عناصر الخطبة
1/بعض بنود خطة أعداء المسلمين لإفساد دينهم وعقيدتهم 2/الحرب المستعرة لإفساد أبناء المسلمين 3/مسؤولية الآباء والأمهات والمربين عن تربية البنات والبنين 4/وسائل التصدي لهجمات أعداء الأمة الإسلامية 5/دور المرأة المسلمة في صناعة الرجال 6/وصايا صالحات للبنين والبناتاقتباس
الأصلُ في المرأة المسلمة أن تكون في بيتها، تصنع الرجال، وتُعلِّمهم حبَّ الله وحبَّ رسوله، والولاءَ لهما، ولجماعة المؤمنين، وتُربِّيهم على حُبِّ القدس والأقصى، وهذا كلُّه تَفقِدُه المرأةُ إذا كان همُّها الوظيفةَ وجمعَ المال، وهذا أولُ خرابٍ للأسرة المسلمة المرابطة في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، نجدد له البيعة على الإسلام، لا نقيل ولا نستقيل، رضينا بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولًا، ونشهد ألَّا إلهَ إلا الله، وحدَه لا شريكَ له، قال في محكم كتابه: (وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ)[غَافِرٍ: 25]، ونشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، بشرنا بالفرج بعد الكرب، وبالنصر بعد الصبر، فأبشروا، قال وهو الصادق المصدوق: "بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر، والتمكين في الأرض".
اللهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ عليه، وآله الطاهرين، وعلى أصحابه الذين حملوا الدين، وعلى مَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم القيامة.
أمَّا بعدُ، أيها المرابطون: أقرأ على مسامعكم البنود العريضة للخطة العالميَّة المنشورة في كتاب، بعنوان: "العالَم الجديد المراد صُنعُه"، وهو منشور باللغة الإنجليزيَّة، قبل ثلاث وثلاثين سنةً، وبنود هذه الخطة تهدف إلى إخراجكم من دِينكم، وإلى استخراب عقولكم وقلوبكم، وإلى جعلكم عبيدًا لهم، وأنتم في بلادكم، والعملُ جارٍ من الكافرين ومَنْ معهم من المنافقين على تنفيذ بنود هذه الخطة الحاقِدَة، في أرضكم المقدَّسة خاصَّة، وفي بلاد المسلمين عامَّة.
أيها المؤمنون: تقول بنود هذه الخطة المجرمة، بالحرف الواحد ما يلي: "سنعمل على تجريم الدين، وسنقوم بتشويه المؤمنين أو سجنهم، أو القضاء عليهم، وسنعمل على جعل العبادة فقط بين الإنسان وعقله، وسنعمل على إشاعة الزنا والتشجيع عليه؛ بأن نجعل الطلاق سهلًا للغاية، ومقبولا، لا حرج فيه عند جميع الناس، وألَّا يسعى الشباب للزواج حتى ولو من زوجة واحدة، ولن يكون أولياء الأمور قادرين على تربية أولادهم والسيطرة عليهم، وسوف نجعل المرأة المسلمة تلهث وراء الوظيفة والعمل؛ حتى تفقد القدرة على التربية، وسيتجه الناس بعد ذلك إلى الدين الجديد الذي سنفرضه عليهم، وهو عبادة الشيطان" نعوذ بالله من ذلك.
أيها المؤمنون: من أهم بنود هذه الخطة قتل عدد كبير من المسلمين، وسَجْن العلماء والدعاة، وتصنيفهم في دائرة الإجرام والخروج على القوانين، وإغلاق المساجد، ومنع العبادات؛ كالصلوات وغيرها، وتخريب الأسرة من خلال المرأة والأولاد.
يا عبادَ اللهِ: وهذا واقع في غالبه، تعيشونه وتحيونه؛ حتى أَفْلَتَ أبناؤكم وبناتكم من أياديكم، وساعَد على هذا الإفلات سكوتنا وحبنا للدنيا، وجبننا، وقد حذر الله بأن مصير من يتهاون في تربية أولاده وبناته على الإسلام، أنَّه سيكون من حطب جهنم، التي توقد بها وتستعر، فمن منا يقدر على عذاب جنهم، يقول الله -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التَّحْرِيمِ: 6].
أيها الآباء، أيتها الأمهات، أيها المربون: إذا وقفتم بين يدي الله يوم القيامة للحساب، واعتذرتم لربكم أنكم لم تقدروا على السيطرة على أبنائكم هل سيقبل الله عذركم؟! أم أن عذركم هذا سيهزأ منه أصحاب الحجا والعقول.
أيها المسلمون: حرِّرُوا الأبناءَ والبناتِ والنساءَ من الميوعة والركض وراء الشهوات، أخرجوهم من ضعف النفوس، نريد شبابًا رجالًا ونساء مؤمنات، قانتات طائعات صالحات، لا نريد كثرة فاسدة، وقلة صالحة، التفتوا إلى ماضيكم، واصنعوا على غراره حاضركم ومستقبلكم، واتعظوا بقول القائل:
وإذا فاتكَ التفاتٌ إلى الماضي *** فَقَدْ غابَ عنكَ وجهُ التأسِّي
يا عبادَ اللهِ: أَلزِمُوا أولادَكم في تربيتكم لهم الجانبَ الدينيَّ والخُلقيَّ، واعلموا أن القرآن الكريم وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو منهاجكم الذي يجب أن تربوا عليه المرابطين في بَيْت الْمَقدسِ، فبغيره لن يقر لكم قرار على أرضكم المقدَّسة، وبدونه سوف تفقدون رباطكم في المسجد الأقصى، وهذا هو الميراث الذي يجب أن تورثوه لأبنائنا في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه.
أيها المسلمون: ولا يصلح أبناؤكم إلا إذا كنتُم صالحين في أنفسكم، مصلحين لمن تحت أياديكم، وهذا هو أساس الرباط في المسجد الأقصى، للصالحين المؤمنين المرابطين؛ فالأب الصالح يُوَرِّثُ قدسَنا وأقصانا الولدَ الصالحَ، هذا عمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة وخطب الناس وذهب ليقيل؛ يعني لينام عند الظهيرة، أتاه ابنه عبد الملك فقال له: ما تصنع؟ قال: أقيل لأني سهرت البارحة. قال له ابنه: أتقيل ولا ترد المظالم؟ قال عمر: إذا صليت الظهر رددتها، فقال له ابنه: من أين لك أن تعيش إلى الظهر؟ فقبله وقال: الحمد لله الذي أخرج من ظهري من يعينني على ديني. فمن منا وصل إلى هذه المرحلة وقال: الحمد لله الذي أخرج من ظهري من يعينني على ديني ورباطي في بَيْت الْمَقدسِ، من منا لا يغيب عن قلبه وفكره أنَّه لن يأخذ معه إلى قبره إلا عمله من الإيمان والرباط والعمل الصالح.
أيها المرابطون: والأصل في المرأة المسلمة أن تكون في بيتها، تصنع الرجال، وتعلمهم حب الله وحب رسوله، والولاء لهما، ولجماعة المؤمنين، وتربيهم على حب القدس والأقصى، وهذا كله تفقده المرأة إذا كان همها الوظيفة وجمع المال، وهذا أول خراب للأسرة المسلمة المرابطة في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه.
فيا مسلمون: أصلِحوا أُسرَكم التي يريد عدوكم تخريبها، ولا صلاح للأسرة إلا إذا صلح أساسها، والمرأة أساس هذا الإصلاح، فاتقي الله يا امرأة في زوجك وأولادك وأهلك.
وأنت أيها الأب، أنت أيها الزوج، أنت أيتها الأم، أيها المعلم، أيتها المعلمة: مثلكم مثل قائد الكتيبة في الجيش؛ انهزامكم انهزام للمرابطين، وعطاؤكم عطاء للمرابطين، وثباتكم ثبات للمرابطين، أنتم تبنون ما يهدم عدوكم، أنتم تصنعون الجيل الذي نعقد عليه آمالنا، أنتم تخرجون لنا الشخصيَّات الإسلاميَّة، فابنوها على دين الإسلام، ولغته وتاريخه، وعلى قدر منزلتكم وقيمتكم تكون مسؤوليتكم التي هي مسؤوليَّة الرسل قبكم؛ بإخراج الجيل من ظلمات الاستخراب لقلوبهم وعقولهم وجوارحهم.
أيتها المرأة المسلمة: بدل أن تزاحمي الرجال في الأسواق، وعلى مواقع التواصُل الاجتماعيّ، زاحميهم في العِلم والدين، وفي رباطهم لتكوني صاحبة رسالة يذكرك من يأتي بعدك من الأجيال، كما ذكرت عائشة وأسماء، وسمية وغيرهن.
أيها المؤمنون: ها أنتم ترون الانحلال من قِيَم الدين والفوضى الفكريَّة والفساد في الأخلاق والسلوك، فهل هذه حياة الإنسان المسلم الذي كرمه الله -تعالى-؟! متى ننشئ الجيل الصالح الذي يعرف وظيفته في الحياة ويقوم بها خير قيام؟! كما قام بها السلف الصالح قبلنا، لماذا لا نعمل بقول القائل: "إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"؟! ألم يقل ربنا: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً)[الْأَنْفَالِ: 25]، فهل عملنا بهذه الآية وجعلناها واقعًا معاشا في حياتنا اليوميَّة؟! ألا تشعرون يا عباد الله أن هذا الشر وهذه الخطة تكبر فينا رويدًا رويدًا، وأن خطرها يشملكم جميعًا؟! لقد قالوا في الأمثال قديمًا: "أطفئ النار في دار جارك قبل أن تصل إلى دارك"، فلماذا نرى النار في دور جيراننا وحولنا ولا نحرك ساكنًا لإخمادها وإطفائها؟! هل نحن فعلًا من محمد -صلى الله عليه وسلم- التي قال الله فيها: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)[آلِ عِمْرَانَ: 110]، فهلا أمرنا بالمعروف، وهلا نهينا عن المنكَرات؟!
فيا أيها المؤمنون: استأنِفوا حياة الكرامة والعزة بالأخذ بدينكم فهو الدين الذي لا يقبل الله من العباد غيره، والزموا تاريخكم وروايته المعتبرة؛ فما عداه من تاريخ يصنعه عدوكم هو تاريخ مزيف ومكذوب ومضلل، ولا تتنازلوا عن لغتكم، لغة القرآن، لا تتحدثوا بينكم بغيرها؛ حتى تحافظوا على رباطكم، ووجودكم في القدس وأكنافها التي أنتم أهلها وناسها.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: نحن بجيلنا نرتقي وننهض إن أحسنَّا تربيتَه بلغتنا وديننا وتاريخنا، وبهذه الثلاثة يمكن أن نبني حصنًا أمام الكفار وخططتهم.
وأنتم يا أبناءنا، يا أيها الفتيان، والفتيات: اعملوا بقول الله -تعالى-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ)[الْبَقَرَةِ: 282]، واجتنبوا المعاصي، واجتنبوا تقليد الكفار في لبسهم وقصات شعرهم وحركاتهم ومجونهم؛ لأنَّها كلها تغضب الله، وتمنع نزول رحمته عليكم، ولأنها تحجب عنكم نور العلم الذي هو من نور الله، قال الشافعي:
شكوتُ إلى وَكِيعٍ سوءَ فَهْمِي *** فَأَرْشَدَنِي إلى تركِ المعاصي
وأَخبَرَنِي بأنَّ العِلْمَ نورٌ *** ونُورُ اللهِ لا يُهدى لعاصي
يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه: تعوَّدوا الخير واعملوا به، واحذروا الشر ولا تقربوه، وألقوا العشائرية وراء ظهوركم؛ فإنَّها جاهلية منتنة، ولا تظهروا العنترة على أبناء شعبكم، فذاك جبن ونذالة، واجعلوا هممكم ترنو إلى العلياء، لا تجعلوا الطعام والشراب همكم؛ فالحياة لا تقوم عليهما فقط؛ لأجسامكم عليكم حق، ولأرواحكم عليكم حق، ولقلوبكم وعقولكم عليكم حق، ولدينكم عليكم حق، ولأقصاكم عليكم حق؛ فأدوا هذا الحق كاملًا، وأعلنوا عداوتكم للشيطان وحاربوه، وحاذروا الفتن وأهلها، ولا تنساقوا وراءها؛ فإن المسلم الحق هو الذي يعتز بالإسلام؛ لأنَّه لا عزة لغيره، كما قال عمر -رضي الله عنه-: "إن الله أعزنا بالإسلام فمن طلب العز بغير الإسلام أذله الله".
فاللهمَّ جنِّبْنَا الفتنَ ما ظهر منها وما بطن، وأتمم لنا البشارة بالنصر والسناء والرفعة والتمكين، واجعلنا من عبادك الصالحين المصلحين.
عبادَ اللهِ: استغفِروا الله وتوبوا إليه، وادعوه وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، وصفيه وخليله، بلغ رسالة ربه، وأدى أمانته ونصح أمته، صلى الله عليه، وعلى آله الطاهرين، وعلى أصحابها الغر الميامين، وعلى سائر المسلمين العاملين لهذا الدين إلى يوم القيامة.
أمَّا بعدُ، أيها المؤمنون: لا عزة لنا إلا إذا توجهنا حيث وجهنا الإسلام، وعملنا بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به".
يا عبادَ اللهِ: المسلم الذي نريده في الأرض المقدَّسة، هو الذي يحتفظ بشخصيته الإسلاميَّة كما صنَعَها الإسلامُ، وكما تربى عليها من خلال هدي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، نريد في بَيْت الْمَقدسِ وأكنافه المسلمَ الذي يُحِبّ في الله، ويُبغِضُ في الله، نريد المرابط الذي يؤمن أن رسالته في الحياة إقامة حكم الله في الأرض، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وعبادة الله -تعالى- في كل أحواله؛ بالصبر والشكر، وأن الحلال ما أحله الله، وأن الحرام ما حرمه الله، خطب عمر بن عبد العزيز يومًا فقال: "فما أحل الله على لسان نبيه فهو حلال إلى يوم القيامة، وما حرم الله على لسان نبيه فهو حرام إلى يوم القيامة؛ ألا لا سلامة لامرئ في خلاف السنة، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
يا مؤمنون: احذروا الغُلُوَّ في زينة الحياة الدنيا من الأموال والبنين، فلا ينسيكم حب الولد والمال رسالتكم في القدس والمسجد الأقصى وفي الرباط، وفي المحافظة على حقوق الناس، واجتناب الحرمات، والتعدي عليها، لا تجعلوا أموالكم وأولادكم وسائل للبغي والفساد والعدوان، واعملوا -رحمكم الله- أن الله اختصكم بالرباط في المسجد الأقصى وما حوله، فاشكروا ربكم على هذه النعمة بلزوم الطاعات، والأعمال الصالحات، ومنها الوقوف إلى جانب أهالي الأسرى، وبشد الرحال إلى الأقصى والمسرى، فالأقصى أقصاكم، والمسرى مسراكم، والله وليكم ومولاكم؛ فاللهمَّ حرر أقصانا، وارفع الظلم عن مسرانا، وارفع الحصار عن المحاصرين، وفرج كربات المكروبين، وانصرنا على القوم الكافرين.
اللهُمَّ ارزقنا أخلاق المرابطين والثبات على الحق والدين، اللهُمَّ اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات