ذروة سنام الإسلام

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ معنى الجهاد لغة وشرعا 2/وسائل الأعداء في تشويه فريضة الجهاد 3/أخطاء مدعي الجهاد وانحرافاتهم 4/المجاهدون هم المدافعون عن الأمة ودينها 5/فضل الجهاد وأجر المجاهدين 6/كيف نتعامل مع أخطاء المجاهدين؟ 7/الجهاد فرض كفاية ومتعين في ثلاث حالات 8/مراتب الجهاد 9/دور المال في الجهاد 10/جند الله هم الغالبون

اقتباس

إن من مكر بعض وسائل الإعلام اليوم، أنها تشيع في أذهان المسلمين ما يسمى بالدولة المدنية، والثورة السلمية، ليجعلوها بديلاً عن الجهاد المقدس الذي أمر الله -سبحانه وتعالى- به، وهذا المكر الرخيص قد ينطلي على بعض أبناء المسلمين، الذين لم يفقهوا النصوص الصريحة التي تدعو إلى جهاد الكفار وقتلهم وقتالهم، ولم يتأملوا سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي كانت مليئة بالوقائع والمعارك، فكانت...

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله معز الإسلام بنصره، ومذل الشرك بقهره، ومصرف الأمور بأمره، ومستدرج الكافرين بمكره، الذي قدر الأيام دولا بعدله، وجعل العاقبة للمتّقين بفضله, والصلاة والسلام على من أعلى الله منار الإسلام بسيفه صلى الله عليه وسلم.

 

أما بعد:

 

عباد الله: حديثنا في هذه الجمعة المباركة، عن أعظم عبادة، وأجل طاعة، وأشرف عمل من الأعمال الصالحة؛ إنها فريضة من الفرائض التي فرضها الله علينا، كما فرض علينا الصلاة والصيام، فأهملناها وتركناها فسلط الله علينا الذل والهوان، إنها فريضة الجهاد في سبيل الله.

 

والجهاد في اللغة: مشتق من الجَهد، وهو المشقة، وأما في الشرع: فهو قتال الكفار لإعلاء كلمة الله، وقد يتسع ليشمل جهاد النفس والشيطان وغير ذلك، لكنه إذا أطلق فإنما يقصد به القتال لإعلاء كلمة الله -سبحانه وتعالى-.

 

يقول ابن رشد -رحمه الله- في مقدماته: "... فكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيله، إلا أن الجهاد في سبيل الله إذا أطلق فلا يقع بإطلاقه إلا على مجاهدة الكفار بالسيف؛ حتى يدخلوا في الإسلام أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون".

 

ويقول الله -سبحانه وتعالى-:(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة : 216]. فالله -عز وجل- كتب على عباده المؤمنين عبادة الجهاد والقتال، وأخبرهم -سبحانه- بأنه كرهٌ لهم، فقال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ)، فالمشقة، والنصب، ومنازعة رغبات النفس، ومغالبة ثقلة الأرض، والجوع، والعطش، والخوف، وإنفاق الأموال، وكثرة القتل، وتحمُّل الجراح والآلام، ومفارقة الأهل والديار، وزلزلة القلوب وغيرها، كلها صفات لصيقة بهذه العبادة بل هي جزءٌ منها : (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[التوبة: 120].

 

فبهذه وغيرها أصبح الجهاد كرهاً للنفوس التي جبلت على الجنوح إلى طلب السلامة، والركون إلى الدعة، والقنوع بالراحة، والبعد عن المخاطر، والميل إلى الإخلاد إلى الأرض، فمقتضيات الجهاد ومتطلبات النفس غالباً ما تكون على طرفي نقيضٍ كما قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)[التوبة: 38].

 

عباد الله: نريد أن نقف في هذه الخطبة عدة وقفات مع هذه الشعيرة العظيمة والعبادة الجليلة عبادة الجهاد في سبيل الله:

 

الوقفة الأولى: إن هذه العبادة العظيمة شُوهت اليوم تشويهاً عظيماً من قبل أعداء الإسلام، وقاموا بمكرهم الكبار عبر كل الوسائل والسبل، وخاصة وسائل الإعلام، بتشويهها، وتحريفها، ووصفها بأبشع التهم، وأقبح الأوصاف، فمرة يصفونها بالإرهاب، ومرة بالتطرف، ومرة بالغلو، ومرة يرهبون الناس ويحذرونهم منها، ومرة يزهدونهم فيها، ويحاولون إقناعهم بأنه لا جهاد في الإسلام إلا جهاد النفس والهوى والشيطان، ومرة عبر الفتاوى المضللة التي تدعو إلى إلغاء الجهاد، وإبعاده، وتعطيله، وعدم ذكره، والأمر بحذف كل ما يتعلق به في المناهج التعليمية، والخطب المنبرية، وغيرها، مما جعل بعض المسلمين يتأثر بمثل هذه التضليلات والتشويهات، فألغوا هذه الشعيرة من عقولهم، وغفلوا عنها في قلوبهم، ولم يقوموا بمجرد تحديث أنفسهم بها، بل أصبح مجرد ذكر كلمة الجهاد عند البعض يعد أمراً غير مقبول، ولا مرحباً به، فإذا سمعوا من يذكر الجهاد، أو يطالب بتحكيم الشريعة، وتطبيق الحدود الشرعية، أو يحذر من موالاة الكفار وإعانتهم على المسلمين، تضايقوا وانقبضوا.

 

وهذا أمر خطير، ومعارضة صريحة لما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقول الله -سبحانه وتعالى- في وصف المنافقين: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) [النساء : 61] ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ *وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) [النور : 47،48]، يقول النبي  -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُّحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاق" [مسلم (1910)].

 

الجهاد فريضة مكتوبة، وعبادة جليلة أُمرنا بها، فلا يجوز لأحد إنكارها، أو تأويلها، أو إلغاءها، أو الادعاء أن هذا الزمن لا يصلح فيه الجهاد، وليس بزمن جهاد، فالجهاد باق إلى قيام الساعة، وهو ذروة سنام الإسلام، وهو الوسيلة الوحيدة لكف بأس الكفار، وصد عدوانهم وكبريائهم، قال تعالى: (فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللَّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنْكِيلًا) [النساء : 84]، ويقول نبينا -صلى الله عليه وسلم- "رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله" [الترمذي (2541) ].

 

إن من مكر بعض وسائل الإعلام اليوم، أنها تشيع في أذهان المسلمين ما يسمى بالدولة المدنية، والثورة السلمية، ليجعلوها بديلاً عن الجهاد المقدس الذي أمر الله -سبحانه وتعالى- به، وهذا المكر الرخيص قد ينطلي على بعض أبناء المسلمين، الذين لم يفقهوا النصوص الصريحة التي تدعو إلى جهاد الكفار وقتلهم وقتالهم، ولم يتأملوا سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي كانت مليئة بالوقائع والمعارك، فكانت واقعاً عملياً لتطبيق هذه النصوص وإنزالها على أرض الواقع.

 

فمن العبث إذاً -يا عباد الله- أن يعتقد المسلم هذا الاعتقاد، أو يتصور هذا التصور، أو يستمع لمثل هذه الأراجيف، والأقاويل، التي يبثها هؤلاء، ويريدون من خلالها تثبيط المسلمين عن الجهاد الشرعي، بحجة أن هذا العصر هو عصر الثورات السلمية، والطرق الدبلوماسية، وأن هذه النصوص الشرعية التي تدعو إلى قتال الكفار ومجالدتهم لا تناسب عصرنا هذا، ولا تصلح لهذا العصر.

 

إن هذه الأراجيف التي يبثها هؤلاء المرجفون ليست بالجديدة، فقد بثها المرجفون من قبلهم، يقول سلمة بن نفيل -رضي الله عنه-،كنت جالساً عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم، فقال رجل يا رسول الله: أذال الناس الخيل، ووضعوا السلاح، وقالوا لا جهاد، قد وضعت الحرب أوزارها، فأقبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوجهه، وقال: "كذبوا، الآن جاء القتال" [النسائي (3563) ].

 

الوقفة الثانية: أن هناك أخطاء، وشطط، وانحرافات منهجية وعملية، وقعت من بعض من ينتسبون إلى الجهاد زوراً وبهتاناً، هذه الأخطاء شوهت جمال هذه العبادة، وحرفت مسارها الصحيح، ومكنت لأعداء المسلمين من النيل من شرف هذه العبادة الجليلة، وأعطتهم فرصة لإقناع بعض المسلمين بعدم جدواها، وعدم مشروعيتها من أصلها.

 

هذه الأخطاء تقع  في كثير من الأحيان من المدسوسين، والجواسيس، ومن يعملون لصالح أعداء الإسلام، فيقومون بأعمال منكرة، أو يصرحون بتصريحات منفّرة، هدفهم منها تشويه الجهاد، وإظهاره بغير صورته الشرعية، فأحياناً يبالغون في التكفير، ويكفرون أشخاصاً دون أن تتوفر فيهم الشروط والموانع، أو يكفرون بمطلق الذنوب والمعاصي، أو يحكمون على كل بلدان المسلمين بالكفر، ولا يفرقون بين دار الإسلام والبلاد الإسلامية، أو يستحلون دم كل مخالف لهم، أو يعتقدون أن الأصل في الناس الكفر، ثم ينتقلون من الأقوال إلى الأفعال، ومن التكفير إلى التفجير، فيقومون بالتفجيرات في الأسواق، والشوارع المكتظة، والأماكن العامة، ثم ينسبون هذه الأفعال إلى الجهاد والمجاهدين. وهذه بلا شك تصرفات شنيعة، حمقاء، بدأ الناس ولله الحمد يفهمونها، ويعرفون من يقوم بها، ولم تعد تنطلي على أحد من عقلاء البشر.

 

وأحياناً تقع بعض الأخطاء في الجهاد من بعض المخلصين الصادقين، الذين يحبون أن يخدموا الإسلام، ويدافعوا عن المسلمين، ولكنهم يخطئون الطريق، ويضلون الهدف، ويتصرفون تصرفات يحسبون أنهم بها يحسنون صنعا، وهؤلاء يجب نصحهم، ومحاورتهم، وتبيين الأخطاء لهم، وإعلامهم أن صلاح النية والقصد لا يعني أبداً صلاح الفعل والعمل.

 

الوقفة الثالثة: أننا يجب أن نفهم أن المجاهدين هم طليعة الأمة، والمحامين عنها، والمدافعين في الخط الأول عن عرضها وشرفها، فيجب أن نعرف فضلهم، وأن نقدرهم قدرهم، ونُنزلهم منازلهم، التي تليق بهم، وأن نكن لهم كل الإجلال والاحترام، وأعني بذلك المجاهدين الذين يجاهدون في سبيل الله، لإعلاء كلمة الله ، في جبهات القتال مع الكفار المحاربين، كما هو الحال في فلسطين وأفغانستان والعراق...

 

يقول الله -سبحانه وتعالى- مبيناً فضلهم وقدرهم، (لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء : 95]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال : 74]، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: دلني على عمل يعدل الجهاد" قال -صلى الله عليه وسلم- لا أجده، [ثم] قال -صلى الله عليه وسلم-: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ قال: ومن يستطيع ذلك؟ ". وفي رواية: "مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله" [أخرجه البخاري (2785) ] و [مسلم (1878) ].

 

وعنه -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تضمن الله لمن خرج في سبيله لا يخرجه إلا جهاداً في سبيلي، وإيماناً بي، وتصديقاً برسلي فهو على ضامن أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه الذي خرج منه نائلاً ما نال من أجر أو غنيمة، والذي نفس محمد بيده: ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون الدم، وريحه مسك، والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبداً، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل" [البيهقي (3923)].

 

وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من رضي بالله ربا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولاً، وجبت له الجنة". فعجب لها أبو سعيد، فقال: أعدها يا رسول الله؟ فأعادها عليه ثم قال: "وأخرى يرفع الله بها للعبد مائة درجة في الجنة, ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض". قال: وما هي يا رسول الله؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" [مسلم (1884) ].

 

تخيل لو أن المجاهدين في فلسطين لم يقوموا بدفع اليهود المعتدين, أولم يقوموا بهذا الجهاد المبارك, أكان اليهود سيبقون على حدودهم التي هم عليها الآن؟ أم كانت أمريكا ستقتصر على العراق وأفغانستان؟ إن المجاهدين وقفوا حاجزًا صلبًا أمام المد الصهيوني الصليبي, فالأولى بنا أن نشكرهم وننصرهم أو نكف الأذى عنهم وذلك أضعف الإيمان.

 

الوقفة الرابعة: يجب أن نتعامل مع أخطاء المجاهدين الصادقين المخلصين بالتعامل الشرعي، والميزان الصحيح، الذي حدده الله، وذكره في كتابه، عندما وقعت بعض الأخطاء من بعض المجاهدين، من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فضخمها بعضهم، فبين الله كيفية التعامل مع أخطاء المجاهدين، فقال: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة : 217].

 

فالمشركون استغلوا خطأ وقع فيه بعض المجاهدين من الصحابة، حيث قاتلوا في الشهر الحرام الذي حرم الله فيه القتال، فقام الكفار فشهّروا بالمسلمين، واستغلوا خطأهم، فبين الله لهم أن الكفر بالله، والصد عن سبيل الله، وإخراج المستضعفين من مأمنهم، أكبر عند الله، وأشد جرماً من القتال في الشهر الحرام.

 

ونحن علينا أن نأخذ بهذا المنهج العظيم، في التعامل مع أخطاء المجاهدين الصادقين، إذا وقعت منهم الأخطاء بلا قصد، أو باجتهاد يظنون صوابه ثم تبين لهم خطئوه. فلا  يوجد عملٌ بلا خطأ؟ ألم توجد الأخطاء في خير جيشٍ مشى على الأرض, جيش الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟.

 

في غزوة أحد انسحب ابن أُبَي بثلث الجيش خاذلين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه في أشد المواطن, وأحلك المواقف، (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران: 165]، فهل يقول قائل بأن الجهاد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه خلل لأن جيشه مليء بالمنافقين؟

وفي غزوة تبوك همّت طائفة من المنافقين باغتيال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, (وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ ) [التوبة: 74]، فهل يقول قائل: كيف نقاتل مع قائد يخطط جنوده لاغتياله؟.

 

وتأول أسامة ابن زيد -رضي الله عنه- فقتل رجلًا بعدما قال: لا إله إلا الله, فلم يزد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن قال: "فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة", ولم يعزله أو يأمر باعتزاله وعدم الجهاد معه ولم يخطب خطبة في التشهير به؟ بل حوّله من فردٍ في سرية إلى قائد جيش وتحت إمرته كبار الصحابة -رضي الله عن الجميع-!.

 

وغزا خالد بن الوليد -رضي الله عنه- قومًا, فجلعوا يقولون: "صبأنا", ولم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا, فجعل خالد يقتل فيهم ويأسر, فبلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلم يزد على أن رفع يديه وقال: "اللهم إني أبرأ إليك مما فعل خالد", ولم يمنع ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أن يقول عن خالد "هو سيف من سيوف الله".

 

لقد كان في جيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قتل نفسه ومن غلّ من الغنيمة ومن شرب الخمر, ولقد قُتِل والد حذيفة ابن اليمان خطأ في غزوة أحد, فهل نريد جيشًا أنقى من ذلك الجيش؟.

 

فلا ينبغي لنا أن نتتبع أخطاء المجاهدين أو نتحدث عنها بالتشويه المتعمد, أو نشهرها في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة ونحن لم نقدم للإسلام معشار ما قدموه؛ حيث تركوا أموالهم وأهليهم وديارهم ونحن بين الأهل والولد, يلاقون الخوف والجوع وشدة الضيق، ونحن في غاية الأمن والراحة, ظهر فينا السمن وطغى علينا الترف، بعد كل هذا نتحدث عن أخطائهم وسلبياتهم دون أن نذكرهم بخير أو نذكر فضلهم وإيجابياتهم.

 

أقِلوا عليهم لا أبا لأبيكم *** من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا

 

لقد سمعنا بعض الناس اليوم ينكر الجهاد، أو على الأقل لا يرى صلاحيته اليوم، بحجة أن المجاهدين وقعت منهم أخطاء كبيرة في ممارسة الجهاد، والقيام به، فهؤلاء يلزمهم أن ينكروا الصلاة، والحج، والعمرة، لأن هناك أخطاء كبيرة وعظيمة تقع من بعض المصلين والحجاج والمعتمرين.

 

فيجب علينا أن نرجع إلى القواعد الثابتة، والأصول الشرعية، لا أن نستمع إلى الإعلام المهرج، الذي يروج لهذه الأخطاء، ويتوسع في الكلام حول الشائعات والأراجيف، التي خدعت الناس، وخوفتهم من مجرد الكلام عن الجهاد، وجعلتهم ينفرون منه، ويبررون لغزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- والفتوحات الإسلامية بمبررات فاسدة، وتأويلات باطلة، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) [الأحزاب :60،61].

 

قلت ما سمعتم واستغفروا الله.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ناصر المستضعفين، وولي المسلمين، وجابر المنكسرين، وناصر عباده الموحدين، أعز جنده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، وخير خلق الله أجمعين، الذي بعثه ربه بين يدي الساعة بالسيف، حتى يعبد الله وحده لا شريك له، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً.

 

أما بعد:

 

الوقفة الخامسة: وسنتحدث فيها عن حكم الجهاد: إن المتقرر في كتب أهل العلم استنباطًا من الكتاب والسنة, أن الجهاد فرض كفاية, إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين, ولكنه يصير فرض عينٍ في ثلاث حالات:

 

إحداها إذا داهم العدو بلدًا من بلدان المسلمين؛ فإنه يجب على أهل ذلك البلد دفعه, فإن لم يستطيعوا توسّع الوجوب حتى يردوا المعتدين وإلا أثِموا جميعًا.

 

والثانية: إذا عين الإمام -ولي الأمر- أشخاصاً بأعيانهم للجهاد.

 

الثالثة: إذا استنفر الإمام نفيراً عاماً، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ. إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة:38،39)، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهمَا- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "لَا هِجْرَةَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ, وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا" [البخاري (3077) ]، [ مسلم (1353) ].

 

وهنا لابد أن نفرق بين هذين الحكمين فالجهاد الكفائي يشترط له إذن الوالدين وإذن الإمام ووجود القوة اللازمة... أما جهاد الدفع فلا يشترط فيه شرط، بل يدفع العدو بحسب الإمكان، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "أما قتال الدفع: فهو أشد أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين. فواجب إجماعاً، فالعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا لا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه. فلا يشترط له شرط. بل يدفع بحسب الإمكان. وقد نص على ذلك العلماء أصحابنا وغيرهم. فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر، وبين طلبه في بلاده".

 

الوقفة السادسة: أن الجهاد يكون أولاً باللسان قبل السنان، فنحن مأمورون ابتداءً بدعوة الكفار إلى دين الإسلام قبل قتالهم، ولهذا أمُر النبي -صلى الله عليه وسلم- في البداية بجهاد الكلمة، والحجة، والبيان، قبل جهاد السيف والسنان، وأنزل الله -سبحانه وتعالى- عليه في مكة، قوله: (وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا * فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا) [الفرقان :51، 52]، فالدعوة تكون قبل القتال والجهاد، حتى ينتشر الدين الإسلامي، ويظهر على الدين كله، (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة : 33].

 

فمن وقف في وجه الدعوة، وصد الناس عنها، وأعلن الحرب على المسلمين، فهنا يأتي الجهاد بالفعل والحرب، حتى تستمر الدعوة في الانتشار، ويتسنى للناس التعرف على الحق دون عوائق، أو ضغوطات خارجية، أو إملاءات مفروضة بالقوة، يقول الله -جل جلاله وعز كماله-: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [الأنفال : 39]، فالإسلام لا بدَّ له أن ينطلق في الأرض، لإزالة الواقع المخالف لمنهج الله بالبيان والجهاد: جهاد باللسان لتقرير منهج الله في الأرض، وتنفيذ شرعه في عباده، وجهاد بالسيف لإزالة حكم الطواغيت الذين يحولون بين الناس وبين الاستماع إلى البيان واعتناق الدين الذي مَنَّ الله به على عباده، وإقامة منهج الله في الأرض كلها.

 

وإذا كان البيان باللسان يواجه العقائد والتصورات والمذاهب الضالة، فإن الجهاد بالسيف يواجه القوى المادية الشرسة، وهما معاً يواجهان الواقع البشري بجملته لرده إلى ربه، وانتزاعه من العبودية لغيره كما قال ربعي بن عامر -رضي الله عنه-: "جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد, ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".

 

فالإسلام جاء ليقرر ألوهية الله في الأرض، وعبودية البشر جميعاً لإله واحد، فمن حقه أن يزيل العقبات كلها من طريقه، ليخاطب وجدان الأفراد وعقولهم، دون حواجز ولا موانع مصطنعة. فمن حقه أن يتحرك إلى الأمام ابتداءً لنشر الدين في العالم، ولإنقاذ الإنسان في العالم من عبودية البشر، ولا يترك البشرية في الأرض للشر والفساد والعبودية لغير الله.

 

من حقه أن يتحرك ابتداء في كل اتجاه، فالإسلام ليس نحلة قوم، ولا نظام وطن، ولكنه منهج إله، ونظام للعالم كله يحقق لهم الأمن والسعادة والطمأنينة، ويقضي على منابع الشر والعدوان، ويقطع دابر الجور والفساد في الأرض (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [الفتح : 28].

 

الوقفة السابعة: يجب أن نعلم أن الجهاد في سبيل الله، والخروج لإعلاء كلمة الله، يحتاج في الأساس الأول إلى المال، الذي هو عصب الجهاد، وبه يقوم بعد التوكل على الله -سبحانه وتعالى-، ولهذا قدم الله الجهاد بالمال، على الجهاد بالنفس في كثير من الآيات، يقول -سبحانه وتعالى-: (انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [التوبة : 41]، ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [الصف 10 : 12].

 

الوقفة الثامنة: يجب علينا -عباد الله- أن نعد العدة الكاملة لمواجهة أعداء الله، وأن نأخذ بجميع أسباب القوة العلمية، والعسكرية، والاقتصادية، والفكرية، وغيرها، حتى نتمكن من دحرهم، والقضاء عليهم، وهذا أمرٌ أمرنا به في كتاب الله، يقول الله: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال : 60]، والمقصود بالقوة في الآية القوة العسكرية القتالية، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ألا إن القوة الرمي" [مسلم (1675)] وقال -سبحانه وتعالى-: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) [التوبة : 122]، وهذه الآية صريحة، في الأمر بإعداد القوة العلمية، والفكرية، التي يتفرع عنها سائر القوات الأخرى.

 

وقد وضع الله علامة يتبين بها الصادق من الكاذب، ممن ينوي الجهاد، ويريده، ويحدث به نفسه، فقال -سبحانه-: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ) [التوبة : 46]، فإن كنت صادقًا فيما تدعي، فأعد العدة، فإن إعداد العدة إعذارٌ إلى الله، وإحياءٌ لفريضة الجهاد في النفوس، وتربيةٌ للنشء عليها، لعل الله أن يمن علينا بجيل التمكين بعد أجيالٍ من التيه.

 

الوقفة التاسعة: يجب أن نعلم أن العاقبة للمتقين، وأن النصر في النهاية سيكون للمجاهدين الصادقين، (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) [المجادلة : 21]، ويقول -سبحانه وتعالى-: (فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ) [محمد : 35]، (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف : 128].

 

فالنصر صبر ساعة، فلنحذر -يا عباد الله- من الانهزام الداخلي، والهزيمة النفسية، والإحباط، والشك في وعد الله، فإن هذه صفات المنافقين الذين وصفهم الله بقوله: (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) [التوبة : 48]، وقوله: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [التوبة : 47]، وقوله: (لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ * إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) [التوبة: 44، 45]، وقال تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُمْ * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ) [محمد :20، 21].

 

اللهم انصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان, اللهم اجمع كلمتهم على الحق, اللهم أيدهم بجنود السموات والأرض, اللهم أفرغ عليهم صبرًا وثبِّت أقدامهم وانصرهم على القوم الكافرين.

 

اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه.

 

وصلِّ اللهم على نبيِّنا محمدٍ وآله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

 

المرفقات
ذروة سنام الإسلام.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life