ذكر نعم الله وشكرها

عبدالله الجهني

2024-09-28 - 1446/03/25
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/فضل الله على البشرية بإرسال خير البرية 2/وجوب شكر نعم الله والتحدث بها 3/مراحل شكر نعم المولى تعالى 4/من نعم الله تعالى على بلاد الحرمين الشريفين 5/وجوب أخذ العبر والدروس من التاريخ

اقتباس

إنَّ أُولى مراحل الشكر لتلكم النعم أن نتفطَّن للنِّعم، وأن نَحُسَّ بها، وألَّا نغفُلَ عن الفضل الذي لَحِقَنَا، وأَنْ نُدرِكَ جيدَ الإدراك أنَّ كلَّ هذه النعم التي نَسعَدُ بها هي مِنْ مُنعِم واحد لا شريكَ له؛ هو ربُّ العالمينَ، خالقُ الخلقِ أجمعينَ، ربُّ الأربابِ، ومسببُ الأسبابِ...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

 

أيها الناسُ: اتقوا الله -تعالى- واذكروا مآلَه عليكم مِنَ النِّعم والآلاء، واشكروه واعبدوه مخلصينَ له الدينَ ولو كره الكافرون، ولو كره المشركون.

 

معاشرَ المسلمينَ والمسلماتِ: لقد امتنَّ اللهُ -عز وجل- على البشريَّة بدين الإسلام، وأكرمهم برسوله النبي الأمي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيرِ الأنامِ، حتى صار الناسُ إخوانًا متحابينَ، بعدَ أن كانوا متفرقينَ متباغضينَ، ولذلك ذكَّرَهم بقوله -تبارك وتعالى-: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 103].

 

عبادَ اللهِ: إذا نظَرْنا في الآفاق وفي أنفسنا رأينا نِعَمَ اللهِ علينا لا تُعَدّ ولا تُحصى، وألطافه تتوالى مِنْ حولِنا بلا انقطاع، والواجب على العبد التحدثُ عَنْ نِعَم الله -عز وجل-، والشكر على ما أفاء به علينا مِنْ هباتٍ وأُعطياتٍ، وما أسبَغ علينا من عافية في الدِّين والدنيا، وما أحاطَنا به من أمن وأمان ورخاء في البلاد وعلى العباد، وصحة في الأبدان، وجاهٍ وزينةٍ وأولادٍ، إلى آخِر تلكم النِّعَم الإلهية التي لا تُعَدّ ولا تُحصى، وفي معرض التحدُّث بالنعمة، قوله -سبحانه وتعالى- مخاطبًا الأمةَ الإسلاميةَ في شخص رسولها الكريم، نبيِّنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضُّحَى: 11]، إِذَنْ فالتحدثُ بنعمةِ اللهِ دينيةً كانت أو دنيويةً يعني شكرَها والاعتزازَ بها، فإذا تحدَّث الإنسان بنعمة إلهيَّة، فليقصِدْ بذلك إظهارَ فَضْلِ اللهِ عليه وعلى الناس، وتحريضِ الآخرينَ على الرغبة فيما عندَ اللهِ، والشكرَ لِمَا وهَب وأعطى، فالله -عز وجل- هو خالقُنا ورازقُنا، ونِعمُه وعطاياه أكثرُ من أن تعد أو أن تحصى، قال تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ)[النَّحْلِ: 53]، وقال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[إِبْرَاهِيمَ: 34].

 

وإنَّ أُولى مراحل الشكر لتلكم النعم أن نتفطَّن للنِّعم، وأن نَحُسَّ بها، وألَّا نغفُلَ عن الفضل الذي لَحِقَنَا، وأَنْ نُدرِكَ جيدَ الإدراك أنَّ كلَّ هذه النعم التي نَسعَدُ بها هي مِنْ مُنعِم واحد لا شريكَ له؛ هو ربُّ العالمينَ، خالقُ الخلقِ أجمعينَ، ربُّ الأربابِ، ومسببُ الأسبابِ.

 

وثاني مراحل الشكر -يا عباد الله- أن نستعمل تلكم النعمَ فيما خلَقَها اللهُ لها في الطاعة، وتحقيقِ معنى العبودية، ونتجنَّب الاستعانةَ بها على المعصية، وقدوتُنا في ذلك نبيُّنا محمدٌ الشاكرُ الحامدُ -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، فعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- كان يقوم الليلَ حتى تتفطَّر قدماه فقلتُ له: "أَتَصْنَعُ هذا وقد غَفَرَ اللهُ لكَ ما تقدَّم مِنْ ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟"، فقال صلى الله عليه وسلم: "أفلا أكون عبدًا شكورًا"(رواه البخاري ومسلم).

 

أيها المسلمون: امتنَّ الله -تعالى- على هذه البلاد، المملكة العربيَّة السعوديَّة بجمع الشمل وتوحيد الكلمة، وإخلاص العبادة لله وحدَه، واتباع سُنَّة نبيِّنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- غَضَّةً طريةً، كما جاء بها نبيُّنا وحبيبُنا وقُرَّة عيوننا محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا-، وتلكم -يا عباد الله- نعمةٌ عظيمةٌ، وجَب علينا التحدثُ بها وشكرُها، فالشكر للهِ ربِّ العالمينَ، فضيلةٌ عظيمةٌ ومقامٌ كريمٌ، وهو صفةُ اللهِ -عز وجل- وصفةُ أنبيائه الكرامِ عليهم الصلاة والسلام، قال -تبارك وتعالى- مُثنِيًا على نبيِّه إبراهيمَ -عليه الصلاة والسلام-: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ)[النَّحْلِ: 120-121]، وَأَعْظِمْ بالشكر مقرونًا بالعمل الصالح، وأن يَستخدِم العبدُ نِعْمَ اللهِ -تعالى- عليه فيما خُلِقَتْ لها من طاعته وتقواه، والعملِ بها على ما يحبه ويرضاه.

 

فاللهمَّ لكَ الحمدُ كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، حفظتَ عقيدتَنا من الشرك والشوائب، وهديتَنا للإيمان والتوحيد، لك الحمد يا الله، جمعت شملنا على إمامنا، ووحدتَ صفوفَنا خلف قائدنا، ونصرتنا وأعززتنا، وكبتَّ عدُوَّنا، وبسطتَ رزقَنا، وأظهرتَ أَمنَنَا، وحفظتَنا من الفتن، ومن كل ما سألناكَ ربَّنا أعطيتَنا، فلكَ الحمدُ على ذلك حمدًا كثيرًا.

 

اللهُمَّ ارزقنا شكرَ نعمِكَ، وزِدْنَا من فضلك العظيم وإحسانكَ، واغفر لنا ولآبائنا وأمهاتنا ولجميع المسلمين، إنكَ أنتَ الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمدًا دائمًا مع خلوده، والحمد لله حمدًا دائمًا لا منتهى له دون مشيئته، والحمد لله حمدًا دائمًا لا يوالي قائلها إلا رضاه، والحمد لله حمدًا دائمًا كل طرفة عين ونفس نفس، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه ودعا بدعوته.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -تعالى- أيها المسلمون، وتمسَّكُوا بكتاب الله -تعالى-، وسُنَّة رسوله -صلى الله عليه وسلم- وسنة خلفائه الراشدين من بعده، عضوًا عليها بالنواجذ.

 

واعلموا -يا عباد الله- أن الأمم العظيمة تستذكِر تأريخَها وتستخدمُه أداةً للتوجيه والتربية، وتتخِذ مِنْ إنجازاتِ الآباءِ والأجدادِ، ومِنْ سِيَرِهم محفِّزات على السموِّ والعطاءِ والاستقامةِ والتحفيزِ على الوصول إلى كل ما هو نافع للإسلام والمسلمينَ؛ فأمةٌ لا تَعرِف تأريخَها لا تُحسِن صياغةَ مستقبلها.

 

عبادَ اللهِ: أكثِرُوا من الصلاة والسلام على ملاذ الورى، في الموقف العظيم يومَ القيامة، نبيِّنا وشفيعِنا محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلَّم تسليمًا-، وارضَ الله عن الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين، الذين قَضَوْا بالحق وبه كانوا يعدلون؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن بقية الصحابة أجمعينَ، وأهل بيته الطاهرين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارضَ عَنَّا معهم بمنكَ وإحسانك يا أرحم الراحمينَ، اللهُمَّ انفعنا بمحبتهم، واحشرنا يا الله في زمرتهم، ولا تخالف بنا عن سنتهم وطريقتهم يا أكرم الأكرمين.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الشركَ والمشركينَ، اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنا، وأيِّدْ بالحقِّ والتوفيق والتسديد إمامَنا ووليَّ أمرنا، ووفِّقْه لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، وارزقه البطانة الصالحة، وأعز به دينك، وأَعْلِ به كلمتَكَ، واجعله نصرة للإسلام والمسلمين، واجمع به كلمة المسلمين على الحق والهدى يا ربَّ العالمينَ، اللهُمَّ وفقه وولي عهده وإخوانه وأعوانه للحق والهدى، وكل ما فيه صلاح البلاد والعباد، اللهُمَّ وفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وبسنة نبيك محمد -صلى الله عليه وسلم-، واجعلهم رحمةً لعبادكَ المؤمنينَ، واجمع كلمتَهم على الحق يا ربَّ العالمينَ، وأَسبِلِ اللهُمَّ سترَكَ على بلادنا وعلى جميع بلاد المسلمين، ووفق اللهُمَّ رجال أمننا والمرابطين على الحدود والثغور، وكن لهم معينًا ونصيرًا، ومؤيدا وظهيرًا.

 

اللهُمَّ إنَّا نعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك، لا نحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك، اللهُمَّ لا تعاقبنا بسيئات أعمالنا، ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، واكفنا كل أمر يهمنا، وكن لنا مؤيدًا وناصرًا ، اللهُمَّ أنج المستضعَفين من المسلمين في فلسطين وفي كل مكان، اللهُمَّ اشدد وطأتك على اليهود الغاصبين، اللهُمَّ إنَّا نسألك فرحة تغمر قلوبنا بتحرير المسجد الأقصى من أيدي الصهاينة الغاصبين، وفرحة بانتصار المسلمين في كل مكان على أعدائهم الظالمين.

 

اللهُمَّ إنَّا نستغفرك إنك كنت غفَّارًا، فأرسل السماء علينا مدرارًا، اللهُمَّ أغثنا، اللهُمَّ إنَّا خلق من خلقك، فلا تمنع عَنَّا بذنوبنا فضلك؛ (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life