عناصر الخطبة
1/تحريم التشبه بالكفار 2/من مظاهر التشبه بالكفار 3/ضابط التشبه المحرم 4/العزة بالإسلام وأهلهاقتباس
والزوجُ العاقل لا يُبادِرُ إلى الفِراقُ والطلاقُ بمجرد الخلاف والشِّقَاق؛ فهو يُغَلِّبُ دِينَه وعقلَه، ويراعي الفروقات، وَيَحْذَر مِنَ المُقارِنَات، ويتغافل عن الزلات، ويستر العورات؛ فالكَيِّسُ العاقل هو الفَطِنُ المتغافل...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْد: فَمَنْ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاه! فـ (اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
عِبَادَ الله: مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيْعَة، وَخُطُوْطِهَا العَرِيْضَة: الوَلَاءُ لِلْمُؤْمِنِين، والبَرَاءُ مِن الكَافِرِيْن.
وَمِنْ أَبْرَزِ مَظَاهِرِ ذَلِكَ: التَّمَيُّزُ عَنْ مُشَابَهَةِ الكُفَّار؛ فَفِي الحَدِيث: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ تَشَبَّهَ بِغَيْرِنَا، لَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ وَلَا بِالنَّصَارَى"(رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ؛ فَهُوَ مِنْهُمْ"(رواه أبو داود، وصححه الألباني). قالَ شَيْخُ الإِسْلَام: "المُشَابَهَةُ في الأُمُوْرِ الظَّاهِرَة، تُوْجِبُ المُشَابَهَةَ في الأُمُوْرِ البَاطِنَة، عَلَى وَجْهِ المُسَارَقَةِ وَالتَّدْرِيْجِ الخَفِيّ".
وَالمُشَابَهَةُ الظَّاهِرِيَّة؛ سَبَبٌ لِلْمَحَبَّةِ القَلْبِيَّة، والمُؤْمِنُ بِاللهِ لا يُحِبُّ مَنْ أَبْغَضَهُ اللهُ (لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ)[الْمُجَادَلَةِ: 22]. قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللَّهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللَّهِ"(رواه أحمد، وصححه الألباني). قال أَهْلُ العِلْم: "المُشَابَهَةُ في الظَّاهِر: تُوْرِثُ نَوْعَ مَوَدَّةٍ ومَحَبَّةٍ في البَاطِن، كَمَا أَنَّ المَحَبَّةَ في البَاطِن: تُوْرِثُ المُشَابَهَةَ في الظَّاهِر، وَهَذَا أَمْرٌ يَشْهَدُ بِهِ الحِسُّ والتَّجْرِبَة".
وَمِنْ مَظَاهِرِ التَّشَبُّهِ بِالكَافِر: تَقْلِيْدُهُ في اللِّبَاسِ الظَّاهِر؛ فَقَدْ رَأَى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى صَحَابيٍ ثَوْبَيْنِ مُعَصْفَرَيْنِ، فَقَالَ له: "إِنَّ هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ الْكُفَّارِ؛ فَلَا تَلْبَسْهَا"(رواه مسلم). قال ابنُ القَيِّم: "المُشَابَهَةُ في الزِّيِّ الظَّاهِر؛ تَدْعُو إلى المَوَافَقَةِ في الهَدِي البَاطِن؛ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الشَّرْعُ والعَقْل".
وَأَهْلُ الشَّرِيْعَةِ الكَامِلَة، لا يَتَشَبَّهُوْنَ بِعَقِيْدَةٍ مُحَرَّفَةٍ نَاقِصَة! (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) [الجاثية: 18]. قالَ بَعْضُ المُفَسِّرِيْن: "جَعَلَ اللهُ مُحَمَّدًا -صلى الله عليه وسلم- على شَرِيْعَةٍ، وَأَمَرَهُ بِاتِّبَاعِهَا، وَنَهَاهُ عَنْ اتِّبَاعِ أَهْوَاءِ الَّذِيْنَ لا يَعْلَمُونَ، وَدَخَلَ في (الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ): كُلُّ مَنْ خَالَفَ شَرِيْعَتَه".
وَأَتْبَاعُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- يَتَشَبَّهُوْنَ بِـنَبِيِّهِمْ في تَرْكِ التَّشَبُّهِ بِـأَعْدَاءِ نَبِيِّهِمْ لا في عِبَادَاتِهِمْ، ولا أَعْيَادِهِمْ، ولا أَزْيَائِهِمْ الخَاصَّةِ؛ حَتَّى قالَ الْيَهُودَ: "مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا؛ إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ"(رواه مسلم).
وَتَحْرِيْمُ التَّشَبُّهِ بِالمُشْرِكِيْن لا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ بِقَصْدِ التَّشَبُّه، يقولُ ابْنُ عُثَيْمِين: "الإِنْسَانُ إِذَا فَعَلَ فِعْلاً يَخْتَصُّ بِالكُفَّار؛ فَيَكُوْنُ مُتَشَبِّهًا بِهِمْ -سَوَاء قَصَدَ بِذَلِكَ التَّشَبُّهَ أَمْ لَمْ يَقْصِد- وَكَثِيْرٌ مِنَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ التَّشَبُّهَ لا يَكُونُ إِلَّا بِالنِّيَّة، وَهَذَا غَلَط! لِأَنَّ المَقْصُوْدَ هُوَ الظَّاهِر".
وَضَابِطُ المُشَابَهَةِ المُحَرَّمَة: هُوَ مُشَابَهَةُ الكُفَّارِ فِيْمَا اخْتَصُّوا بِهِ مِن العَادَات، وَمَا ابْتَدَعُوْهُ في العَقَائِدِ والعِبَادَات. أَمَّا مَا انْتَشَرَ بَيْنَ المُسْلِمِيْنَ، وَصَارَ لا يَتَمَيَّزُ بِهِ الكُفَّار؛ فَلَا يَكُونُ تَشَبُّهًا.
وأَعْيَادُ الكُفَّار مِنْ أَخَصِّ مَا تَتَمَيَّزُ بِهِ شَرَائِعُهُمْ؛ فَالمُشَابَهَةُ في أَعْيَادِهِمْ؛ مُوَافَقَةٌ في أَخَصِّ شَرَائِعِهِمْ! قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا"(رواه البخاري ومسلم).
وكَانَ لِأَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ يَوْمَانِ فِي السَنَةِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا؛ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ قَالَ: "قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللَّهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْفِطْرِ، وَيَوْمَ الْأَضْحَى"(رواه أبو داود وصححه الألباني).
والأَعْيَادُ فِي الإِسْلام شَعِيْرَةٌ لا تَقْبَلُ الزِّيَادَة، وَهِيَ أَعْيَادُ شُكْرٍ وَذِكْر، لا غَفْلَةٍ وَلَهْو! قال تعالى: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ)[الحج:34].
وَأَعْيَادُ المُشْرِكِيْن زُوْرٌ وَبُهْتَان، وَغَفْلَةٌ وَعِصْيَان، لا تَلِيْقُ بِأَهْلِ الإِيْمَان! قال تعالى -في صِفَاتِ عِبَادِ الرَّحْمَن-: (والَّذِينَ لا يَشْهَدُوْنَ الزُّوْر)[الفرقان:72]. قال مُجَاهِد: "يَعْنِي أَعْيَادَ المُشْرِكِيْن"، وَقِيْل: "لا يَشْهَدُوْنَ اللَّهْوَ والغِنَاء". يقولُ ابْنُ القَيّم: "وَأَمَّا التَّهْنِئَةُ بِشَعَائِرِ الكُفْرِ المُخْتَصَّةِ بِه؛ فَحَرَامٌ بِالاِتِّفَاق! مِثْل: أَنْ يُهَنِّئَهُمْ بِأَعْيَادِهِمْ! وَكَثِيْرٌ مِمَّنْ لا قَدْرَ لِلْدِّيْنِ عِنْدَه؛ يَقَعُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ لا يَدْرِي قُبْحَ مَا فَعَل! فَمَنْ هَنَّأَ عَبْدًا بِمَعْصِيَةٍ؛ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِ اللهِ وَسَخَطِه".
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِه وأَتْبَاعِه.
عِبَادَ الله: مُشَابَهَةُ النَّاسِ -وَلَوْ عَلَى حِسَابِ الدِّيْن- نَقْصٌ في العَقْل، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْه: "لَا يَكُونَنَّ أَحَدُكُمْ إِمَّعَةً! قَالُوا: وَمَا الْإِمَّعَةُ؟ قَالَ: يَجْرِي مَعَ كُلِّ رِيحٍ".
وَمَا يَعِيْشُهُ الكُفَّارُ في مَرْحَلَةٍ زَمَنِيَّة، مِنْ صِنَاعَةٍ مَادِّيَّةٍ، وَعُلُوْمٍ دُنْيَوِيَّةٍ لا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِلْهَزِيْمَةِ النَّفْسِيَّةِ، أو الذَّوَبَانِ والتَّبَعِيَّةِ؛ فَمَهْمَا بَلَغُوا مِن العِلْم فَإِنَّما (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[الروم:7].
وَالعِزَّةُ الإِسْلامِيَّةُ، والثِّقَةُ الإِيْمانِيَّة؛ تَمْنَعُ مِنَ التَّشَبُّهِ بِـشَرِّ البَرِيَّةِ.
وَالمُؤْمِنُ الوَاثِقُ مُعْتَزٌّ بِإِسْلَامِه، مُطْمَئِنٌّ بِإِيْمَانِه، (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آل عمران:139].
فَلِمَاذَا التَّسَوُّلُ مِنْ عَقَائِدِ الكُفَّار؟! وَلَدَيْنَا أَعْظَمُ نِعْمَة، وَأَكْمَلُ مِلَّة! فَيَالَهُ مِنْ دِيْنٍ؛ لَوْ كَانَ لَهُ رِجَال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا)[المائدة:3].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ:90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، واشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
التعليقات