دور المربي في ضبط مشاعر المتربي

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
عناصر الخطبة
1/العاطفة.. همزة الوصل بين المربي والمتربي 2/العلاقة التبادلية بين المشاعر والسلوك 3/المربي ودوره في ضبط المشاعر 4/ إشارات مهمة وجوانب مضيئة حول مشاعر المتربي 5/ محاذير وأخطاء تربوية تدمر مشاعر المتربي.

اقتباس

إِنَّ مِنْ أَخْطَرِ الْأَخْطَاءِ التَّرْبَوِيَّةِ الَّتِي تُدَمِّرُ مَشَاعِرَ الْمُتَرَبِّي، وَتُؤَثِّرُ عَلَى نَفْسِيَّتِهِ، الِاسْتِخْفَافَ بِمَشَاعِرِهِ، أَوِ الْعَبَثَ بِهَا، أَوْ تَخْوِيفَهُ مِنْ أُمُورٍ قَدْ تَكُونُ سَخِيفَةً فِي نَظَرِ الْكِبَارِ، لَكِنَّهَا جَادَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلصِّغَارِ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ النَّفْسَ الْإِنْسَانِيَّةَ بِمَا تَحْوِيهِ مِنْ مَخْزُونٍ عَاطِفِيٍّ كَبِيرٍ هِيَ مَجَالُ الْعَمَلِ الْأَوَّلُ لِلْمُرَبِّي، وَحَجَرُ الْأَسَاسِ فِي الْعَمَلِ التَّرْبَوِيِّ عَلَى اخْتِلَافِ صُوَرِهِ وَأَشْكَالِهِ، وَلِهَذَا فَإِنَّ غَفْلَتَهُ عَنِ الْعِنَايَةِ بِهَا وَتَهْذِيبِهَا يَعْنِي مُوَاجَهَةَ الْعَدِيدِ مِنَ الْمُشْكِلَاتِ، وَالْفَشَلَ فِي الْوُصُولِ لِلْأَهْدَافِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمَرْجُوَّةِ، فَالدَّوْرُ الْمَنُوطُ بِالْمُرَبِّي فِي الْعَمَلِ التَّرْبَوِيِّ دَوْرٌ يَتَمَيَّزُ بِالْعُمْقِ؛ فَكُلَّمَا اهْتَمَّ بِرِعَايَةِ مَشَاعِرِ الْمُتَرَبِّي وَتَنْمِيَتِهَا؛ كَانَ أَنْجَحَ فِي تَرْبِيَتِهِ، وَالْوُصُولِ بِهِ إِلَى الْأَهْدَافِ الْمَرْجُوَّةِ؛ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَبَّلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ وَعِنْدَهُ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ جَالِسًا، فَقَالَ الْأَقْرَعُ: إِنَّ لِي عَشَرَةً مِنَ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: "مَنْ لَا يَرْحَمُ لَا يُرْحَمُ"(أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ)، وَيَقُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ أَبْغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

فَهَذَا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذَا الْأَمْرِ هُوَ الْوَسَطُ؛ وَهُوَ أَنْ تُعْطَى النُّفُوسُ حَقَّهَا مِنَ الْجَانِبِ الشُّعُورِيِّ، وَأَنْ يُبْتَعَدَ عَنْ هَدْمِهَا وَتَحْطِيمِهَا؛ حَتَّى تَتَرَبَّى تَرْبِيَةً حَسَنَةً مُسْتَقِيمَةً دُونَ إِفْرَاطٍ أَوْ تَفْرِيطٍ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ بَيْنَ الْمَشَاعِرِ وَالسُّلُوكِ عَلَاقَةً تَبَادُلِيَّةً؛ فَالسُّلُوكُ يَكْمُنُ خَلْفَهُ دَوَافِعُ تَهْدِفُ لِإِشْبَاعِ إِحْدَى حَاجَاتِهِ، وَإِشْبَاعُ تِلْكَ الدَّوَافِعِ لَا بُدَّ أَنْ تَنْضَبِطَ بِحُدُودِ الشَّرْعِ الْحَنِيفِ؛ فَلَا تَلْبَثُ الْأَفْكَارُ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى مُعْتَقَدَاتٍ وَقِيَمٍ مَعَ مُرُورِ الْأَيَّامِ، تُتَرْجِمُهَا النَّفْسُ إِلَى مَشَاعِرَ، فَيَنْتِجُ عَنْ تِلْكَ الْمَشَاعِرِ سُلُوكٌ، فَالِانْفِعَالَاتُ السُّلُوكِيَّةُ هِيَ مُؤَشِّرَاتٌ عَلَى الْمَشَاعِرِ؛ وَفِي الْمُقَابِلِ فَإِنَّ الْأَحْدَاثَ وَالسُّلُوكِيَّاتِ الَّتِي يَتَعَرَّضُ لَهَا الشَّخْصُ تَنْعَكِسُ أَيْضًا عَلَى مَشَاعِرِهِ، وَتُؤَثِّرُ عَلَى رِدَّةِ فِعْلِهِ وَسُلُوكِهِ.

 

وَإِنَّ لِلْمَشَاعِرِ -يَا عِبَادَ اللَّهِ- دَوْرًا كَبِيرًا فِي رَسْمِ عَلَاقَاتِ الْإِنْسَانِ مَعَ مُحِيطِهِ وَمَوَاقِفِهِ وَسُلُوكِهِ تُجَاهَ الْآخَرِينَ، فَالْمَشَاعِرُ الْمُتَفَلِّتَةُ تُمَثِّلُ عَائِقًا كَبِيرًا أَمَامَ تَقَدُّمِ الْإِنْسَانِ، وَتَمْنَعُهُ عَنْ تَحْقِيقِ أَيِّ إِنْجَازٍ، وَهُنَا يَأْتِي مَوْضِعُ النَّصِيحَةِ النَّبَوِيَّةِ الثَّمِينَةِ: "لَا تَغْضَبْ". وَفِي الْمُقَابِلِ فَإِنَّ الْمَشَاعِرَ تُخَفِّفُ مِنْ ثِقَلِ الْمَهَامِّ، وَتُلَطِّفُ مِنْ مَشَقَّةِ الْوَاجِبَاتِ وَالتَّكَالِيفِ، وَهِيَ الْبَوَّابَةُ الذَّهَبِيَّةُ لِتَرْبِيَةِ السُّلُوكِ وَتَعْدِيلِهِ.

 

وَقَدْ حَفَلَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِالْكَثِيرِ مِنَ الْخِطَابِ الْمُحَرِّكِ لِلْمَشَاعِرِ، الْحَامِلِ عَلَى الِاسْتِجَابَةِ لِلْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 139]، فَعَلَّمَ الْإِسْلَامُ أَتْبَاعَهُ ضَبْطَ مَشَاعِرِهِمْ؛ لِمَا لَهُ مِنْ أَثَرٍ كَبِيرٍ فِي ضَبْطِ سُلُوكِيَّاتِهِمْ.

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: لَا يَقِفُ دَوْرُ الْمُرَبِّي عِنْدَ إِقَامَةِ عَلَاقَاتٍ اجْتِمَاعِيَّةٍ جَيِّدَةٍ مَعَ الْمُتَرَبِّي فَحَسْبُ؛ لَكِنَّهُ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى الْعَمَلِ عَلَى بِنَاءِ مَشَاعِرِهِ، وَتَعْوِيدِهِ عَلَى تَرْجَمَتِهَا فِي سُلُوكِيَّاتٍ إِيجَابِيَّةٍ تَعُودُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ حَوْلَهُ بِالنَّفْعِ، وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ إِلَّا بِاسْتِعْدَادِ الْمُرَبِّي تَرْبَوِيًّا، وَاسْتِشْعَارِهِ بِأَهَمِّيَّةِ دَوْرِهِ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى وَعْيٍ تَامٍّ بِمَفْهُومِ الْمَشَاعِرِ وَمَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مِنْ عَوَامِلَ، وَمَا هِيَ الْأَسَالِيبُ النَّاجِعَةُ فِي تَرْبِيَتِهَا.

 

كَمَا يَتَوَجَّبُ عَلَيْهِ الْإِلْمَامُ بِكُلِّ عِلْمٍ يُمَكِّنُهُ مِنْ سَبْرِ أَغْوَارِ الْمَشَاعِرِ وَفَهْمِهَا، وَأَنْ يَعِيَ بِأَنَّهُ قُدْوَةٌ لِلْمُتَرَبِّي، وَأَنَّ طَرِيقَةَ تَعَامُلِهِ مَعَ مَشَاعِرِهِ تَنْعَكِسُ فِي مَشَاعِرِ الْمُتَرَبِّي، وَعَلَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ يَضْبِطَ انْفِعَالَاتِهِ الْمُعَبِّرَةَ عَنْ مَشَاعِرِهِ، وَيُظْهِرَهَا وَلَا يُخْفِيَهَا، وَيُتَرْجِمَهَا فِي مَوَاقِفَ عَمَلِيَّةٍ يَسْتَشْعِرُ مِنْهَا الْمُتَرَبِّي صِدْقَ الْمَحَبَّةِ، دُونَ مُبَالَغَةٍ أَوْ تَحَفُّظٍ، فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُظْهِرُ مَشَاعِرَهُ لِأَصْحَابِهِ وَيُعَبِّرُ عَنْهَا، يَقُولُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: "فَإِذَا رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ فِي وَجْهِهِ".

 

كَمَا أَنَّهُ يَتَوَجَّبُ عَلَى الْمُرَبِّي احْتِرَامُ مَشَاعِرِ الْآخَرِينَ أَمَامَ الْمُتَرَبِّي، وَبِهَذَا يَزْرَعُ مَحَبَّتَهُ فِي قَلْبِهِ، وَيُشَجِّعُهُ عَلَى التَّخَلُّقِ بِالْخُلُقِ نَفْسِهِ، وَالْعَكْسُ بِالْعَكْسِ.

 

وَمِنَ الْأَدْوَارِ الْمَنُوطَةِ بِهِ أَيْضًا اسْتِثْمَارُ مَشَاعِرِهِ فِي التَّوْجِيهِ التَّرْبَوِيِّ، بِلَا تَذَلُّلٍ، وَقَدْ وَجَّهَ الْخِطَابُ الْقُرْآنِيُّ لِاسْتِثْمَارِ الْعَاطِفَةِ فِي تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ قَالَ -تَعَالَى-: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 159].

 

وَعَلَى الْمُرَبِّي أَنْ يَبْنِيَ الْمَشَاعِرَ، فَكُلَّمَا كَانَ رَصِيدُ الْعَاطِفَةِ كَبِيرًا عِنْدَ الْمُرَبِّي وَالْأَفْرَادِ ظَهَرَتْ آثَارُهُ وَاضِحَةً فِي أُسْلُوبِ التَّعَامُلِ الرَّاقِي وَالْحِرْصِ عَلَى مَشَاعِرِ الْجَمِيعِ، إِضَافَةً إِلَى أَنَّ الْعَاطِفَةَ تَلْعَبُ دَوْرًا كَبِيرًا فِي تَخْفِيفِ حِدَّةِ التَّكَالِيفِ عِنْدَ الْمُتَرَبِّي فَيُؤَدِّيهَا بِهِمَّةٍ وَمُثَابَرَةٍ.

 

وَمِمَّا يَتَوَجَّبُ عَلَى الْمُرَبِّي إِشْعَارُ الْمُتَرَبِّي بِأَنَّهُ مُتَقَبَّلٌ بَيْنَ مُجْتَمَعِهِ، وَأَنْ يَغْمُرَهُ بِدِفْءِ الْعَوَاطِفِ، وَأَنْ يَتَفَقَّدَ مَشَاعِرَهُ، فَعَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، فَظَنَّ أَنَّا اشْتَهَيْنَا أَهْلِينَا، فَسَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا فِي أَهْلِينَا؟ فَأَخْبَرْنَاهُ -وَكَانَ رَفِيقًا رَحِيمًا- فَقَالَ: "ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ فَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ، وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ، فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

كَمَا أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعَمِّقَ عَقِيدَةَ الْإِيمَانِ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لَدَى الْمُتَرَبِّي، وَهَذَا سَيُسَاعِدُهُ عَلَى الشُّعُورِ بِالطُّمَأْنِينَةِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ).

 

وَلَا بُدَّ لِلْمُرَبِّي أَنْ يَتَيَقَّنَ أَنَّ الْحَاجَاتِ الْمَادِّيَّةَ وَتَوْفِيرَهَا لِلْمُتَرَبِّي لَا تُغْنِي عَنْ إِبْدَاءِ الْمَشَاعِرِ؛ فَيَتَّجِهُ إِلَى تَدْرِيبِ الْمُتَرَبِّي عَلَى فَهْمِ مَشَاعِرِهِ وَعَوَاطِفِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ إِيجَابِيَّةً أَوْ سَلْبِيَّةً، وَمَعْرِفَةِ مَدَى تَأْثِيرِهَا عَلَى سُلُوكِهِ؛ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ، وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الصَّالِحُ، وَالْفَأْلُ الصَّالِحُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

وَعَلَيْهِ أَنْ يُوَجَّهَهُ لِتَقَبُّلِ الْمَشَاعِرِ السَّلْبِيَّةِ الَّتِي تَنْتَابِهُ بَيْنَ الْفَيْنَةِ وَالْأُخْرَى، وَكَيْفَ يَتَأَقْلَمُ مَعَهَا وَيُوَجِّهُهَا لِمُسَاعَدَتِهِ عَلَى الْبَقَاءِ وَالِاسْتِمْرَارِ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمُ قَرْحٌ مِثْلَهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)[آلِ عِمْرَانِ: 139-140].

 

وَعَلَيْهِ كَذَلِكَ أَنْ يُصَحِّحَ الْأَفْكَارَ الْخَاطِئَةَ لِلْمُتَرَبِّي، وَيُسَاعِدَهُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنَ الْمَشَاعِرِ السَّلْبِيَّةِ الْمُرْتَبِطَةِ بِهَا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُصَحِّحًا مَفْهُومَ الشِّدَّةِ: "لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ؛ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ).

 

وَلْيَحْرِصْ عَلَى إِعْطَاءِ الْمُتَرَبِّي فُرْصَةً لِلتَّعْبِيرِ عَنْ مَشَاعِرِهِ وَتَفْرِيغِهَا؛ وَأَنْ يَهْتَمَّ بِمَا يَقُولُ، وَيُصْغِي إِلَيْهِ حِينَ يَتَحَدَّثُ، وَأَنْ يُدَرِّبَهُ عَلَى تَنْفِيسِ انْفِعَالَاتِهِ كَمَا فَعَلَ سَيِّدُ الْمُرِبِّينِ مَعَ أَبِي الْوَلِيدِ عُتْبَةَ حِينَ أَتَاحَ لَهُ الْمَجَالَ حَتَّى انْتَهَى: فَقَالَ لَهُ: "أَفْرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ؟".

 

بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: أَمَّا عَنْ مَشَاعِرِ الْمُتَرَبِّي تُجَاهَ الْآخَرِينَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي تَعْوِيدُهُ وَتَعْلِيمُهُ أَنَّ طَرِيقَةَ تَعْبِيرِهِ عَنْ مَشَاعِرِهِ تُؤَثِّرُ عَلَى مَنْ حَوْلَهُ بِالسَّلْبِ أَوِ الْإِيجَابِ؛ فَالشَّخْصُ الْحَادُّ يُزْعِجُ مَنْ حَوْلَهُ، وَالشَّخْصُ الْمُتَعَاطِفُ يُشْعِرُ الْآخَرِينَ بِالرَّاحَةِ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

كَمَا يَنْبَغِي تَعْلِيمُهُ مَهَارَةَ تَفَهُّمِ مَشَاعِرِ الْآخَرِينَ وَاحْتِرَامِهَا، وَكَيْفِيَّةَ التَّعَامُلِ مَعَهَا، وَمَعْرِفَةَ الْوَسَائِلِ الَّتِي تُسَيِّرُهَا نَحْوَ الْهَدَفِ الْمَرْجُوِّ، وَأَنْ يَتَعَوَّدَ عَلَى كَيْفِيَّةِ إِبْدَاءِ الْمَشَاعِرِ لِلْآخَرِينَ بِطَرِيقَةٍ إِيجَابِيَّةٍ، وَعَلَى كَيْفِيَّةِ الِانْدِمَاجِ فِي الْمُجْتَمَعِ وَالتَّوَاصُلِ مَعَهُ، وَهَذَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُكْسِبَهُ شُعُورًا بِقُوَّةِ الْجَمَاعَةِ وَعَوَاطِفِهَا الْمُشْتَرَكَةِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ مِنْ أَخْطَرِ الْأَخْطَاءِ التَّرْبَوِيَّةِ الَّتِي تُدَمِّرُ مَشَاعِرَ الْمُتَرَبِّي، وَتُؤَثِّرُ عَلَى نَفْسِيَّتِهِ، الِاسْتِخْفَافَ بِمَشَاعِرِهِ، أَوِ الْعَبَثَ بِهَا، أَوْ تَخْوِيفَهُ مِنْ أُمُورٍ قَدْ تَكُونُ سَخِيفَةً فِي نَظَرِ الْكِبَارِ، لَكِنَّهَا جَادَّةٌ بِالنِّسْبَةِ لِلصِّغَارِ.

 

وَمِنْهَا أَلَّا يَغْلُوَ فِي عَلَاقَةِ الْمَحَبَّةِ الَّتِي تَرْبِطُهُ بِالْمُتَرَبِّينَ حَتَّى يَخْرُجَ عَنِ الْحَدِّ، بَلْ يَسْتَوْجِبُ أَنْ تَنْضَبِطَ الْعَلَاقَةُ فِي شِقَّيْهَا: الْأُخَوِيِّ وَالتَّوْجِيهِيِّ، كَمَا أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَى الِاعْتِنَاءِ الْمُسْتَمِرِّ وَالتَّعَهُّدِ الْقَوِيِّ بِالْمُتَرَبِّي لَا تَعْنِي أَنْ يَتَكَلَّفَ الْمُرَبِّي فِي مَشَاعِرِهِ أَوْ يُبَالِغَ فِي تَدْلِيلِهِ؛ فَإِنَّ لِذَلِكَ سَلْبِيَّاتٍ مُسْتَقْبَلِيَّةً عَلَيْهِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ حَجَرُ الْأَسَاسِ فِي الْعَمَلِ التَّرْبَوِيِّ، وَهُوَ مَجْمُوعَةٌ مِنْ عَوَاطِفَ، فَجَهْلُ الْمُرَبِّي بِالتَّعَامُلِ مَعَ هَذِهِ الْمَشَاعِرِ أَوْ غَفْلَتُهُ عَنْهَا لَهُ نَتَائِجُ خَطِيرَةٌ عَلَى الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، لِذَا يَتَوَجَّبُ عَلَى الْمُرَبِّينَ وَالْمُؤَسَّسَاتِ التَّرْبَوِيَّةِ الْعِنَايَةُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَتَقْدِيمُ الْحُلُولِ النَّاجِعَةِ لِلتَّعَامُلِ مَعَهَا دُونَ إِفْرَاطٍ أَوْ تَفْرِيطٍ؛ لِلْوُصُولِ لِلْأَهْدَافِ التَّرْبَوِيَّةِ الْمَرْجُوَّةِ، وَتَحْقِيقِ اسْتِخْلَافِ الْإِنْسَانِ فِي الْأَرْضِ وَعِمَارَتِهَا.

 

وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المرفقات
7wH1x0Zb1t0ZRg7v19ZEcEgURvVdh8vHuUA9Qv2T.doc
DSPy8qeAQoZ70YENq2Z2M0omnUZhpsWiOxBI16iG.pdf
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life