عناصر الخطبة
1/ ذم اتباع الهوى في القرآن والسنة 2/ مفاسد اتباع الهوى 3/ أهمية الابتعاد من الهوى والنجاة منه.
اهداف الخطبة

اقتباس

وما دخل الهوى في شيء إلا أفسده، ولا قارف شيئًا إلا أضر به؛ فإذا دخل الهوى في العلم أحاله إلى البدعة، وإذا دخل في العبادة أحالها إلى الرياء ومخالفة السنة، وإذا دخل في الحكم أحاله إلى الظلم والجور، وإذا دخل في الأخلاق أحالها إلى مصالح آنيَّة ورغباتٍ ومطامع دنيوية.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا؛ من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فما ترك خيرًا إلا دلَّ الأمة عليه، ولا شرًا إلا حذَّرها منه؛ فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أمَّا بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله فإنَّ تقوى الله خير زاد، (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة:197].

 

معاشر المؤمنين: في القرآن الكريم آياتٌ كثيرة تحذِّر من الهوى وتنهى عنه، وتبيِّن سوء عاقبته وخطر مآله، وفساد ثماره ونتائجه، وعواقبه الوخيمة على العبد في الدنيا والآخرة، وأنه من أعظم أسباب الضلال، ومن أكبر موجبات الهلاك والبوار، وأن متبِّع هواه مهلِكٌ لنفسه أيما هلاك؛ يقول الله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية:23].

 

ويقول الله تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) [الفرقان:43]، ويقول الله تعالى: (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) [النجم:23].

 

 ويقول الله تعالى: (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[القصص:50]. وفي القرآن آياتٌ كثيرة في هذا الباب، حتى قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: «ما ذكر الله الهوى في القرآن إلا ذمَّه»، أي لم يأت الهوى في القرآن إلا في مقام الذم والتحذير وبيان خطره العظيم ومغبته الجسيمة.

 

أيها المؤمنون: والهوى؛ كل ما خالف الحق من الأقوال والأفعال والمقاصد مما للنفس فيه حظٌ وميلٌ ورغبة.  وما دخل الهوى في شيء إلا أفسده، ولا قارف شيئًا إلا أضر به؛ فإذا دخل الهوى في العلم أحاله إلى البدعة، وإذا دخل في العبادة أحالها إلى الرياء ومخالفة السنة، وإذا دخل في الحكم أحاله إلى الظلم والجور، وإذا دخل في الأخلاق أحالها إلى مصالح آنيَّة ورغباتٍ ومطامع دنيوية.

 

أيها المؤمنون: والهوى شر عظيم وبلاء مستطير، وشأنه كما قال بعض السلف «الهوى داءٌ ومخالفته دواء»، نعم عباد الله؛ راحة المرء وقرة عينه وسعادته في دنياه وأخراه في مخالفة هواه، واتباع رضا مولاه جل في علاه.

الهوى -عباد الله- يدعو صاحبه لمقارفة لذةٍ حاضرة لا يتفكر في عواقبها، وشهوة عاجلة لا يتأمل في مآلاتها، وأيُّ خير في لذةٍ تُعقِب ندما وشهوة تورث ألما !! ولكن الهوى يُعمي ويُصم، وصاحب الهوى بعيدٌ عن التفكر في العواقب والمآلات كل البعد، همُّه آني وبغيته عاجلة، ولا فِكر عنده في العاقبة.

 

أيها المؤمنون: ولا يزال العبد كل يوم في صراع مع الهوى، فلا يصبح إلا والهوى يعرِض له مرة تلو الأخرى؛ فهو في صراع، قال أبو الدرداء -رضي الله عنه-: «إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعقله؛ فإن كان عقله تابعًا لهواه فيومه يوم سوء، وإن كان هواه تبعًا لعقله فيومه يوم صلاح»، أي أن من حكَّم هواه أهلكه وأفسد عليه يومه كله.

 

معاشر المؤمنين: الخلاص من الهوى والنجاة منه بغية الصالحين وطِلبة عباد الله الناصحين، والعبد الناصح لنفسه لا يزال في جهادٍ للخلاص من الأهواء المردية والشهوات المهلكة حتى يلقى ربه طاهرًا نقيا، ويحتاج العبد في هذا المقام مقام الخلاص والنجاة من الهوى إلى أمور لابد منها أشير إلى بعضها وأهمها في نقاط.

 

فمن أعظم ما يحتاج إليه في هذا المقام: عزيمةٌ صادقة تعينه على معالي الأمور ومراشدها، وتُبعده عن سيئها ورديئها.

 

ويحتاج إلى صبرٍ عظيم يكون به الخلاص؛ فإن من لا صبر له لا قدرة له على مقاومة هواه.

 

ويحتاج في هذا المقام إلى جهادٍ للنفس؛ (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) [العنكبوت: 69].

ويحتاج -عباد الله- إلى تفكرٍ في العواقب والمآلات ونظرٍ في عواقب الهوى الوخيمة ومآلاته الأليمة.

 

ويحتاج -عباد الله- إلى ضراعة ودعاء وحُسن التجاء إلى الله أن يعيذه من الأهواء، وفي الدعاء المأثور في الترمذي وغيره عن نبينا صلى الله عليه وسلم «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الأَخْلاَقِ وَالأَعْمَالِ وَالأَهْوَاءِ».

والله وحده المسؤول أن يعيذنا أجمعين من أهواء أنفسنا المهلكة، وأن يوفقنا أجمعين لما فيه زكاة نفوسنا وصلاحها، وأن يصلح لنا شأننا كله إنه تبارك وتعالى على كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله؛ فإنَّ في تقوى الله وقاه.

 

عباد الله: والهوى حظارٌ محيط بجهنم من كل جوانبها؛ فمن قارفه أرداه فيها، كما جاء في الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: "حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ".

 

عباد الله: ومن فسح لنفسه في هذه الدنيا باتباع هواه ضيَّق على نفسه في قبره ويوم معاده، ومن ضيَّق على نفسه بمخالفة الهوى وسَّع عليها بحسب ذلك في قبره ويوم معاده، وإلى هذا المعنى الإشارة في قول الله عز وجل: (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان:12].

 

عباد الله: إن الواجب على العبد أن يكون ناصحًا لنفسه غير غاش، وأن يعدَّ للقاء الله عز وجل عدَّته، وأن يحذر من الأهواء كلها فإنها مهلكةٌ مردية، وليسأل ربه أن يعيذه من الهوى، وأن يوفقه لأن يكون هواه تبعًا لرضا مولاه؛ فيسعدَ في دنياه وأخراه.

 

وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر الدين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنَّة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا وحافظًا ومؤيِّدا، اللهم واحفظ جنودنا في حدود البلاد بما تحفظ به عبادك الصالحين.

 

وآمِنَّا اللهم في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك وأعنه على رضاك، اللهم وفِّقه ونائبيه لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم آت نفوسنا تقواها، زكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم إنا نعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء، اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

 

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

المرفقات
ذم الهوى.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life