِنٌ لَيْسَ بالغَافِلِ عَنِ أَحْوَالِ أُمَّتِهِ ولَيْسَ بالمُتَغافِل، وليْسَ بالمُعْرِضِ عَنْ آلامِها ولَيْسَ بِالمُتَجاهِل. لَمْ يَصْرِفُهُ عَنْ وَلائِهِ للأُمَةِ لَهْوٌ، ولَمْ يَصُدُّهُ عَنْ ولائِهِ لَها لَعِب. يَسْلُكُ في سَبِيلِ رِفْعَةِ الأُمَّةِ كُلَّ سَبِيلٍ، ويَطْرُقُ في سَبِيْلِ عِزِّها كُلَّ فَجّ.

 

مَفْزَعُهُ للهِ ومُعْتَمَدُهُ عَلِيْه، إِنْ حَلَّ بالمُسْلِمِينَ فَاجِعَةٌ أَوْجَعَتْه، وإِنْ نَزَلَتْ بِهِم نَازِلَةٌ أَفْجَعَتْه. لا يَطِيبُ لَهُ لأَجْلِها قَرارٌ، ولا يَهْنأُ لَهُ لأَجْلِها عَيْشٌ، ولا يَهْدَأُ لَهُ لأَجْلِها بالٌ. فَما قَدِرَ عَلى سَبِيلٍ فِيْهِ مُؤَازَرَةٌ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ إِلا سَلَكَه.

 

وحِينَ تَضِيقُ أَمَامَهُ الأَسْبابُ، فَإِنَّهُ يُبْصِرُ أَمامَهُ أَوْسَعَ بَاب؛ يُبْصِرُ بَاباً إِلى السَّماءِ تُرْفَعُ مِنْهُ المَطالِبُ للحِيِّ القَيُّومِ الذي لا تَأَخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْم. مَلِكٌ جَبَّارٌ، قَادِرٌ قَهَّارٌ، يَسْمَعُ دُعاءَ الدَّاعِين، ويُجِيبُ دَعوةَ المُضْطَرِّين، ولا تَخْفَى عَليْهِ أَعْمالُ العَالَمِين.

 

يَقْصِدُ المُؤْمِنُ بَابَ السَّماءِ يَرْفَعُ إِلى اللهِ بَلْوًى لا يُطِيقُ العِبادُ لَها دَفْعًا، ويَشْكُو إِلى اللهِ نازِلَةً لا يُطِيْقُ العِبادُ لَها رَفْعًا، ويَسْتَمِدُّ مِنَ اللهِ لِلْمُسْتَضْعَفِينَ نَجاةً وفَرَجاً ونَصْراً (وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يونس: 107].

 

غَدَرَتْ قَبائِلُ مِنَ العَرَبِ بِبَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فَقَتَلَتْهُم، فَكانَتْ نازِلَةٌ مِنْ أَشَدِّ النَّوازِلِ على رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-؛ فعَنْ أَنَسٍ -رَضي الله عنه-:  أَنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- أتَاهُ رِعْلٌ، وذَكْوانُ، وعُصَيَّةُ، وبَنو لَحْيان  قَبائِلُ مِن العَرَب فزَعَموا أنَّهم قد أسْلَموا، واسْتَمَدُّوهُ على قَوْمِهم، فأمَدَّهمُ النَّبيُّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بسَبْعينَ مِن الأَنْصَارِ، قَالَ أَنَسٌ: كُنَّا نُسَمِّيهمُ القُرَّاء، يَحْتَطِبُونَ بالنَّهارِ، ويُصلُّونَ باللَّيلِ، حتَّى كَانُوا ببِئْرِ مَعُونَةَ  وهو مَكانٌ مَعْرُوفٍ  قَتَلُوهُمْ وغَدَرُوا بهِمْ، فَبَلَغَ ذلِكَ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو في الصُّبْحِ علَى أحْيَاءٍ مِن أحْيَاءِ العَرَبِ، علَى رِعْلٍ، وذَكْوَانَ، وعُصَيَّةَ، وبَنِي لَحْيَانَ. فَكانَ مِنْ دُعائِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ، وَالْعَنْ رِعْلًا، وَذَكْوَانَ".

 

كَما قَنَتَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- للمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المؤْمِنِينَ الذين حَبَسَهُم المُشْرِكُونَ في مَكَةَ، فَكانَ مِنْ دَعائِهِ؛ "اللَّهُمَّ أنْجِ عَيَّاشَ بنَ أبِي رَبِيعَةَ، اللَّهُمَّ أنْجِ الوَلِيدَ بنَ الوَلِيدِ، اللَّهُمَّ أنْجِ سَلَمَةَ بنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ أنْجِ المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ علَى مُضَرَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عليهم سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ"(رواه البخاري).

 

ومَا صَدَقَ إِيمانُ عَبْدٍ ضَعُفَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلاؤُه، وما أَدْرَكَ حَقِيْقَةَ الإِيمانِ مَنْ لَمْ يُحِبَّ للهِ وَيُبْغِضَ لله، ويُوالِي في اللهِ ويُعادِي في الله. ومَا بَلَغَ مَنْزِلَةَ العُبُودِيَّةِ مَنْ لَمْ يَتَضَرَّعِ إِلى الله. 

 

اللهمَّ إنه لا حول لنا ولا قوة إلا بك، كُن لنا ولياً ونصيراً.

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life