دروس من مدرسة الصيام

بندر بليلة

2024-03-16 - 1445/09/06
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/بعض فضائل رمضان وبركاته 2/دروس وعظات من مدرسة الصيام 3/خسران من لم يستفد من رمضان

اقتباس

مِن أعظمِ ما يُفيده الصائمُ من مدرسة الصومِ تحقيقُ الإخلاصِ لله -تعالى-، وتعميقُ مراقبتِه -سبحانه-، فالصومُ عبادةٌ خفيةٌ لا يطَّلِع عليه إلَّا اللهُ -تعالى-، فيَسْري أثرُه إلى نفسِ الصائمِ وأحوالِه وأيامِه...

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله، الحمد لله مستحِقّ الحمدِ، ومستوجِب العبادةِ، المتابِع لأهل طاعته عونَه وإمدادَه، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، شهادةَ مخلِص له بالوحدانية حقَّ الشهادة، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، بعثَه على حين فترةٍ من الرسل، فهدى به عبادَه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، ومن اقتفى أثرَه واتَّبَع رشادَه.

 

أما بعد: فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله، فالتقوى سبيل السعادة، ودليل السيادة؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)[التَّوْبَةِ: 119].

 

أيها المسلمون: هذا شهرُ رمضانَ قد عَمَّنا سَناهُ الوضَّاحُ، وعَبَقُهُ الفوَّاحُ، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا دخَلَ رمضانُ فُتِّحَتْ أبوابُ الجَنَّةِ، وغُلِّقَتْ أبوابُ النار، وسُلسِلَتِ الشياطينُ"(أخرجه البخاري ومسلم).

 

يأتي رمضانُ على الناس ولابُدَّ لهم منه، ولا غِنَى لأرواحهم عنه؛ ليُجريَ روافدَ الخيرِ في قلوبِهم، ويُوقِظَ ما غفَا من أحاسيسِ البِرِّ في نفوسهم، ويَستَحِثَّ ما رَقَد مِنْ دَواعِي الاتصالِ باللهِ في أذهانِهم، ويُعيدَ فِطَرَهُم إلى ما فُطِرَتْ عليه من الطُّهْرِ والزَّكاء.

 

رمضانُ رياضةٌ للنفس بالتجرُّد عَنْ شهواتِها، وسمُوٌّ بالروحِ إلى السماءِ، وتقريبٌ لِمَا بَعُدَ بينَ الموسِرِ والفقيرِ بالرأفةِ والشفقةِ. عباد الله: ورأسُ الأعمالِ في رمضانَ الصيامُ، قال الحقُّ -سبحانه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 183]، والثمرةُ الأولى منه حصولُ التقوى للصائم، وكفى بها مِنْ ثمرةٍ، وإنِّما نالَها الصائمُ لِمَا للصومِ عليه من أثرٍ في قمعِ شهوتِه، وانكسارِ نفسِه، واضمحلالِ هَوَاهُ، وبُعْدِه عن الأَشَرِ والبَطَرِ.

 

ولقد أعلَى اللهُ شأنَ الصيامِ، وجعَل أجرَه وافرًا جزيلًا؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "كلُّ عملِ ابنِ آدمَ يُضاعَفُ، الحسنةُ عشرُ أمثالِها إلى سبعِ مئةِ ضِعفٍ، قال اللهُ -عزَّ وجَلَّ-: إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به، يَدَعُ شهوتَه وطعامَه من أجلي"(أخرجه البخاري ومسلم).

 

وللصائمين بابٌ خاصٌّ يدخلون منه إلى الجنة، لا يدخُل منه أحدٌ سِواهم، عن سهلِ بنِ سعدٍ -رضي اللهُ عنه- قال: قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ في الجنةِ بابًا يُقالُ له الريانُ، يَدخُلُ منه الصائمونَ يومَ القيامةِ، لا يدخلُ منه أحدٌ غيرُهُم، فإذا دخلوا أُغلِقَ فلم يدخُل منه أحدٌ"(أخرجه البخاري ومسلم).

 

ومِن أعظمِ ما يُفيده الصائمُ من مدرسة الصومِ تحقيقُ الإخلاصِ لله -تعالى-، وتعميقُ مراقبتِه -سبحانه-، فالصومُ عبادةٌ خفيةٌ لا يطَّلِع عليه إلَّا اللهُ -تعالى-، فيَسْري أثرُه إلى نفسِ الصائمِ وأحوالِه وأيامِه.

 

وفي رمضان يتلى القرآن، وتتحرك به الشفاه آناء الليل والنهار، كيف لا؟ ورمضان شهر القرآن، وفيه أنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم-: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)[الْبَقَرَةِ: 185]، وكان عليه الصلاة والسلام "يلقى جبريل -عليه السلام- كل ليلة، فيدارسه القرآن"(أخرجه البخاري ومسلم).

 

ورمضان شهر قيام لله -تعالى-، وقد ضَمِنَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لمن قامه إيمانًا واحتسابًا أن تُغفَر ذنوبُه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه"(متفق عليه).

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيَّاكم بما فيه من الآي والذِّكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 الخطبة الثانية:

 

الحمد لله ذي الفضل والآلاء، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، المتفردُ بالعزِّ والكبرياء، والمَجْدِ والبقاءِ، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه خاتمُ الأنبياء، وسيدُ الأتقياء، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم البعث والجزاء.

 

أما بعد، فيا أيها المؤمنون: لقد تَفضَّل عليكم ربُّكُمْ في هذا الشهرِ بعظيمِ هِباتِه، وكريمِ عطاءاتِه، فمَن لم يَربَحْ في هذا الموسمِ الرابحِ ففي أي مَوْسَمٍ يَربح؟! ومَن قَعَدَ عن التزوُّدِ فيه من الخيرِ فمتى يُفلِحُ؟! ومَنْ لم يتُبْ إلى ربِّه فإلى كم يَتمادَى ومتَى يَصلُحُ؟ وفي الحديث: "رَغِمَ أنفُ رجلٍ دخَل عليه رمضانُ ثم انسَلَخَ قبلَ أن يُغفَرَ لَهَ"(أخرجه الإمامُ أحمدُ والترمذي).

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا على خيرة الله من خليقته، وأمينه على وحيه وشريعته، محمد بن عبد الله، رسول الله، فاللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الآل والصحب أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واحمِ حوزةَ الدينِ، وانصُرْ عبادَكَ المؤمنينَ، اللهُمَّ فرِّجْ همَّ المهمومينَ من المسلمينَ، ونَفِّسْ كربَ المكروبينَ، واقضِ الدَّيْنَ عن المدينينَ، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمينَ.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِحْ أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق والتوفيق والتسديد إمامَنا ووليَّ أمرِنا، اللهم وفِّقْه ووليَّ عهدِه لِمَا فيه صلاحُ البلادِ والعبادِ يا ربَّ العالمينَ، اللهم سَدِّدْ جُندَنا المرابطينَ على الحدود والثغور، اللهمَّ كُنْ لهم معينًا وظهيرًا، ومؤيِّدًا ونصيرًا.

 

اللهم تقبَّلْ منا الصيامَ والقيامَ، ومُنَّ علينا بالرضا والزلفى لديك، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

 

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-181]، وآخِرُ دَعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life